«حقيقة التنظيم الخاص».. كتاب يفضح تناقض الإخوان
السبت 23/يونيو/2018 - 10:34 ص
طباعة
دعاء إمام
منذ تأسيس جماعة الإخوان (1928)، طمع حسن البنّا المرشد الأول، في الوصول إلى أستاذية العالم، وإعلان الخلافة الإسلاميَّة المزعومة؛ ولأجل هذا أنشأ التنظيم الخاص عام 1940 (كيان سري عسكري)؛ أملًا في تكوين «جيش مسلم» يساعده في الوصول لمنصب «الخليفة»، فانصرف هذا الجيش عن المهام المرسومة له إلى قتل شخصيات سياسية مصرية وتورط في تفجيرات وأعمال عنف منذ الأربعينيات.
تلك هي الفكرة التي يدور في فلكها كتاب «حقيقة التنظيم الخاص» لمؤلفه محمود الصبّاغ أحد قادة التنظيم، وهو من مواليد مدينة الزقازيق (شرقي مصر) عام 1918. حيث استهل الكتاب برد أعمال العنف التي قامت بها الجماعة إلى «الجهاد»، فجمع دور الإخوان في فلسطين، بحملة اغتيالات السياسيين المصريين الذين خالفوا الجماعة الرأي، أو أصدروا قرارات ضدها مثل حل الجماعة عام 1948.
تناول الكاتب في الفصل الأول عن «الجهاد»، فاتخذ من آيات وأحاديث الجهاد دستورًا للتنظيم؛ دون أن يفرّق بين الظرف الذي نزلت فيه تلك الآيات، خاصة أن «الصبّاغ» لم يكن من خريجي الكليات الشرعية، بل درس في كلية العلوم شعبة الرياضيات والفيزياء ومن خلالها انضم لجماعة الإخوان 1939 بعد أن التقى بزميله مصطفى مشهور (أحد رجال النظام الخاص والمرشد الخامس للجماعة فيما بعد).
استند على رسالة «البنّا» للتنظيم الخاص حول الجهاد، قائلًا:«إن هذه الرسالة تحمل فكر الإخوان»، وتمحورت تعاليم مؤسس الجماعة حول حث أعضاء التنظيم على القتال، وكان نصها: «أيها الإخوان: إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا، وﻣﺎ اﻟﻮھﻢ اﻟذي أذﻟﻨﺎ إﻻ حب اﻟدﻧﯿﺎ، وﻛﺮاهية اﻟﻤﻮت، فأعدوا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻟﻌﻤﻞ ﻋﻈﯿﻢ واﺣﺮﺻﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ﺗﻮھﺐ ﻟﻜﻢ اﻟﺤﯿﺎة».
تطرق «الصبّاغ» إلى تكوين الجيش المسلم، والمسؤول عنه «عبدالرحمن السندي». حمل المحتوى قدرًا من التناقض في تبرير إنشاء التنظيم، محاولًا فرض وجهة نظره كأحد قيادات التنظيم الخاص. إذ أسهب في الحديث عن دور قضية السيارة الجيب (سيارة كانت تحوي وثائق وخططًا لاستهداف منشآت وأوراقًا تخص الهيكل التنظيمي للتنظيم الخاص، ولاحقتها الشرطة أثناء نقل هذه الوثائق من مقر إلى آخر عام 1948) في كشف التنظيم الخاص.
وعن أحكام البراءة الصادرة بحق قيادات الإخوان في قضية السيارة الجيب، اعترف «الصبّاغ» أن بعض القضاة كان لهم دورٌ في تخفيف العقوبة على القيادات المدانة، الذين رأت المحكمة أنهم انحرفوا عن المسار السلكي الذي رسمه مؤسس الجماعة، ثم الحكم بالبراءة لصالح آخرين، على الرغم من أن المسؤولين عن التنظيم والقيادات يعملون جميعًا بأوامر«البنّا».
