تاريخ العلاقات الإخوانية الأمريكية (ملف خاص1 - 6 )
السبت 17/نوفمبر/2018 - 03:51 م
طباعة
حسام الحداد
مدخل
حسن البنا
تعود علاقة الإخوان بأمريكا إلى مراحل مبكرة من تاريخ الجماعة، فقد حرص المرشد المؤسس حسن البنا على مد جسور التواصل والتفاهم مع الأمريكان، بل وكان مبادراً بالاتصال والتفاهم مع الإدارة الأمريكية، ولعب البنا على قضية كان الأمريكان يهتمون بها، ويحددون علاقاتهم بالأنظمة الحاكمة والقوى السياسية في دول العالم بناءً على الموقف منها، وهي قضية العداء والمواجهة مع النام السوفيتي، في زمن السعي لفرض أوسع هيمنة أمريكية على خريطة العالم لمواجهة المعسكر الاشتراكي بقيادة «ستالين»، وتوافقًا مع هذا السعي الأمريكي.. وفي مقابلة تمت بين حسن البنا وفيليب أيرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة في 29 أغسطس سنة 1947- طلب البنا من الأمريكان تكوين «مكتب مشترك» من الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية، على أن يكون أغلب أعضائه من الإخوان، وتتولى أمريكا إدارة المكتب، هذا وقد كرر حسن البنا ذات الطلب مع ذات المسئول الأمريكي في مقابلة ثانية تمت في بيته بحضور بعض قيادات الإخوان، مبررا طلبه بأن يدفع الأمريكان «مرتبات» للإخوان مقابل محاربة الشيوعية– فيقول: "إن أعضاء الجماعة سيتركون عملهم الأصلي؛ لينضموا للخلايا الشيوعية للحصول على المعلومات، وبذلك سيفقدون مرتباتهم.. وإذا أمكن إبقاؤهم على أساس أنهم محققون وباحثون، فإن هذه المشكلة يسهل حلها".
حادثة المنشية
تعززت علاقة جماعة الإخوان بالإدارة الأمريكية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك عقب قرار حل الجماعة، بعد قيام عناصر من الجماعة بمحاولة الاغتيال الفاشلة لعبد الناصر "المنشية 1954".. أي وفقاً لأدبيات الإخوان مع بداية «المحنة الثانية»؛ حيث فر عدد كبير من كوادر وعناصر الجماعة إلى السعودية، وقد كانت السعودية– وقتها– تناصب عبد الناصر ونظامه العداء.. وسعت المخابرات السعودية، بالتفاهم مع الإدارة الأمريكية، إلى تدريب حوالي 10 آلاف من أعضاء الإخوان على السلاح، على أمل استخدامهم في الإطاحة بنظام عبد الناصر.. ولكن الخطة فشلت وتوارت.
عمر التلمساني- حامد أبو النصر
وللأمريكان فضل كبير في دعم وتأسيس التنظيم الدولي للإخوان فقد ساعدت المخابرات الأمريكية الجماعة في افتتاح كافة المراكز الإسلامية في أوربا، ومكنتها من السيطرة عليها بداية من 1982، وكانت علاقات المودة والتواصل جيدة بين الإدارة الأمريكية ومرشدي الإخوان، فقد تم استقبال عمر التلمساني، وقت كان مرشداً للجماعة، استقبالاً فاخراً في زيارته للولايات المتحدة .. نفس الشيء تكرر مع الشيخ حامد أبو النصر الذي منحته امريكا «تأشيرة مفتوحة» تم استخراجها في 24 ساعة، مصحوبة بدعوة لقضاء اجازة في الولايات المتحدة لكن حالته الصحية حالت دون اتمام الزيارة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ما صرح به مرشد الاخوان الاسبق عمر التلمساني عقب عودته من زيارة أمريكا، حيث أعلن في اجتماع لمكتب الارشاد في 15 سبتمبر 1985، عن قرار الإدارة الأمريكية اعتزامها دعم الجماعات الدينية، من خلال الجمعيات وذلك عن طريق سفاراتها في البلدان الاسلامية
عصام العريان
وفي حقبة الثمانينيات من القرن الماضي تعددت زيارات قيادات إخوانية للولايات المتحدة.. فقد سافر الدكتور عصام العريان إلى أمريكا للتسويق للتحالف الانتخابي الذي تم في الانتخابات البرلمانية في 1984 بين الوفد والإخوان؛ ليشرح للأمريكان إمكانية وصول تحالف ليبرالي "الوفد"، وإسلامي "الاخوان" إلى السلطة في مصر.
