قراءة بحثية تكشف عن تأثير الإرهاب واتجاهاته المعاصرة على ظاهرة العولمة
الأربعاء 25/أكتوبر/2017 - 02:23 م
طباعة
كشفت قراءة تحليلية عن تأثير ظاهرة الإرهاب واتجاهاته المعاصرة على ظاهرة العولمة و إن سيرورة العولمة أثرت إيجابياً على ظاهرة الإرهاب العالمي؛ بمعنى أنها ساهمت في زيادة الظاهرة اتساعاً وعمقاً بالشكل الذي نراه في حقبة العولمة المعاصرة، خاصة إذا علمنا أن العام 2014 م - على سبيل المثال - سجّل الاتجاه الأسوأ في تاريخ مؤشرات الإرهاب، حيث تعرضت (93) دولة في العالم (أي ما نسبته (57%) من دول العالم) للإرهاب
وقال سعود الشرفات مدير عام مركز شُرُفات لدراسة وبحوث العولمة والإرهاب بالمملكة الأردنية الهاشمية والذى يحمل درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم السياسية من هولندا ، وماجستير الاقتصاد السياسي الدولي وبكالوريوس الاقتصاد من جامعة اليرموك والباحث والمحلل اكاديمي متخصص في قضايا العولمة والإرهاب العالمي فى قراءته الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود إن سيرورة العولمة أثرت إيجابياً على ظاهرة الإرهاب العالمي؛ ويعتبر هذا أعلى معدل للعمليات الإرهابية خلال الـ(16) عاما الماضية، وراح ضحيتها ما مجموعة (32765) شخصاً. وهذا يعني أن أكثر من نصف دول العالم تعرض للإرهاب، ويعني كذلك المدى والنطاق الذي وصل إليه الإرهاب كظاهرة عولمية متخطية للحدود الوطنية.
وقد يبدو هذا الأمر مقبولاً، سواء انطباعيا أو بحثيا أكاديمياً، ولا يثير الكثير من الاستغراب والتشكيك؛ أمّا أن يقال بأن ظاهرة الإرهاب العالمي واتجاهاته المعاصرة ساهمت إيجابياً ايضاً في سيرورة العولمة، فهو فرضّيةٌ - قد - تثير الاستغراب - وربما - المفاجأة للبعض، وهو تحديداً ما قمنا بإثباته(أمبريقياً) كمّياً في دراسات سابقة لنا لقد تبين لنا بأن "معامل الارتباط" بين الإرهاب والعولمة (وقت إجراء الدراسة عام 2007) كان يساوي (56%)، وهو ما يثبت أن هناك ارتباطاً قوياً وعلاقة طردية بين الظاهرتين.
كما تبين لنا أن "معامل الانحدار" كان يساوي (6%) بمعنى أنه إذا زاد المؤشر العام للإرهاب بمقدار وحدة واحدة، فإن ذلك يؤثر على المؤشر العام للعولمة بمقدار 6% من الوحدة. وقد أشرنا إلى هذه النتيجة في أكثر من دراسة كما يحظى موضوع اتجاهات الإرهاب المعاصر بأهمية بالغة في النقاشات السائدة حالياً لتحليل الظاهرة، ويلاحظ بأن الدوائر الأمريكية، سواء الرسمية أو الأكاديمية البحثية من أكثر الجهات العالمية اهتماماً بهذا المجال، وقد اتخذ هذا الاهتمام بعداً أوسع وأكثر عمقاً بعد هجمات 2001 ضد أمريكا.
وتقوم وزارة الخارجية الأمريكية والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب (NCTC) بالتعاون مع بعض المؤسسات البحثية الخاصة برصد سنوي لأهم اتجاهات الإرهاب في أمريكا وفي العالم وتُعرّف اتجاهات الإرهاب بأنها (التغيرات الحاصلة في النوع، والعدد، وعنف الهجمات الإرهابية، وأساليب العمل، وإمكانيات الإرهابيين، والتجنيد، والتمويل، توجهات الجماعات الإرهابية، وتغيرات ذلك مع الزمن).
وهذا يعني إمكانية معرفة قدرة الشبكات الإرهابية على سبيل المثال، على تنفيذ هجوم وعمليات واسعة وهل تزيد هذه الإمكانيات أم تقل مع الزمن؟ وبأية طريقة تتغير هذه الإمكانيات؟ويمكن ان نستغل التحليل لهذه الاتجاهات للاستدلال على مدى ترابطها وتأثيرها على العولمة، وبخاصة أننا نستخدم هذه الاتجاهات مؤشرات على النشاطات الإرهابية. هذا، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن التعريفات الإجرائية المختلفة للإرهاب - المتعارضة أحيانا - تعطي نتائج مختلفة لدراسة الظاهرة، ومن ضمنها شكل الاتجاهات المرصودة وفحواها وعمقها.
ونبين فيما يلي أهم تلك الاتجاهات وعلاقتها بظاهرة العولمة ومؤشراتها، ونركز في هذه المقالة على أثر الإرهاب على العولمة السياسية على أمل العودة في مقالات ٍأخرى، لإكمال الحديث عن بقية مؤشرات العولمة.
1-التوسّع الكبير في الأدوار التي باتت تلعبها الأطراف الفاعلة من غير الدول (micro actors) مثل الجماعات والمنظمات الإرهابية، التي انتشرت بسبب مؤشرات العولمة التكنولوجية، وبخاصة المواصلات والاتصالات والإنترنت، إذ انتشرت أيديولوجيتها في الخارج، وبخاصة في أمريكا، وأوروبا، والمغرب العربيّ، وجنوب شرق آسيا، حيث أصبحت شبكات ذات استقلالية كبيرة، وخطرها الإرهابيّ مرتفع جداً مستقبلاً. ولعل أفضل مثال حاليا هو تنظيم داعش الذي يشن ضده الآن حرب ٌعالمية من قبل تحالف دولي عريض من الدول في العالم للقضاء عليه في سوريا والعراق.
