قراءة في "سطوة النص.. خطاب الأزهر وأزمة الحكم"
الثلاثاء 11/ديسمبر/2018 - 03:42 م
طباعة
حسام الحداد
شهدت مصر نظام حكم شبه ديني بدأ منتصف عام 2012، وقد تسارعت وتيرة الأحداث مذ ذاك الحين، وتدخلت المؤسسة العسكرية مدعومة بتأييد شعبيّ لتنهي هذا الحكم بعد عام واحد فقط، وخلال فترة وجيزة لم تتجاوز شهرًا ونصف الشهر من سقوط جماعة الإخوان المسلمين عن مواقع السلطة، تم القضاء على أكبر مظهر احتجاجي قام به الموالون للجماعة، إذ جرى فضّ الاعتصامين الشهيرين، ومن ثم أُرسيت دعائم النظام الجديد.
وفي خضم هذه الأحداث ظهر الأزهر لاعبًا أساسيًّا وفاعلا على الساحة السياسية، وشكلت خُطب شيخ الأزهر والبيانات الصادرة عن المشيخة نصوصًا شديدة الثراء، بما حملته من تفاعلات مع خطاب السُلطة الحاكمة، ولما أظهرته في عديد المرات من تأييد لها، وفي قليل الأحيان مِن تراجُع وارتباك.
ثمة إشكالية مطروحة هنا حول دور المؤسسة الدينية الرسمية، وحدوده، وأبعاده، وكذلك حول هويتها التي تبدو محملة بأوجه متعددة، يسفر تداخلها في بعض المرات عن صورة واضحة من صور النزاع.
بهذه الكلمات حاولت الباحثة بسمة عبد العزيز في مؤلفها المعنون بـ"سطوة النص.. خطاب الأزهر وأزمة الحُكم"، أن تناقش دور الأزهر كأهم مؤسسة دينية في مصر، من خلال مواقفه من الأحداث السياسية، ومدى تفاعله مع هذه الأحداث، ودرجة التواطؤ مع السلطة السياسية، واعتناق وجهة نظرها، ومحاولاته إقناع الجمهور بها، نظراً لأن الخطاب بالأساس يستند إلى ما يوحي بالأساس الديني. واعتمدت المؤلفة في الكتاب منهج التحليل النقدي للخطاب هذا المنهج الذي تراه مناسباً تماماً للموضوع، حيث يلفت الانتباه نحو السلطة وعلاقاتها، وكشف أساليب السيطرة والهيمنة الاجتماعية التي تحققها من خلال اللغة، وبالتالي تصبح المؤسسة الدينية أحد أوجه السلطة المؤثرة في المجتمع، كما أنها تتفاعل مع سلطة أخرى هي السلطة السياسية.
وحسب المؤلفة فان مؤسسة الأزهر بداية من 25 يناير 2011، وحتى انتهاء حكم الإخوان حاولت أن تكون محايدة وتصدر عبارات تحث على تلاحم طوائف الشعب، وتحريم الدم، ومباركة سلطة المجلس العسكري التي توصف بأنها مؤقتة رغم أحداث ماسبيرو ومحمد محمود، إلا أن هذه اللهجة في الخطاب تغيرت إبان حكم الإخوان، فخطاب الأزهر في تلك الفترة لم يكن داعما لشرعية السلطة القائمة، الممثلة في جماعة الإخوان المسلمين، ولم يقف أمام الداعين للخروج عليها، خاصة حملة (تمرّد) الذي تفاعل الأزهر تماما مع خطابها. إلا أن هناك جبهات خرجت عن الأزهر نفسه، مثل (علماء ضد الانقلاب) و(جبهة علماء الأزهر)، والأخيرة لم تكن مستحدثة أو وافدة على المؤسسة الدينية، بل كيانا قديما، لكنها لم تكن تتصدر المشهد، نظرا لمواقفها التي لم تلق في مجملها الترحيب، وهنا أصدرت الجبهة بيانا شديد اللهجة، جاء فيه، "إن الفتنة التي ألمت بالأمة نتجت عن غفلة الصالحين وكيد المتربصين ومكر الطامعين، وقد كان لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر سهم وافر في ذلك".
ورداً على ذلك أعلن مجمع البحوث الإسلامية أنه لا يوجد ما يُسمى بجبهة علماء الأزهر، مُشيراً إلى أن الأشخاص الذين يدّعون انتماءهم لها، لا يمثلون الأزهر. من ناحية أخرى أفتى (القرضاوي) بصفته رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأن الخروج على حاكم منتخب حرام شرعا، فقام أعضاء هيئة كبار العلماء بالرد، حتى تم إسقاط عضوية القرضاوي من عضوية هيئة كبار العلماء، مع امتناع شيخ الأزهر عن التصويت.
