باحث في الصوفية: «الطرقية» العربية غير مؤهلة للتعبئة ضد التطرف
الأحد 05/أغسطس/2018 - 03:45 م
طباعة
سارة رشاد
كثيرًا ما طُرحت الصوفية بديلًا للإسلام السياسي، باعتبارها منهجًا فكريًّا يناقض هذه التوجهات المتشددة. ورغم الفشل السياسي والفكري، الذي أثبتته بعدما راهن الغرب عليها، بعد أحداث 11 سبتمبر (كبرى العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة)، فإنها مازالت أحد الاحتمالات التي يستدعيها البعض من وقت إلى آخر، كلما اشتدت موجة التطرف. وفي ظل التراجع الذي يتعرض له تنظيم «داعش» الإرهابي، عاد الحديث مجددًا عن دور الصوفية في المواجهة الفكرية للتنظيم.
الباحث المصري في الشأن الصوفي، مصطفى زهران، يقدم لــ«المرجع»، رؤيته حول استدعاء الحالة الصوفية العربية للقيام بهذا الدور، محللًا الأسباب التي سمحت باختراق التيارات الراديكالية، للمجتمعات العربية رغم التراث الصوفي الضخم الذي تمتلكه.
- في البداية، كيف تقيّم الحالة الصوفية العربية، في ظل موجة التشدد التي تسيطر على المنطقة؟
التصوف في المنطقة العربية ينقسم إلى قسمين، طرقي وهو الأعم، والتصوف كمنهج وأيديولوجيا، ويقصد به المحبون للصوفية بلا طريقة. ولو تناولنا الحالة الطرقية العربية سنجدها في تراجع من النواحي المنهجية، والشكلية والطقوسية أيضًا؛ نظرًا لأنها لم تقدم شكلًا جديدًا يمكنها من تقديم نفسها للجمهور العربي.
وبالتالي ظلت الحالة الطرقية العربية، محافظة على كلاسيكيتها وتقليديتها، إلى حد كبير ولم تتطور بالشكل الذي يواكب التحولات، التي تشهدها المنطقة العربية.
وللإنصاف، فإن هناك طرقًا حاولت تقديم التصوف بشكل منهجي وعلمي، إلا أنها تعرضت على خلفية ذلك، لانتقادات من داخل الحالة الطرقية الصوفية، التي تعاني حالة من التراجع والتقليدية، اختصرتها داخل شكل فلكلوري شعبي، جعلها رهينة للمشهد المجتمعي والسياسي
- في رأيك، لماذا تجد الجماعات المتطرفة فرصة للصعود في المجتمعات العربية، رغم انتشار المنهج الصوفي فيها؟
عندما نستعيد ماضي الحالة الصوفية، نجد أن الطرق لديها تاريخ حافل في مواجهة المستعمر وفي القيام بدور سياسي وآخر مجتمعي، في تأطير وتنظيم التربية والأخلاق، لدى جيل كان هو الرئيسي في مواجهة الاحتلال. كما كان لها دور في محاربة حالة الاستغراب التي أعقبت سقوط الخلافة العثمانية (آخر الدول الإسلامية، سقطت في 1922، والخلافة مصطلح يشير إلى الدولة الجامعة التي يعيش داخلها المسلمون، أصله: يخلف أي يلي الشيء ويقصد به الدولة التي تلت العهد الأول للنبوة وتسير على نهجه).
تعرضت الصوفية بعد هذه الفترة لحالة تراجع، تحديدًا في مصر، التي تعتبر رمانة الميزان في العالمين العربي والإسلامي، ما كان له مردود على الحالة الصوفية العربية. وعقب ذلك بفترة قصيرة جاءت ما تسمى بـــ«الصحوة الإسلامية» (مصطلح ابتدعه أصحاب التيارات المتشددة ويشير للعودة إلى الدين، من وجهة نظر تميل للاستغراق في التراث)، وتعززت هذه «الصحوة» بصعود الإسلاميين في مصر في فترة السبعينيات من القرن الماضي، كل ذلك صب في اتجاه تحييد الدور الصوفي والحد من تأثيره المجتمعي.
وخلال فترة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر (1918: 1970) اتخذت بعض القرارات التي حجمت من الحالة الصوفية، مقابل تكوين جمعيات سلفية، مثل أنصار السنة المحمدية (تعتبر الكيان الممهد لظهور باقي التيارات الإسلامية في مصر والمنطقة العربية وسبق جماعة الإخوان، التي تقول عن نفسها إنها الجماعة الأم للإسلاميين).
