قراءة بحثية: الصومال "مقر" محتمل لداعش بعد العراق وسوريا
الخميس 23/نوفمبر/2017 - 01:37 م
طباعة
مصادر تمويل بديلة أو استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية التي تتبنى توجهات "داعش".
كشفت قراءة بحثية جديدة أن الصومال ربما تكون "مقر" محتمل لداعش بعد العراق وسوريا على الرغم من إن المجموعات الموالية لتنظيم "داعش" في الصومال ما زالت تعاني حالة من الضعف، وذلك لاعتبارات تنظيمية واقتصادية عديدة، إلا أن ذلك لا ينفي أنها ربما تفرض تهديدات قوية لأمن واستقرار الصومال خلال المرحلة القادمة، لا سيما في حالة ما إذا انتقل بعض قادة وكوادر التنظيم الرئيسي إلى داخل الصومال، أو تمكنت تلك المجموعات من الحصول على مصادر تمويل بديلة أو استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية التي تتبنى توجهات "داعش".
واكدت الدراسة التى جاءت تحت عنوان (تحركات استباقية:لماذا تزايد الاهتمام الدولي بوجود "داعش" في الصومال؟ ) والصادرة عن المركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة والمنشورة يوم الخميس, 23 نوفمبر, 2017 على سعى بعض المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم "داعش" منذ ظهورها داخل الصومال في أكتوبر 2015 إلى توسيع نطاق نفوذها، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق ذلك حتى الآن، حيث ما زالت تعاني حالة من الضعف لم تستطع احتواء تداعياتها، بشكل خصم من قدرتها على منافسة حركة "شباب المجاهدين"، خاصة من حيث الانتشار والنشاط العملياتي، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح اعتمادها على خلايا نائمة أو تشكيلات متفرقة تابعة لها تقوم بتنفيذ بعض العمليات المحدودة، وذلك تحسبًا لاحتمال تحول الصومال، في مرحلة لاحقة، إلى بؤرة جاذبة للتنظيم الرئيسي الذي تعرض لهزائم فادحة في العراق وسوريا خلال الشهور الأخيرة، خاصة في ظل موقعها الاستراتيجي القريب من خطوط المواصلات العالمية، والذي قد يدفع التنظيم إلى محاولة استغلاله من أجل تهديد مصالح القوى الدولية.
صراع مبكر:
بدأت تلك المجموعات في الظهور داخل الصومال في أكتوبر 2015، عندما قام عبد القادر مؤمن، وهو أحد الكوادر السابقة في حركة "شباب المجاهدين"، مع 20 من أتباعه، بمبايعة أبو بكر البغدادي. ورغم أن التنظيم الرئيسي في العراق وسوريا لم يعلن فرع الصومال واحدًا من "ولاياته" الخارجية، بشكل يشير إلى ضعف التنظيم، إلا أن حركة "شباب المجاهدين" اعتبرت أن ذلك التواجد يهدد نفوذها، خاصة أن ظهور هذه المجموعات تزامن مع التوسع "الداعشى" في منطقة الساحل والصحراء على حساب المجموعات "القاعدية" الأخرى، لدرجة أنه كان على وشك تهديد بقائها في حد ذاته، قبل أن تتمكن من استعادة نفوذها مرة أخرى.
وقد تزايد الاهتمام الدولي بتأسيس تلك المجموعات في الصومال خلال الفترة الأخيرة، وهو ما بدا جليًا في قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربات قوية لها، في 4 نوفمبر الجاري، باستخدام طائرات من دون طيار، فضلاً عن إصدار الأمم المتحدة تقريرًا، في 8 من الشهر ذاته، وجه تحذيرات من أن مجموعة عبد القادر مؤمن تمكنت من زيادة عدد أعضاءها من بضع عشرات إلى 200 عنصر.
ومن دون شك، فإن هذه التطورات تطرح دلالة مهمة تتمثل في أن القوى والمنظمات الدولية بدأت في الاستعداد مبكرًا لاحتمال تحول الصومال إلى نقطة انطلاق للتنظيم الإرهابي من جديد، بعد خسارته معظم المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، بشكل دفعها إما إلى التحذير من مخاطر انتشاره في الصومال أو اتخاذ خطوات إجرائية للتعامل مع ذلك، من خلال توجيه ضربات عسكرية استباقية لمواقع المجموعات التابعة له.
