صرخة النساء والإرهاب.. ملف جديد بمجلة الفيصل السعودية
الإثنين 07/مايو/2018 - 02:01 م
طباعة
تضمن العدد الجديد من مجلة الفيصل السعودية ملفا مهما حول "النساء والإرهاب.. صرخة عنيفة تطلقها فتيات ونساء في وجه المجتمع" اعده الباحث التونسي محمد حمزة .وقد ناقش الباحث من خلال التعرض لدراسة مهمة تحمل نفس العنوان افكار تتعلق بالمنطق الذكوري المتصل حتى في العمليات الارهابية من قبيل التقليل من فاعلية المرأة في الأعمال الإرهابية أو اعتبار أنّ وراء كلّ عملية إرهابية نفّذتها امرأة يوجد رجل يخطّط. وقد اكدت الدراسة علي تعديل كثير من الأفكار المسبقة حول علاقة النساء بالإرهاب وسبب انخراط النساء في الجهاد وفي الجماعات المسلحة والانضواء داخل التنظيمات الجهادية.يقول الباحث
أضحى الإرهاب يشكّل ظاهرة تستأثر باهتمام متزايد من مراكز البحث المتخصّصة والدارسين الأكاديميين مع استشراء ظاهرة الإرهاب وتناميها بتأثير الثورة الاتصاليّة التي ولّدت تحوّلات طالت الشأن الفردي والجماعي على مستوى أشكال التعبير وأنماط الممارسة وسرعة التبادل اللامادي للأفكار والأيديولوجيات والقدرة الفائقة على نشرها، وأيضًا عمق آثارها في الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة حتى الدينيّة، وتكثيف مجال تأثيرها خصوصًا وقد صارت نتائج الإرهاب المدمّرة والكارثية على حياة المجتمعات البشرية تُقِضُّ مضجع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وصار من البيّن اليوم لدى المتخصّصين في الدراسات الجيوسياسية وجود علائق متينة بين الإرهاب وعولمة جارفة لم تُبقِ من الأمم من هو خارج سطوتها بما أفرزته من آثار طالت سكان الكرة الأرضية.
واليوم نشهد عنفًا مستشريًا تحت اسم الجهاد يكشف عن أواصر قوية لا تخفى بين الجهاد من جانب والإرهاب من جانب ثانٍ بصفته جريمة جنائية في القوانين الدولية، حتى إن اختلف تعريف الإرهاب وتكييف الفعل والقائم به والدوافع إليه، كما نشهد تداخلًا بين مفاهيم مثل التطرّف الديني والإرهاب خصوصًا مع تسارع آليات العولمة واتساع مداها لتشمل أصقاع العالم الإسلامي. إنّ التباس هذا الحقل المفاهيمي الذي يتداخل فيه الجهاد بالإرهاب، وتطّور ظاهرة الإرهاب بتطوّر الأحداث السياسيّة والصراعات الإقليميّة والدوليّة في العالم، وامتدادها لتشمل دولًا غربيّة كثيرًا ما عُدَّتْ بمنأى عن تلقي آثار هذا العنف مباشرًا، واستقطاب أيديولوجيا الإرهاب لعدد كبير من الشباب الذي نشأ في محاضن اجتماعية وثقافية غير تلك التي ينسب إليها عادة دوافع نمو ظاهرة التطرّف، كلّ ذلك أفضى إلى بروز مقاربات عدة تسعى إلى تفسير أسباب استشراء ظاهرة الإرهاب وانتشارها المتعاظم وتعمل على فهم مكوّنات هذه الظاهرة وعلاقتها بالعنف وبالتطرّف وبالصراعات الإقليمية والدولية، وفرض على وجه الخصوص على الدارسين لهذه الظاهرة مغادرة المقاربات الأحاديّة الجانب والمنهجيّة الكلاسيكيّة التي كثيرًا ما بجّلت تفسيرًا أحاديَّ الجانب في دراسة الظواهر الحضارية إلى منهجية جديدة متعدّدة تستدعي اختصاصات شتّى لدراسة هذا الإرهاب العالمي المركّب والخطير الذي يمارس وظيفة الإغواء لمتقبّل لم يعد وجوده مقتصرًا على الفضاء العربي والإسلامي ولا يقتصر على فئات كانت معنيَّةً تاريخيًّا بالانخراط في التنظيمات القتالية، ونعني بها فئات الشباب من الذكور لتطول بشكل لافت للنظر في السنوات الأخيرة عددًا من الفتيات والنساء اللاتي انسقن إلى تبنِّي الفكر الجهادي وانخرطن بدورهن في هذه التنظيمات القتالية.