تزامن الصعود المتشدد مع قلة في أعداد علماء الصوفية، الذين كانوا يردون على ما قدمه الإسلاميون، لكنهم لم يستطيعوا الحفاظ على التأثير المجتمعي للصوفية، الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر السابق، وعالم صوفي، والشيخ عبدالغني صالح الجعفري (نجل مؤسس الطريقة الجعفرية إحدى أبرز الطرق الصوفية في مصر).
- رغم أن التصوف العربي أصله عراقي ومغاربي، فإن كلًا منهما يحتضن التنظيمات الجهادية، فالعراق شهد مولد «داعش»، والمغرب العربي صدّر أعدادًا كبيرة من المتطرفين.. كيف ترى هذا التناقض؟
- رغم أن الحالة الصوفية في العراق والمغرب على وجه التحديد، تعتبر أفضل من مثيلتهما في مصر، والتي تبدو وكأنها انتهت، فإن التصوف المغاربي والعراقي، عجز عن التصدي للأفكار المتطرفة، وسبب ذلك في رأيي تراجع تأثيره المجتمعي، خاصة أنه متمسك بشكله التقليدي، سواء في الرسائل التي يقدمها أو في طريقة تقديمها من عدم مواكبة التطورات التكنولوجية.
ولا ينفي ذلك أن بعض الطرق المغاربية، حاولت تقديم تجارب تجديدية، مثل الكركرية (أسسها عالم دين يدعى محمد فوزي الكركري)، إلا أنها كانت تجربة في شكل الزي وحسب، وهو الأمر الذي لا يرقى لمواجهة التطرف. إذًا فالمشكلة الحقيقية في المغرب العربي والعراق، في كون طرقهما لم تعد تواكب تطورات المشهدين الإسلامي والعالمي، ولم تعد تقوى على التعبئة.
- بالنسبة لصوفية العراق، كيف ترى تجربتها منذ صعود تنظيم «داعش» وحتى القضاء على دولته المزعومة؟
لم تتعرض الطرق الصوفية في العراق للتراجع بفعل ظهور «داعش»، ولكن يمكن القول إن ظهور التنظيم، عزز من تواري الصوفية عن المشهد، لكن الحقيقة تقول إن الصوفية في العراق توارت منذ دخل الاحتلال الأمريكي، وبات المشهد مفتوحًا أمام حمل السلاح.
- إذًا هل هي قادرة على معالجة ما أفسده «الدواعش»؟
في رأيي أن ذلك غير وارد لأسباب منها، التطاحن المذهبي الذي يقضي على كل محاولة للتعايش. وإحقاقًا للحق، فإن بعض الطرق حاولت تقديم نماذج بديلة، لشغل فراغ الجماعات الراديكالية، معتمدة على البنية القوية، التي تتمتع بها الصوفية في العراق، إلا أن كل ذلك لم يؤتِ ثماره في ظل الشرخ المذهبي العميق.
- هل تمتلك المكتبة الفكرية للصوفية القدرة على مواجهة المكتبة الفكرية للتنظيمات الإرهابية؟
أعتقد أن الطرق الصوفية العربية، تمتلك مكتبة قوية، قادرة على تفنيد أفكار المتشددين والرد عليها، لكن الأزمة في كون هذه المكتبة تحتوى على مراجع ضخمة، يصعب تقديمها للشباب الذي يميل للرسائل السريعة التي يحرص «داعش» على توفيرها له. وفي ظني أن هذه المكتبة لم تتعرض لأي تجديد كالتبسيط واختيار ما يلائم منها متطلبات المرحلة، لهذا تبقى الصوفية عاجزة عن مخاطبة شباب المتشددين، ويبقى خطابها مقتصرًا على المنتمين لها أصلًا.
- لماذا يعتبر الإنتاج الفكري (الكتب والمجلات) للصوفية في المغرب العربي وتركيا، أكثر من نظيره المصري؟
الحالة الصوفية المغربية والتركية، تمر بمرحلة نهضة تسعى من خلالها بعض الطرق، لتقديم منهج علمي لها، متجاوزة فكرة التصوف الشكلي الفلكلوري. والسبب في ذلك إدراكهم أن التصوف الشكلي ضعيف التأثير وسبب ضياع قوة الصوفية.
- يتمتع التصوف في أوروبا بقبول، إلى الدرجة التي جعلته أحد المداخل لاعتناق الإسلام، من هذا المنطلق، هل تتوقع أن تتيح الحكومات الغربية مساحات واسعة في الفترة القادمة للصوفية لمواجهة ظاهرة «الذئاب المنفردة»؟
في ظني أن الطرق الصوفية، غير قادرة على القيام بالتعبئة والحشد سواء في المشرق أو المغرب؛ لذلك فقبول التصوف في أوروبا، لا يعني أنه سيقوم بدور أمام ظاهرة الذئاب المنفردة. وأي حديث عن دور صوفي خارج المنطقة العربية، لن يكون سليما إلا إذا نهضت الصوفية في موطنها، ومن ثم تنتقل هذه التجربة إلى التصوف في الخارج. وقتها فقط سيلبي التصوف شبع الشباب المتجه نحو التطرف، لعدم توفر توجهات فكرية بديلة.
