«الرجل الذي لا يموت».. «المرجع» ينفرد بنشر مقتطفات من «البغدادي خليفة الرعب»

الجمعة 28/سبتمبر/2018 - 08:36 ص
طباعة «الرجل الذي لا يموت».. أحمد الشوربجي
 
في كتابها الجديد الذي سيصدر عن دار «ستوك» يوم 3 أكتوبر المقبل، وعنوانه «البغدادي.. خليفة الرعب»، ترسم «صوفيا عمارة» صورة لمؤسس وزعيم تنظيم الدولة الإسلامية «أبوبكر البغدادي»، من خلال لقاءات ميدانية أجرتها مع عدد من الإرهابيين السابقين الذين كانوا على صلة وثيقة بالتنظيم، إضافة لشهادات أفراد من القوات الخاصة للجيش العراقي، ومجموعة من التقارير لصحفيين مختصين في متابعة ورصد حركة التنظيم، وينفرد «المرجع»، بنشر مقتطفات من هذا الكتاب قبل صدوره.

النشأة والطفولة
تسلط «صوفيا» الضوء على نشأة الرجل الذي شغل الكثير من المساحات الإعلامية والأروقة والأحاديث السياسية، من خلال توحّشه وإرهابه الذي لم يُسبق في تاريخ هذه الجماعات والتنظيمات، فتقول: إن «أبوبكر البغدادي» واسمه الحقيقي «إبراهيم البدري»، وُلِد في «سامراء» على بُعد مئات الكيلومترات شمال بغداد بالعراق، في 28 يوليو 1971، وسط عائلة فقيرة من الأقلية السُنية التي ينتمي إليها صدام حسين.

استقر «البغدادي»، مع والديه في حي الطبجي السني الفقير شمال غرب بغداد، وكان يطمح أن يكون محاميًا لكن نتائجه في الدراسة جاءت مخيبة لآماله؛ حيث لم يحصل على المجموع الذي يؤهله لدخول كلية الحقوق، بل لم تترك له أملًا في الوصول للدراسات الجامعية.

تخلى «البغدادي»، عن حلمه في أن يكون محاميًا، وقرر الالتحاق بالجيش العراقي مثل أخيه، ولكن «قصر النظر» كان معوقًا له، فضاعت عليه تلك الفرصة أيضًا.

حاول الشاب العشريني «إبراهيم البدري»، أن يجد لنفسه فرصة للتعليم الجامعي فلم يُوفق، لكن جامعة بغداد قررت أخيرًا أن تمنحه تلك الفرصة، حينما قبلت طلبه في الالتحاق بها متخصصًا في الدراسات القرآنية، وهي الكلية الوحيدة التي كانت متاحة له، والتي تُعدّ في ذاتها مستودعًا للأساتذة والعلماء المستنيرين، وفي الوقت ذاته كانت تعتبر قناة آمنة بالنسبة لأبرز الجهاديين الذين يبحثون عن شرعية أكاديمية.

في تلك الكلية، تَعَرَّف «البدري»، على الكثيرين من الأصدقاء الذين أصبحوا فيما بعد أعضاء في جماعات مسلحة لمحاربة الغزو الأمريكي للعراق.

وترى الكاتبة أن «إبراهيم»، لم يتأثر بالفشل المتكرر لمشروعاته، بل على العكس سيثبت قدرته على النهوض من جديد، وشنّ المعارك واحدة تلو الأخرى.

اشتغل «إبراهيم» حارسًا في مسجد الحاج زيدان المجاور للبيت العائلي بجوار دراسته، وبعد رحيل والديه من بغداد وَفَّرَ له المسجد غرفة للمعيشة مقابل حراسته له، وفيه تعلم فن الخطابة وإلقاء الدروس.

لم ينسَ «إبراهيم» حياته كشاب يحب اللهو واللعب، فأنشأ فريق كرة يجمع المرتادين على مسجد الحاج زيدان، وفرض نفسه قائدًا على الفريق، وتمكن الطالب المنطوي على نفسه والرزين، أن يبرز ويكون محل إعجاب مَن حوله، فقد كان موهوبًا في لعبة كرة القدم، لدرجة أنه كان سرعان ما يتخلى عن رزانته ويدخل في نوبة غضب لمجرد أنه فوَّت فرصة هدف سهل، لذلك أطلق عليه أصحابه «مارادونا».

