«سوسيولوجيا العنف».. عالمية الإرهاب كظاهرة تُهدد الإنسانية
الخميس 30/أغسطس/2018 - 04:41 م
طباعة
أحمد سامي عبدالفتاح
تناول الكاتب إبراهيم الحيدري في كتابه «سوسيولوجيا العنف والإرهاب»، العنف باعتباره ظاهرة عالمية متعددة الجذور والأسباب؛ حيث بدأ باستعراض ظاهرة العنف الاجتماعي، وحينما جاء إلى تعريفها لم يخضعها لأي مقاييس إجرائية، واعتبر أن التعريف يختلف من شخص لآخر.
وفقًا لهذه الرؤية، فإن الكاتب يُعرف العنف على أنه «الاستخدام غير المشروع للقوة المادية بأساليب متعددة لإلحاق الأذى بالأشخاص والجماعات وتدمير الممتلكات، ويتضمن ذلك أساليب العقاب والاغتصاب والاعتداءات المختلفة والتدخل في حريات الآخرين».
وذكر الكاتب أن مختلف التخصصات العلمية قامت بدراسة العنف؛ حيث إن الأمر لم يعد مقصورًا فقط على علماء الاجتماع الذين يرون الظاهرة على أنها اجتماعية فقط ترتبط بعوامل كثيرة، بل قدم علماء النفس دراسات عديدة بهدف تقصي هذه الظاهرة، واعتبروها جزءًا من حالة الصراع العقلي التي تنتاب بعض الأفراد -على رأسهم فرويد- فضلًا عن علماء البيولوجي الذين دومًا ما اعتقدوا في احتمالية توارث العنف من شخص لآخر عن طريق الجينات.
الدرجة الأخطر من العنف
يرى الكاتب أن درجات العنف تختلف من مكان لآخر، ولعل الإرهاب هو المشتق الأخطر من العنف، باعتباره أصبح جزءًا من العولمة التي تجاوزت حدود الدولة القومية لتصبح تهديدًا فعالًا للأمن العالمي؛ ولذلك اهتم المؤلف بقضية الإرهاب، وعرَّفها على أنها «كل عمل عنف مسلح يُرتكب بغرض سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو أيديولوجي أو ديني ينتهك المبادئ العامة للقانون الإنساني، وما يتضمنه من قتل واغتيال وإلقاء المتفجرات والسيارات المفخخة وأعمال التخريب والإبادة».
وذكر المؤلف أن الإرهاب لا يرتبط بأيديولوجية دينية معينة، واستدل على ذلك من تاريخ الظاهرة التي تؤكد أن الإرهاب لم يرتبط بدين معين؛ حيث مارست البوذية إرهابًا، وكذلك المسيحية، فضلًا عن ظاهرة الإرهاب التي تمثلها التنظيمات الإسلاموية المتطرفة.
ويبدو أن الجامع المشترك بين كل أنواع الإرهاب الأيديولوجي هو رفضها للآخر، واتسامها بالجمود في مواجهة الحداثة.
كما يرى علماء الاجتماع أن ظاهرة الإرهاب تتجاوز الأفراد لتشمل الجماعة أو المجتمع نفسه، ولا يتحقق ذلك إلا في وجود عدد من الظواهر الاجتماعية والثقافية التي تجعل من مجتمع معين مصدرًا للمتطرفين.
يؤكد «الحيدري» أن عملية تحويل الفرد من مواطن مسالم إلى عنصر إرهابي لا تتوقف فقط على الأفكار الترويجية التي تبثها التنظيمات المتطرفة بهدف استقطاب الأفراد إليها، ولكن أيضًا تتوقف على مدى تقبل المجتمع وتعاطيه مع الظاهرة نفسها، علاوة على عمليات غسل الدماغ التي تجريها التنظيمات المتطرفة لبعض الأفراد، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي يتم توظيفها من قِبَل التنظيمات المتطرفة باستثارة النزعة العرقية أو الدينية لدى البعض وتقديم الجماعات المتطرفة لنفسها بصفتها نصيرًا للمظلومين في بقع صراع معينة.
ولم يغفل الكاتب عن استغلال التنظيمات المتطرفة لحالة العولمة وحالات الاندماج الثقافي من أجل تمرير أفكارها المتطرفة من مكان لآخر، فضلًا عن اختيار نماذج لشخصيات متطرفة ومحاولة إظهارها بصفتها قدوة لابد أن يَحتذي بها باقي المتطرفين في العالم.