شهادة «الصبّاغ» بشأن القضاة تتنافى مع ما ورد في كتاب زميله «أحمد عادل كمال» المتهم الرئيسي في حادث السيارة الجيب، الذي لم يشر في مذكراته «النقط فوق الحروف» لأي دور للقضاة في أحكام البراءة، في حين أن الصبّاغ ذَكر دور القاضيين «أحمد كمال ومحمود عبداللطيف» وكان أحدهما رئيس محكمة جنايات القاهرة والأخر عضو اليمين بالمحكمة، في سياق تمجيده للوثائق المضبوطة بالسيارة والتي اعتبرها مصدرًا للفخر وليس الإدانة، والقاضيان انضما للإخوان فيما بعد.
لم يكن حديثه عن مقتل محمود فهمي النقراشي (رئيس وزراء مصر في الأربعينيات، صاحب قرار حل الجماعة 1948) سوى مجموعة من التناقضات ومحاولات التمييع لعملية الاغتيال التي نفذها أعضاء التنظيم الخاص. ففي مستهل حديثه عن «النقراشي» قال إن الرجل حفر قبره بيديه حين أقدم على حل الجماعة «الدعوية»؛ لذا فموته كان محتومًا سواء بأيدي الإخوان أو غيرهم من الغيورين على الدعوة، الذين لا يرضيهم أن يظل عدو الإسلام هذا على قيد الحياة.
يقول عن منفذ العملية ومعاونيه:«كان عبدالمجيد أحمد حسن (عضو التنظيم الخاص) ورفاقه متأكدين وهم يقومون بهذا العمل أن قتل المحاربين لدين الإسلام فرض عين على كل مسلم ومسلمة؛ فأقدموا على هذه العبادة المفروضة عليهم من لدن حكيم خبير دون الحاجة إلى توجيه من جماعة أو هيئة، ولو تأخروا لأداها غيرهم من شباب مصر»، ناسيًا أو متناسيًا تبرؤ «البنّا» من المنفذين وجملته الشهيرة «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين». أباح «الصبّاغ» دماء رئيس الوزراء لأنه كان يحارب الدعوة، متجاهلًا انخراص الجماعة في الشؤون السياسية.
بينما يسرد تفاصيل ذاك الحادث، يؤكد أن الوثائق التي ضُبطت بالسيارة الجيب، وكانت تحوي خرائط لأماكن يُخطط لتخريبها وتنفيذ عمليات بها مما دفع النقراشي إلى حل الجماعة، كانت أمور لم تنفذ بعد، قائلًا:(لو الدولة تحكم بالشريعة بدلًا من القوانين الوضعية، لما حاسبت الإخوان على ذنوب لم يقوموا بها، ففي الدين لو نوى المرء عمل سيئة ولم يفعلها كتبت له حسنة).
يُبدل رؤيته في الجماعة، فيعترف بتدخل الإخوان في السياسة، معترضًا على من يقول إن الجماعة بدأت بالدعوة فهو يرى أن الدعوة تشمل الدين والدولة «الدين والسياسة»؛ لذا لا حرج في أن يكن للإخوان دور سياسي، وهو ما يتنافى مع حديثه السابق عن عداء النقراشي للجماعة الدعوية التي لا شأن لها بالسياسة وأنه كان يحارب الإسلام لا الجماعة.
ودلّل على ذلك بالكتيب الذي كتبه «البنّا» ونشر عام 1948 بعنوان «مشكلتنا الاقتصادية والدستورية» جاء فيه: «من ظنّ أن الإسلام لا يعرض للسياسة وأن السياسة ليست من مباحه فقد ظلم نفسه، وليس صحيحًا فصل الدين عن السياسة، والجماعة لا تناهض نظام الحكم في مصر آنذاك، وتراه متفقًا مع مبادئ الإسلام». وفي ختام كتابه قال إن محاولة اغتيال إبراهيم عبدالهادي (رئيس وزراء مصر من 1948 حتى 1949) تمت لأنه كان قائدًا لحكومة تحارب الإسلام!
