خبير الماني: الأسد لم يكسبِ الحرب
السبت 23/ديسمبر/2017 - 01:57 م
طباعة
دويتشه فيله ألتقت جيدو شتاينبرج الخبير الألماني بشؤون الشرق الأوسط والإرهاب في معهد العلوم والسياسة في برلين وحاورته عن قدرة النظام السوري علي الحفاظ على الأراضي المسيطرعليها على المدى البعيد.
المحققة السابقة كارلا ديل بونتي قالت في الصيف إن الحرب السورية كانت أكبر عارٍ دولي، لأن شيئا لم يحدث منذ سبع سنوات. ألم تؤدِ الجرائم غير المسبوقة لنظام الأسد والجماعات الأخرى إلى تحويل القانون إلى عبث؟
إن الأحداث في سوريا تؤكد، ما كنا نعرفه بالفعل منذ مدة، وهو أن الأمم المتحدة لا يمكنها أن تعمل في أوقات الأزمات، عندما تكون هناك خلافات كبيرة في الرأي بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي. سوريا هي عنوان على محاولة روسيا الظهور من جديد كقوة عظمى. ونحن نتحدث بشكل منمق عن المجتمع الدولي، ولكننا نرى في الوقت نفسه تصعيد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي يشل بدوره مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن قضية سوريا.
أعربت أوروبا والغرب مراراً عن سخطهما من الحرب، فهل الالتزام بحقوق الإنسان بقى مجرد لفظٍ فحسب؟
أعتقد جازماً أن الكثير من الأوروبيين كانوا على استعداد للقيام بشيء ما في سوريا. ولكن على رأس الفشل الأوروبي، يقف قبل كل شيء إدراك العجز في تحليل ما يجري في سوريا. لقد كان واضحاً في عام 2011 أن الأسد، بغض النظر عمَّا كان يفعله، يحظى بدعم جزء كبير من السكان. ليس لأنهم يحبونه، ولكن لأنهم يخشون البديل. وهذه مسألة لم يرها الأوروبيون أوالأمريكيون. فقد كانوا يعتقدون أن هذا النظام سيطاح به من قبل شعبه. وعندما لم يحدث ذلك، وازداد الضغط لكي يتحركوا بسبب جرائم نظام الأسد، وقفوا فجأة أمام خيارين اثنين: هل نتدخل عسكرياً أم نبقى مع الخط الحالي؟
لقد اختاروا البديل الثاني. وأرى أن المشكلة تكمن في التناقض بين الخطاب وما تم القيام به فعلياً. أما أنا فأجد أن قرار عدم التدخل عسكريا، قرار صائبٌ.
الأسد حول الحرب إلى حربٍ طائفية منذ البداية. و بدلاً من دعم المعارضة المدنية، استثمرت جهات خارجية أيضاً في جماعات دينية مختلفة في سوريا. ألم تساهم دول مثل السعودية وقطر وتركيا أيضا في طائفية سوريا؟
الطائفية كانت موجودة منذ البداية. كان للانتفاضة عنصر اجتماعي قوي: فقد احتج سكان الريف ضد المدن، حيث توجد الطبقة الوسطى، التي تقف وراء النظام. ولكنه كان أيضاً نضال الأغلبية السنية ضد الأقليات في البلاد. وكان واضحاً منذ 2011 أن الحرب ستتطور بهذا الاتجاه. كانت الانتفاضة سنية وكراهية العلويين كانت هائلة قبل عام 2011، غير أنه لم يكن مسموحا بالتعبير عنها. وقد أدى تردد الولايات المتحدة إلى دفع الأطراف الأجنبية إلى تشجيع الإسلامويين، وهنا يجب ذكر تركيا وقطر، أما السعودية فدورها أقل، لأنها عملت بالأخص سوية بجانب الأميركيين.
ولكن قام أفراد سعوديون غير رسميين بتمويل تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي.
هنا يمكن جعل الدولة مسؤولة جزئياً فقط. لم تكن هناك أموال حكومية من السعودية لتمويل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). قد تكون هناك مراقبة ضعيفة، ولكن في النهاية كان هناك أيضاً تمويل لتنظيم "الدولة الإسلامية" من قبل أفراد غير رسميين في ألمانيا.
هل ربح الأسد الحرب؟
لا، لم يربح الأسد الحرب. لكنه بالتأكيد في موقف أقوى مما كان عليه في أي وقت مضى منذ بداية عام 2012.
لكنه أعاد السيطرة على كل المدن الكبرى، ولم يبق خارج سيطرته سوى عدد قليل من المناطق الهامشية.
الأسد كان يسيطر على المدن الكبرى المهمة من قبل. وكان الثوار قادرين على الاستيلاء على عاصمتي محافظتين هما الرقة وإدلب، اللتان تقعان في أسفل التسلسل الهرمي للمراكز الحضرية في سوريا.
الأسد سيطر على حلب لمدة طويلة ولكن سيطرة جزئية فقط.