الباحث المصري في الشأن الصوفي، مصطفى زهران، يقدم لــ«المرجع»، رؤيته حول استدعاء الحالة الصوفية العربية للقيام بهذا الدور، محللًا الأسباب التي سمحت باختراق التيارات الراديكالية، للمجتمعات العربية رغم التراث الصوفي الضخم الذي تمتلكه.
- في البداية، كيف تقيّم الحالة الصوفية العربية، في ظل موجة التشدد التي تسيطر على المنطقة؟
التصوف في المنطقة العربية ينقسم إلى قسمين، طرقي وهو الأعم، والتصوف كمنهج وأيديولوجيا، ويقصد به المحبون للصوفية بلا طريقة. ولو تناولنا الحالة الطرقية العربية سنجدها في تراجع من النواحي المنهجية، والشكلية والطقوسية أيضًا؛ نظرًا لأنها لم تقدم شكلًا جديدًا يمكنها من تقديم نفسها للجمهور العربي.
وبالتالي ظلت الحالة الطرقية العربية، محافظة على كلاسيكيتها وتقليديتها، إلى حد كبير ولم تتطور بالشكل الذي يواكب التحولات، التي تشهدها المنطقة العربية.
وللإنصاف، فإن هناك طرقًا حاولت تقديم التصوف بشكل منهجي وعلمي، إلا أنها تعرضت على خلفية ذلك، لانتقادات من داخل الحالة الطرقية الصوفية، التي تعاني حالة من التراجع والتقليدية، اختصرتها داخل شكل فلكلوري شعبي، جعلها رهينة للمشهد المجتمعي والسياسي
- في رأيك، لماذا تجد الجماعات المتطرفة فرصة للصعود في المجتمعات العربية، رغم انتشار المنهج الصوفي فيها؟
عندما نستعيد ماضي الحالة الصوفية، نجد أن الطرق لديها تاريخ حافل في مواجهة المستعمر وفي القيام بدور سياسي وآخر مجتمعي، في تأطير وتنظيم التربية والأخلاق، لدى جيل كان هو الرئيسي في مواجهة الاحتلال. كما كان لها دور في محاربة حالة الاستغراب التي أعقبت سقوط الخلافة العثمانية (آخر الدول الإسلامية، سقطت في 1922، والخلافة مصطلح يشير إلى الدولة الجامعة التي يعيش داخلها المسلمون، أصله: يخلف أي يلي الشيء ويقصد به الدولة التي تلت العهد الأول للنبوة وتسير على نهجه).
تعرضت الصوفية بعد هذه الفترة لحالة تراجع، تحديدًا في مصر، التي تعتبر رمانة الميزان في العالمين العربي والإسلامي، ما كان له مردود على الحالة الصوفية العربية. وعقب ذلك بفترة قصيرة جاءت ما تسمى بـــ«الصحوة الإسلامية» (مصطلح ابتدعه أصحاب التيارات المتشددة ويشير للعودة إلى الدين، من وجهة نظر تميل للاستغراق في التراث)، وتعززت هذه «الصحوة» بصعود الإسلاميين في مصر في فترة السبعينيات من القرن الماضي، كل ذلك صب في اتجاه تحييد الدور الصوفي والحد من تأثيره المجتمعي.
وخلال فترة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر (1918: 1970) اتخذت بعض القرارات التي حجمت من الحالة الصوفية، مقابل تكوين جمعيات سلفية، مثل أنصار السنة المحمدية (تعتبر الكيان الممهد لظهور باقي التيارات الإسلامية في مصر والمنطقة العربية وسبق جماعة الإخوان، التي تقول عن نفسها إنها الجماعة الأم للإسلاميين).
تزامن الصعود المتشدد مع قلة في أعداد علماء الصوفية، الذين كانوا يردون على ما قدمه الإسلاميون، لكنهم لم يستطيعوا الحفاظ على التأثير المجتمعي للصوفية، الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر السابق، وعالم صوفي، والشيخ عبدالغني صالح الجعفري (نجل مؤسس الطريقة الجعفرية إحدى أبرز الطرق الصوفية في مصر).
