مقتل الشيخ الذهبي في الثالث من يوليو عام 1977 علي يد جماعة التكفير والهجرة
الخميس 02/يوليو/2020 - 10:18 ص
طباعة
بعد أن تضخمت جماعة التكفير والهجرة بدأت تواجه بعض المشاكل الداخلية؛ نظرا لاتساعها وتوزعها في الداخل والخارج، خاصة أن شكري لم يكن يتحمل الخروج عنه، ويعتبر كل خارج من جماعته مرتدا عن الإسلام يجب قتله، ولحدوث بعض أحداث العنف فيما بينهم بدأت هذه الحوادث تلفت نظر جهات الأمن؛ ليكتشفوا أن وراء هذه الحالات من الاعتداء تنظيما دينيا كبيرا، يمكن في أي لحظة أن يتحول بالعنف تجاه النظام، عندها ومع تكشف بعض أسرار التنظيم من المعتدى عليهم من المنشقين- بدأت حملة اعتقالات لأفراد الجماعة.
ولم يجد شكري مصطفى بدا أمام هذه الضربات البوليسية إلا الرد متمثلا في عملية اختطاف يساوم بها مع النظام على الإفراج عن المعتقلين، فكان اختطاف وقتل الشيخ الذهبي، وتم تحديده بناء على عدة أسباب:
1- أن الشيخ الذهبي عالما كبيرا ووزيرا سابقا له وزنه في المجتمع ولدى الحكومة.
2- حجمه الدعوي والفكري الكبير الذي جعله يؤلف كتابا يرد به على أفكارها فكرة فكرة.
3- عدم اكتفاء الشيخ برفض أفكار جماعة التكفير والهجرة ، بل أعلن موقفا مناهضا لها.
4- الشيخ الذهبي كان صيدا سهلا حيث لم تتواجد عليه حراسة لحمايته.
5- الحصول على عدد من المكاسب كالإعلان عن وجود الجماعة، والمطالبة بفدية مالية.
وفي فجر يوم الأحد الثالث من يوليو لعام 1977, اقتربت سيارتان من باب فيلا الشيخ الذهبي المكونة من طابقين في منطقة هادئة ومعزولة بشارع السايس بحدائق حلوان، وتوقفت السيارة الأولى أمام باب الفيلا مباشرة، والأخرى على بعد عدة أمتار وأطفأت أنوارها، وقفز من السيارة الأولى خمسة أفراد بملابس الشرطة وملابس مدنية، أحدهم ضابط برتبة رائد، وفي يد أحدهم مدفع رشاش، وتقدموا نحو الفيلا وطرقوا الباب بعنف.
وسرعان ما استيقظ جميع من بالفيلا، وأضيء الطابق الأرضي حيث ينام الجميع, ومع توالي الطرق فتح الباب الابن الأكبر الدكتور حسين النائب المقيم بالقصر العيني، فقاموا بدفعه بشدة وانطلقوا مسرعين إلى الداخل، وردد قائد المجموعة "أحمد طارق عبد العليم" رائد شرطة سابق "وسّع إحنا مباحث أمن دولة، فين الشيخ الذهبي".
وقبل أن يجيب فتح باب غرفة داخلية وخرج الشيخ بملابس النوم مذعورا ليرى أمامه خمسة أشخاص، وقد شهروا أسلحتهم، وسأل: ما الخبر؟ فجاءه الرد بخشونة أنه مطلوب للتحقيق، وعندما سأل عن السبب طلبوا منه أن يلبس ملابسه بسرعة، وهناك سيعرف كل شيء، وقبل أن يخرج معهم حاول الشيخ أن يهدئ من روع أبنائه وأمهم، أخبرهم أن ثمة خطأ في الأمر وأنه سيعود سريعا.
وتحركت السيارة الأولى بسرعة، حاملين معهم الشيخ في الكرسي الخلفي، بينما حدث عطل مفاجئ في السيارة الثانية ولم يتمكن سائقها من تشغيلها، وعندما خرج الابن الأكبر مسرعا وراءهم واستعان ببعض المصلين من المسجد القريب للفيلا، بالإمساك بقائد السيارة، والاتصال بالشرطة.
في الطريق سأل الشيخ مرّة ثانية عن سبب القبض عليه، أجابه أحدهم بتهكم: لكونك على علاقة بجماعة التكفير والهجرة. فأخذ الشيخيردد: كيف تقولون ذلك؟ إنني ضد أفكارهم على طول الخط. وقد ألفت كتابا في الرد عليهم وإبطال حججهم, وإنني متبرئ منهم إلى يوم القيامة.
التحقيقات
تبين من التحقيقات أن السيارة المتعطلة كان رقمها 28793 ملاكي القاهرة، وأن سائقها هو "إبراهيم محمد حجازي" أحد أفراد العملية وعضو بجماعة التكفير والهجرة ووجد بداخلها مدفع رشاش وطبنجتين.
