أحمد زايد وقراءة في الخطاب الديني من السياق إلى التلقي

الثلاثاء 03/يوليو/2018 - 06:45 ص
طباعة أحمد زايد وقراءة
 
يقوم الدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا بتقديم قراءة مهمة في كتاب (صوت الإمام ..الخطاب الديني من السياق إلى التلقي ) لمؤلفه الدكتور أحمد زايد استاذ الاجتماع والعميد السابق لكلية الآداب بجامعة القاهرة،  حيث يعالج أحمد زايد باقتدار شديد قضية تجديد الخطاب الديني من منظور سيسيولوجيا، موظفا كل منتجات العلوم الإنسانية من مفاهيم ومناهج لمعالجة قضيته عبر ثمانية فصول، ومحاولا أن يجيب عن تساؤلات مهمة، من بينها كيف يتشكل السياق المنتج للخطاب الديني، وكيف تتشكل النخب الدينية، وما دورها في صناعة الإطار الديني الأكثر هيمنة ؟ ولماذا يرتبط الخطاب الديني بالآخرة أكثر من ارتباطه بالدنيا، وكيف يتم تلقى الخطاب الديني من قبل الجمهور؟ أسئلة كثيرة وعميقة حاول الكتاب أن يجيب عنها؟ وفي البداية يرى أحمد زايد أن الخطاب الديني لا ينفصل عن سياق تخلقه ، ولكن ليس معنى ذلك أن السياق ينتج الخطاب ميكانيكيا ، كما أن الخطاب لاينفصل عن الذات التى أنتجته، ولا الذات التى تنقله ولا الذات التي تتلقاه، ولذا فالخطاب الديني متعدد ومعقد عبر الزمن، فالخطاب الديني هو جزء من نظام الهيمنة والضبط والرقابة، ولذلك فهو قد لاينشغل بقضية التنمية والتقدم قدر انشغاله بتثبيت الوضع القائم.
اسم الكتاب: صوت الإمام ..الخطاب الديني من السياق إلى التلقي
المؤلف: أحمد زيد
الناشر: دار العين للنشر 
وحسب الدكتور أحمد سالم فقد قام زايد في كتابه بما يعجز عنه المتخصصين في علوم الدين حين وظف نظريات العلم الإنساني في معالجة قضية تجديد الخطاب الدين، فعالج مشكلة علاقة الدين بالمجتمع، وكيف يحل المقدس في العالم، وما هو الدور المنوط به للدين في مسار حركة الاجتماعي، وكيف أن الدين يمنح الحياة معنى لممارسيه، وأن الحياة يجب أن تعاش من أجل هدف، ومدى أهمية دور الدين في تحقيق الوحدة بين البشر، وعلى الرغم من تراجع دور الدين في الحياة الحديثة في العالم الغربي فإن زايد قد عرض لدور الدين في تطور الرأسمالية، وبزوغ العالم الحديث، ودور البروتستانتية في ذلك، مستعينا بآراء ماكس فيبر، ويرى زايد أن هناك اتجاهات ترى أن الدين معيق للتنمية، وأن أنماط التدين تؤثر سلبا على عملية التنمية، ولكنه بالمقابل يرى أن ثمة اتجاه آخر يرى أن المعتقدات الدينية هي التي تحرك الناس إلى العمل، وأن التعاليم الروحية لاتنفصل عن الدفع الايجابى بالعمل المادى.
      وقد رأى هابرماس أن العقلانية والتكنولوجيا والنزعة العلمية كان لها تأثيرات سلبية على المعتقدات الدينية وعلى الممارسات التقليدية، ولكن الدولة لاتستطيع أن تحقق شرعيتها بعيدا عن الرابطة العقدية ، والأخلاقية، والدينية السابقة على وجود الدولة وبذلك تصبح الدولة في حاجة للدين قدر حاجتها إلى العلمانية، ولذا يعيد هابرماس للدين وجوده في المجال العام .
