"قادمون يا عتيق".. جرائم داعش الدموية في الموصل
الثلاثاء 16/أكتوبر/2018 - 01:41 م
طباعة
أميرة الشريف
صدرت عن دار سطور ومكتبة سنا ببغداد الطبعة الثانية من كتاب "قادمون يا عتيق" للقاص والروائي العراقي نوزت شمدين، والذي يكشف فيه قصص عميقة عن جرائم داعش الدموية في مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية التي احتلها التنظيم في يونيو 2014 واتخذها معقلا له علي مدار أربع سنوات.
وكان أصدر شمدين في نوفمبر2014 الطبعة الأولي من الكتاب حيث كشف جرائم داعش الدامية في الموصل، وعري أفكار التنظيم منذ احتلال المدينة في يونيو 2014.
ووفق الكاتب، فإن كل ما جاء في الكتاب يدين تنظيم داعش، كما أرفق عدة وثائق وشهادات عن الموصل وما جرى ويجري فيها، ويحمل صوت من المدينة الأسيرة يتمنى أن يصل مداه الى بعد مكان.
وقد كشف شمدين، أن كتاب "قادمون يا عتيق"، عنوان مقال كتبه قبل إحتلال داعش للموصل بنحو سبعين يوماً، وكان أشار فيه إلي أن من الأولى لمن يقول "قادمون يا بغداد"، أن يلتفتوا لما يجري في الموصل، ولكن لم يكن يعرف أن تاريخ الثورة الذي حدده في المقال 9 من يونيو سيكون احتلالاً غاشماً، وستتحول الفرحة الشعبية الى حزن ووجع عميقين.
وجاءت الطبعة الجديدة في أكتوبر 2018، أي بعد أربعة أعوام علي صدور الأولي، لتضيف العديد من القصص القصيرة الذي يعتقد بأنها تفيد الأجيال القادمة، وتجعلهم يفهمون ما حدث للموصليّين من مصائب ومحنٍ كثيرة.
يتضمن الكتاب، إضافة إلى المقدمة المقتضبة، 28 مقالاً وقصة رمزية وخبرية تهدف إلى التوثيق، لكنها تمتاز بعمقها، وسخريتها اللاذعة، ونَفَسها الفني الذي لا تُخطئه العين البصيرة.
وقد ضم كتاب "قادمون ياعتيق"، مقالات وقصص خبرية توزعت في 118 صفحة، تتناول أبرز الأحداث الأمنية والسياسية لمدينة الموصل، و من أهم مقالاته شهادة عن الموصل للتاريخ، لانه يكشف تفاصيل سيطرة الدولة الاسلامية على الموصل قبل التاسع من حزيران بسنوات طويلة.
ويستهل شمدين كتابه بشهادة يقول فيها إن تنظيم داعش كان يحكم الموصل قبل سنوات من سقوطها الرسمي في 2014 على الرغم من وجود 3 فرق من الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية، وكانوا يأخذون الإتاوات منهم مقابل عدم التعرض لوحداتهم العسكرية، وكان القادة يسترجعون ما دفعوه من التجّار والمواطنين بواسطة التهديد بالاعتقال أو اتهامهم بالمادة 4 إرهاب التي تفضي بهم حتماً إلى حبل المشنقة. وإذا كان الضباط الكبار يتقاضون رواتب الجنود مقابل تسرّبهم وغيابهم الذي بلغ نسبة 80 في المائة، فإن تنظيم داعش نفسه كان يأخذ نسبة 20 في المائة من مجمل مقاولات المدينة دون أن تحرّك الحكومة المركزية ساكناً.
العقوبات التي كان يفرضها داعش على الموصليين ليست وحشيّة فحسب؛ وإنما ظلامية متخلفة يستنكرها العراقيون بمختلف أطيافهم وشرائحهم الاجتماعية، كالجَلد في الأماكن العامة لتُهم بسيطة مثل التدخين، أو العزف، أو سماع الأغاني، ويكفي أن نقرأ المقال المعنون بصيغة استفاهمية مفادها: لماذا لا تُحارب (داعش) البلابل؟ لنعرف معاناة أسعد عزيز، الموسيقي الذي يعلّم تلاميذه العزف على آلة العود في سرداب منزله على الرغم من المخاطر الجمّة التي تحيط به، فقد أغلق نوافذه بالطابوق كي لا تتسرّب الموسيقى إلى آذان المتربصين. كما يفيدنا المقال بأنّ الدواعش قد أغلقوا في أكاديمية الفنون الجميلة أقسام الموسيقى والغناء والرسم والنحت والتمثيل، وأبقوا فقط على الخط العربي. وأكثر من ذلك، فقد حطّموا تمثال الموسيقار والمغنّي المعروف الملا عثمان الموصلي، وأصبح الاستماع إلى الموسيقى جريمة قد تكلّف صاحبها ثمناً باهظاً.