في هذا السياق يندرج كتاب الدكتورة آمال قرامي «النساء والإرهاب»: دراسة جندرية، وقد صدر في خمسمئة وأربعين صفحة عن دار مسكيلياني للنشر سنة 2017م، واشتمل الكتاب على فصول سبعة اضطلعت قرامي بتحرير خمسة منها هي الفصل الأول دراسات الإرهاب والجندر، والثاني: جندرة القتال – الجهاد – الإرهاب. والفصل الثالث: فتنة التنظيم والجماعة أو في دواعي الانتماء، والفصل الرابع: أدوار النساء داخل الجماعات الإرهابية، والفصل السابع وعنوانه: الإرهاب وتشكل الهويات، في حين شاركت الصحافيّة منية العرفاوي في الكتاب بإنجاز الفصل الخامس ويتصل بتقديم بورتريهات لعدد من الإرهابيات المغاربيات، وبالفصل السادس وفيه رصد لعلاقة الأسر بالإرهاب.
والمؤلّفة آمال قرامي جامعية تونسيّة أنجزت في السابق أطروحة دكتوراه دولة حول قضية الاختلاف في الفكر الإسلامي تعويلًا على مقاربة النوع الاجتماعي، وفي كتابها الصادر حديثًا «النساء والإرهاب» تولّت دراسة ظاهرة الإرهاب وعلاقة النساء بالإرهاب من خلال أطروحتها السابقة، ووظّفتها في مستوى المنطلقات النظريّة وفي مستوى المنهج المعتمد وأدوات التحليل، ولا شك أنّ معرفتها الواسعة بما يكتب في الغرب جعل مساهمتها البحثية الجديدة قادرة على هضم ما يكتب في الغرب في موضوع الإرهاب، وعلى دراسة الظاهرة وتشريح أسبابها ومكوّناتها، ورغم دفاع المؤلّفة عن المقاربة الجندرية وتبنِّيها لها، فهي تمتلك حسًّا نقديًّا حملها على الإقرار بأنّ المقاربة الجندرية المقترحة يجب إخضاعها دومًا للاختبار، وأنّه لا يمكن الاكتفاء بمقاربة واحدة لتحليل ظاهرة مركبة ومعقدة مثل ظاهرة الإرهاب.
قراءة الظاهرة من منظور جندري
وكتاب «النساء والإرهاب» بحث مميز، ومرجع مهمّ يضاف إلى الدراسات التي ظهرت في السنوات الأخيرة في العالم الغربي على وجه الخصوص في موضوع الإرهاب، وهو دراسة علميّة تتطلب جهدًا لفهم مقاربة النوع الاجتماعي – الجندر، وهو كتاب ثريّ في مستوى المعطيات النظرية المفيدة في آن واحد للقارئ المختص وكذلك لغير المختص، كما يشكّل هذا الكتاب قراءة مميّزة وعميقة لإشكاليّة الإرهاب وعلاقة النساء به من منظور جندري، يستحثّ قارئه على الإقبال عليه بدءًا من عتبات الكتاب وأوّلها الغلاف المثير الذي يؤثّثه وجه امرأة وسلاح كلاشنكوف، كذلك عنوان الكتاب الذي ينهض على علاقة عطف بين النساء والإرهاب، والعدول من لفظ المرأة إلى لفظ النساء تنبيهًا من المؤلفة إلى أننا إزاء صور لنساء كثيرات ولأدوار مختلفة (المرأة الإرهابية – المرأة الضحية – الزوجة الأخت)، كما يلفت الانتباه في العنوان أيضًا استعاضة المؤلفة عن مصطلح الجهاد بمصطلح الإرهاب، وهو مصطلح مشحون دون ريب بدلالات كثيرة وإحالات على واقع صار المتقبّل يفتح عينيه وبشكل يكاد يكون يوميّا على عنف دموي يرتكب باسم الدين ودفاعًا عنه.