         ويسعى زايد إلى بيان كيف يبنى التعليم الديني المنصات الخطابية، فالتعليم الديني يسعى كوعاء لتكوين ناقلي الخطاب الديني وحماته، كما أنه يسعى إلى توجيه التعليم الديني في وجهة تتفق والإطار الديني المسيطر في فهم النصوص الدينية ، فيرى زايد أن ماليزيا نجحت في ربط التعليم الديني بأهداف التنمية حيث أن التجربة الماليزية قدمت نموذجاً يقوم على التوفيق بين القيم الرأسمالية والتوجهات الدينية، في حين سعت تونس إلى تقييد التعليم الديني، واتجهت باكستان إلى التوسع في التعليم الديني، وليس معنى ذلك وجود علاقة بين الإرهاب وانتشار التعليم الديني هناك .  وفي مصر رأى زايد أن التعليم الديني لا يتجاوز 12% في مرحلة ما قبل الجامعة على الرغم من التوسع في التعليم الديني، وأن جامعة الأزهر بها تسعة وخمسون كلية معظمها مركز في القاهرة، ومعظم الكليات كليات شرعية ودينية، ويلاحظ زايد كثافة إقبال الإناث على التعليم الأزهري، ويرى زايد أن هناك منصات خطابية أخرى تسهم في التعليم الديني في المنازل، ووسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي .
        ويبرز زايد في دراسته أهم سمات النخب الدينية القائمة على الخطاب الديني في أنها تتسم بالتعدد، وأنها توظف ثقافة الاستهلاك، مثل توظيف القنوات والأشرطة  ووسائل التواصل الاجتماعي، وتوظيف كل الأوعية الاتصالية، كما اندمجت النخب الدينية داخل ثقافة الإستهلاك فتحولوا إلى نجوم إعلامية، وصارت النخب الدينية  هما الأكثر سيطرة على عملية الإنتاج الثقافي فخطابها هو الأكثر تأثيرا، وهذه النخب هي جزء من الطبقة الوسطى، وأصبح لهؤلاء الدعاة طلة جسدية كجزء من الرأسمال الثقافي والرمزي لهذه الطبقة .
         وقد سعت تلك النخب إلى بناء حقل دينى لنفسها هو الحقل المهيمن الذى تدور في فلكه كافة الحقول ، ولايمكن تجاهله بحيث يصير الحقل الديني حقل ضبط ومراقبة وتحكم، وهنا لعب رجال الدين دورا بارزا في تبرير السلطة السياسية والدفاع عنها .
ولا يميل الإطار الديني المسيطر أن يكون أكثر تنوعا، وأكثر تكيفا مع مستجدات العصر، وأكثر قبولا للأخر، بل يميل أن يكون أكثر تشددا وأكثر ميلا إلى الاستبعاد، ويوسع دائرة التحريم والفتوى. وذلك من أجل توسيع دائرة التحكم والسيطرة. وقد صارت الفتوى هي أداة المراقبة، والتي يستعين بها الحقل الديني في تسييج ذاته، واكتساب حصانة عبر الزمن. ولكن فوضى الفتوى تؤدى قد أدت إلى حالة من الشلل الاجتماعي، أو حالة من التوقف وعدم القدرة على المبادأة، وخوف من الفعل.
    ويرى زايد  أن الدين يلعب دورا محوريا في تشكيل الهوية من خلال حضور الدين في الحياة العامة ، والخاصة ، فلم تنزع التغيرات الحديثة الدين من الحياة ، ولم ترفعه من المجال العام وتنزله إلى المجال الشخصي، بل ظل حاضرا في كل المستويات في الحياة السياسية، وفي الخطب السياسي، ولم يبعد الدين حتى عن المشاركة في الحكم، وفي تسيير أمور المجتمع، ولذلك أصبح الدين أحد المقومات الأساسية في تشكيل هوية المجتمع.
