الحَج.. أكبر مواسم المتاجرة بالدين لدى «الإخوان»
السبت 18/أغسطس/2018 - 09:25 ص
طباعة
حور سامح ودعاء إمام
في مطلع أكتوبر 2013، احتشد أتباع جماعة الإخوان مستعدين لموسم الحج، ليس للتعريف بالمناسك والتوعية بأداء الفريضة على الوجه الأكمل، بل اقترح بعض ناشطي الجماعة طبع 500 ألف ملصق يحمل شعار «رابعة»، مطالبين حجاج الجماعة برفعه على جبل عرفات، يوم وقفة عيد الأضحى منتصف الشهر.
خالفت الجماعة الأوامر الربانية بألا جِدال في الحج، استنادًا لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، وانصاعوا لتعليمات القيادات التي قبلت اقتراح الملصقات، فتورط بعضهم في رفع الشعارات السياسية في أرض الله المقدسة، بما يمكن أن يجعل الحج باطلًا.
واكتسب عيد الأضحى لعام 2013، أهمية خاصة عند الإخوان، باعتباره أول وأكبر تجمع للمسلمين بعد سقوط حكم الجماعة بثورة 30 يونيو في العام ذاته، إذ نقل الموقع الرسمي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان، عن أحد القيادات، قوله إن «الحج هو أكبر مؤتمر إسلامي على وجه الأرض».
ونشرت عبر صفحتها الرسمية: «هناك مقترح من أحد الناشطين لتوجيه دعوة عالمية من أجل رفع نصف مليون شعار من شعارات "رابعة" على جبل عرفات خلال الحج.. سنستغل الفرصة لإبلاغ الحجاج بالفكرة، برفع شعارات بعد صلاة العصر ليوم عرفة وحتى قبيل المغرب».
ورغم التحذيرات السعودية بعدم إقحام السياسة في المناسك الدينية، فإن الإخوان وزعوا الملصقات على الحجاج المصريين والأتراك والماليزين والباكستانيين؛ وجعلوا من الأراضي المقدسة، مكانًا للتباحث حول مصير الجماعة، واستعطاف مؤيدين جدد، والتواصل مع القنوات الفضائية التي تنقل الشعائر؛ بهدف تسليط الضوء على حاملي شعار الأصابع الأربعة.
استغلال الجماعة لموسم الحج بدأ على يد حسن البنا مؤسس الجماعة، ففى عام 1935 اعتمد مجلس شورى الجماعة مجموعة من التعليمات سميت بلائحة الحج، لتكون الحجة الأولى لحسن البنا ويتبعه 100 فرد من أتباعه عام 1936، في تلك الحجة التقى البنا بالملك عبد العزيز آل سعود، ودعا وقتها الملك وفود المسلمين، ويقول البنا فى مذكراته: «علمت بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذي سينعقد فيه، فأعددت نفسي والإخوان المائة في هيئة موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء، وفي الموعد المحدد فوجئ علية القوم المجتمعون بمائة رجل في هذه الهيئة» ويذكر محمود عبد الحليم (مؤرخ الجماعة) أن فى تلك اللحظة كانت توصف «بأنهم رجال على قلب رجل واحد، يخطون خطوة واحدة يتوسط الصف الأول منهم رجل هو المرشد العام... فكان هذا حدثًا مثيرًا للالتفات».
وتذكر موسوعة الإخوان، أن البنا تحدث لعدد من الجاليات مختلفة الجنسيات، ما جعل الحجة تتحول لاجتماع لاستعراض القوة، خصوصا أن البنا فى مذكراته يذكر أنه ألقى كلمة وقت المؤتمر الذى أعده الملك وكانت أطول حديث ارتجالى فى المؤتمر، ويشير أنه لقى استحسانًا كبيرا من قبل الوفود الموجودة فى المؤتمر.
لتتكرر حجة حسن البنا الثانية، عام 1945، وتذكر موسوعة الإخوان، أن تلك الرحلة حملت طابعًا خاصًا بدأ من الباخرة التى استقلها حسن البنا والإخوان، والدعوة والتأثير على الجالية المصرية وقتها؛ حيث تعد الحجة الأكبر في تاريخ الإخوان، وحملت أعضاء من مكتب الإرشاد كان لهم تأثير فى الحشد والدعم والدعوة على حد تعبير حسن البنا.
لائحة الحج في العام 1944، وضعت الجماعة دستورًا لتلك الفريضة الدينية، عُرفت بـ«لائحة الحج»، وتضمنت نصوصًا تلخص منهاج الجماعة، إذ احتوت 9 مواد: أولاها، أن يتجهز كل «أخ» لأداء الفريضة، وأن يُؤمر الأخ المساعد بالتجهز للحج، والأخ العامل يكلف بأن يدخر من ماله جزءًا بحسب ظروفه المالية، ويضع ما يدخره فى صندوق التوفير بالبريد على حساب هذه الفريضة إذا لم يكن وضعه فى مكان مصون.
