خبراء أمريكيون: لماذا استمرت «القاعدة» .. بعد ظهور «داعش»؟ (1)
الأربعاء 05/يوليو/2017 - 09:50 م
طباعة
اسم الكتاب: لماذا استمر تنظيم القاعدة بعد ظهور داعش؟
المؤلف: مجموعة باحثون وأكاديميون من الولايات المتحدة الأمريكية
دار النشر: معهد واشنطن لدراسة سياسات الشرق الأدنى
تاريخ النشر 30 يونيو 2017
نشر معهد واشنطن لدراسات سياسة الشرق الأدنى، كتابًا جديدًا بعنوان "لماذا استمر تنظيم القاعدة بعد ظهور داعش؟"، الكتاب هو نتاج ورش عمل بحثية لمجموعة من الباحثين والمتخصصين في السياسة الأمريكية والمهتمين بالجماعات الأصولية المتطرفة والأكاديميين، وأشرف عليه نيكولاس راميسون، مدير المعهد، و الباحث والمحرر "آران . واي . زيلين"، الكتاب يقع في 125 صفحة، وقامت بوابة الحركات الإسلامية بترجمة الفصل الأول منه والذي يحمل عنوان "القاعدة .. نظرة عامة"
لم تكن إدارة أوباما مهتمة بمحاربة الإرهاب على نطاق جغرافي واسع، وكان ذلك واضحا وجليا خلال السنوات الثمانية التي أدار فيها أوباما قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انصب اهتمام أوباما في تحديد رؤوس الإرهاب ومحاربتها في نطاقها الجغرافي بشن عمليات محدودة مركزة على تنظيم القاعدة في أماكن تمركزه ومعاقله في باكستان وأفغانستان، بدلا من إرسال قوات وكتائب إلى العراق، وكانت فلسفته هو شل حركة التنظيم من التمدد وهو ما قاله في إحدى خطاباته بالنص: "هدف هذه العمليات هو تعطيل وتفكيك وهزيمة تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان، هي سياسة وقائية لمنع أي تهديد يوجه للولايات المتحدة أو أي من حلفاءها في المستقبل".
وتشير الدراسة إلى أدوات أوباما المفضلة في حربه على تنظيم القاعدة كانت مغايرة تماما لأدوات سلفه جورج بوش الابن، حيث سعت إدارة أوباما في حملته المناهضة لتنظيم القاعدة هجمات الطائرات بدون طيار، واستخدام أفراد قوات العمليات الخاصة (الكوماندوز).
وكان حدود مسرح العمليات الرئيسي في البداية هو (أفغانستان – باكستان)، ثم توسعت لاحقا لساحات أخرى مثل اليمن والصومال وليبيا وسوريا، وهذا النهج والرؤية ضمن لأوباما النجاح الكافي في قتل واعتقال العديد من قادة تنظيم القاعدة، النجاح الذي تكلل في الثاني من مايو 2011، عندما قام فريق من وات الكوماندوز بالكشف عن مخبأ أسامة بن لادن الآمن في مقاطعة أبوت أباد، بشمال شرق باكستان، في ذلك الوقت، قال أوباما: "إن وفاة بن لادن يمثل أكبر إنجاز في جهود أمتنا لهزيمة القاعدة حتى الآن".
ولكن هذا لم يمنع التنظيم من الاستفادة من الحراك الثوري الذي اجتاح الدول العربية في كل من (مصر – تونس – ليبيا – سوريا)، فيما عُرِفَ بما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي"، هذه الثورات أثبتت للتنظيمات الجهادية أن تغيير نظم الحكم الديكتاتورية لا يشترط بالضرورة استخدام العنف.
لم تفوّت القاعدة فرصة التراخي الأمني الذي أعقب سقوط أنظمة هذه الدول، ورأت أن الأحداث تتيح لها فرص تجنيد وتوظيف مقاتلين ضمن صفوفها، في دول أتاحت مساحتها المترامية أن بتكوين خلايا للتنظيم، وفي بلد مثل ليبيا مثلاً "ضمنت لنفسها ملاذات آمنة"، أما في العراق فكان الوضع مختلف تماما، الأمور هناك بدأت أبكر قليلا، حيث كان أبو مصعب الزرقاوي قد أوجد شعبية للتنظيم منذ حرب الولايات المتحدة على العراق عام 2003 وحتى بعد موت الزرقاوي في 2006، ليتجذر التنظيم، وينتشر شعبويا من خلال البرنامج الديني الذي روج له الزرقاوي من خلال الخطب في المساجد.