إنّ القضايا التي يطرحها هذا الكتاب والمتصلة بموضوع النساء والإرهاب غير منفصلة عن مستويات تقبّل الكتاب. وإذا كان من المعروف أنّ كلّ قارئ يقبل على قراءة خطاب ما وهو حامل لأفق قراءة معين ولانتظارات ولوضعيّة نفسيّة واجتماعيّة وثقافيّة ولقبليّات تسوس قراءته للنص وتوجّه إنتاج المعنى، فإننا سنكون بالضرورة إزاء مستويات عدة للقراءة ولمتقبّل متعدّد يخاطبه الكتاب، فثمة القارئ العادي له، والقارئ المنتمي إلى الإسلام السياسي، وكذلك القارئ المثقّف عمومًا والقارئ الأكاديمي والمتخصص، فالقارئ المنتمي إلى الإسلام السياسي ستكون له قطيعة مع عنوان الكتاب قبل النفاذ إلى محتواه؛ ذلك أنه يعد العنف الذي تمارسه التنظيمات القتالية اليوم باسم الإسلام جهادًا وعنفًا مقدَّسًا وليس إرهابًا، فمن منظوره؛ يعد الجهاد واجبًا شرعيًّا والحرب على أعداء الله فرضًا لا يجوز تركه، والإسلام هو الذي أمره بقتال المخالفين له في الملة والعقيدة، والإثخان في الأرض أمر توجبه نصوص القرآن والسنة ومما أجمع العلماء عليه. تتيح هذه المقدّمة لدى هذا القارئ الخلوص إلى أنه لا علاقة للإسلام بالإرهاب، فالإرهاب عنف سببه تجفيف المنابع ممّا يدفع ببعض الشباب إلى الغلو، كما أنّه لا وجود لصلة بين الإرهاب المستشري اليوم وموروثنا الديني، وسينتهي هذا القارئ إلى اعتبار كتاب «النساء والإرهاب» قراءة مغرضة ومعادية للإسلام ولثوابته.
أمّا القارئ المسلم العادي للكتاب سواء أكان رجلًا أو امرأة، فيقبل على قراءة الكتاب بجملة من الاعتبارات المتعلقة بمنزلة المرأة الاجتماعية وعلاقتها بالرجل، بعضها مبثوث في اللاوعي الجمعي من حيث طبيعة النظرة التي تشكّلت عن المرأة وعن الأدوار التي هي مدعوّة إلى القيام بها. هذا القارئ محكوم عمومًا بمسلّمات متصلة بالاختلاف بين الجنسين وعلاقة المرأة بالفضاء الخاص والعام، وهو قارئ طالما دخل في ثقافته الموروثة وفي المتخيّل الجمعي وممّا هو حاصل من تقسيم الأدوار في المجتمع؛ أن المرأة خُلقت للبيت وللأسرة ولوظيفة الإنجاب.