ويعود مجددًا لوثائق السيارة الجيب بسيناريو أخر، فبعدما تطرق إلى مراحل انضمام العضو إلى النظام الخاص، أشار إلى أن الجماعة كانت ترسم خططًا وهمية لتدمير منشآت وتضعها بحوزة العضو الجديد كاختبار عن مدى التزامه بالسرية وتنفيذ الأمر مهما كان، إضافة إلى اختبار قوة تحمله في حال تم القبض عليه، وبهذه الرواية يكذّب روايته السابقة التي تقضي بأن الوثائق كانت لعمليات لم تنفذ، وتتحول إلى أنها لم تكن مكتوبة بغرض التنفيذ ولكنها في سياق الاختبارات التي يمر بها أعضاء التنظيم الخاص الجدد، متجاهلًا أن من بينها ما كان بالفعل قد حدث.
الكاتب تطرق إلى ظروف تكوين النظام الخاص والتي لخصها في مقاومة الاحتلال والمساهمة في تحرير فلسطين، ثم أوضح أن قانون التكوين كُتب بخط يده هو و«السندي» وأخرين، ومن بين نصوص القانون قال إن من يفشي سر التنظيم سواء بقصد أو دون قصد يتم إعدامه على الفور. وفي هذا الصدد وقع «الصبّاغ» في مخالفة فقهية وهي عدم التفرقة الشرعية؛ فالشريعة والقانون يفرقان بين من يرتكب جرمًا متعمدًا أو بحسن نية وتتفاوت العقوبات طبقًا لذلك، ولكنه وحّد العقوبة دون النظر للجانب الشرعي.
يقسّم «الصباغ» الجهاد إلى نوعين: أولهما القتال في سبيل الله ضد الصهاينة، والثاني قتال أعداء الله، والأخير هذا يبرر به حملة الاغتيالات السياسية التي نفذها التنظيم الخاص والإخوان، مفرقًا بين ما تم بدوافع وطنية، وبين الدوافع الدينية، فقال:«التزم الإخوان بعدم القيام بأي عمل فدائي ضد إنسان مسلم، إلا الذين أعلنوا الحرب على الإسلام، ولذلك فإنهم قضوا عليهم من أقصر الطرق وهي الاغتيال».
أما عن اغتيال أحمد الخاذندار (قاض مصري قتله بعض أعضاء النظام الخاص 1948)، فيصفه أنه إساءة للإخوان وأن بعض الأفراد استحلوا لأنفسهم القيام بهذه الجريمة، رغم تورط «السندي» رئيس التنظيم الخاص في الحادث هو واثنين من أعوانه، إلا أن «الصبّاغ» يقول إن الجماعة بريئة من هذا الحادث لأن القيادة «حسن البنّا» لم يكن على علم، وهو تصرف فردي من السندي ومحمود سعيد زينهم، وحسن عبدالحافظ القيادي بالتنظيم، الذي قال عنه:«كان يعشق أن يؤدب حكام مصر المنحرفين، وانضم للتنظيم لرغبته في أن ينال شرف قطع رؤسهم».
و في ختام الكتاب أورد حديث متقطع عن قضية الأوكار، وهي الشقق التي كان يستأجرها الإخوان المتطوعون العائدون من حرب فلسطين، وكانوا يشتبكون مع قوات الشرطة المكلفة بالقبض عليهم مستخدمين الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، التي كانوا يصنعونها في ورش الأسلحة ببعض الفيلات، مجيزًا قتال رجال الشرطة باعتبارهم أعداء الله.
