خطاب العنف والدم في الفقه الإسلامي
الجمعة 05/أبريل/2019 - 03:05 م
طباعة
الكتاب: خطاب العنف والدم في الفقه الإسلامي
المؤلف: حسام الحداد
الناشر: دار ابن رشد
يقدم الباحث في حركات الاسلام السياسي حسام الحداد في كتابه "خطاب العنف والدم في الفقه الاسلامي" قراءة لما أنتجه الفقه الإسلامي من خطاب يحض على العنف وممارسته وإقصاء الآخر، بداية من أحمد بن حنبل، وصولًا إلى محمد بن عبدالوهاب والوهابية، وما ادى الى انتاج تلك الحركات الراديكالية المنتمية للإسلام السني كالجماعة الاسلامية الذي شغلت حيزا من الكتاب مستلهمة تطوير سيد قطب والمودودي لثقافة العنف والكراهية الذي انتجها الفقه الاسلامي في فترات الحروب المختلفة، وقد قدم الباحث في هذا الكتاب بعض من النتائج لقراءته للفقه الاسلامي من بينها:
• أن عنف "داعش" الذي أرعب الكثيرين، اليوم، ليس جديدًا على التراث والتاريخ الإسلاميين، ففي عهد أبي بكر الصديق، أول خليفة إسلامي، انتشرت ثقافة الإبادات الجماعية، كما تروي ذلك كتب التراث، لمواجهة ما سُمي "الردة" عن الدين، فكان يتم رمي المرتدّين حتى الموت، أو رميهم في الآبار وطمرهم داخلها أحياء، أو تحريقهم بالنار، مارس هذا العنف أبطال يمجدهم التاريخ الإسلامي مثل خالد بن الوليد الذي يوصف بـ"سيف الله المسلول"، ولم يَسلم منه حتى حفيد النبي محمد، الحسين بن علي الذي حمل جلّادوه رأسه بعد أن فصلوه عن جسده إلى يزيد ابن معاوية، فكان كلما اتّخذ مـجالس الشرب، يأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه، كما تعلمنا كتب التراث.
• إن الإسلام يعيش اليوم في أزمة حقيقية، والخروج من هذه الأزمة لا يمكن أن يحدث بمجرد ترديد مقولات جاهزة من قبيل أنه دين يمثل ثقافة التسامح، فمثل هذه المقولات لا تخفي بين طياتها نفاقَ مَن يدفعون بها، وإنما هي مقولات عنصرية تريد أن تضع أصحاب هذا الدين فوق الجميع. ولا يمكن تصور أي مَخرج من ثقافة العنف السائدة حاليًّا دون إحداث قطيعة مع الماضي، والتأسيس لدولة مدنية تقوم على ثقافة المساواة وليس على ثقافة التسامح، وعلى الفصل التام بين الدين والسياسة، وعلى تأسيس دولة القانون.
• إن الدين وهو الأخلاق الكلية العامة التي تخاطب البشر جميعًا وهي جوهر الدين، وكل الأديان، ويعبر عنها في الإسلام بالآيات الواردة في القرآن المكي، أما الآيات الواردة في القرآن المدني فهي آيات التشريع وهي تشرِّع لجماعة متحركة بالوقائع والأحداث ومن ثم فالنص بالضرورة يتضمن بعدًا اجتماعيًّا له علاقة بالواقع الذي يجيب عن أسئلته. والنص التشريعي في الحالة المدنية له بُعد اجتماعي يجيب عنه، وله واقع اجتماعي يتحرك فيه، ومن جهة أخرى هي لحظة الواقع الاجتماعي الذي يتجادل النص معه. هو يذهب إلى أن النص يتم تحميله مع التطور التاريخي للجماعة باجتهاد الجماعة في حركتها ومسيرتها وتحولاتها وتعقيداتها، إن ذلك هو التدين، أي إضافة رؤية الجماعة للدين، ويشرح كيف أن المؤسسة الدينية في الخبرة السنية ممثلة في الإمام الشافعي قد أسست لما يطلق عليه الرؤية السنية للنص والتشريع بحيث قطعت بشكل يكاد يكون كليًّا مع الواقع الجاهلي الذي اشتغل عليه النص القرآني وعالجه.
• لقد كان في مشهد رفع “المصاحف”، وليس المصحف، دلالة واضحة للدور المطلوب منها، وهو تعدد الرؤى والاجتهادات وتباينها ثم اختلافها، في خطوة تكتيكية تخدم المتراجع والمتقهقر، ليلتقط أنفاسه ويعيد ترتيب أوراقه ليتقدم، وتعمل على تراجع المتقدم فتبلبل أفكاره ليتخلف. ولقد أدرك علي بن أبي طالب حقيقة الفتنة منذ الوهلة الأولى لرفع المصاحف أو للتحكيم، وهو لذلك وجّه أصحابه فيما بعد، بعدم مجادلة الخوارج بالقرآن لأنه، كما قال لهم “حمّال أوجُه” وأضاف أن الخوارج “أَحفظُ لكتاب الله منكم” ولكن جادِلوهم “الحجة بالحجة...”.