صورة امرأة مغايرة
ويقول حمزة إنّ مجمل هذه الاعتبارات تجعل الكتاب بحقائقه التي يوردها وبالنماذج من النساء الإرهابيات التي يحلّلها، كتابًا صادمًا لقارئ يواجه صورة امرأة مغايرة، تمجّد الإرهاب وتتغنى به وتشارك في عمليات القتل. علاقة المرأة بالإرهاب من منظور هذا القارئ علاقة «شاذة»، وكثيرًا ما كان يتم «تأثيم» المرأة الإرهابية أو البقاء أحيانًا داخل المنطق الذكوري آية ذلك الأفكار الكثيرة المتداولة من قبيل التقليل من فاعلية المرأة في الأعمال الإرهابية أو اعتبار أنّ وراء كلّ عملية إرهابية نفّذتها امرأة يوجد رجل يخطّط. إنّ من شأن هذا الكتاب إذن تعديل كثير من الأفكار المسبقة حول علاقة النساء بالإرهاب وسبب انخراط النساء في الجهاد وفي الجماعات المسلحة والانضواء داخل التنظيمات الجهادية. إنّ هذه الأحكام المسبقة أمر واقع وظاهرة يلمسها القارئ المطلع على ما ينتج في الموضوع في مراكز البحوث العربية وكذلك العالمية، وقد ركّزت مؤلفة كتاب «النساء والإرهاب» على القصور الذي لاحظته فيما تنشره مراكز البحوث العربية، وحاولت تقديم زوايا النظر المختلفة التي اهتمت بها هذه المراكز في تجنيد النساء الإرهابيات، مثل التأريخ لظاهرة الإرهاب ورصد الصلة التي تجمع بين الجماعات المقاتلة أو تحليل الأيديولوجيا التي تنهض عليها الجماعات المقاتلة. في المقابل، فإنّ مراكز البحوث هذه تصرف النظر قصدًا أو عن عدم معرفة عن المقاربة الجندرية، كذلك فإن دوائر القرار ممثلة في الأنظمة العربية والمؤسسة السياسية والأمنية تتحفظ على اعتماد مقولة «الجندر» في معالجة موضوع الإرهاب.
إنّ رصد اتجاهات الدراسات المهتمة بدراسة ظاهرة الإرهاب وبسط مناهج مقاربتها قياسًا على المقاربة التي تبنّتها صاحبة كتاب «النساء والإرهاب» موصول بسؤال مركزي ركّزت عليه المؤلفة، ومداره كيف بالإمكان مقاربة مسألة الإرهاب؟ وهو سؤال غير مفصول عن سعي المؤلّفة إلى مساءَلة البديهيّات ومراجعة المسلّمات في مختلف فصول الكتاب حتى في خاتمته، غايتها من وراء ذلك أمران أوّلهما فهم ظاهرة الإرهاب وثانيهما خلق الألفة بين القارئ العربي والدراسات الجندرية.
يمثّل الكتاب إذن دراسة موضوعية لظاهرة الإرهاب، لكنه ليس كتابًا محايدًا وصاحبته لا تخفي ذلك، إنّه التزام بـ«مقتضيات مدنيّة ومواطنيّة» تمنع الحياد وتفرض توجيه النظر لدراسة قضية الإرهاب والوقوف على أسباب الظاهرة ودوافعها، وكيفية تحول أيديولوجيا الجهاد اليوم إلى إرهاب معولم، وهو أيضًا بحث لا يخفي أدواته، بل يغري قارئه بما تضمّنه من ثراء اصطلاحي وعدة منهجية حرصت المؤلفة في مختلف فصول الكتاب على توظيفها للبرهنة على وجاهة المقاربة الجندرية عادَّةً التعجلَ في تحليل الظاهرة الإرهابية أو في البحث عن تشخيص وحلول تستجيب لأفق انتظار آني لا ينتج غير قراءات متعجّلة وأحيانًا سطحيّة لا تستند إلى مرجعيّات متينة وإلى سند معرفي وثيق، وكأنّنا بالمؤلّفة تحلّ محلّ قارئ كتابها وتطرح أسئلة يمكن أن تدور بخَلَدِهِ: «ما جدوى تحليل مشاركة الفتيات والنساء في الأعمال الإرهابية والحال أن عددهن محدود؟ وما فائدة التمحيص في علاقة فئة منهن بالتطرّف؟ ما أهميّة دراسة الإرهاب من منظور جندري؟
وقد أفضى الكتاب إلى تحليل أمرين مهمّين الأول: دراسة علاقة النساء بالإرهاب وإعادة النظر في المسلّمات المتصلة بعلاقة المرأة بالعنف وهي التي طالما كانت ضحيّة له، وكذلك الإصغاء إلى النساء من مختلف الأعمار والطبقات والأعراق والديانات والتوجّهات الجنسانيّة بما يستتبع ذلك من تحليل ظواهر متصلة بالعلاقات الاجتماعيّة. والأمر الثاني البحث في الأدوار النسائيّة عبر إعادة النظر في التمثّلات الاجتماعيّة القائمة عن المرأة وعن الإرهاب وخصوصًا حضور المرأة في الجماعات المسلّحة المقاتلة سواء كانت فاعلًا أو مفعولًا بها، والمؤلّفة تتحدث عن ضرورة إقامة «وعي جندري» كفيل بتفكيك كثير من المسلّمات المتصلة بالنساء وخصوصًا تفكيك «الصورة النمطية» التي يبنيها المجتمع عن النساء وعن أدوارهن.