2- ظهور خطر تنظيم داعش وبوكو حرام، والقاعدة؛ الشبكة الإرهابية العالمية التي كانت تعدّ قبل ظهور داعش حسب بعض الخبراء والأكاديميين والباحثين البريطانيين المميزين مثل البرفسور بول ويلكنسون (توفي ويلكنسون عام 2011) أخطر شبكة إرهابية أو طرف فاعل من غير الدول – يواجها العالم، وذلك لأنها تمتلك إيديولوجية استبدادية تريد تغيير العالم، وأثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات قتل واسعة، وتم الكشف عن رغبتها باستخدام أسلحة الدمار الشامل خاصة بعد سقوط كابول وهزيمة القاعدة في أفغانستان. ترى لو عاش ويلكنسون - وهو من أهم الباحثين والمنظرين المعاصرين في ظاهرة الإرهاب - حتى الآن، كيف سيصف توحش إرهاب داعش؟
3- انخفاض في ظاهرة الإرهاب المدعوم من الدول، علماً بأن هذا مقياس أمريكيّ بحت، وليس بالضرورة أن يعدّ أو يلقى رضا الأطراف كافة، وبخاصة الدولية، ومعروف بأن الخارجية الأمريكية كانت تضع دولاً مثل: إيران، وسوريا، وكوبا، وكوريا الشمالية، على أنها دول راعية للإرهاب.
4- زيادة التعاون الدوليّ لمكافحة الإرهاب، وبخاصة التعاون في مجال الحرب العالمية على الإرهاب، والتحالف الدولي ضد داعش. وتبرز دول ٌمثل الأردن السعودية، والأمارات، والباكستان أمثلة على عمق هذا التعاون، كذلك تدخل العراق، وليبيا، والسودان، الصومال بما تقدمه من المساعدة والتعاون في هذا المجال، وهذا التعاون سواء الثنائيّ أو متعدد الأطراف، يدخل ضمن استراتيجية الحرب العالمية على الإرهاب، ويدخل ضمن مؤشرات العولمة السياسية.
5- ضعف النظام القضائيّ، والأجهزة الأمنية والاستخبارية في بعض الدول الذي مكنّ الشبكات والجماعات الإرهابية من العمل بحرية، مما زاد من عولمة الظاهرة.
6- تَسطّحْ أو سيولة المجتمع الاستخباريّ، نتيجة تأثير الإرهاب على بنية الدول وسلوكها، وبخاصة بعد هجمات 2001، ولاسيما في مجالات تقاسم المعلومات الاستخبارية، والتعاون بين الدول لمكافحة الإرهاب، وقد أسفر هذا التعاون ـ الذي يحدث لأول مرة في التاريخ بهذا الحجم وهذا العمق عن نتائج إيجابية في مجال مكافحة الإرهاب، إذ يتم ملاحقة الإرهاب في أكثر من (100) دولة في العالم، وتمّ التعامل مع أكثر من (3000) إرهابي عبر العالم من أوروبا إلى سنغافورة.
7- تعميم عدم مشروعية العمليات الإرهابية، وقد قام المنظر السياسي الأمريكي (الليبيرالية الجديدة) روبرت كيوهان بالإشارة إلى هذا التوجه بتوسع مؤكداً بأنه أصبح التسامح مع المستويات المتدنية من الإرهاب أكثر إشكالاً، وهذه إحدى النتائج التي أسفرت عنها هجمات 2001
8- يرتبط بالتوجهين أعلاه، توجّه آخر مهمّ فرضته ضرورات مكافحة الإرهاب (وبخاصة بعد 2001) وهو سياسة التحالفات لمواكبة التغييرات في مصالح الدول، ما يعني تغييراً نسبياً في بنية الدول، وتغييرات جوهرية في سلوكها، ويؤكد روبرت كيوهان أنّ الإرهاب (غيّر مصالح دول لم تكن تعدّ نفسها أهدافاً للإرهاب، فيما تغيرت المواقف السياسية لدول كانت تشارك على هذا الجانب أو ذاك في صراعات لها علاقة بالإرهاب)، وهنا نلاحظ كيف أثر هذا التوجه على مؤشرات العولمة السياسية والاقتصادية.
9- تشتّت القوة بعيداً عن الحكومات كقوة قهرية وحيدة في الفضاء السياسي العام، وتمكّن الأطراف الفاعلة الأخرى من غير الدول (شبكات ومنظمات الإرهاب) من لعب أدوار مهمة في السياسة الدولية (بما في ذلك إلحاق الدمار الشامل، كانت في السابق أدواراً مقتصرة على حكومات الدول)، وذلك كله بفضل مؤشّرات العولمة التكنولوجية، ويتوقع المنظر السياسي الأمريكي (الليبيرالية الجديدة) جوزيف ناي أن تلعب الشبكات الإرهابية أدواراً أكبر في المستقبل، وسيكون لها "قوتها الناعمة" الخاصة بها من خلال الخطاب الجذّاب الذي يتجاوز الحدود الوطنية ويتجاهلها
10- تزايد خصخصة جهود مكافحة الإرهاب في العالم. وهنا يختلط السياسي بالاقتصادي، وقد أكد (جوزيف ناي) بأن ظاهرة الإرهاب نفسها هي "خصخصة للحرب"، وأهم ملمح لهذا التوجه هو تزايد نشاطات الشركات الأمنية الخاصة في الكثير من دول العالم، خاصة في أمريكا اللاتينية، وأفغانستان، والعراق، وسوريا وليبيا، واليمن.