«البغدادي» مخلصًا لصدام حسين
كان إبراهيم البدري، مخلصًا لـ«صدام حسين» الرئيس العراقي الأسبق، ومدافعًا عنه خلال حرب الخليج الثانية، فاقتاده الأمريكيون إلى سجن «أبوغريب» ثم إلى سجن «بوكا».

حرص «البغدادي» أثناء وجوده بالسجن أن يكون متعاونًا وسجينًا مثاليًّا، حتى وهو يمارس موهبته في كرة القدم مع رفاقه في السجن، تحت أعين الحراس المنبهرين بـ«مارادونا بوكا»، وكان يلعب في الوقت ذاته دور الحكم بين السجناء عند نشوب أي شجار بينهم.

لكن أحد رفاقه المسمى بـ«أبي أحمد»، والذي أصبح أحد كبار قادة «داعش»، ثم انشق عنه فيما بعد، قال: إن «إبراهيم كان في نفس الوقت يتبنى استراتيجية بناء الدولة الإسلامية التي خطط لها تحت أعين هؤلاء السجانين، دون أن يلاحظوه، فقد كانت الأرضية في بوكا جاهزة لذلك».

أكاديمية سجن «بوكا»
«آن سبيكهارد»، الطبيبة النفسية التي كانت مهمتها وضع برنامج لردع التطرف في معسكر «بوكا»؛ حيث كانت القيادة الأمريكية تتحسس ظهور ملامح وحش يكبر في ثنايا المعسكر من طريقة إدارته تقول: «كنت أجد بين العناصر الأكثر تطرفًا، مساجين ألقي القبض عليهم لمجرد وجودهم في أماكن تبادل للنيران»، وكان لدى الجنود الأمريكيين أدلة على دور هؤلاء المتطرفين في «تجنيد هؤلاء السجناء».

وأضافت «آن سبيكهارد»: شاهدنا في مقاطع صور كاميرات المراقبة كيف كان هؤلاء المتطرفون يُعَلِّمُون المساجين كيفية صناعة القنابل اليدوية بالرسم على الرمل، بل كانت البيانات والكتابات التي تحض على الإرهاب متداولة بكل حرية، تحت أعين الجنود الأمريكيين الذين لم يستوعبوا حتى طبيعة هذه الوثائق.

وتابعت: «رغم قرار عزل السجناء الخطيرين من عناصر القاعدة، في زنزانات منفصلة، فإن بعضهم كان يختبئ بين السجناء، وفي الليل يقومون بعمل محاكم إسلامية للعناصر التي تعمل كمخبرين لدى الحراس لكسر أذرعهم»، مردفة: «كانت بوكا مدرسة جهاد حقيقية».

ويؤكد إرهابي سابق يُدعى «أبوعمر»، (نقل موقع المونيتور شهادته في عام 2015)، أن المعسكر كان المكان الأكثر أمانًا لتلقين الدروس؛ ما جعله إحدى المدارس الإرهابية الناجحة.

وأضاف «أبوعمر»: لقد كان مركز «بوكا» أفضل خدمة قدمتها لنا الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث منحونا مناخًا آمنًا، وسمحوا لنا بالاطلاع وتكثيف معرفتنا بالأيديولوجية الجهادية، وإعداد الجنود المستعدة للتفجير فور إطلاق سراحها، فلم يكن يتسنى لنا أن نجتمع في هذا الإطار وبهذه الطريقة، سواء في بغداد أو في مكان آخر».

وتابع «أبوعمر»: «لم نكن هناك في أمان فحسب، بل كذلك كنا على مقربة مئات الأمتار من قيادة القاعدة، كان الأمراء يجتمعون في السجن بشكل منتظم، وأصبحنا قريبين من بعضنا البعض؛ حيث كان أمامنا كل الوقت لنستغرقه في الجلوس والتخطيط، لقد كانت حقًا بيئة مثالية لفعل ذلك».