        وعمد زايد من خلال فصلين في كتابه- الخامس والسادس-  إلى تحليل الخطاب الديني فرأى زايد أن الخطاب الديني السائد له توجه أخروى وماضوى ، ويرى زايد أن نسبة 77% من الخطب الدينية لها توجه أخرووى حيث تنصب على قضايا العلاقة مع الله ، والدار الآخرة ، والعبادات الأحكام والفتاوى، والقرآن والنبي وصفاته،  في حين أن التوجه الدنيوى لتلك الخطب لايتجاوز 23%حيث تشمل موضوعات دينية وسياسية واجتماعية ، مثل الحقوق 23%، والعلاقة بالنفس والآخرين، والقيم والمثل العليا 47%، وقضايا علمية عامة، ولاتجاه نحو المستقبل هو الاتجاه الغائب في الخطاب الديني، لأن تخلف الحاضر يرجع إلى أن الأمة انحرفت في عقيدتها وفي تعبدها وفي أخلاقها . 
      ويرى زايد أنه يلاحظ على الخطاب الديني مجموعة من النقاط أهمها النخبوية ومجافاة التلقى : فيبدو الخطاب كأنه هابط من أعلى بشكل دائم أو من يمتلكه كأنهم نخبة مختارة ، ولذلك فإن الثقل النخبوي في الخطاب يحوله إلى أن يكون خطابا صادرا من كهنوت مستحدث في عالم التدين المعاصر، وأعنى بذلك وجود فئة ممن يطلقون عليهم الدعاة أو رجال الدين ينصبون أنفسهم سدنة للمعرفة بالدين ، وخباياه الغامضة التى لايستطيع أحد أن يفك رموزها .
     ويسطر على الخطاب الديني جدل الاستحواذ والاستبعاد، حيث يشيير الإمام دائما إلى الثوابت الدينية وهي القرآن والسنة، وما طرح حولهما من اجماع الصحابة، واجماع السلف، وبالمقابل يؤكد الإمام حرمة البدع، ويهيل التراب في وجه المخالفين والضالين، فمن يخرج عن الثوابت فهو خارج عن الملة، ويتم النظر إلى العالم الذى ينتج الخطاب على أنه العالم الأنقى والأقرب للإيمان في مقابل العالم الذى يلقى عليه الخطاب وهو عالم يميل إلى الابتعاد عن الدين. ولذ يميل الخطاب إلى اضفاء طابع القداسة على ذاته، فيكرس ابتعاده عن الدنيوى الذى أصابه الدنس .
   ويدين زايد الخطاب الديني الحالي بما يكرسه من تأسيس الخوف، حيث نجد الخطاب الديني يزخر بعبارات الزجر والتحريم من ناحية، والحديث عن عذاب القبر وظلمته من ناحية ثانية، ومحاولة تصوير أحوال العباد على أنها سيئة، وأن البشر عليهم أن يبذلوا جهدا ايمانياً كبيرا لكى يصلوا إلى حالة من الإطمئنان من ناحية ثالثة، وكل ذلك يعمل أن يصبح الخوف لصيقاً بقلب المؤمن وعقله.
  ويرى زايد أن الخطاب الديني يقيم علاقة متوترة مع الآخر، حيث يقوم بنقد حال المسلمين ، ونقد عقل الغرب وانجازاته ، فحاضر المسلمين يبعث على الأسى والحزن، ويكشف عن نزوع نحو الغفلة والجاهلية، ومن ناحية أخرى فإن الآخر المتمثل في الحضارة الغربية لا يعبر إلا عن انجازات فارغة وأفكار متهافته وعقل ضال .
        كما يعبر الخطاب الديني عن ذات قلقة، فيكشف عن شقاء للوعى الديني مشتق بين التاريخ والواقع المعاصر بمافيه الآخر المختلف ، تتنازع الوعى هذه المكونات الثلاثة (الواقع المتردى – الآخر المهيمن – التاريخ الضائع ) فيصير وعياً شقياً باحثاً عن أمن وأمان ، وهو ماينتج ذاتا قلقة .
   ويرى زايد أن الخطاب الديني يمكن أن يبث رسائل تحث الأفراد والجماعات على تحقيق نهوض اجتماعي واقتصادي ، وهي قيم العمل والقيم السياسية كالعدالة والحرية والانتماء والمشاركة والمواطنة، وقيم اجتماعية  كقيم الاحترام وحسن التعامل ويليها التكامل، والحب والصداقة والتسامح، ثم القيم الشخصية مثل محاسبة النفس، وحسن الخلق، والتفاؤل والأمل، والصدق والأمانة . 