وأظهر الكتاب آلية التفكير والطبيعة النفسية للفرد المنتمي للإخوان عامة وللتنظيم خاصة، ويوضح ضحالة المعرفة الإسلاميَّة مع الحماسة الشديدة للدفاع عن الدين التي أدت لارتكاب عمليات قتل واغتيال وتخريب تحت مسمى محاربة الحكام الخونة الكفار، مع التبرير ومحاولة فرض وجهة النظر وتفخيم كل ما يقوم به الإخوان وترفعهم عن الحساب أو مراجعة أفعالهم.
تلك هي الفكرة التي يدور في فلكها كتاب «حقيقة التنظيم الخاص» لمؤلفه محمود الصبّاغ أحد قادة التنظيم، وهو من مواليد مدينة الزقازيق (شرقي مصر) عام 1918. حيث استهل الكتاب برد أعمال العنف التي قامت بها الجماعة إلى «الجهاد»، فجمع دور الإخوان في فلسطين، بحملة اغتيالات السياسيين المصريين الذين خالفوا الجماعة الرأي، أو أصدروا قرارات ضدها مثل حل الجماعة عام 1948.
تناول الكاتب في الفصل الأول عن «الجهاد»، فاتخذ من آيات وأحاديث الجهاد دستورًا للتنظيم؛ دون أن يفرّق بين الظرف الذي نزلت فيه تلك الآيات، خاصة أن «الصبّاغ» لم يكن من خريجي الكليات الشرعية، بل درس في كلية العلوم شعبة الرياضيات والفيزياء ومن خلالها انضم لجماعة الإخوان 1939 بعد أن التقى بزميله مصطفى مشهور (أحد رجال النظام الخاص والمرشد الخامس للجماعة فيما بعد).
استند على رسالة «البنّا» للتنظيم الخاص حول الجهاد، قائلًا:«إن هذه الرسالة تحمل فكر الإخوان»، وتمحورت تعاليم مؤسس الجماعة حول حث أعضاء التنظيم على القتال، وكان نصها: «أيها الإخوان: إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا، وﻣﺎ اﻟﻮھﻢ اﻟذي أذﻟﻨﺎ إﻻ حب اﻟدﻧﯿﺎ، وﻛﺮاهية اﻟﻤﻮت، فأعدوا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻟﻌﻤﻞ ﻋﻈﯿﻢ واﺣﺮﺻﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ﺗﻮھﺐ ﻟﻜﻢ اﻟﺤﯿﺎة».
تطرق «الصبّاغ» إلى تكوين الجيش المسلم، والمسؤول عنه «عبدالرحمن السندي». حمل المحتوى قدرًا من التناقض في تبرير إنشاء التنظيم، محاولًا فرض وجهة نظره كأحد قيادات التنظيم الخاص. إذ أسهب في الحديث عن دور قضية السيارة الجيب (سيارة كانت تحوي وثائق وخططًا لاستهداف منشآت وأوراقًا تخص الهيكل التنظيمي للتنظيم الخاص، ولاحقتها الشرطة أثناء نقل هذه الوثائق من مقر إلى آخر عام 1948) في كشف التنظيم الخاص.
وعن أحكام البراءة الصادرة بحق قيادات الإخوان في قضية السيارة الجيب، اعترف «الصبّاغ» أن بعض القضاة كان لهم دورٌ في تخفيف العقوبة على القيادات المدانة، الذين رأت المحكمة أنهم انحرفوا عن المسار السلكي الذي رسمه مؤسس الجماعة، ثم الحكم بالبراءة لصالح آخرين، على الرغم من أن المسؤولين عن التنظيم والقيادات يعملون جميعًا بأوامر«البنّا».
شهادة «الصبّاغ» بشأن القضاة تتنافى مع ما ورد في كتاب زميله «أحمد عادل كمال» المتهم الرئيسي في حادث السيارة الجيب، الذي لم يشر في مذكراته «النقط فوق الحروف» لأي دور للقضاة في أحكام البراءة، في حين أن الصبّاغ ذَكر دور القاضيين «أحمد كمال ومحمود عبداللطيف» وكان أحدهما رئيس محكمة جنايات القاهرة والأخر عضو اليمين بالمحكمة، في سياق تمجيده للوثائق المضبوطة بالسيارة والتي اعتبرها مصدرًا للفخر وليس الإدانة، والقاضيان انضما للإخوان فيما بعد.