تنخرط آمال قرامي في هذه المقاربة الجندرية لظاهرة الإرهاب بمنهجيّة رصينة بعيدة كل البعد من الوثوقيّة، يجلوها وقوفها عند مصطلح الجهاد وتحوّلاته، وعند علاقة النساء بالإرهاب سواء كنّ ضحايا له أو منتجات له، ودعوتها إلى ضرورة التفكير في مآلات التحديث وفي مصاير المجتمعات العربية، وهو تفكير بلورته المؤلّفة في أسئلة محرقة تطرح اليوم وبإلحاح من قبيل: أليس الإرهاب اليوم وانخراط عدد من الفتيات فيه ووقوعهنّ تحت براثنه مما يدعو إلى مساءلة المدرسة والأدوار التي تقوم بها أو الأدوار المنقوصة التي كان يفترض أن تتولى القيام بها؟ هل حمت المساواة التي أتت بها كثير من التشريعات في المجتمعات العربية المرأةَ من خطر انخراطها في العنف؟ ما علاقة الإرهاب بأيديولوجيا الجهاد المعولم؟ وإذا نحن ولّينا وجهنا صوب المجتمعات الغربيّة الحديثة ما الذي يغري المرأة الغربيّة بالدخول في الإسلام ولبس الحجاب والإيمان بفكرة الجهاد؟ ما هو السحر الذي باتت تمثّله الحركات المقاتلة العنيفة؟ تدفع مثل هذه الأسئلة إلى ضرورة التفكير الرصين في وضعية المرأة؛ ذلك أنّ التشريعات المتقدّمة رغم ما أتاحته للمرأة من حقوق، لم تحمِ المرأة من هشاشة نفسيّة ظلّت تعانيها وهو ما جعل المرأة اليوم وقودًا للإرهاب سواء عبر الانخراط والمشاركة فيه أو في تلقي نتائجه وتبعاته. يضاف إلى الأمرين الآنف ذكرهما ما يتيحه الكتاب من توسيع دائرة البحث في دراسة الإرهاب بالانفتاح على الواقع المحلّي وأيضًا العالمي بتعقيداته وأيضًا تصويب النظر إلى النساء اللاتي لهنّ صلة بالإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر والسعي إلى فهم الخصائص النفسيّة والاجتماعيّة للفئات التي تنخرط في الإرهاب أو التي هي ضحيّة له.
تحليل وضعيات وحكايات شائقة
ويضيف " حمزة " قائلا لقد كان الإخبار عن هذه الشخصيّات المتصلة بالإرهاب بمنزلة تصوير لها، وهنا يلحظ الدارس الكفاءة في تحليل الوضعيّات وإيراد الحكايات الشائقة لهذه النماذج التي عاشت في تونس أو في أوربا وكيفية تقديمها للقارئ، وفي نقل معاناة الذين يتلقّون تبعات الإرهاب بحكم قرابتهم من الإرهابيّين، من ذلك الحديث عن «الوصم الاجتماعي» وكيف يعنّف الإرهابي أفراد عائلته أو أقاربه ليبيّن قدرته على طيّ صفحة الماضي والولادة من جديد، وكيف أنّ الإرهابي عندما يَعمِد إلى قتل أفراد من أسرته يحكم على الماضي بالموت الاجتماعي، كذلك اهتمام الكتاب بمعاناة «مهمّشات الجهاد»: الأمّهات المدانات بالنيابة، الأمهات اللاتي فقدن العائل والحبيب، الأمّهات اللاتي كنّ ضحايا للإرهاب.