وتزامنا مع أحداث الحرس الجمهوري أعلن شيخ الأزهر عن احتمالية لجوئه إلى الانسحاب من المشهد العام، قائلاً إنه "قد يجد نفسه مضطرا إلى الاعتكاف في بيته إذا استمرت أعمال العنف". وهو سابقة غير مألوفة للمؤسسة الدينية الإسلامية، على العكس من مثيلتها المسيحية. إلا أن الأزهر لم يتخذ سوى دور الوسيط، وبدون أن يتضمن خطابه مبادرة واضحة المعالم، وبدون أن يتورط في تفاعلات أكثر عمقا، هذا الموقف يتعلق بأحداث رابعة.
تعمل الباحثة على مدار الكتاب على كشف طبيعة خطاب مؤسسة الأزهر ومدى ما يمثله من سلطة، تتفق مع السلطة السياسية والعسكرية، أو تنفي ما عداها من خطابات دينية معارضة، تقوم بتسميتها على سبيل المثال، "الفرق المنحرفة"، وهو صراع بالأساس على شرعية وأهمية التمثيل، وهو صراع بالأساس على امتلاك السلطة، لأن الممثل الشرعي للسلطة الإلهية والمتحدث باسمها، يمتلك بالضرورة خطابا غير قابل للنقض أو المراجعة. من ناحية أخرى تقوم المؤلفة بإحصاء بعض المفردات في هذه الخطابات، محاولة اكتشاف دلالتها.. كتوجيه الخطاب إلى (المصريين) أو (الشعب)، وبالتالي لا يأتي أي تصنيف على أساس ديني، كذلك محاولة رسم صورة قومية للمؤسسة الدينية، وهو ما يسهم عن طريق غير مباشر في دعم خطاب السلطة السياسية الحاكمة.
ولان الصراع الأساسي بين مؤسسة الأزهر وجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان حول امتلاك الدين او ان صح التعبير من يملك صحيح الدين ومن هنا تواصل المؤلفة تقصي أوجه خطاب مؤسسة الأزهر، فترى على سبيل المثال أن خطاباته التي اتسمت بالدعوة إلى الحوار، اختلفت بعد تبدل مواقع السلطة عما قبلها، مع اختلاف أهداف ودوافع هذه الدعوة، فكانت دعوة الحوار قبل الثالث من يوليو 2013، تستهدف إيجاد حل للرفض الشعبي لحكم الإخوان، أما بعد عزل محمد مرسي فالدعوة استهدفت التراضي على الوضع القائم، وتأييد نظام الحكم الجديد. حتى أن بيان عزل مرسي، الذي ألقاه وزير الدفاع وقتها، كان في حضرة شيخ الأزهر نفسه.
وتحاول الباحثة ادانة خطاب الأزهر الرافض لعنف الإخوان فلا تقوم بقراءة الخطاب في سياق الاحداث الدموية التي ارتكبتها الجماعة بل تقتصر ممارسات العنف على الأجهزة الأمنية حيث تقول ".. فمن الدعوة إلى المصالحة، إلى الدعوة بالتفويض في مواجهة عنف وإرهاب، وهو ما يوضح إلى أي مدى تبدو علاقات السلطة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية، الأمر نفسه لا يختلف عند التعرض إلى الأجهزة الأمنية، ففي أحداث الحرس الجمهوري والنصب التذكاري، يصفها الأزهر بـ (التصرفات الدموية)، ومرتكبيها بـ(المجرمين). بينما تبدل الموقف في أقل من شهر، ليصبح دعما ومساندة للأجهزة الأمنية ورجالها، ذلك بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة."
لا شك ان مؤسسة الأزهر واحدة من مؤسسات الدولة التي أصابها العطب كباقي مؤسسات الدولة وان خطاب الأزهر في تلك الفترة عكس ما تؤكد مؤلفة الكتاب انه كان متناقضا متوترا، بل تميز الخطاب بأنه كان متفاعلا مع الأحداث ويناقش الأمور في سياقاتها ولسرعة الأحداث وتقلباتها جاء الخطاب سريعا متلاحقا لكنه لم يكن متناقضا إلى هذا الحد بل من الممكن أن نقول أنه كان خطاب يميل إلى الوسطية أو "مسك العصى من المنتصف" ان صح التعبير، خطاب يراعي البعد الاجتماعي وحالة الاحتراب التي كانت موجودة ومهيمنة على الخطاب الجمعي بشكل عام، فلم ترد مؤسسة الأزهر النفخ في نيران هذا الخطاب الملتهب والمشتعل بل حاولت بكل جد وجهد احتواء جميع الاطراف، ولان المؤسسة تمثل الخطاب الديني بشكل عام فقد حاولت الإصلاح بين الفئتين، إلى ان بغت الجماعة الإرهابية بممارساتها الدموية فاتخذت المؤسسة موقفا ضديا منها.