    ويصل زايد من خلال تحليله للقيم السابقة إلى أن الحديث عن قيم التقدم والتنمية في الخطاب الديني هو حديث قليل ولا نقول ضعيف، وهو يختلط بالخطاب الديني الخالص ، واذا فإن عملية اشتقاق القيم من الخطاب الديني هي عملية صعبة، وتأتى مرتبطة بالنزعة الدينية والأخروية والماضوية. لأن الخطاب لا يشكل الحاضر فيه أهمية كبيرة الا بقدر علاقته بالماضي .
       كما يفتقد الخطاب الديني إلى قصدية في تناول أمور الدنيا، فالتناول يأتى على نحو غير مباشر، كما أن سياق التناول ووجهته يرمي إلى تأكيد الإيمان، والتمييز بين الحلال والحرام، والاقتداء بالكتاب والسنة، والاقتداء بالسلف الصالح. كما يميل الخطاب الديني إلى عدم الاهتمام بالقضايا الكبرى، ويهتم بالقضايا الصغرى، فالحديث عن الظلم وفقدان العدل لاينصرف إلى نقد النظم الفاسدة أو نقد سلوكيات كبرى غير عادلة من اتخاذ الواسطة والمحسوبية في تحقيق الهدف، ونجد الإمام يتحدث عن أمور بسيطة مثل الإيذاء الذى يتعرض له الناس من تدخين السجائر أو عوادم السيارات، والحسد والحقد والكراهية.
        يختص الخطاب في رسالته مجتمع المسلمين، ولايلتفت إلى أن هذا المجتمع يضم من يدينون بدين آخر، كما يسعى الخطاب إلى تجسيد مفهوم الأخوة كأنه عقيدة راسخة تستمر عبر التاريخ، ويبرز الخطاب أن العالم لا يحتاج قيم جديدة فقط، ولكنه يحتاج إلى أن يهدم رأسا على عقب لأنه عالم للرذيلة، ويتربع الشر بين جنباته كما أن الخطاب الديني كان انتقائيا فركز على مجموعة من القيم وتجاهل تماما الحديث عن قيم أخرى مثل المواطنة وغيرها من القيمة الرئيسية .
       وتناول زايد في كتابه  آفاق تلقى الخطاب الديني، لأن التلقي هو حصيلة للتفاعل بين العمل أو النص، وبين فعل الفهم أو الاستيعاب، فالمعنى كامن في النص وفعل الفهم القادم من اتجاه المتلقي هو الذى يشكل المعنى، وتقوم عملية التلقى على التفاعل بين النص والمتلقي، حيث يحاول المتلقي أن يكشف مافيه من معاني ودلالات، ولذا يرى زايد أن الخطاب الديني يدخل أثناء نزوله إلى المتلقين وفي عملية تأويلية متعددة الأبعاد لا تسير في خط واحد بين أفق انتاج الخطاب ومتلقيه، ولكنها تسير في خطوط مختلفة تتباين بتباين العديد من العوامل التى يتم فيها تلقى الخطاب.