وفي 1980– أيضا– وعلى خلفية حادثة رهائن السفارة الأمريكية في طهران، طلب الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان من التلمساني التدخل لدى آية الله الخميني لإطلاق سراح الرهائن، وحاول التلمساني بالفعل القيام بتلك الوساطة، لكن الخميني لم يستجب له.
وأحسن الإخوان في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، استخدام كوادرهم، خاصة قيادات العمل النقابي، في النقابات التي سيطر عليها الإخوان: "الأطباء/المهندسين/المحامين"- في القيام بمهام اتصال وتفاهم مع الإدارة الأمريكية، داخل مصر وخارجها، وبالتواصل مع قيادات التنظيم الدولي في أمريكا وأوروبا
محسن عبدالحميد
وبأوامر من قيادات الإخوان، وعقب احتلال الأمريكان للعراق- كان أعضاء «الحزب الإسلامي»- فرع الإخوان في العراق– هم أول من مدوا أيديهم لقوات الاحتلال، بل إن محسن عبد الحميد رئيس الحزب الإسلامي «الإخواني» شارك في أول حكومة احتلال في العراق برئاسة بريمر!!
وفي فترة النصف الثاني من التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين تواصلت التفاهمات والمقابلات بين الإخوان والإدارة الأمريكية، ولعب نفس الدور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الذي سافر كثيراً تحت راية العمل النقابي «الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب».. وقت أن كان قائماً بأعمال نقيب الصحفيين، وكذلك الدكتور سعد الكتاتني، والدكتور عصام العريان وصلاح عبد المقصود.
سعد الدين ابراهيم
ويذكر في السياق ذاته الدور الذي لعبه الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون، في مبادرته التي قام خلالها بتنظيم أكثر من لقاء داخل مصر، بين قيادات إخوانية وطاقم السفارة الأمريكية بالقاهرة، وخارجها في الولايات المتحدة وقطر بترتيب لقاءات بين قيادات إخوانية ومسئولين أمريكان.
محمد مرسي
أما عن علاقة الاخوان بأمريكا عقب ثورة يناير 2011 وما تلاها من تطورات.. وصولاً لسيطرة الإخوان إلى مجلس الشعب ولجنة إعداد دستور 2012 ودور السفيرة الأمريكية في إنجاح مرشح الإخوان لمقعد الرئاسة محمد مرسي.. وما تلا ذلك من تطورات، بلغت ذروتها في ثورة 30 يونيو.. والتي أطاحت بالإخوان وممثلهم في القصر الرئاسي.. فالأمر ما زال عالقاً بالأذهان وما زالت الإدارة الأمريكية لا تخفي انحيازها ودعمها للجماعة الإرهابية.
وآخر تجليات الموقف الأمريكي الاعتراف الرسمي الصادر عن الإدارة الأمريكية، خلال الأسبوع الأول من فبراير 2014 والذي أكد على حرص الإدارة الأمريكية على التواصل مع جماعة الإخوان، رغم قرار الحكومة المصرية باعتبارها جماعة إرهابية، فقد أكدت الخارجية الأمريكية في بيان لها أن التواصل بين السفارة الأمريكية بالقاهرة وجماعة الإخوان لا يزال مستمراً، بحجة سعي الولايات المتحدة للحوار مع جميع أطراف العملية السياسية في مصر، وأكدت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تصنف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية!!
ومن المهم– أيضاً– الإشارة إلى التنسيق العالي بين الإدارة الأمريكية وبين الإخوان فيما يتعلق بالملف السوري.. فالإخوان يعدون حماساً ودعماً عمليا ومباشراً لتحقيق المخطط الأمريكي الهادف لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، ويعمل إخوان سوريا بحماس في تنفيذ ذلك المخطط الأمريكي.
خلاصة:
ويمكن تلخيص جوهر العلاقات التاريخية بين الإخوان ومختلف الإدارات الأمريكية على النحو التالي:-
1- المحدد الأهم و«السيادي» لدى الأمريكان والذي يحكم علاقاتهم «بالإخوان» هو التعهد الواضح والقاطع للإخوان من احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل، وحفظ أمن دولة إسرائيل.
عبد الناصر
2- استخدام الأمريكان علاقاتهم بالإخوان لابتزاز أو الضغط على النظام المصري الحاكم (عبد الناصر/السادات/مبارك)، وصولاً لإضعافه..
3- في المقابل سعى الإخوان دائما لتقديم أنفسهم كحليف للأمريكان.. وقت الحرب الباردة «معا نواجه الشيوعية والروس»، وأرسلوا رسائل التطمين بأنهم على قدرة ودراية بخلق نظام حكم مستقر في تلك المنطقة.