جيشه سيطر على نصف حلب فقط. ولكن لديه مشكلة أساسية وهو نقص موارده البشرية. وهناك سببان لقوة موقفه الحالي: أحد الأسباب يدعى روسيا، والسبب الثاني هو إيران. والسؤال الكبير هو ما إذا كان هذا الدعم يكفي الآن لاستعادة الأجزاء المتبقية من البلاد التي يسيطر عليها المتمردون. وأعتقد أن ذلك سيكون صعباً. بالإضافة إلى ذلك، سيكون السؤال حول ما إذا كان يمكنه الاحتفاظ بالأراضي التي يسيطر عليها. وهذا يكون لا يكون ممكناً على المدى البعيد. ولهذا أعتقد أن البلد لن يصبح مستقراً بأي حال من الأحوال.
ولكن ما هو المستقبل الذي سترسمه أنت لسوريا ؟
أولاً وقبل كل شيء، يرى المرء أن جزءاً كبيراً من الشعب يكره هذا النظام ويفضل الثوار. ولذلك، أعتقد أنه ستظل هناك مقاومة عسكرية أو إرهابية. هناك عدد كبير جداً من سكان المناطق الريفية سنيين، يريدون الإطاحة بالنظام. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الصعب إعادة السيطرة على المناطق الكردية من جديد. وهنا بالأخص يكمن خطر في أن تتدخل تركيا عسكرياً. ولا يمكن للدولة السورية تحقيق النجاحات إلا إذا استمرت في الحصول على دعم روسي كبير وقبل كل شيء الدعم الإيراني واللبناني.
ولكن بوتين أعلن مؤخراً أنه يريد سحب جزء من قواته. لماذا يفعل بوتين ذلك؟
أعتقد أن لذلك أسباب سياسية محلية. لكني أتوقع أن يواصل الروس بذل كل ما في وسعهم لجعل موقف الأسد أكثر استقراراً. لكننا في نقاشنا نركز كثيراً على روسيا. أما إمكان السيطرة على المناطق أو الحفاظ عليها فهذا يعتمد على الأفراد، وإيران هي المسؤولة عن التزويد بالأفراد.
في ألمانيا بدأت مناقشة إمكانية إعادة اللاجئين إلى سوريا. كيف يفترض أن يحدث هذا الأمر في ظل سيطرة الأسد على جزء كبير من البلاد، واللاجؤون الذين هربوا، هربوا من الأسد؟
أعتقد أن مجرد مناقشة ذلك يمثل لحظة شديدة التعقيد. فأساس هذا النقاش هو وجود انطباع أن الحرب قد انتهت. وهو ما لم يحدث. فالحرب تدخل مرحلة جديدة، تنخفض فيها وتيرة القتال. لكن معظم اللاجئين يأتون من المناطق، التي كان تواجد المتمردين فيها قوياً. وقد أصبحوا ضحايا لسياسة الأسد الرامية إلى التهجير. وسيكون من الخطر أن يجبر اللاجؤون على العودة إلى هذه المناطق. أنا لا أعرف كيف يجب القيام بذلك، مادام الأسد ما يزال في السلطة. كما يجب توقع أن الأسد لا يحبذ استرجاعهم، ومن هنا فهذا نقاش زائف.
هل يفترض أن تتعاون أوروبا مع الأسد المستبد عندما يتعلق الأمر بالنقاش حول اللاجئين ومصالح أوروبا الخاصة؟
أفترض أن العلاقة مع نظام الأسد ستبقى باردة جداً. الأسد هو القاتل المسؤول عن القتل الجماعي، الذي استخدم فيه الأسلحة الكيميائية وغيرها من الوسائل للقيام بحملات تهجير واسعة النطاق ضد شعبه. ولا أعتقد أن الأوروبيين سيعودون إليه في علاقة كاملة، ولكن نستطيع أن نرى في الوقت الحالي بالفعل أن الكثيرين، بما في ذلك بلدان أوروبية، يستكشفون الوضع. كما سبق أيضاً في السنوات الأخيرة وجود اتصالات فيما بينهم في مجال مكافحة الإرهاب.
لكن الأسد قام بنقل الإرهاب إلى بلده، أليس كذلك؟
هذا هو بالفعل. الأسد دعم عمداًهذه الظاهرة لجعل حجته الخاصة تبدو أكثر مصداقية، بأن الثوار هم بدون استثناء إرهابيون. ويبدو أيضاً أنه كان قد أبرم عدة اتفاقات للتهدئة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" في بعض المناطق. لكن وكالات الاستخبارات الغربية تتعامل دائما بشكل براغماتي في مثل هذه القضايا، بمعنى: إنه إذا كانت هناك من خلال ذلك إمكانية لانقاذ أرواح في أوروبا من خلال التحدث مع عملاء المخابرات السورية، فإنها تفعل ذلك. ومع ذلك، أود أن أقول إن وزن جرائم نظام الأسد ثقيل للغاية، لدرجة أنه لا ينبغي أن يحدث تطبيع سياسي معه - حتى بالنظر إلى قضية اللاجئين.
حوار لدويتشه فيله