دراسة تكشف أبعاد ومظاهر الإرهاب الإيراني في أمريكا اللاتينية
الثلاثاء 25/ديسمبر/2018 - 02:51 م
طباعة
روبير الفارس
وصل الإرهاب الإيراني إلي أبعد ما يتخيله انسان .فالي جانب تصدير إيران منذ عام 1979 الارهاب عبر أذرعته إلي الخليج ومنطقة الشرق الاوسط والقرن الافريقي وأوروبا هناك ايضا دور كبير للإرهاب الإيراني في أمريكا اللاتينية وان كانت الدراسات حول هذا الدور قليلة.
فقد شكلت النظرة العالمية للدور الإيراني من قبل الملالي واحدة من المحفزات الإستراتيجية للذهاب إلى مديات وفضاءات أبعد من الجيوبولتيك الإيراني الحالي، في أسيا وافريقيا وأوروبا وحتى أمريكا اللاتينية، ولهذا تجد إيران اليوم فاعلة في المحيط الجغرافي لإمريكا، وهو ما تتحدث عنه التقارير الإستخبارية التي ترفع يومياً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل أن جهوده لبناء جدار فاصل بينه وبين المكسيك، لاتخرج في أحد أسبابها الرئيسية عن مدى التأثير الذي وصل إليه النفوذ الإيراني، فالعلاقة التي تربط الإستخبارات الإيرانية المتمثلة بعناصر حزب الله، مع كارتلات تهريب المخدرات في كولومبيا والمكسيك والأرجنتين، بل وحتى داخل الأراضي الأمريكية، هي مايؤرق الأدارة الأمريكية حاليا وفي دراسة مهمة للباحث فراس الياس المتخصص بالشأن الايراني نشرت تحت عنوان " الدور الإستخباري والأمني لإيران وحزب الله في أمريكا اللاتينية" بداها بعرض تقرير لمجلة ذا بوليتيكو الأمريكية كشف إن إدارة أوباما إرتكبت عدداً من التجاوزات من أجل إبرام الإتفاق النووي مع إيران، وكان من بينها غض واشنطن الطرف عن عمليات تهريب المخدرات وغسيل الأموال التي تجريها ميليشيات حزب الله اللبنانية داخل الأراضي الأمريكية، ورغم إطلاق مكتب مكافحة تهريب المخدرات الأمريكي مشروع “كاساندرا” عام 2008، لإستهداف عمليات حزب الله غير الشرعية، فإن سلسلة من العقبات وضعتها إدارة أوباما حالت دون التمكن من ملاحقة أنشطة الميليشيات المرتبطة بنظام الولي الفقيه الإيراني، وأدى ذلك إلى المساهمة في تعاظم قوة حزب الله من الناحية المالية والعسكرية في آن واحد، إذ يجني ثلث ثروته تقريباً من تهريب وتصنيع وبيع المخدرات، بحسب العضو البارز في لجنة المال بمجلس النواب ديفيد آشر
مثل التوجه الإيراني حيال أمريكا اللاتينية ركناً رئيسياً في إستراتيجية التأثير الإيراني الموجهة نحو أمريكا، إذ تنشط العديد من الشبكات الإستخبارية الإيرانية في بعض دول أمريكا اللاتينية، تحت أغطية دينية وإنسانية وثقافية وغيرها، والتي تشكل بمجملها تحديات كبرى تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، على إعتبار إن الجهد المخابراتي الإيراني وصل إلى تخوم الأمن الوطني الأمريكي، وخصوصاً في كوبا وبوليفيا وفنزويلا والبرازيل، ففي يوليو 2013، قدمت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً إلى الكونجرس الأمريكي يزعم أن النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية آخذ في التضاؤل، مشيراً إلى عدم الحاجة إلى تغيير نهج الولايات المتحدة هناك، وطعن أعضاء بالكونغرس، وخبراء أمريكيون ودوليون في الإستنتاجات الواردة في هذا التقرير، إستناداً إلى الأدلة المتزايدة على ما هو عكس هذا الإتجاه، بما في ذلك الإتفاقيات الثنائية، والبعثات الدبلوماسية، وتعاظم وجود عملاء من المخابرات والأمن الوطني الإيرانية، والحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، كما أن هناك دراسة سبقت هذا التقرير للكونجرس الأمريكي في العالم 2012 حول وزارة الإستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، تشير إلى بعض الطرق والتكتيكات التي توظفها الإستخبارات الإيرانية لتوسيع نطاق عملياتها وقدراتها في أمريكا اللاتينية، ومنها أن العملاء قد يمارسون نشاطهم سراً كدبلوماسيين في السفارات الإيرانية، أو في وظائف أخرى في الشركات مثل الخطوط الجوية الإيرانية، أو فروع البنوك الإيرانية، أو حتى شركات القطاع الخاص، ومع ذلك، فإن التقرير الذي قدم بعد ذلك ببضعة أشهر من جانب وزارة الخارجية، بموجب قانون التصدي لإيران في أمريكا اللاتينية، لم يأخذ فى الحسبان الوقائع التي اتهمت فيها إيران أو “حزب الله” في هذه المنطقة، خصوصاً في مجال الإتجار بالمخدرات من النوع الخطر “كريستال ميث”، والتي يتم إعطائها لمنفذي العمليات الإرهابية من أجل تجاوز حالة الإضطرابات النفسية التي يعيشها المقاتل قبل تنفيذ العملية، وهي مشتقة من مادة الميثامفيتامين ، وتتميز بشكلها الكريستالي أو الزجاجي الذي يميزها عن باقي المواد الإدمانية الأخرى، وقد أشتهر عناصر تنظيم داعش بإستخدامها قبل تنفيذهم للعمليات االإنتحارية.