الشيء ذاته الذي يؤكده «علي خضيري»، المستشار الخاص للسفراء الأمريكيين في بغداد (من 2003 إلى 2009)؛ حيث قال: إن «المتطرفين كانوا يرون في العراق ما بعد صدام حسين كارثة كبيرة؛ حيث إن الاحتلال يستعد للبقاء فترة غير محدودة، والأغلبية الشيعية تستعد لتولي السلطة العراقية بدعم من الدبابات الأمريكية».

وأضاف: «لقد كان الخطأ الفادح هو عدم إدماج السنة بطريقة عقلانية في تروس الدولة العراقية التي تعيد بناء نفسها، كما أن طرد القادة البعثيين وتفكيك أجهزة الشرطة والجيش العراقيين من قبل الإدارة الأمريكية، كانت بمثابة الإهانة بالنسبة للبعثيين المهزومين».

وتابع: «في بوكا، كان أتباع الرئيس السابق يستعدون بحماس أكثر من الجهاديين، لميلاد الوحش، ويعدون بالولاء الكامل للحكم القادم الذي سيضعون تحت تصرفه كل خبراتهم العسكرية والأمنية».

ما قاله «خضيري»، جعل القيادي السابق في التنظيم «أبوعمر» يقول: «قدم بوكا لإبراهيم ورفاقه من الإرهابيين أعلى تكوين ممكن لإطارات الدولة الإسلامية المستقبلية».

وأوضح «أبوعمر»، حينما يحين موعد إطلاق سراح أفراد من الأكاديمية لم يكن عليهم من شيء سوى كتابة عناوين وأرقام هواتف الأشخاص الذين سيمكنونهم من اللحاق بالتنظيم على الأحزمة المطاطية بملابسهم الداخلية.

«داعش» في سجن «صيدنايا»
في الوقت ذاته، كانت بروفة «الدولة الإسلامية» قائمة بالفعل خارج أرض العراق، في سوريا تحديدًا في سجن «صيدنايا العسكري» الواقع على بعد ٣٠ كيلومترًا شمال دمشق، والمعروف بكونه جحيمًا يكدس فيه إلى جانب سجناء الرأي، 1100 جهاديّ، من بينهم قدماء المحاربين الجهاديين في العراق، وزعماء سلفيون، سيقودون فيما بعد أخطر الكتائب المسلحة السورية، وبعضهم أصبح قادة في تنظيم داعش تحت زعامة الأمير إبراهيم البغدادي.

لقد كان السجناء الجهاديون في «صيدنايا» يفرضون قانونهم، إذ كانت الأمور تحت سيطرتهم، وتحت الرقابة الشديدة للنظام الأسدي؛ حيث كان قدماء المحاربين في العراق، وكذلك قدماء المغرب العربي، والخليج، يجولون في السجن بأزياء أفغانية، ويحملون معهم أسلحة بيضاء.

فالخلافة كانت أصلًا معلنة علينا ونحن في السجن، من طرف إرهابي محكوم عليه بالإعدام، قبل أن يطلق النظام سراحه، هكذا يقول «ماهر الصبر»، أحد معارضي بشار الأسد الذي قضى 6 سنوات في سجن «صيدنايا».

وأضاف «ماهر»: «لقد قتل الإسلاميون ما يقارب الـ60 شخصًا، من بينهم 8 أشخاص أمامي، قطعت رؤوسهم أو طعنوا بضربات السيف أو الفأس أو بقضبان حديدية»، مستطردًا: «كان النظام على علم بما كان يحدث في هذا المعتقل، لكن ذلك بالنسبة له كان بمثابة المختبر، كمن يريد اختبار ما يمكن فعله في سوريا، على مستوى هذا السجن».

وتابع: «أن جماعة السجناء الأكثر خطورة، والأكثر تعصبًا، كانت أول جماعة أطلق سراحها النظام السوري، قبل الآخرين، وأن أبرز أفراد هذه الجماعة أصبحوا أمراء في داعش سوريا، وقادة عسكريين في تنظيم الرقة، وكان هذا الأخير معنا في صيدنايا، خرج قبل الجميع من معتقل بشار إلى أحضان البغدادي، حيث تم تسليم المهام».

