«التاريخ السري للجماعة».. مذكرات تفضح «الإخوان» وتحطم مجدها الزائف

السبت 18/أغسطس/2018 - 12:18 م
طباعة «التاريخ السري للجماعة».. دعاء إمام
 
«إن مشواري مع الإخوان بدأته من عام 1951 وحتى خرجت من السجن -أي ثلاثة وعشرين عامًا- لا أنفي عن نفسي أي مسؤولية تجاه ما حدث، لكني أقدمه لشبابنا الذي باتت تتقاذفه تيارات ترتدي ثوب الإخوان ولا يعرفون عن أهدافها شيئًا، ويلقون بأنفسهم في خضم أهوال لا ينبغي أن يتورطوا فيها».

سطور من سيرة ذاتية كتبها علي عشماوي، أبرز قيادات التنظيم الخاص المسلح (أسَّسه حسن البنّا عام 1940) ومسؤول الاتصال الخارجي حتى 1964، وعلى طريقة «شهد شاهد من أهلها» يفضح عشماوي الإخوان، ويبدد مجد الجماعة الزائف.

تلك السيرة المكتوبة أو المذكرات المروية، والمعنونة بـ«التاريخ السري لجماعة الإخوان»، تكشف مدى الخطورة التي تشكلها جماعة كالإخوان، تتخذ من الدين والعمل الخيري والمتاجرة بكل شيء سبلًا لتحقيق ما يصبون إليه، وهو الاستيلاء على السلطة والوصول للحكم.

يكشف «عشماوي» الغطاء عن جماعته السابقة ويفضحها؛ قائلًا: إن الإخوان درسوا جميع التنظيمات العالمية حين حاولوا بناء النظام الخاص، وتأثروا جدًّا بالفكر الباطني في التاريخ الإسلامي؛ حيث كانت التنظيمات العباسية والعلوية، والشيعية وما صاحبها من فرق سرية، مصدرًا أساسيًّا تم الرجوع إليه ودراسته والاستفادة بالأفكار الحركية في كل تنظيم على حدة.

أمجاد زائفة
ويقر «عشماوي» بأن سيد قطب، منظّر الإخوان، كان على علم بأن قيادة النظام الخاص كانت مخترقة من الأجهزة الاستعمارية وتعمل لحسابها؛ لافتًا إلى أن الأعمال الكبرى التي تتباهى بها الجماعة على مدار تاريخها تم تفريغها من نتائجها.

ويكشف «عشماوي» حقيقة دور الإخوان -المزعوم- في حرب فلسطين 1948، فيقول: «الإخوان لم يدخلوا إلا معارك قليلة جدًّا، ثم صدرت من الشيخ محمود فرغلي الأوامر بعدم الدخول في معارك؛ بحجة أن هناك مؤامرة لتصفية المجاهدين، وتم تنفيذ الأوامر وظل الإخوان في معسكرهم لا يحاربون، إلى أن عادوا من فلسطين».

تتحدث المذكرات عن مرحلة التحول الفكري من موالاة الإخوان إلى الخروج من الجماعة، فيسرد عشماوي: بدأتُ أراجع جميع أعمال الإخوان التي كانوا يعتبرونها أمجادًا لهم، بعد معرفتي بعلاقات العمالة والتبعية من بعض قادة الإخوان للأجهزة الغربية الصهيونية، والتي أكدها سيد قطب، من أن عبدالرحمن السندي والدكتور محمد خميس، والذي كان وكيلًا لجمعية في عهد الأستاذ حسن الهضيبي، وأن أحد أصحاب المطابع الكبرى وهو من كبار الإخوان كان عميلًا للمخابرات الإنجليزية.

وعن مصير المنشقين عن الجماعة، يؤكد أنهم يستبيحون كل من ليس من الإخوان؛ حلال لهم دمه وماله، يشهرون به ويصدر «ترزية الإخوان» فتاوى تكفر من يخرج على الجماعة، وتتهمه بالنفاق، وهو ما يُقابله الأفراد بالسمع والطاعة، «إنهم يجيدون إيذاء كل من وقف معهم فترة من الزمن، إذا حدث واختلف معهم مرة».