ولكن وقبل اندلاع الثورات الشعبية في 2011، بعام أو عامين كان التنظيم يستخدم الانترنت كأداة لنشر أفكاره وقام بتدشين حملة إعلامية جهادية عبر الانترنت، لتتطور آليات التنظيم وتتمحور مع المتطلبات الجديدة التي تفرضها ظروف المشهد من ناحية، في ظل تطور آليات وسائل الاتصال وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، الأمر الذي لم تدركه إدارة أوباما في بداية الأمر، وظلت تنظر للتنظيم من خلال منظور ضيق وهو شكل التنظيم منذ أحداث 11 سبتمبر، بدلا من النظر إلى شكله بعد الثورات العربية، الخطأ الذي وقع فيه بعض مستشاري أوباما يذهب في اعتقاده بأن تنظيم القاعدة أصبح مشلولا، مبتور الأذرع وأنه مات إكلينيكيا، الاتجاه الذي ساد في إدارة أوباما خاصة في ظل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والذي انتشر بسرعة كبيرة واستقطب عدد كبير من المجاهدين سواء من مجاهدي القاعدة أو من أوروبا أو من الدول العربية لا سيما الدول التي شهدت ثورات لم تكتمل مثل سوريا، وليبيا.
في حقيقة الأمر كان توقيت الثورات العربية مثاليا تماما لينهض تنظيم القاعدة، ويعود مجددا ليطل برأسه، ويضع موطأ قدم له في ساحة الجهاد مرة أخرى، خاصة وأن الثورات أزاحت الأنظمة الديكتاتورية التي طالما أرادات التنظيمات الجهادية من التخلص منها، استطاعت القاعدة من تجنيد وتكوين خلايا لها في تونس مثلا في "كتيبة عقبة بن نافع" وجماعة أنصار الشريعة، الجماعة الأخيرة كان لها امتدادا في كل من ليبيا ومصر، وكانا يحملان نفس الاسم، أما في سوريا فكانت "جبهة النصرة"، إلى جانب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تنظيم "بوكو حرام"، وأيضا تواجد التنظيم في شمال مالي.
في الوقت الذي كانت فيه الحرب الأهلية في سوريا بمثابة "المغناطيس"، للمقاتلين الأجانب، لتقوم القاعدة بتجنيد أعضاء جدد لقواعدها للعمل تحت قيادة مقاتلوها القدامى، والذي عاد أغلبهم إلى دولهم، مع استمرار حملتها الدعائية، والتي ركزّت على نقل "جنة الإسلام" من أفغانستان إلى بلاد الشام.
على الرغم من الانتقال الجغرافي الذي انتقلت به القاعدة لمنطقة مختلفة، ظلت إدارة أوباما تستهدف القاعدة في منطقة أفغانستان وباكستان، والتي أطلقت عليها "قلب عمليات القاعدة"، واختذل أوباما وإدارته في أن موت القاعدة الفعلي كان يوم مقتل قائدها ومؤسسها أسامة بن لادن.
أيضا وجود القاعدة في منطقة (أفغانستان – باكستان)، أعمى أوباما عن صعود تنظيم دولة الخلافة الإسلامية المتزايد في العراق، بل المشكلة الحقيقية في اعتبار أوباما وإدارته للتنظيم الصاعد "داعش" على أنه لاعب نشء يحاول اللعب في دوري المحترفين، باستحواذه على المزيد من الأراضي.
النجاحات التي حققها تنظيم داعش على الأرض في العراق وسوريا، كانت بمثابة تحديًا حقيقيًا للتنظيم الأم "القاعدة"، خاصة وأن داعش استطاع من استقطاب أغلبية مجاهدي القاعدة الموجودين في تلك المنطقة، إلى جانب أن التنظيم الوليد لديه آلة إعلامية احترافية، كما استطاعت بالفعل تحقيق إحياء ما يسمى بـ "دولة الخلافة الإسلامية"، وتحقيق قانون الله على الأرض وتطبيق شريعة رسوله، الدولة التي طالما نادى بها "القاعدة" دون أن يحققها.
أيضا لاحق التنظيم "العجوز" عدد من الاخفاقات في مشروعاته التوسعية في تونس وليبيا ومصر، والتضييق على طموحات التنظيم ومحاصرته أيضًا، لعل أبرز هذه الاخفاقات هو قيام ثورة يونيو عام 2013، وعزل جماعة الإخوان الإرهابية، والتي وطدّت علاقاتها بأيمن الظواهري وبشكل كبير مع الجماعة، كذلك قيام اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الليبي بمحاربة الفصائل الإسلامية الجهادية كلها، سواء كانت قاعدة أو داعش، وبمساندة من الدولة المصرية.
على الرغم من كل الأحداث المتلاحقة لم يقم قادة التنظيمات مثل (شباب المجاهدين- جبهة النصرة – القاعدة في جزيرة العرب) بنقض مبايعة أيمن الظواهري، بل وبذكاء استطاعت القاعدة العمل في ظل كل تلك الأجواء والافلات من العقاب، لأن كان الاهتمام منصبا على تنظيم دولة الخلافة الإسلامية – داعش- الذي كان أكثر انتشارًا على الأرض، بل وصل التنظيم بأن يشكل التنظيم الجديد خطرًا حادقًا يتهدد الولايات المتحدة وحلفاؤها.
وقام التنظيم "العجوز" بتقديم نفسه شعبيًا للسكان المحليين على أن يكون أساسًا لحركات التمرد ضد كل من (تنظيم داعش / والحكومات أو النظم السياسية الحاكمة) عن طريق زرع جذور أعمق من أي وقت مضى، لتصبح فروع القاعدة بذلك في السنوات القليلة الماضية، تنظيما متكاملًا مع الجهات المحلية وأكثر إحكامًا مع حركات المتمرد.