ونصت اللائحة على أن تكون في كل منطقة لجنة فرعية تسمى «لجنة الدعاية للحج»، مهمتها مراجعة اشتراكات توفير الإخوان العاملين على ذمة الحج، وأمر وتذكير الإخوان من الدرجتين الأوليين (الأخ المساعد والأخ المنتسب).
كما أُمر الإخوان أن يوحدوا خطتهم فى السفر؛ لتقوية التعارف واقتصاد النفقات، على أن تختار كل شعبة أحد أعضائها لدراسة مناسك الحج لمن يعتزمون أداء هذه الفريضة من شعبته قبل سفرهم لوقت مناسب، وأن ينتدب مكتب الإرشاد العام فى كل عام نائبًا على نفقته؛ ليرشد الإخوان ويعلمهم أحكام المناسك، ويضع مكتب الإرشاد العام رسالة فى آداب الحج والزيارة وما يتعلق بهما من آثار الأرض المقدسة.
وفيما يتعلق بمن لم يستطع إلى مكة سبيلًا، من أعضاء الإخوان، فإن اللائحة تقضي الأخ العامل الذى يثبت تقصيره فى الادخار للحج، يُرد من مرتبة الأخ العامل إلى الذى قبله ولا تكون له حقوق الإخوان العاملين، ويكون الحكم بتقصيره موكولًا لرأى مجلس إدارة الشعبة بشرط موافقة مجلس المنطقة فمكتب الإرشاد. كما كُلف مكتب الإرشاد بأن يعمل كل ما فى وسعه، للحصول على امتيازات من الحكومة المصرية والحكومة السعودية، سواء كانت امتيازات مادية أ أدبية لحجاج الإخوان؛ لتشجيع أفراد الجماعة على السفر ونشر الفكر الإخواني بين الحجيج.
أما المادة التاسعة فكان نصها: «إذا كثر الإخوان الحاجون فعلى مكتب الإرشاد أن ينتدب من بينهم مندوبًا إداريًّا بجانب المندوب الدينى تكون مهمته قضاء مصالح الإخوان الإدارية ويكون مرجعًا لهم جميعًا فى ذلك توحيدًا للعمل وتوفيرًا للجهد».
تكرر حج البنا مصطحبا أفراده كل عام تقريبا، لتكون الحجة الأخيرة له عام 1948، لتحمل طابعًا خاصًا مختلفًا عن حجه فى المرات السابقة، فى تلك الفترة حدث خلاف بين الإخوان والسعودية لاختلاف الموقف السياسى من الإخوان تجاه السعودية، إذ ذكر فهمى أبو غدير فى كتابه (حسن البنا قضيتنا)، «صاحبت البنا فى تلك الحجة، وكنت أحدثه عن تشعب الإخوان بين نجد والحجاز، ليرد حسن البنا «ألا تعلم أن الحكومة السعودية لم تسمح لي بالحج هذا العام إلا بعد أن تعهدت بعدم الخطابة والكلام في السياسة»، وبالتالى فى تلك الفترة لم تسمح السلطات السعودية بتواجد البنا إلا بعد تعهده، كذلك امتنع عن اصطحاب عدد كبير من جماعته، وهو ما جعل البنا وحيدًا فى موسم الحج لذلك العام، يصحبه الإخوان الموجودين فى السعودية.
عقب خروج حسن الهضيبى من السجن عام 1971، استغل موسم الحج لعام 1973، وعقد اجتماعًا موسعًا للإخوان فى مكة المكرمة، وكان الاجتماع الأول بعد التضييق على الإخوان عام 1954، ما سهل على الهضيبى هذه المهمة، هروب عدد كبير من الإخوان لمنطقة الخليج والسعودية، وبالتالى تحولت السعودية، لمقر الاجتماع الدولى لتنظيم الإخوان، وأصبح قسم الاتصال بالعالم الإسلامى، خصوصًا أن الهضيبى اجتمع بإخوان الكويت، والبحرين، والأردن، واجتمع عدد كبير من الإخوان من مختلف الدول العربية، بناء على دعوة الهضيبى.
ويذكر ثروت الخرباوى فى مقال صحفى له، «جرى تنصيب عمر التلمسانى ليكون المرشد عام 1976 فى موسم الحج، وأن إخوان التنظيم الدولى أبدوا الموافقة عليه فى موسم الحج، ويشير الخرباوى أنه أصبح من منافع الحج عند الإخوان تنصيب المرشد».
جرت العادة عند الإخوان تحويل الصراع السياسي لصراع دينى، وتحويل موسم الحج لصراع أيدلوجى منذ نشأتهم.