مزايدات إخوانية
يرمي «عشماوي» في التاريخ السري للإخوان بطرف خفي إلى مزايدات الإخوان على الدول العربية -شعوبًا وحكامًا- في موضوع الأقصى: «إنهم يطالبون بفتح باب التطوع لإنقاذ الأقصى، وهذا يعني فتح معسكرات التدريب، وفتح باب التبرع لجمع المال من جديد ثم شراء السلاح، ثم تخزينه لحساب الإخوان، وتتكدس خزائن الإخوان بالأموال من تبرعات المسلمين، ويتكرر ما حدث عام 1948 وأكثر بكثير؛ فهذه المرة عندهم التجربة السابقة، ولن يتركوا الفرصة تمر وهي النفاذ لهدفهم المتمثل في إحكام السيطرة على مقدرات هذا البلد».

ويدلل «عشماوي» على الخطاب العدواني للجماعة منذ تأسيسها، بما قاله «البنّا» في عام 1938: «في الوقت الذي يكون فيه منكم -معشر المسلمين- ثلاثمائة كتيبة قد جهزت نفسها روحيًّا بالإيمان والعقيدة، وفكريًّا بالعلم والثقافة، وجسميًّا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجاج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار».

يضيف: «ترى في هذا التصريح الكثير من النوايا العلانية، ومن الواضح أنها لم تكن ضد الاستعمار كما يدعون، لكنه كان تهديدًا للحكومات والهيئات، وكل من يختلف مع الإخوان في الرأي أو الفكر أو الاتجاه.. «البنّا» حدد 300 كتيبة، أي 12 ألفًا من الأفراد؛ بما يعني أن الجماعة أسست لبناء جيش وليس أفرادًا مدنيين، وكانت التوجيهات كلها تتسم بالطابع العسكري الهجومي.

وتؤكد اعترافات «عشماوي» اعتماد خطابين داخل الجماعة: أحدهما للخاصة من الإخوان، والآخر للعامة، مشيرًا إلى أن الإخوان على مدار تاريخهم لم يستطيعوا أن يقدموا للناس برنامجًا متكاملًا يمكن تطبيقه، حول الحكم بالإسلام في جميع الأمور.

فيما يخصّ علاقة الإخوان بثورة يوليو 1952، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قال إن الجماعة أيدت الثورة في البداية، لكنهم لم يحسنوا قراءة رجال الثورة، ولم يعرفوا كيف يتعاملون معهم؛ والدليل على ذلك خطاب المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي لقادة الثورة، إذ طلب منهم استئذان مكتب الإرشاد قبل اتخاذ أي قرار، وكانت تلك الواقعة سببًا في سوء العلاقة بين الإخوان وعبدالناصر.

البيعة
في فصل آخر، يكشف «عشماوي» تفاصيل بيعة النظام الخاص، فيبين أنها كانت تتم في منزل معين، وكان آخذ البيعة يجلس خلف ستار في جو قريب إلى الظلام، ثم يبدأ بالحديث عن الجماعة وأهدافها، وبعدها يحضر مسدسًا ومصحفًا، تتلاقى الأيدي على المسدس والمصحف، ويتم «القسم» على السمع والطاعة للجماعة وقادتها، ثم يبدأ التدريب على حلِّ أجزاء المسدس وتركيبه وصيانته وكيفية استعماله.

ألمح إلى أنه تعقب البيعة لقاءات للتدريب ودراسة كتب النظام الخاص، وكيفية التعامل مع أنواع من المسدسات والقنابل اليدوية والحارقة، بالتزامن مع دراسة كتب عسكرية ألفها الإخوان للنظام، وكتيب صغير عن أعمال المراقبة والتعقب، وكلها كانت تدرس لأعضاء مخابرات الإخوان.