4- السياسات الاقتصادية والانحياز الاجتماعي للإخوان يسير في نهج السياسات الأمريكية.. فهم مع النهج الرأسمالي ومع الخصخصة.
في هذا الملف الخاص جدا وعلى مدار سبعة أجزاء سنتناول بالتفصيل والوثائق والاعترافات، تاريخ العلاقات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين، من البداية حتى اللحظة الراهنة.
الإخوان وأمريكا الحلقة (1)
صدام الإخوان بثورة يوليو 1952 بداية لموجات الهجرة
اختيار الإخوان لأمريكا له علاقة بتوجه الثورة الاشتراكي
مرشد عام الجماعة رفض إصدار بيان تأييد للثورة
حتى تيقن من خروج الملك
الجماعة رفضت تأييد حكومة الثورة أو المشاركة فيها
البدايات
بدأت علاقة الإخوان المسلمين بأمريكا في عام 1954، بعد المواجهة التى حدثت بين الجماعة ومجلس قيادة ثورة يوليو، والتي كانت بسبب رغبة الجماعة في السيطرة على القادة الجدد واختطاف الثورة لصالح الجماعة.
كانت الجماعة تعيش فى بداية الثورة حالة من الوفاق مع قادتها خصوصاً بعد استثناء الجماعة من قرار حل الأحزاب السياسية، والذي أسهم في تنامي شعور الجماعة بالقوة، وأدى بعد ذلك إلى الصدام.
الأسباب الحقيقية للصدام يرويها البكباشي جمال عبد الناصر في قرار حل الجماعة، الذي صدر في 14-1-1954، والذي يؤكد فيه أن نفرا من الصفوف الأولى في هيئة الإخوان أرادوا أن يُسَخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأطماع ذاتية، مستغلين سلطان الدين على النفوس، وبراءة وحماسة الشبان المسلمين، ولم يكونوا في هذا مخلصين لوطن أو دين.
ولقد أثبت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الإخوان والنظم التي تقوم عليها هذه الهيئة؛ لإحداث انقلاب في نظام الحكم القائم تحت ستار الدين.
ويوضح جمال عبد الناصر في متن قرار الحل، التفصيلات التي أدت إلى وصول العلاقة بين الطرفين إلى طريق مسدود، والتي دفعت مجلس قيادة الثورة إلى اتخاذ مثل هذا القرار بالقول، ولقد سارت الحوادث بين الثورة وهيئة الإخوان قد جرت بالتسلسل الآتي:
حسن العشماوي
1 ـ في صباح يوم الثورة استدعى الأستاذ حسن العشماوي لسان حال المرشد العام إلى مقر القيادة العامة بكوبري القبة، وأبلغه أن يطلب من المرشد العام إصدار بيان لتأييد الثورة، ولكن المرشد بقي في مصيفه بالإسكندرية لائذا بالصمت، فلم يحضر إلى القاهرة إلا بعد عزل الملك، ثم أصدر بيانا مقتضبا طلب بعده أن يقابل أحد رجال الثورة، فقابله البكباشي جمال عبد الناصر في منزل الأستاذ صالح أبو رقيق الموظف بالجامعة العربية، وقد بدأ المرشد حديثه مطالبا بتطبيق أحكام القرآن في الحال، فرد عليه البكباشي جمال عبد الناصر أن هذه الثورة قامت حربا على الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي والاستعمار البريطاني، وهي بذلك ليست إلا تطبيقا لتعاليم القرآن الكريم.
فانتقل المرشد بالحديث إلى تحديد الملكية، وقال إن رأيه أن يكون الحد الأقصى 500 فدان.
فرد عليه البكباشي جمال قائلا: إن الثورة رأت التحديد بمائتي فدان فقط، وهي مصممة على ذلك. فانتقل المرشد بالحديث قائلا إنه يرى أنه لكي تؤيد هيئة الإخوان الثورة أن يعرض عليه أي تصرف للثورة قبل إقراره، فرد عليه البكباشي جمال قائلا: إن هذه الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها، وهي لن تقبل بحال أن توضع تحت وصاية أحد وإن كان هذا لا يمنع القائمين على الثورة من التشاور في السياسة العامة مع كل المخلصين من أهل الرأي، دون التقيد بهيئة من الهيئات، ولم يلق هذا الحديث قبولا من نفس المرشد.
2- سارعت الثورة بعد نجاحها في إعادة الحق إلى نصابه، وكان من أول أعمالها أن أعادت التحقيق في مقتل الشهيد حسن البنا فقبضت على المتهمين في الوقت الذي كان المرشد لا يزال في مصيفه في الإسكندرية.