لم يكن حديثه عن مقتل محمود فهمي النقراشي (رئيس وزراء مصر في الأربعينيات، صاحب قرار حل الجماعة 1948) سوى مجموعة من التناقضات ومحاولات التمييع لعملية الاغتيال التي نفذها أعضاء التنظيم الخاص. ففي مستهل حديثه عن «النقراشي» قال إن الرجل حفر قبره بيديه حين أقدم على حل الجماعة «الدعوية»؛ لذا فموته كان محتومًا سواء بأيدي الإخوان أو غيرهم من الغيورين على الدعوة، الذين لا يرضيهم أن يظل عدو الإسلام هذا على قيد الحياة.
يقول عن منفذ العملية ومعاونيه:«كان عبدالمجيد أحمد حسن (عضو التنظيم الخاص) ورفاقه متأكدين وهم يقومون بهذا العمل أن قتل المحاربين لدين الإسلام فرض عين على كل مسلم ومسلمة؛ فأقدموا على هذه العبادة المفروضة عليهم من لدن حكيم خبير دون الحاجة إلى توجيه من جماعة أو هيئة، ولو تأخروا لأداها غيرهم من شباب مصر»، ناسيًا أو متناسيًا تبرؤ «البنّا» من المنفذين وجملته الشهيرة «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين». أباح «الصبّاغ» دماء رئيس الوزراء لأنه كان يحارب الدعوة، متجاهلًا انخراص الجماعة في الشؤون السياسية.
بينما يسرد تفاصيل ذاك الحادث، يؤكد أن الوثائق التي ضُبطت بالسيارة الجيب، وكانت تحوي خرائط لأماكن يُخطط لتخريبها وتنفيذ عمليات بها مما دفع النقراشي إلى حل الجماعة، كانت أمور لم تنفذ بعد، قائلًا:(لو الدولة تحكم بالشريعة بدلًا من القوانين الوضعية، لما حاسبت الإخوان على ذنوب لم يقوموا بها، ففي الدين لو نوى المرء عمل سيئة ولم يفعلها كتبت له حسنة).
يُبدل رؤيته في الجماعة، فيعترف بتدخل الإخوان في السياسة، معترضًا على من يقول إن الجماعة بدأت بالدعوة فهو يرى أن الدعوة تشمل الدين والدولة «الدين والسياسة»؛ لذا لا حرج في أن يكن للإخوان دور سياسي، وهو ما يتنافى مع حديثه السابق عن عداء النقراشي للجماعة الدعوية التي لا شأن لها بالسياسة وأنه كان يحارب الإسلام لا الجماعة.
ودلّل على ذلك بالكتيب الذي كتبه «البنّا» ونشر عام 1948 بعنوان «مشكلتنا الاقتصادية والدستورية» جاء فيه: «من ظنّ أن الإسلام لا يعرض للسياسة وأن السياسة ليست من مباحه فقد ظلم نفسه، وليس صحيحًا فصل الدين عن السياسة، والجماعة لا تناهض نظام الحكم في مصر آنذاك، وتراه متفقًا مع مبادئ الإسلام». وفي ختام كتابه قال إن محاولة اغتيال إبراهيم عبدالهادي (رئيس وزراء مصر من 1948 حتى 1949) تمت لأنه كان قائدًا لحكومة تحارب الإسلام!