وتعمل التنظيمات المتطرفة بصفة عامة على ترسيخ فكرة «رفض الغرب» كوسيلة لإثارة النزعة العنيفة لدى البعض من أجل استهداف الغرب، كما تستدعي التنظيمات المتطرفة الحوادث العنصرية ضد المسلمين في الغرب كوسيلة لحشد المتطرفين وتعبئتهم من أجل استهداف الغرب، ويرى الكاتب أن حالات الفقر والتنشئة الاجتماعية والإندماج المجتمعي تلعب دورًا مهمًّا في دفع الأفراد نحو التطرف.
العنف كظاهرة ثقافية
على صعيد متصل، يعتقد الكاتب أن العنف ظاهرة ثقافية؛ لأن الفرد العنيف يستمد شخصيته وأفكاره من بيئته التي نشأ بها، ما يعني أن المجتمع في حالة ما رغب في مواجهة التطرف، فإن عليه التحكم في إيقاع عملية التنشئة وتحجيم الأفكار العنيفة، بدءًا من الأسرة نفسها، ومرورًا بالمؤسسات التعليمية، فضلًا عن توجيه الخطاب الديني لمواجهة التطرف.
ولم يغفل الكاتب عن معدلات الجريمة المرتفعة في بعض المجتمعات وأثرها في تنشئة الأفراد على العنف، وفي ذلك يرى الكاتب أن الدول التي تتمتع بمعدلات جريمة مرتفعة، تكون احتمالية توجيه الأفراد نحو التطرف والإرهاب أكبر بكثير من المجتمعات التي تكون فيها معدلات الجريمة منخفضة.
في المقابل، نجد أن المجتمعات التي تتسم بالتسامح المجتمعي بين الأفراد تكون أكثر قدرةً على مواجهة التطرف والعنف، ما يعني أن المؤسسات الحكومية عليها مسؤولية كبيرة في نشر ثقافة تقبل الآخر وتحكيم القانون بهدف القضاء على العنف.
كما تطرق الكاتب لأنواع العنف المجتمعي، وقَسَّمها إلى ستة أنواع، وهي: العنف الفردي، العنف الديني، العنف المقدس، العنف المضاد، العنف الجنسي، والعنف الرمزي.
عالمية الإرهاب
تطرق الكاتب للحديث عن الراديكالية، وعَرَّفها على أنها مجموعة من الأفكار الفقهية المتشددة التي تتسم بالجمود وترفض الحداثة أو تكيف المجتمعات مع متطلبات وظروف العصر، كما ذكر الكاتب أن مواجهة التنظيمات الراديكالية في منطقة الشرق الأوسط تم عن طريق القوة فقط، في حين أهملت جوانب التجديد الفكري، الأمر الذي سمح لهذه التنظيمات بالبقاء والتمدد حتى الآن.
يرى الكاتب أيضًا أن الفكر الأصولي كان هو المنهج الذي اتبعته الحركات الإسلاموية، بدءًا من تنظيم الإخوان الإرهابي ومرورًا بجميع التنظيمات التي نشأت بعد ذلك، على سبيل المثال لا الحصر تنظيم القاعدة الإرهابي؛ حيث يقول الكاتب إنه رغم انتشار الحركات الإسلاموية في العديد من المناطق، فإن ذلك لا يربط التطرف بالإسلام، كون التطرف الفكري ظاهرة عالمية ارتبطت منذ نشأتها بكل الديانات؛ حيث نشأت حركات إرهابية يهودية مثل حركة الورعاء اليهود (Zelotes ) والحركة الصهيونية.
وفي السياق ذاته، نشأت عدة حركات مسيحية راديكالية في القرون الوسطي، وقد تبنت هذه الحركات العنف الدموي باسم الدين، فضلًا عن انتهاجها سياسات دموية ضد بعض الفئات بعينها، الأمر الذي يؤكد أن العنف والإرهاب ليسا مرتبطين بالدين الإسلامي فقط.
في النهاية، لم يغفل الكاتب دور ثقافة التسامح في مواجهة العنف والتطرف، واعتبر أن هذه الثقافة ليست حاضرة بالقدر الكافي في المجتمعات التي تعج بالتنظيمات المتطرفة. وهنا ربط الكاتب بين الديمقراطية وثقافة التسامح، معتبرًا أن المجتمعات الغربية التي تسود فيها الديمقراطية تتمتع بقدر أكبر من التسامح، ما يجعل وجود الإرهاب فيها أقل من المجتمعات التي تتسم بغياب الديمقراطية. ولكي تسود ثقافة التسامح في أي مجتمع فلا بد من تقليل الفوارق الاجتماعية، فضلًا عن ضرورة وجود مساحة معقولة من الحرية ليتمكن الأفراد من مناقشة أفكارهم بشفافية مطلقة.