علي ماهر
3- طالبت الثورة الرئيس السابق علي ماهر بمجرد توليه الوزارة أن يصدر عفوا شاملا عن المعتقلين والمسجونين السياسيين، وفي مقدمتهم الإخوان، وقد نفذ هذا فعلا بمجرد تولي الرئيس نجيب رئاسة الوزارة.
الرئيس نجيب
4- حينما تقرر إسناد الوزارة إلى الرئيس نجيب تقرر أن يشترك فيها الإخوان المسلمون بثلاثة أعضاء، على أن يكون أحدهم الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري.
عبدالحكيم عامر
وقد تم اتصال تليفوني بين اللواء عبد الحكيم عامر والمرشد ظهر يوم 7 سبتمبر سنة 1952، فوافق على هذا الرأي قائلا إنه سيبلغ القيادة بالاسمين الآخرين، ثم حضر الأستاذ حسن العشماوي إلى القيادة في كوبري القبة وأبلغ البكباشي جمال عبد الناصر أن المرشد يرشح للوزارة الأستاذ منير الدله الموظف في مجلس الدولة والأستاذ حسن العشماوي المحامي، وقد عرض هذا الترشيح على مجلس الثورة فلم يوافق عليه، وطلب البكباشي جمال عبد الناصر من الأستاذ حسن العشماوي أن يبلغ ذلك إلى المرشد ليرشح غيرهما، وفي الوقت نفسه اتصل البكباشي جمال بالمرشد، فقال الأخير إنه سيجمع مكتب الإرشاد في الساعة السادسة، ويرد عليه بعد الاجتماع.
وقد أعاد البكباشي جمال الاتصال مرة أخرى بالمرشد، فرد عليه أن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك في الوزارة، فلما قال له: لقد أخطرنا الشيخ الباقوري بموافقتك وطلبنا منه أن يتقابل مع الوزراء في الساعة السابعة لحلف اليمين أجابه بأنه يرشح بعض أصدقاء الإخوان للاشتراك في الوزارة ولا يوافق على ترشيح أحد من الإخوان.
وفي اليوم التالي صدر قرار من مكتب الارشاد بفصل الشيخ الباقوري من هيئة الاخوان فاستدعي البكباشي جمال عبدالناصر الاستاذ حسن العشماوي وعاتبه علي هذا التصرف الذي يظهر الاخوان بمظهر الممتنع عن تأييد وزارة الرئيس نجيب وهدد بنشر جميع التفاصيل التي لازمت تشكيل الوزارة فكان رد العشماوي أن هذا النشر يُحدث فرقة في صفوف الإخوان وليس لموقف المرشد العام ورجاه عدم النشر.
5- عندما طلب من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها- قدم الإخوان إخطارا باعتبارهم حزبا سياسيا وقد نصحت الثورة رجال الإخوان بألا يترددوا في الحزبية ويكفي أن يمارسوا دعوتهم الإسلامية بعيدا عن غبار المعارك السياسية والشهوات الحزبية، وقد ترددوا بادئ الأمر، ثم استجابوا قبل انتهاء موعد تقديم الإخطارات، وطلبوا اعتبارهم هيئة، وطلبوا من البكباشي جمال عبد الناصر أن يساعدهم على تصحيح الأخطاء، فذهب إلى وزارة الداخلية حيث تقابل مع المرشد في مكتب الأستاذ سليمان حافظ وزير الداخلية وقتئذ، وتم الاتفاق على أن تطلب وزارة الداخلية من الإخوان تفسيرا عما إذا كانت أهدافهم سيعمل على تحقيقها عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات، وأن يكون رد الإخوان بالنفي حتى ينطبق عليهم القانون.
صلاح شادي
6- وفي صبيحة يوم صدور قرار الأحزاب في يناير سنة 1953 حضر إلى مكتب البكباشي جمال عبد الناصر الصاغ صلاح شادي، والأستاذ منير الدله، وقالا له: الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا هيئة الإخوان؛ ولهذا فإنهم يجب أن يكونوا في وضع يمكنهم من أن يردوا على كل أسباب التساؤل.. فلما سألهما: ما هو هذا الوضع المطلوب؟ أجابا بأنهم يريدون الاشتراك في الوزارة. فقال لهما: إننا لسنا في محنة وإذا كنتم تعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون. فقالا له: إذا لم توافق على هذا فإننا نطالب بتكوين لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها للموافقة عليها، وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إن أردتم التأييد. فقال لهما جمال: لقد قلت للمرشد سابقا إننا لن نقبل الوصاية.. وإنني أكررها اليوم مرة أخرى في عزم وإصرار.. وكانت هذه الحادثة هي نقطة التحول في موقف الإخوان من الثورة وحكومة الثورة، إذ دأب المرشد بعد هذا على إعطاء تصريحات صحفية مهاجما فيها الثورة وحكومتها في الصحافة الخارجية والداخلية، كما كانت تصدر الأوامر شفهيا إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائما في المناسبات التي يعقدها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدي.