        والخطاب الديني ليس كله شفاهيا لأن هناك نصوص موجودة في شكل كتب ومقالات وهناك عظات وخطب دينية تلقى عبر شاشات التلفزيون، وقد أكدت دراسة حديثة أولوية التلفاز على المسجد في تلقى الخطب كان التلفاز 35 %مقابل المسجد26%وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي 7%. ومن أى جهة صدر الخطاب الديني فإنه يبث من سلطة عليا تؤكد على أنها الأعرف والأكثر قدرة على الفهم، كل ذلك يخلق علاقة يبدو فيها المتلقى وكأنه مسيطر عليه وكل ماعليه فعله أن يستمع ويعمل بمايسمع، ولكن المتلقى ليس بهذه البساطة لأن الصمت الذى يصاحب عملية التلقى المباشر مايلبث أن يتحول إلى موقف واضح يعبر فيه الناس على رأيهم فيما استمعوا إليه نقدا وشجبا واعجبا وتأويلا.ولذلك فالمتلقين يختلفون حول قبول الخطاب الديني عند المتلقين، كما أن الخطاب الذى ينزل من أعلى متسقاً وهادفاً إلى تحقيق قصدية معينة يتفرق عند المتلقين إلى معانى مختلفة وصور ذهنية مختلفة. حيث نجد أن هناك نزوع نقدى لدى الشباب في تلقي الخطاب الديني ويميلون إلى الدعاة الجدد، في حين أن الكبار لايميلون إلى الدعاة الجدد ولكن إلى كبار الدعاة القدماء كالشيخ كشك، والشعراوى، عطية صقر كما يميل الكبار إلى إكمال معرفتهم الدينية من مصادر أخرى غير الوعظ الذى يسمعون إليه من خلال الكتب والصحف.
   وفي نهاية كتابه يشخص زايد الحالة الراهنة للخطاب الديني والآفاق المستقبلية له، فيرى زايد أن محنة الخطاب الديني أنه يتشكل في إطار سياق خاص يتداخل فيه الديني بالسياسي ، بما يوجه الديني لخدمة مصالح السياسي وهذا يشى باستقلالية الديني عن السياسي والثقافي، كما أن الخطاب الديني يتشكل في فلك إطار فهم معين للدين، وهو الفهم المرتبط بالمنحنى السني التقليدي، ويبدو هذا الإطار هوالإطار المسيطر والمستمر عبر الزمن، ويعمل على استبعاد أى أطر أخرى .
     على الرغم من نفي البعض بأنه لا كهنوت في الإسلام فإن زايد يرى أن انتاج الخطاب يتم من خلال نخبة دعوية تحافظ على هيبتها بالاستمداد بأن الدعوة لها ولرجالها، والتمكن من اللغة والحفظ، وتجهيل المتلقى، كما يعمل الخطاب الديني على نوع من الترفع والوصاية من جانب النخب الدينية وهي تتربع على عرشها، وهو ما يكسبها سلطة وقدسية، وبهذه الطريقة تتحول عملية حراسة الإطار المسيطر إلى صناعة نوع من الكهنوت الديني، كما يعمل التعليم الديني على دعم الإطار السائد وعلى تمدده أفقيا عبر المنصات الخطابية المنتشرة في النوادي والمساجد وأماكن العمل.
       ويتم انتاج الخطاب الديني وتداوله عبر أدوات الثقافة الاستهلاكية في استخدام كل وسائل التكنولوجيا والتمسرح وصورة الجسد وحركاته، كما أن الخطاب الديني ينشغل بالحياة الأخرى بنسبة 77%في حين أن نسبة 23% ينشغل بالأمور الدنيوية، كما أن تناول قيم التنمية فيه جاء ضعيفا، كما يخلو الخطاب من التوجه نحو المستقبل في عوالم متجددة فإن النزعة الماضوية للخطاب الديني تجعله يتجه نحو الماضي لأنه في تصوره أفضل من الحاضر بكل ما فيه. ويرى الخطاب أن تخلف المسلمين نابع من تركهم لدينهم وبعدهم عنه.
        ويدعو زايد إلى ضرورة وجود أسس عامة لتجديد الخطاب الديني، وهي تفكيك التاريخ الإسلامي حتى نكشف عن جذور الإطار المسيطر في فهم الدين، وكذلك تفكيك النصوص الخطابية لبيان مدى تحيزاتها السياسية والاجتماعية، والكشف عن ميلها الأصولى المتطرف، ومن المهم تفكيك وظيفة الدين ونطاق تأثيره في الحياة، أي ضرورة تطوير الخطاب الديني على إطار من الفهم المحدد لدور الدين في الحياة من حيث علاقته بالدولة، وذلك من خلال تحديد علاقة الدين بمدنية الدولة، وذلك لأن طريقة تداول الدين في الحياة العامة وفي الحياة اليومية تدل على أنه لايستقل على نحو كامل، وكذلك تحديد علاقة الدين بالمجال العام، ذلك لأن علاقة الدين بالمجال الخاص أقرب، ومع ذلك فالدين له حضوره الطاغي في المجال العام، ولذا يدعو زايد إلى أن يكون تدخل الدين في المجال العام تدخلا رشيدا عقلانيا لا اختزاليا ولا استبعاديا.