- رغم أن التصوف العربي أصله عراقي ومغاربي، فإن كلًا منهما يحتضن التنظيمات الجهادية، فالعراق شهد مولد «داعش»، والمغرب العربي صدّر أعدادًا كبيرة من المتطرفين.. كيف ترى هذا التناقض؟
- رغم أن الحالة الصوفية في العراق والمغرب على وجه التحديد، تعتبر أفضل من مثيلتهما في مصر، والتي تبدو وكأنها انتهت، فإن التصوف المغاربي والعراقي، عجز عن التصدي للأفكار المتطرفة، وسبب ذلك في رأيي تراجع تأثيره المجتمعي، خاصة أنه متمسك بشكله التقليدي، سواء في الرسائل التي يقدمها أو في طريقة تقديمها من عدم مواكبة التطورات التكنولوجية.
ولا ينفي ذلك أن بعض الطرق المغاربية، حاولت تقديم تجارب تجديدية، مثل الكركرية (أسسها عالم دين يدعى محمد فوزي الكركري)، إلا أنها كانت تجربة في شكل الزي وحسب، وهو الأمر الذي لا يرقى لمواجهة التطرف. إذًا فالمشكلة الحقيقية في المغرب العربي والعراق، في كون طرقهما لم تعد تواكب تطورات المشهدين الإسلامي والعالمي، ولم تعد تقوى على التعبئة.
- بالنسبة لصوفية العراق، كيف ترى تجربتها منذ صعود تنظيم «داعش» وحتى القضاء على دولته المزعومة؟
لم تتعرض الطرق الصوفية في العراق للتراجع بفعل ظهور «داعش»، ولكن يمكن القول إن ظهور التنظيم، عزز من تواري الصوفية عن المشهد، لكن الحقيقة تقول إن الصوفية في العراق توارت منذ دخل الاحتلال الأمريكي، وبات المشهد مفتوحًا أمام حمل السلاح.
- إذًا هل هي قادرة على معالجة ما أفسده «الدواعش»؟
في رأيي أن ذلك غير وارد لأسباب منها، التطاحن المذهبي الذي يقضي على كل محاولة للتعايش. وإحقاقًا للحق، فإن بعض الطرق حاولت تقديم نماذج بديلة، لشغل فراغ الجماعات الراديكالية، معتمدة على البنية القوية، التي تتمتع بها الصوفية في العراق، إلا أن كل ذلك لم يؤتِ ثماره في ظل الشرخ المذهبي العميق.
- هل تمتلك المكتبة الفكرية للصوفية القدرة على مواجهة المكتبة الفكرية للتنظيمات الإرهابية؟
أعتقد أن الطرق الصوفية العربية، تمتلك مكتبة قوية، قادرة على تفنيد أفكار المتشددين والرد عليها، لكن الأزمة في كون هذه المكتبة تحتوى على مراجع ضخمة، يصعب تقديمها للشباب الذي يميل للرسائل السريعة التي يحرص «داعش» على توفيرها له. وفي ظني أن هذه المكتبة لم تتعرض لأي تجديد كالتبسيط واختيار ما يلائم منها متطلبات المرحلة، لهذا تبقى الصوفية عاجزة عن مخاطبة شباب المتشددين، ويبقى خطابها مقتصرًا على المنتمين لها أصلًا.
- لماذا يعتبر الإنتاج الفكري (الكتب والمجلات) للصوفية في المغرب العربي وتركيا، أكثر من نظيره المصري؟
الحالة الصوفية المغربية والتركية، تمر بمرحلة نهضة تسعى من خلالها بعض الطرق، لتقديم منهج علمي لها، متجاوزة فكرة التصوف الشكلي الفلكلوري. والسبب في ذلك إدراكهم أن التصوف الشكلي ضعيف التأثير وسبب ضياع قوة الصوفية.
- يتمتع التصوف في أوروبا بقبول، إلى الدرجة التي جعلته أحد المداخل لاعتناق الإسلام، من هذا المنطلق، هل تتوقع أن تتيح الحكومات الغربية مساحات واسعة في الفترة القادمة للصوفية لمواجهة ظاهرة «الذئاب المنفردة»؟
في ظني أن الطرق الصوفية، غير قادرة على القيام بالتعبئة والحشد سواء في المشرق أو المغرب؛ لذلك فقبول التصوف في أوروبا، لا يعني أنه سيقوم بدور أمام ظاهرة الذئاب المنفردة. وأي حديث عن دور صوفي خارج المنطقة العربية، لن يكون سليما إلا إذا نهضت الصوفية في موطنها، ومن ثم تنتقل هذه التجربة إلى التصوف في الخارج. وقتها فقط سيلبي التصوف شبع الشباب المتجه نحو التطرف، لعدم توفر توجهات فكرية بديلة.