•تكمن الإشكالية، اليوم ، في الاستمرار في اجترار وتكرار موقف عمرو بن العاص، وهو موقف وإن كان يصب في خانة الدّهاء السياسي، إلا أن تكراره لم يعد كذلك، من موقعنا التاريخي الذي سمح لنا برؤية نتائجه الكارثيّة. يتمثل تكرار هذه الفتنة، ورفع المصاحف، بصور متعددة من قبل الاخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات الإسلامية، وكأنهم لم يدركوا كوارث استدعاء الدين في مجال السياسة.
على الرغم من أن التأويل المنفتح والجهد المستنير، في قراءة تاريخ الإسلام والقرآن، قراءة منفتحة تحاول جعله صالحًا لكل زمان ومكان، لكن هذا الجهد حين يستخدم كتبرير لضرورة دنيوية سياسية، يمثل رفعًا آخَر للمصاحف في وجوه المناهضين لفكر هذه الجماعات.
• كما كان الحنابلة قديمًا لا يوجهون قذائفهم وفتاواهم التكفيرية للحكام؛ لأن عقيدتهم عقيدة حكومية في المقام الأول وتعمل لصالح الحاكم لا المحكومين، ولأن هذه العقيدة فُرضت على الناس من قِبل الحكام، يقوم السلفيون اليوم بنفس المسألة فلا يعارضون الحكام ويدورون في فلكهم ويصوبون قذائفهم وفتاواهم في صدور الناس، خصوصًا المفكرين منهم.
• إن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هو الذي يشكل الأفكار والمفكرين، ولهذا الواقع دور مهم في نشأة المفكر أو الفقيه، وقد كان عصر ابن حزم عصر الدسائس والفتن والصراعات بين ملوك الطوائف وبعضهم وبين الفقهاء، بالتالي الذين ساروا في ركاب هؤلاء الملوك، وأن هذه الحالة السياسية بلا شك قد انعكست على شخصية ابن حزم فأصابتها بالحيرة والانفعال، ذلك الذي نراه بوضوح في آرائه ومواقفه من الآخرين حيث أعلن الحرب على فقهاء عصره وشتى الاتجاهات الإسلامية الأخرى مما أدى إلى كراهية الجميع له وتربصهم به، وليس أدلّ على ذلك من كتابه "الفِصل في المِلل والنِّحل" والذي أطلق من خلاله قذائفه على جميع الاتجاهات، مسلمين وغير مسلمين.
• ختم البغدادي كتابه بإطلاق قذيفة مدوّية على الخصوم أعداء الدين تؤسس للتطرف والإرهاب وتعد حجر الأساس فيما نحن بصدده من فقه العنف والدم، تمثلت فيما يلي: وجوب قتل المرتدين، كفر الاتجاهات الأخرى (أهل البدع والأهواء) ووجوب قتالهم، عدم جواز أكل ذبائح أهل الأهواء والبدع وحرمة مواريثهم، عدم جواز نكاح المسلمة منهم، الشاكّ في كفر أهل الأهواء كافر.
• مثل هذا الفقه المتطرف الذي بُني على روايات ضعيفة وعلى الأعراف وقرارات الحكام يجب أن يُعاد ضبطه مع القرآن، وهو لن ينضبط معه بحال، فالقرآن لم ينص على شيء من هذا تجاه الديانات الأخرى.
ويؤكد الحداد أن الإسلام يعيش اليوم في أزمة حقيقية، والخروج من هذه الأزمة لا يمكن أن يحدث بمجرد ترديد مقولات جاهزة من قبيل أنه دين يمثل ثقافة التسامح، فمثل هذه المقولات لا تخفي بين طياتها نفاق من يدفعون بها، وإنما هي مقولات عنصرية تريد أن تضع أصحاب هذا الدين فوق الجميع. ولا يمكن تصور أي مخرج من ثقافة العنف السائدة حاليا دون إحداث قطيعة مع الماضي، والتأسيس لدولة مدنية تقوم على ثقافة المساواة وليس على ثقافة التسامح.
ويعتقد الحداد أن الدين هو الأخلاق الكلية العامة التي تخاطب البشر جميعا وهي جوهر الدين وكل الأديان وتعبر عنها في الإسلام الآيات الواردة في القرآن المكي، أما الآيات الواردة في القرآن المدني فهي آيات التشريع وهي تشرع لجماعة متحركة بالوقائع والأحداث ومن ثَمَّ فالنص بالضرورة يتضمن بعدا اجتماعيا له علاقة بالواقع الذي يجيب عن أسئلته.