حادث المنشية
في منتصف أكتوبر عام 1954، كان «عشماوي» ضمن كتيبة من النظام الخاص، صدرت لهم تعليمات بصدام وشيك مع الدولة، يقول: «علمنا أن التحركات تعتمد على تأمين الجيش من خلال الإخوان الذين كانوا في الخدمة ولا يعلم بهم عبدالناصر، ثم القبض على بعض الشخصيات المهمة والتي لها ثقل، وإن لم ينجح القبض عليهم فهناك خطة بديلة لاغتيالهم، بعد ذلك يستولي الإخوان المدربون في كل أنحاء الجمهورية على أقسام البوليس والمباني المهمة».

تُفَنِّد شهادة عشماوي أكاذيب الإخوان، حول حادث «المنشية» الذي وصفوه بأنه مسرحية من عبدالناصر، إذ يؤكد أن الإخوان القادمين من الأقاليم كانوا مكلفين بالسيطرة على أقسام البوليس ومبنى الإذاعة، إضافة إلى قطع الطرق المؤدية من ثكنات الجيش إلى داخل القاهرة، وقطع الطرق الداخلة إلى القاهرة من جهة الإسماعيلية.

وعن دور الطلاب، قال: «يقوم قسم الطلاب بمظاهرة مسلحة، ويكون دورها التغطية على بقية العمليات، وإتمام حصار القصر الجمهوري والاستيلاء عليه بعد أن تكون بقية المنشآت الحكومية والمهمة قد تمت السيطرة عليها في خطة زمنية مفصلة».

رسائل سيد قطب 
بعث سيد قطب رسالة من محبسه، مكونة من 10 صفحات، تضمنت حديثًا مطولًا عن وجوب تصحيح الاعتقاد، مرفقة بوصية إلى أعضاء النظام الخاص، وقال عشماوي: أوصانا أن ننهج منهجًا دراسيًّا حدده هو، بدراسة سورتي الأنعام والأعراف، مع بعض الكتب، ومنها: كتاب المودودي «المصطلحات الأربعة»، والحجاب مع منهاج المسلم، وهل نحن مسلمون؟ والعقائد، وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وأخيرًا كتاب الغارة على العالم الإسلامي».

ولفت إلى لقاء جمعه هو ورفاقه بـ«قطب» عقب خروجه من السجن عام 1964، وصف اللقاء بأنه: كان بمثابة التحول في اتجاهات التنظيم والأفراد، وإعادة تشكيل الفكر في الاتجاه الذي رسمه هو.. استشعرنا من كلامه أن الناس ابتعدوا عن دينهم، وأنهم ليسوا بمسلمين، وترتب على ذلك أن أحد الإخوان رفض أكل ذبيحة المسلمين بزعم أنهم كفرة».

وأردف: «ذهبتُ إلى الأستاذ قطب وسألته عن ذلك فقال: دعهم يأكلونها، فليعتبروها ذبيحة أهل كتاب، على الأقل المسلمون الآن هم أهل كتاب».

وأشار إلى رأي منظر الإخوان في رغبة أعضاء التنظيم في إقامة الحدود، فأخبره أن يقول لهم: إن إقامة الحدود مشروطة بالسيطرة على الأرض، فلا حدود بدون دولة، ولا دولة بدون أرض، ما دمنا غير مسيطرين على الأرض لا نستطيع أن نقيم حكومة إسلامية ولا أن نقيم الحدود.

وكشف «عشماوي» لقاءات أخرى جمعت «قطب» بأفراد التنظيم ومحاولات بعث الأمة المسلمة التي أرادها منظر الجماعة، إذ استعان بما كتبه قطب في وثيقة «لماذا أعدموني» فيما يخص خطة «رد الاعتداء» التي اتخذتها الجماعات المسلحة المنبثقة عن الإخوان سندًا في الهجوم على الدولة ومؤسساتها.

شارك