وقد ضاعف ذلك من حجم الضغوط التي تتعرض لها هذه المجموعات، خاصة مع فشلها في تطوير قدراتها العسكرية والتنظيمية، أو شن هجمات نوعية وعمليات انتحارية، أو استقطاب عدد كبير من العناصر الإرهابية، وهو ما انعكس على نشاطها العملياتى، حيث ما زال عدد عناصرها يتراوح من بين 200 إلى 250 عنصرًا، وهو ما لم يمكنها من السيطرة على مساحات من الأراضي، مثل حركة "شباب المجاهدين"، حتى أن سيطرتها على قرية "قندلا" الساحلية لم تستمر إلا شهرًا واحدًا فقط، بعد أن قامت القوات الحكومية بإخراج عناصرها منها في نهاية ديسمبر 2016.
عوامل متعددة:
يمكن تفسير تراجع قدرة هذه المجموعات على توسيع نطاق نشاطها داخل الصومال في ضوء اعتبارات عديدة تتمثل في:
1- ضعف التمويل: فشلت هذه المجموعات في توفير مصادر متعددة لتمويل نشاطها، حيث اقتصرت مواردها الاقتصادية على المصادر التقليدية القديمة، مثل التبرعات والهبات، كما أنها لم تنخرط في أنشطة تجارية على غرار التنظيمات الإرهابية الأخرى، ولم تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي تمكنها من فرض ضرائب، على نحو ما كان قائمًا في المناطق التي سبق أن انتشر فيها التنظيم الرئيسي داخل كل من العراق وسوريا.
2ضغوط "شباب المجاهدين": اعتبرت الحركة أن ظهور مجموعات موالية لـ"داعش" في الصومال يمكن أن يهدد نفوذها، خاصة في ظل سعيه المستمر إلى تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية في المناطق التي يتواجد فيها، وهو ما دفعها إلى التحرك من أجل القضاء على تلك المجموعات، أو على الأقل تحجيم نشاطها، حيث هددت بقتل كل من ينشق عنها وينضم إلى "داعش" وبدأت في مطاردة عناصرها التي اضطرت للانتقال إلى مناطق جبلية لتجنب تعرضها لمزيد من الهجمات.
3- تراجع التنظيم الرئيسي: وقد فرض ذلك تداعيات سلبية عديدة على التنظيمات الفرعية التي فقدت بسبب ذلك أحد مصادر تمويلها الرئيسية، بشكل قد يدفع العديد من عناصرها إلى الانشقاق من جديد عن التنظيم والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية المنافسة له، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" والمجموعات الفرعية الموالية له.
4- الانتشار المحدود: يتمركز معظم عناصر المجموعات التي أعلنت مبايعتها لـ"داعش" في جبال "عيل مدو" شمال شرقى الصومال، منذ أن تمكنت القوات الحكومية وحركة "شباب المجاهدين" من إخراجهم من المناطق التي حاولوا السيطرة عليها، وهو ما تسبب في تراجع قدرة تلك المجموعات على تأسيس "إمارة" تابعة للتنظيم، كما منعها من استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية للانضمام إليها، خاصة أن هناك علاقة طردية بين التمدد والانتشار والتوسع في التجنيد.
5- غياب التحالفات: لم تستطع تلك المجموعات تأسيس شبكة من التحالفات مع تنظيمات إرهابية أخرى، خاصة أن التوجهات الفكرية التي تتبناها مثلت عائقًا مهمًا في هذا السياق، بشكل لم يساعد حركة "الشباب" على طرد عناصرها من بعض المناطق فحسب، بل أدى أيضًا إلى تراجع قدراتها بشكل كبير بفعل الضربات العسكرية التي تعرضت لها سواء من جانب الولايات المتحدة أو القوات الحكومية.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن المجموعات الموالية لتنظيم "داعش" في الصومال ما زالت تعاني حالة من الضعف، وذلك لاعتبارات تنظيمية واقتصادية عديدة، إلا أن ذلك لا ينفي أنها ربما تفرض تهديدات قوية لأمن واستقرار الصومال خلال المرحلة القادمة، لا سيما في حالة ما إذا انتقل بعض قادة وكوادر التنظيم الرئيسي إلى داخل الصومال، أو تمكنت تلك المجموعات من الحصول على مصادر تمويل بديلة أو استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية التي تتبنى توجهات "داعش".