   ويعتقد زايد أن الأسس العامة لتجديد الخطاب الديني لابد أن تنبع من تجديد العقل والثقافة لأنه إذا كان ثمة ضرورة لدمج الخطاب الديني في قضية التنمية والتقدم، فإن قضية التنمية والتقدم نفسها تحتاج إلى تجديد أو تحديث شامل للخطاب الثقافي والقيمي وتجديد العقل والثقافة يكون عبر:
1- المجال التعليمي : في تطوير المناهج بعيدا عن التعصب وضرورة العقلانية .
2- المجال الإعلامي: الحد من القنوات التى تحث على التطرف، وعدم استخدام الدين لتحقيق أرباح، واخراج الدين من عالم الاستهلاك، وعالم التجارة .
3- المجال الثقافي العام :ضرورة الاهتمام بالفنون والآداب ونشرها على نطاق واسع، وتنمية الوعى الجمالي .
    ويرى زايد أن ثمة سياسات لتجديد الخطاب الديني وأهمها:
 1- تطوير المحتوى: تطوير الرسائل الكامنة في الخطاب، بحيث يتجه الخطاب إلى دفع عجلة التنمية، وتخليق طاقة للعمل ولاتخاذ قيم العمل والمواطنة والمشاركة السياسية، ونشر خطب منبرية تعالج قضايا الحياة ونشر كتب عن التنمية والتقدم يوزع في المساجد.
2- تكوين الدعاة : ضرورة تطوير الدعاة لجعلهم أكثر انفتاحا في رؤية دور الدين في الحياة، أي دوره في تحقيق التقدم وبناء الحضارة، وعقد دورات تدريبية لهم 
3- ضرورة توحيد الرؤية، وتحييد المؤثرات الأخرى على المتلقين، وتحييد ثقافة البطالة، وتحييد تأثير المدرسين السلبى، ووسائل الإعلام والفضائيات.
4- دور المؤسسات ذات الصلة : تطوير دور وزارة الأوقاف ،والأزهر ودار الإفتاء، والكنيسة في تجديد الخطاب الديني من خلال تأكيد مبدأ حرية المؤمن في اختيار عقيدته، وتأكيد على بشرية رجال الدين وبشرية خطابهم، وتوجيه الفتوى في التعامل مع الأمور المستمدة من روح العصر. 
5- الحد من استخدام وسائل الاتصال الحديثة في المساجد عن طريق الاكتفاء بها داخل المساجد، وذلك احتراما للشعائر المقدسة.      
      إن كتاب زايد صوت الإمام يشكل دستورا مهما في معالجة قضية تجديد الفكر الديني، فليس في المكتبة العربية كتابا في هذه المجال قد أحاط شمولا في معالجة القضية مثل هذا الكتاب، حيث اهتم بكيفية تخلق الخطاب الديني عبر سياقه المؤسس، ودور التعليم الديني في تخلق هذا الخطاب عبر تأسيس الإطار الديني المهيمن الحاكم للكتاب، وعالج كيفية تشكل النخب الدينية وخطابها، ثم بتحليل مضمون لأهم القضايا التى يهتم بها الخطاب الديني الأخروية منها والدنيوية، ثم الاتجاه نحو طريق تلقى الجمهور لرسائل الخطاب الديني، ومدى تنوع فهم المتلقين، ثم انتهي زايد بتشخيص ملامح الأزمة في الخطاب الدين السائد، وكيف يمكن تأسيس لخطاب دينى جديد، وكيف يمكن الحفاظ على هذا الخطاب الجديد، ولذا فالكتاب هنا يكتسب أهميته من طبيعة قضيته التي هي محل اهتمام الجميع بمن فيهم صانعى القرار.      
    
     

شارك