قصة هفافة في زمن الخلافة سردية رمزية بامتياز كتبها المؤلف بتقنية الحُلُم الذي يأخذه إلى شيتاغونغ، جنوب شرقي بنغلاديش، وهناك يجلس تحت مقصّ الحلاق بيناو الذي يسرد له قصة وباء الطاعون الذي اجتاح مدينتهم في التاسع من المنصرم، والهروب الجماعي لأعضاء المجلس البلدي للمدينة باستثناء عضوة واحدة رفضت الهزيمة، وبقيت صامدة في مواجهة هذا الوباء الخطير، علما بأنها كانت تعمل (حفّافة) قبل أن تصبح عضوة في المجلس البلدي لكنها كانت مخلصة لبلدها، ومستعدة لأن تقدّم نفسها قرباناً على مذبح الوطن.
استوحي شمدين قصة الموصل بعد 150 عاماً من البروفسور الألماني كلاوس سامس الذي قرّر عام 2014 أن يجمّد نفسه ويستفيق بعد 150 عاماً في عملية سماها حفظ الحياة وهي قصة مستقبلية في مبناها الحداثي، ومعناها المطروق غير مرّة.
أما قصة أعرف بأنكم لن تصدِّقوني فهي قصة تهكمية، ساخرة بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى. فبعد أن سافر الراوي إلى دمشق وعاش فيها لمدة سبع سنوات، وامتهن مهناً كثيرة كانت أخراها بيع وشراء المسابح النادرة، والأحجار الكريمة، واستعان بفريق من المندوبين الشطّار وعلى رأسهم نوري؛ الشخص النشيط، والجادّ، والطموح، عاد إلى العراق، لكنه فوجئ بمندوبه يعلن فيها عن ترشّحه لمنصب رئيس مجلس الوزراء.
قصة ستوله ليس مجرد ثور! قد تنتمي إلى أدب السيرة الذاتية، وعلاقة الكائن السيري بالآخر، لكن التقاطة القاص الذكيّة تكمن في اختيار ستوله شخصيةً رئيسية تتمحور حولها أحداث القصة المشذّبة التي تدور في جوف سيارة خبير مروري يمتحن قدرة الراوي على السير في المناطق الثلجية. المفارقة في هذه القصة أن الخبير مولع بالجغرافيا ويعرف عن ظهر قلب مساحات الدول بدقة متناهية، لكن الذي لفت انتباه الراوي أنّ هذا الدُبّ الاسكندينافي الضخم يعرف أيضاً مساحات الدول التي سوف تتقسّم لاحقاً. وحين انتبه إلى الدفتر الصغير للخبير لمح اسم العراق سنة 1918 وهو مقسّم إلى 3 بلدان على وفق مساحاتها الجديدة وهي: شيعستان 178.812كم2، وسنّستان 218.260كم2، وكردستان 40.000كم2!
تختصر قصة سراديب الموصل مأساة الموصليين جميعاً إذا اعتمدنا على نظرية الجزء يفضي إلى الكل ويحيل إليه، فالبروفسور محمد طيب الليلة، وزوجته الطبيبة فاطمة الحبال، وابنته إيمان لم يُبقِ منهم القصف الجوي أشلاءً متناثرة تدلّ عليهم، فلقد عجز السرداب عن حمايتهم أو في الأقل أن يكون قبراً لهم، وبما أن جثثهم قد أصبحت هباءً منثوراً، فقد رفضت الحكومة أن تزوّدهم بشهادات الوفاة التي تُثبت أنهم قد غادرونا فعلاً إلى أبديتهم.
تبدو قصة هل ستعود إلى الموصل إن حل فيها السلام ذات يوم؟ متأثرة بالقيّم الأوروبية، خصوصا في ما يتعلق بشخصية الروائي الموصلي محمد المفتي الذي يقيم في أوسلو منذ 17 سنة، لكن روائح الأحياء والأزقّة الموصلية تفوح من كلماته كأنه غادرها البارحة. لا يجيب المفتي عن هذا السؤال المُربك بطريقة مباشرة كي يتفادى الحرج المحتمل، لذلك يلجأ إلى التورية فيردّ على السؤال بسؤال آخر مفاده: أليس علي أن أغادرها أولاً؟!.