على سبيل المثال:
- جهات التمرد الأمامية في اليمن التي اندمجت وتحالفت هي أنصار الشريعة وأبناء حضر موت / أبين ليشكلا بذلك جبهة القاعدة في جزيرة العرب.
- في سوريا تحالفت الفصائل الجهادية الصغيرة مع جبهة النصرة هناك ليشكلا "حركة تحرير الشام".
- في ليبيا تحالف أنصار الشريعة في درنة وبنغازي مع حركة شورى المجاهدين ليشكلا "مجلس شورى الثوار".
- أما في مالي وبالتحديد في مارس 2017 قام فرع التنظيم في مالي (القاعدة في المغرب العربي) بالتحالف مع الجهاديين المحليين لتشكل بلك جماعة "جماعة أنصار الإسلام والمسلمين.
لم تتوقف القاعدة على الخلايا البشرية وتوطيد قوة شبكاتها، وإنما قامت أيضا بتغييرات نوعية وجذرية في مناطق نفوذها، فمثلا قام التنظيم بنقل كثير من أدواته ومعداته من أفغانستان وباكستان إلى سوريا، كما قام بإنشاء قاعدة له في شبه الجزيرة الهندية، وذلك لتكون همزة الربط بين خلاياها الموجودة في الهند وبنغلاديش وماليزيا وإندونيسيا وميانمار ، خاصة وأن تنظيم داعش أصبح يخسر جزء كبير من الأراضي التي سيطر عليها بسبب ضربات قوات التحالف الدولي.
إذن المعادلة المطروحة الآن هي (انكماش في الرقعة الجغرافية لداعش / يقابلها امتداد بطيء مدروس لتنظيم القاعدة)، وكانت أقصى التقديرات للمراقبين أن ترفع القاعدة راية الجهاد العالمي مرة أخرى، وتزعمها للجهاد الإسلامي في مايو 2017 كأقصى تقدير.
رئيس الاستخبارات الأمريكي دان كوتس في تقرير له أمام مجلس الشيوخ قال: "لا يزال تنظيم القاعدة والتنظيمات الموالية له يمثلون تهديدًا بالغًا حتى خارج نطاق سيطرتها، بل أصبح أكثر خطرًا من ذي قبل لأنه يستطيع من استغلال الصراعات المحلية وتدويرها لصالحه".
الخلاصة:
استطاعت الورشة استخلاص عدة نتائج حول كيفية بقاء تنظيم القاعدة وتقوية جذوره على مدار السنوات الثمانية الماضية، وعلى الرغم من القوات الأمريكية تحت إدارة أوباما نجحت في استهداف وتصفية العديد من القيادات المؤثرة في التنظيم إن لم يكونوا قيادات الصف الأول للتنظيم من أمثال صالح الصومالي، أبو يحيى الليبي، مصطفى أبو يزيد، أبو عبيدة عبد الله المصري، ناصر الوحيشي، أبو فراس السوري، أبو أنس الليبي، صالح علي صالح نبهان، وغيرهم، سواء كانت بالتصفية الجسدية أو الاعتقال، القيادات التي ماتت وتم استهدافها على نطاق واسع من العمليات في أفغانستان والصومال، ومالي وليبيا، إلى جانب أفغانستان وباكستان.
1- انتقل ثقل التنظيم إلى سوريا بدلا من أفغانستان وباكستان، علاوة على تقوية أواصر التنظيم في كل من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، والقاعدة في جزيرة العرب ، وتعمقت العلاقات المتبادلة في مجال الاتصالات والاعلام والدعم اللوجيستي.
2- تم توفير الملاذات الآمنة، وانتقال القاعدة إلى ساحات حرب جديدة هي من وضعتها وفرضتها على الحرب القادمة معها.
3- تقوية استراتيجيتها الإعلامية والعمل مع المجتمعات المحلية، لبناء حركة أكثر جماهيرية.
4- استطاعت القاعدة من تجميل وجهها والظهور بمظهر الحركة الإسلامية المعتدلة، مستغلة نفور العامة من وحشية تنظيم داعش الدموي، من ناحية، ومن ناحية أخرى الحرب الاعلامية والكلامية بينها وبين داعش.
5- تنظيم القاعدة في الوقت الحالي لا يركز عملياته خارج نطاق نفوذه، كما لم يقم بشن أي عمليات إرهابية في أوروبا أو الولايات المتحدة، وإن لا تزال هذه هي الأهداف الكبرى له.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه وهو أنه بافتراض أنه في أفضل الحالات تم التخلص نهائيا من تنظيم داعش سيتبقى أمام مجاهديه إما الانضمام للتنظيم الجهادي الأقرب إليه – وهو القاعدة في هذه الأحوال – فهل سيستطيع التنظيم أن يسيطر على كل هذا الكم من المقاتلين وتوجيههم وفقا لرؤيته الجهادية؟