وقد أورد الكتاب نماذج مختلفة للفئات التي تنساق إلى الإرهاب، من لاعب كرة قدم إلى فتاة الكاوبوي، وعبر هذه النماذج نقف عند الأسباب التي ولّدت بشكل مباشر أو غير مباشر هذه الظاهرة ونفخت فيها وكانت دافعًا لفئات عدة من الشباب إلى الانخراط في التنظيمات الجهاديّة، ومن بين هذه الأسباب الفقر والتهميش والغطرسة الأوربية وعدم الاعتراف الاجتماعي ورحلة البحث عن البديل لدى الشباب وأزمة الهوية الدينيّة والثقافية التي تدفع الشباب إلى البحث عن مجال يستوعب ثورته النفسيّة. والحاصل من قراءة هذه الدراسة حول النساء والإرهاب جدّة المقاربة التي اعتمدتها المؤلفة ووجاهتها في فهم الظاهرة وتفكيك دوافعها والفاعلين في نشرها وتوسيع مداها وتعميق آثارها، بيد أنّ المؤلفة وإن استعملت نون النسوة وأخبرت عن هموم النساء في انسياقهن إلى الإرهاب أو في تحمّلهن تبعات انخراط أفراد من أقاربهن في الإرهاب، فإنّ الأسباب والدوافع تتماثل أو تتشابه في كثير من الحالات لدى النساء وكذلك لدى الرجال. تفضي الملاحظة السابقة إلى طرح سؤال حول علاقة النساء بالجندرة: هل تخضع هذه العلاقة بدورها إلى «الجندرة» خصوصًا عندما نتفحص طبيعة المنهج المعتمد والهموم التي يجري التركيز عليها؟ رغم أنّ المؤلفة تؤكّد على أنّ بحثها لم تكتبه امرأة لأشياعها من النساء.
ننتهي إلى أنّ ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة معقدة ومركّبة تضافرت في توليدها عوامل عدّة تداخل فيها الجيوسياسي بالاجتماعي والديني بالسيكولوجي، والبيّن الذي لا اختلاف فيه أنّ الجهاد اليوم تحوّل إلى إرهاب معولم وإلى أيديولوجيا سائلة مفتتة ومبثوثة عبر الميديا الاجتماعية بمختلف محاملها من نصوص وأناشيد دينية وأدعية ومقاطع فيديو وفتاوى تنتج جميعها «بروباغندا» قتالية عنيفة تعمل على توفير معنى جديد لقطاعات كبيرة من الشباب، ولا ننسى أنّ الفضاء التواصلي الجديد سمح لكثير من الفتيات والنساء المنتميات إلى مجتمعات أبوية قائمة على الرقابة بمساحات تحرّر، وقد تعاضد هذا الطابع السري للشبكات التواصلية مع تقويض مفهوم العورة التقليدي الذي كان يقوم على الفصل بين الفضاء الخاص والفضاء العام وتعويضه بفضاء افتراضي بعيد من مراقبة الأهل وأعين الرقيب الأمني.
على أن استشراء ظاهرة الإرهاب، لا يردّ سببه لانتشار شبكة التواصل الاجتماعي فحسب، إنّما تضاف إليه عوامل أخرى مثل التنشئة الاجتماعية التي تنعدم فيها ثقافة الحوار داخل الأسر، ففي المجتمعات التي تعاني الفتيات فيها العزلةَ واليأسَ يتجه عدد منهن إلى البحث عن معنى لحياتهن. صحيح أنّ الجماعات المقاتلة تعمل على غزو الفضاء الافتراضي وكسب التعاطف واقتناص الطاقات والقدرة الفائقة على التعبئة وعلى الإغواء بوساطة خطاب يفتن ويغوي ويؤثّر بشكل كبير في الوجدان، ويكفي تحليل عيّنات من الأناشيد الجهاديّة لنتبين قدرة هذا الضرب من الموسيقا ومن الكلمات المعتمدة ومن السجل العاطفي المستخدم ببراعة، ولندرك حجم الإغواء الذي يمكن أن يفعل فعله في المتقبّل، وإذا أضفنا إلى ذلك ما توفّره المحامل الاتصالية المرئية من مشاهد الحروب والقتل والدمار؛ أدركنا كيف صارت مشاهد العنف «مشغلًا مثيرًا لدى الفتيات» ووسيلة ترفيه مثيرة.
