غياب الدور الاجتماعي للدولة وأثره في الانتماء للحركة السلفية بتونس

الأحد 09/ديسمبر/2018 - 05:28 م
طباعة غياب الدور الاجتماعي حسام الحداد
 
قدم الباحث في علم الاجتماع بكلية الأداب والعلوم الانسانية بصفاقس حاجو قروى دراسة مهمة حول دور الاقصاء الاجتماعي في تنامي انخراط الشباب التونسي في الحركة السلفية بمجلة المستقبل العربي، والتي تناول فيها بمنهج كمي وكيفي هذه الاشكالية التي تعاني منها الحركة الاجتماعية في تونس كاشفاً عن واحد من أهم الأسباب التي تجعل الشباب ينخرطون في مثل هذه الحركات:
وحسب الباحث فإن الحركة السلفية التونسية أصبحت بعد ما يسمى الربيع العربي ملجأ يوفر للشباب الاعتراف ويمكنه من تعويض ما عجزت عنه الدولة والمجتمع إذ تقدم الحركة السلفية رؤى وتصورات تشحن الشاب بآمال جديدة وتجعله في أعلى السلم الاجتماعي من خلال عبارات "الفرقة الناجية" و"أنصار الشريعة" و"فرقة التوحيد" أو "فرسان الأمة" ليدرك الشاب أنه من الفرقة المنصورة التي ستعيد مجد الأمة، ليخرج من دائرة الضعف إلى دائرة القوة. ذلك أن المركزية الاجتماعية التي افتقدها الشاب نتيجة تهاوى فكرة الدولة الراعية التي تأخذ على عاتقها التشغيل وتوفير مقتضيات العيش الكريم، استعادها مجدداً بل وأكثر ليشعر أحيانا بالعلية الاجتماعية، وبهذا المعنى تكون الحركة السلفية ليست فقط مصدرا للفخر والبهجة بل أيضا للقوة والثقة" واستند الباحث في هذا الجزء بعقد لقاءات مع شباب ينتمون إلى الحركة السلفية حسب ما توضح الدراسة.
وحسب الباحث أيضاً فإن الحركة السلفية تنطلق من فكرة أفول الديني وتراجع الأنظمة القيمية في المجتمع، ونتيجة لذلك تظهر الحركة السلفية لتقدم نفسها كبديل سياسي واجتماعي عبر استغلال الاحباطات والأزمات التي يعيشها الشاب فتسعى قدر الامكان إلى تعمق التوترات بينه وبين الدولة التي عجزت عن حل مشكلاته ليكون البديل هو العودة إلى الدين والالتزام بمنهج السلف الصالح إلى حد يجعل الشاب مهووساً بفكرة نصرة شرع الله وان عبر الجهاد.
ويؤكد الباحث في هذا السياق أنه لا توجد حركة اجتماعية تتبنى الفكر الهويتي للشباب التونسي إلا الحركة السلفية التي تتفنن بدورها في تصوير الواقع في صورة سوداوية، سواء عبر الخيم الدعوية أو المحاضرات أو الاجتماعات الشعبية في الاماكن العامة .. وغيرها من الأليات الدعوية فيحمل خطابها بأيات قرآنية وأحاديث نبوية يقصد بها تبرير الفكر السلفي كأهمية الجهاد، أو مفهوم الطاغوت وأنواعه، أو أهمية الصلاة في المسجد وكذلك تبرير معاداتهم لمن يسمونهم أعداء الاسلام وانصار الديمقراطية الغربية.
فكل هذه الاساليب التعبوية تشحن الشاب بطاقة معنوية تجعله يفتخر بالجماعة التي ينتمي إليها ويردد بإعتزاز عبارة القادة الجهاديين.
وتسعى الحركة السلفية إلى بناء واقع جديد وفق نموذج نظري جاهز شامل لمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولتحقيق هذا الهدف باتت الحاجة ملحة إلى تبرير تصوراتها وحشد الطاقات الشبابية وراء هذا المشروع الطامح إلى التغيير الشاملن لذلك تسعى إلى تعميق القطيعة بين الشباب وواقعه المعيشى عبر التفنن في تصوير الواقع في صورة سوداوية تجعل الشاب ينظر إلى جميع الأمور على أنها دونية ومخالفة للشرع.
وكآلية من آليات تجاوز الاقصاء يتم اعادة تكييف النص الديني ليستجيب لمتطلبات الشباب ويحقق لهم الراحة النفسية فأمام مشكلات الشباب المأزوم وسعيه إلى التغيير السريع وتشخيصه للوضع يتبين للشاب أنه لا سبيل إلى التغيير الآني والسريع لمشكلاته نتيجة الأزمات التي تعيشها الدولة. فيميل إلى اختيار الطرف الذي يتبنى التغيير الجذري ويزلزل جميع البنى الاجتماعية والسياسية التي حالت دونه وتحقيق أهم حاجاته المادية والاجتماعية عبر العنف المقدس الذي يجد مبرراته دوما من المقدس ذاته إلى حد يكون فيه العنف استجابة لأمر سماوى، وهو ما تحرص الحركات الجهادية على اظهاره في نسق متكامل، سواء النص القرآني أو الحديث النبوي أو الأحكام الفقهية أو النصوص التاريخية وكتب السيرة والمغازي. وهو ما يفسر تقلب العديد من الشباب في الدفاع عن الجهاد والمجاهدين بأقوال مختلفة.
وفي الأخير تعد الحركة السلفية حركة اجتماعية وحسب الباحث هي نتاج لتفاعلات فاعلين لهم مقاصدهم وغاياتهم وهويتهم الخاصة التي تحقق لهم التمايز عن بقية الفاعلين الاجتماعيين، والشباب هم من بين أهم الفاعلين في الحركة السلفية. 
وتدفعنا الحال تلك إلى أن نبحث عن المعنى، ومن المعنى، فشبيبة ضاقت بها السبل ستلجأ إلى "الحاضنة السلفية" لتعيد الاعتبار لذات "محبطة" وفاقدة الأمل، فتكون بذلك الحركة السلفية الحل الأمثل لتجاوز "ضغوطات الواقع المعيش، وتجاوز الاقصاء وتهميش الدولة الكافرة". ذلك أن اللجوء إلى الحركة السلفية يبحث في نفوسهم ولو قليلاً من الأمل من خلال مفاهيم ومسميات تجعلهم يشعرون بالارتقاء من مكانتهم الاجتماعية والرمزية من منطلق ديني مثل "الفرقة الناجية" و"المنصوره وانصار الاسلام" وغيرها.
وكرد فعل على الاقصاء والتهميش يدخل هؤلاء الفاعلون في صراع مع مؤسسات الدولة والمجتمع تحت غطاء الدين لإضفاء مشروعية على افعالهم وممارساتهم. حتى ان الديني يفبرك في الكثير من الأحيان ليستجيب لمتطلبات وحاجات الشباب السلفي. من هذا المنطلق يدخل الشاب السلفي في علاقة صراعية مع الأخر المختلف الذي يمثل عائقاً أمام أهدافه وغاياته. فيكون الدين "الحل الأمثل" لاقصاء هذا الأخر عبر وصمه بـ "الكافر" أو "المرتد" أو عدو "الاسلام".. هنا تترسخ عقيدة إما الأنا أو الأخر في "المخيال السلفي".

شارك