ومنذ اللحظة الأولى كان موقف الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها وزير الداخلية السابق "ممدوح سالم"، هو عدم التنازل والمواجهة، لكنها أوهمت الجماعة بالرغبة في المفاوضات بغية كسب الوقت وتأخير قتل الرهينة حتى تستطيع تحديد المكان وإعداد خطة لتخليص الشيخ.
وبينما كانت تجري مع الجماعة مفاوضات صورية، كانت وزارة الداخلية تمسح القاهرة طولا وعرضا بحثا عن الشيخ الذهبي وتركز بحثهم على الشقق المفروشة. وبالصدفة اشتبهوا في إحدى الشقق كان اثنان من ضباط الشرطة يسألان عمن يقيم بالشقة المفروشة رقم 1 شارع محمد حسين بشارع الهرم، فرفض مستأجروها الإدلاء بأية بيانات؛ مما أثار الشكوك وبمهاجمة الشقة عثر بداخلها على شخصين من الجماعة هما (أحمد نصر الله حجاج- وصبري محمد القط)، وعثر على مدفع رشاش وألف طلقة ذخيرة، ورسم كروكي لبيت الشيخ الذهبي، وخطابات متبادلة بين أعضاء التنظيم، وأوراق أخرى كان من بينها عقد إيجار فيلا مفروشة في شارع فاطمة رشدي في الهرم.
وأثناء التفتيش حضر شخص ثالث، ما أن شاهد رجال الأمن حتى حاول ابتلاع ورقة كان يحملها، فمنعوه، وأخرجوها من فمه، وتبين أنها رسالة بنقل جثمان الدكتور الذهبي من الفيلا المفروشة على عربة "كارو" بعد إجراء عمليات التمويه لتلقى مع مادة النشادر في مصرف قريب، فتم مهاجمة الفيلا المفروشة وعثر على جثة الشيخ الذهبي، وبعد عمليات مطاردات واسعة أدت إلى سقوط معظم أفراد الجماعة.
وحاول من تبقى من جماعة التكفير والهجرة مناورة الأمن من خلال عدد من العمليات الصغيرة كاستخدام الفخاخ والشقق الملغمة في إيقاع الخسائر برجال الشرطة، والقيام ببعض التفجيرات اليائسة في سينما سفنكس، وميدان العتبة، ومعهد الموسيقى العربية، ولكن الضربات الأمنية سرعان ما قضت عليهم ولم يتبق منهم سوى أعداد صغيرة التحقت بتنظيمات جديدة تنتهج العنف، ولم يبق لهم تواجد إلا في بعض الدول العربية والإسلامية كالمغرب والسودان واليمن والأردن والجزائر، لتظل أفكار "شكري مصطفى" ملهمة لأغلب قادة التطرف في العالم، حتى ولم لم يعترفوا بذلك.
المحاكمة
قال شكري مصطفى في أقواله أمام هيئة محكمة أمن الدولة العسكرية العليا والقضية التي حملت رقم 6 لسنة 1977: "إن كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعاً. وبيان ذالك أنهم تركوا التحاكم لشرع الله واستبدلوه بقوانين وضعية، ولقد قال الله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، بيد أن الأفراد أنفسهم لا نستطيع الحكم عليهم بالكفر؛ لعدم التبين من ذلك؛ لذا فهم فقط جاهليون ينتمون لمجتمع جاهلي يجب التوقف في الحكم عليهم حتى يتبين إسلامهم من كفرهم.
وقال أيضا: "إننا نرفض ما يأخذون من أقوال الأئمة والإجماع وسائر ما تسميه الأصنام الأخرى كالقياس. وبيان ذلك أن المسلم ملتزم فقط بما ذكر في القرآن الكريم والسنة المطهرة، سواء أكان أمراً أو نهياً وما يزيد عن ذلك عن طريق الإجماع أو القياس أو المصالح المرسلة. فهو بدعة في دين الله.
وتابع: "إن الالتزام بجماعة المسلمين ركن أساس؛ كي يكون المسلم مسلماً، ونرفض ما ابتدعوه من تقاليد، وما رخصوا لأنفسهم فيه، وقد أسلموا أمرهم إلى الطاغوت وهو: الحكم بغير ما أنزل الله، واعتبروا كل من ينطق بالشهادتين مسلماً.
وإن الإسلام ليس بالتلفظ بالشهادتين ولكنه إقرار وعمل، ومن هنا كان المسلم الذي يفارق جماعة المسلمين كافراً. الإسلام الحق هو الذي تتبناه "جماعة المسلمين" وهو ما كان عليه الرسول وصحابته وعهد الخلافة الراشدة فقط- وبعد هذا لم يكن ثمة إسلام صحيح على وجه الأرض حتى الآن. حياة الأسرة داخل الجماعة مترابطة ببعضها بحكم عدم الاختلاط بالعالم الخارجي.
وفي صباح يوم 30 مارس عام 1978 وفي سجن الاستئناف بالقاهرة تم تنفيذ حكم الإعدام في كل من شكري أحمد مصطفى وأحمد طارق عبد العليم وأنور مأمون صقر وماهر عبد العزيز بكر ومصطفى عبد المقصود غازي.