هكذا، فالكتاب يتيح إعادة النظر في كثير من الأفكار النمطية والمتداولة في شأن النساء والإرهاب، وتعديل زوايا النظر للموضوع وتقليب كثير من المسلّمات المتصلة بالإرهاب وبالفاعلين فيه وبالدوافع المسببة له، فالانخراط في الإرهاب ليس دومًا قائمًا على الاستلاب، إنه عمل يراه كثير من الشباب ذكورًا وإناثًا عملًا بطوليًّا وفعلًا تحرّريًّا وموقفًا من الواقع ومن المجتمع فيه إثبات للذات، إنه في حالات عدة صرخة عنيفة تطلقها فتيات ونساء في وجه المجتمع والقيم السائدة، يجلو ذلك شهادات كثير من الفتيات والنساء اللاتي انخرطن في الإرهاب أو اللاتي كنّ ضحية له.
وهنا لا بد من التنبّه إلى خطورة ظاهرة المصالحة مع ثقافة العنف والموت والتشريع للترويع والتوحش لدى فئات يتزايد عددها من الشباب عبر ممارسة العنف المقدّس وصهر الذات في مفهوم «الأمة الافتراضية»، هؤلاء الشباب ذوي الثقافة الدينية السطحيّة الذين لا يعرفون النصوص التأسيسية إلا بالوكالة يمثّلون «أمّية جديدة»، متوافقة مع ما تتيحه الميديا الاجتماعيّة من معرفة يسيرة وسطحيّة بالدين وبالنصوص الجهاديّة وبالمواقف الأصوليّة السلفيّة.
يضاف إلى ذلك تحرير الإبحار على شبكات الإنترنت بعد ثورات ما سمي بـ« الربيع العربي» في كثير من الدول العربية، وهنا نرى كيف وظّفت الحرية وصارت سبيلًا لضرب الحرية خصوصًا مع سيطرة تنظيم داعش على مواقع بروباغندا التجنيد والتعبئة ومواقع تعليم كيفية صناعة الأسلحة والمتفجرات. إنّ الانفجار الإعلامي وقدرة التقنيات التواصلية الحديثة على التأثير في المتقبل والاستحواذ على عقول الشباب عبر «الحشد العاطفي والفكري» جعل علاقة هؤلاء الشباب بمجتمعهم تنفصم تدريجيًّا لتنشأ بديلًا عنها علاقة رومانسيّة بمجتمع بديل.
وتخلص الدراسة الي : إنّ هذا الإرهاب المعولم تحت اسم الجهاد، الذي تسانده في الشرق كما في الغرب كتابات مشرعنة للعنف تحت غطاء ديني أو سياسي ما، تعمل على تمجيد الموت وطلبه والتغني به وتسويقه، قد تحوّل إلى سلعة إسلامية رائجة في سوق التبادل في العالم الإسلامي وأيضًا في الغرب، خصوصًا أنّ السلفية المقاتلة في الغرب تمتح وتتغذى من «مخيال سياسي» يسمح لها بأن تصوّر نفسها جزءًا لا يتجزأ من معركة عالمية بين قوى الإسلام والغرب بما يسهم في إحداث تحوّل في معتقدات المسلمين الغربيين نحو تبنّيهم أيديولوجيا إسلامية عنيفة، إنّ مثل هذه التحوّلات تدعو إلى استحداث أدوات جديدة لقراءة الإرهاب في عوالمه المختلفة شرقًا وغربًا وفي مداراته المتعدّية الواقعي منها والافتراضي خصوصًا أن الإرهاب صار يساس بشكل متزامن من أرض المعركة ومن فضاء افتراضي يحتوي كل عناصر الحرب التقليدية، وفي مختلف الفاعلين المنشئين له رجالًا ونساءً، ونقدّر أنّ كتاب الباحثة آمال قرامي النساء والإرهاب يمثّل إسهامًا ذا قيمة في تجديد المقاربة في موضوع التطرّف والإرهاب.