واستطرد «ماهر»: «لم تكن المعاملة التي تعرض لها السجناء العلمانيون على يد زملائهم الجهاديين تختلف كثيرًا عن تلك التي كانت بانتظار المواطنين السوريين والعراقيين تحت راية خلافة البغدادي الناشئة».

لقد كان تحرير هذه العناصر، رهانًا خطيرًا قام به النظام، لكنه اختاره لكونه لا يشكل خطرًا على الدوائر الضيقة في السلطة، بل كان سيخدمه سياسيًّا.

إعلان الخلافة
كلمة السر في نجاح «البغدادي»، كانت من مدينة الموصل المعروفة بأنها محاطة بحقول البترول، وتوجد على بعد 450 كيلومترا من الرقة؛ وكانت مليئة بالخلايا النائمة شكلتها عناصر من قدماء البعث ومن العشائر والفرق المسلحة، وكانت بمثابة جماعة مختلطة؛ لأنها تشترك في نفس العداوة ضد الحكم الشيعي الطائفي في بغداد والمتهم بالانحياز لإيران.

راهن «البغدادي» ورجال صدام الذين معه على هذا التحالف للسيطرة على الموصل، فلم يرسل سوى 1500 جندي، وكانت توقعاتهم سليمة إذ تمت العملية في غضون 4 أيام فقط دون خسائر تُذكر في صفوف التنظيم، مع فرار جنود الجيش والشرطة العراقية مع نصف مليون مدني من المدينة.

أعقب ذلك سقوط محافظة «نينوى» المحاذية للحدود السورية بلا جهد تقريبًا مع سيطرة البغدادي على البنك المركزي ليملك ثروة تقدر بـ430 مليون دولار، ويكون بذلك أغنى زعيم إرهابي في العالم، ثم انطلق نحو «كركوك وصلاح الدين»، وكانت تسبقه خلايا الاتصال التابعة للتنظيم ببث فيديوهات مرعبة للمجازر وعمليات القتل والذبح التي يرتكبها التنظيم، ومن ثم استطاع أن يسيطر على مساحات شاسعة في فترة وجيزة.

وأضافت له عائدات البترول والآثار المهربة وفرض الضرائب ثروة ضخمة لم تتوفر لتنظيم مثله؛ ما جعل البغدادي يوم 92 يونيو 2014 يعين نفسه خليفة للمؤمنين.

تحول الخليفة لمجرد هارب
في 2017، شنّ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، هجومًا على داعش، سقطت بموجبه «كلمة السر» مدينة «الموصل« العراقية في 10 يوليو، ويُعتقد أن داعش ضحى بـ17 من مقاتليه خلال عمليات انتحارية بالسيارة المفخخة؛ لفتح ممر صغير خلال حصار الموصل لإخراج البغدادي منها، ثم توالت الأحداث فسقطت مدينة الرقة في سوريا في 17 أكتوبر، واختفى البغدادي من وقتها.

وفى مارس عام 2015 تعرض البغدادي، لإصابة شديدة في العمود الفقري جراء قصف أمريكي أودى بحياة 3 من رجاله، ونجى منه بأعجوبة، لكنه مازال يقاوم من أجل الحياة؛ حيث أكد الجنرال في الجيش العراقي «فاضل البرواري»، أن البغدادي يختبئ ناحية مدينة البال (تقع غرب الموصل بالقرب من الحدود ويعيش تحت الأرض)، ويغير مخبأه بانتظام، ولا يستعمل أجهزة الاتصال الحديثة، ومن المحتمل أنه غير ملامحه الجسدية.

فى الوقت ذاته أكدت الصحيفة البريطانية، أنه منذ مايو 2016، تم تحديد موقعه 3 مرات على الأقل، عبر مناطق مختلفة، ورغم مراقبة القمر الصناعي الأمريكي ومختلف جهات المخابرات والتجسس التي ترصد كل إشارة، بقي «البغدادي» بعيد المنال.

الكتاب الذي سيأتي من القطع الكبير، هو بلاشك إضافة للمكتبة، إذ إنه يعطينا صورة تفصيلية عن أكبر زعيم من زعماء الإرهاب الآن، ومن هنا تنبع أهميتنا، التي جعلتنا نعطي ملخصًا له.

شارك