7- لما علم المرشد بتكوين هيئة التحرير تقابل مع البكباشي جمال في مبنى القيادة بكوبري القبة، وقال له إنه لا لزوم لإنشاء هيئة التحرير ما دام الإخوان قائمين. فرد عليه البكباشي جمال إن في البلاد من لا يرغب في الانضمام للإخوان، وإن مجال الإصلاح متسع أمام الهيئتين. فقال المرشد: إنني لن أؤيد هذه الهيئة. وبدأ منذ ذلك اليوم في محاربة هيئة التحرير وإصدار أوامره بإثارة الشغب واختلاق المناسبات؛ لإيجاد جو من الخصومة بين أبناء الوطن الواحد.
8- وفي شهر مايو سنة 1953 ثبت لرجال الثورة أن هناك اتصالا بين بعض الاخوان المحيطين بالمرشد وبين الإنجليز، عن طريق الدكتور محمد سالم الموظف في شركة النقل والهندسة، وقد عرف البكباشي جمال من حديثه مع الأستاذ حسن العشماوي في هذا الخصوص أنه حدث اتصال فعلا بين الأستاذ منير الدله والأستاذ صالح أبو رقيق ممثلين عن الإخوان وبين مستر "إيفانز" المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، وأن هذا الحديث سيعرض حينما يتقابل البكباشي جمال والمرشد، وعندما التقى البكباشي جمال المرشدَ أظهر له استياءه من اتصال الإخوان مع الإنجليز والتحدث معهم في القضية الوطنية، الأمر الذي يدعو إلى التضارب في القول وإظهار البلاد بمظهر الانقسام.
هذا وبعد حل الجماعة تحرك نظامها الخاص لاغتيال ناصر في حادثة المنشية الشهيرة، والتي انتهت بالفشل وتصاعد المواجهة بين الثورة والجماعة، وقد اعتُقل الآلاف من كوادر الجماعة وتم فصل البعض من أشغالهم، وهرب الكثيرون واختفوا، وكان الخيار الأفضل للكثير من أعضاء الجماعة هو السفر لأي دولة خارج مصر، خصوصاً الدول النفطية مثل السعودية، والتي كانت على خلاف في هذا الوقت مع نظام عبد الناصر، ومنهم من اختار السفر للغرب وخصوصا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهناك كونوا روابط إخوانية، وحاولوا البقاء متماسكين حتى تتضح الصورة في مصر وتظهر الجماعة من جديد، وسنحاول في هذه الحلقات عرض مراحل تطور الجماعة في الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، حتى وقتنا هذا.
ولكن لماذا الولايات المتحدة الأمريكية؟!
كانت الولايات المتحدة في فترة الخمسينات تمثل حلماً وبريقا لبعض القوى، خاصة الإسلامية منها، وكانت تعد نفسها لوراثة الاستعمار القديم المتمثل في إنجلترا وفرنسا، وتعاني منافسة حادة من الاتحاد السوفيتي الذي أخذ يسيطر وينشر أفكاره في منطقة الشرق الأوسط، ووسط حركات التحرر الوطني بشكل عام، الأمر الذي استنفر الأمريكان، وأخذوا في البحث عن قوى يمكن الاعتماد عليها في كسر شوكة قوى التحرر، من ناحية، والوقوف ضد تمدد نفوذ موسكو من ناحية أخرى، وسرعان ما وجدوا ضالتهم في حركة الإخوان المسلمين.
كانت الجماعة ومعها عدد من المفكرين الإسلاميين يعتبرون الاشتراكية كفرا بواحا، ومن ينادي بها كفار يستحل دمهم؛ الأمر الذي أدى إلى مواجهات متعددة بين أنظمة وقوى التحرر الوطني الناشئة، سواء تلك الحاكمة كثوار يوليو، أو تلك التي تسعى إلى تحرير بلادها من ربقة المستعمر.
وكل هذه العوامل أدت إلى ازدياد موجات هجرة الإسلاميين إلى الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص؛ هربا من تلك المواجهة، بمعنى أن هناك جهات عديدة تابعة لتلك الحركات، وفي القلب منها حركة الإخوان المسلمين، التي كانت تشرف على هجرة هؤلاء الشباب، ثم تقوم بإعادة تجميعهم؛ لتصفهم في صفوف منظمة، تصب في بوتقة واحدة.