ويعود مجددًا لوثائق السيارة الجيب بسيناريو أخر، فبعدما تطرق إلى مراحل انضمام العضو إلى النظام الخاص، أشار إلى أن الجماعة كانت ترسم خططًا وهمية لتدمير منشآت وتضعها بحوزة العضو الجديد كاختبار عن مدى التزامه بالسرية وتنفيذ الأمر مهما كان، إضافة إلى اختبار قوة تحمله في حال تم القبض عليه، وبهذه الرواية يكذّب روايته السابقة التي تقضي بأن الوثائق كانت لعمليات لم تنفذ، وتتحول إلى أنها لم تكن مكتوبة بغرض التنفيذ ولكنها في سياق الاختبارات التي يمر بها أعضاء التنظيم الخاص الجدد، متجاهلًا أن من بينها ما كان بالفعل قد حدث.
الكاتب تطرق إلى ظروف تكوين النظام الخاص والتي لخصها في مقاومة الاحتلال والمساهمة في تحرير فلسطين، ثم أوضح أن قانون التكوين كُتب بخط يده هو و«السندي» وأخرين، ومن بين نصوص القانون قال إن من يفشي سر التنظيم سواء بقصد أو دون قصد يتم إعدامه على الفور. وفي هذا الصدد وقع «الصبّاغ» في مخالفة فقهية وهي عدم التفرقة الشرعية؛ فالشريعة والقانون يفرقان بين من يرتكب جرمًا متعمدًا أو بحسن نية وتتفاوت العقوبات طبقًا لذلك، ولكنه وحّد العقوبة دون النظر للجانب الشرعي.
يقسّم «الصباغ» الجهاد إلى نوعين: أولهما القتال في سبيل الله ضد الصهاينة، والثاني قتال أعداء الله، والأخير هذا يبرر به حملة الاغتيالات السياسية التي نفذها التنظيم الخاص والإخوان، مفرقًا بين ما تم بدوافع وطنية، وبين الدوافع الدينية، فقال:«التزم الإخوان بعدم القيام بأي عمل فدائي ضد إنسان مسلم، إلا الذين أعلنوا الحرب على الإسلام، ولذلك فإنهم قضوا عليهم من أقصر الطرق وهي الاغتيال».
أما عن اغتيال أحمد الخاذندار (قاض مصري قتله بعض أعضاء النظام الخاص 1948)، فيصفه أنه إساءة للإخوان وأن بعض الأفراد استحلوا لأنفسهم القيام بهذه الجريمة، رغم تورط «السندي» رئيس التنظيم الخاص في الحادث هو واثنين من أعوانه، إلا أن «الصبّاغ» يقول إن الجماعة بريئة من هذا الحادث لأن القيادة «حسن البنّا» لم يكن على علم، وهو تصرف فردي من السندي ومحمود سعيد زينهم، وحسن عبدالحافظ القيادي بالتنظيم، الذي قال عنه:«كان يعشق أن يؤدب حكام مصر المنحرفين، وانضم للتنظيم لرغبته في أن ينال شرف قطع رؤسهم».
و في ختام الكتاب أورد حديث متقطع عن قضية الأوكار، وهي الشقق التي كان يستأجرها الإخوان المتطوعون العائدون من حرب فلسطين، وكانوا يشتبكون مع قوات الشرطة المكلفة بالقبض عليهم مستخدمين الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، التي كانوا يصنعونها في ورش الأسلحة ببعض الفيلات، مجيزًا قتال رجال الشرطة باعتبارهم أعداء الله.
وأظهر الكتاب آلية التفكير والطبيعة النفسية للفرد المنتمي للإخوان عامة وللتنظيم خاصة، ويوضح ضحالة المعرفة الإسلاميَّة مع الحماسة الشديدة للدفاع عن الدين التي أدت لارتكاب عمليات قتل واغتيال وتخريب تحت مسمى محاربة الحكام الخونة الكفار، مع التبرير ومحاولة فرض وجهة النظر وتفخيم كل ما يقوم به الإخوان وترفعهم عن الحساب أو مراجعة أفعالهم.