ويضيف فراس قائلا على الرغم من أن الدور الإيراني في أمريكية اللاتينية يرجع إلى العام 1903، عندما زار السفير الإيراني في أمريكا بعض دول القارة، إلا أن طبيعة هذا الدور أخذت بالتوسع والإنتشار بعد العام 1979، خصوصاً بعد أن أخذت الحركات اليسارية والثورية المعادية للإمبريالية الأمريكية تتسنم السلطة في بعض دول القارة، خصوصاً في فنزويلا والإكوادور ونيكاراغوا وبوليفيا والأورغواي.
ورصدت الدراسة بعض أشكال الدور الإيراني في أمريكا اللاتينية ومنها
اولا بناء علاقات مع شبكات مخابراتية معارضة للنفوذ الأمريكي، من أجل شن هجمات على المصالح الأمريكية هناك.
ثانيا بناء علاقات مع تجار المخدرات وشبكات غسيل الأموال وتجارة السلاح الغير شرعية.
ثالثا فتح أسواق جديدة لتوريد النفط الإيراني المهرب، خارج إطار العقوبات الدولية عليها.
رابعا فتح منافذ جديد لدعم وتمويل برامجها الصاروخية، من خلال علاقاتها الغير رسمية مع دول القارة.
وشكل البرنامج النووي الإيراني أحد أهم نقاط التقارب بين إيران وبعض دول أمريكا اللاتينية، فبعد وصول احمدي نجاد للسلطة في إيران، فتحت إيران سفارات في العديد من الدول، وزادت التجارة خاصة مع فنزويلا، بالإضافة إلى الزيارات رفيعة المستوى على مستوى رؤساء الدول المتبادلة، فقد قاموا بالكثير من المجاملات المتبادلة، فعلى سبيل المثال نقلت بوليفيا سفارتها في الشرق الأوسط من القاهرة إلى طهران، وبالمقابل إفتتحت إيران سفارة ومركزاً ثقافياً في لاباز، كما أنشئت إيران قناة بث باللغة الإسبانية تحت إسم تلفزيون Hispan، والذي يبث حالياً في طهران.
كما أن البرازيل هي الأخرى شهدت تقارباُ واضحاً مع إيران في العام 2010، وذلك بعد مقترح قدمته البرازيل وبالتنسيق مع تركيا، لمراقبة عمليات نقل اليورانيوم الإيراني خارج إيران، إلا أن هذا المقترح لم يكتب له النجاح.
إلا انه بالمقابل شهدت العلاقات الإيرانية مع الأرجنتين توتراً كبيراً، وذلك على أثر ضلوع المخابرات الإيرانية وبالتعاون مع عناصر امنية تابعة لحزب الله اللبناني في بيونس أيرس، بعملية تفجير السفارة الإسرائيلية والمركز الثقافي اليهودي هناك عام 1983، بتوجيه من السفارة الإيرانية في مدريد الإسبانية، التي كانت تُنسق تحركات المخابرات الإيرانية والشبكة الناشئة في مختلف ربوع أمريكا اللاتينية.
وعن طريقة عمل إيران وخلاياها في أمريكا اللاتينية قال الخبير الأمريكي جوزيف هوميري، إن الخطة الإيرانية تقوم على مقومات أو مستويات ثلاثة، الأولى تهتم باللوجيستي والدعم، والثانية بالتنفيذ والثالثة بالسياسة، وتحتل “الخلايا السياسية أهمية خاصةً بما أنها تعمل بلا هوادة على شراء ولاء وتفهم القيادات السياسية والأمنية والإعلامية المختلفة في دول أمريكا اللاتينية، حتى تضمن تعاطفها ومساندتها، عند حصول أي هجوم أو ضربة إرهابية، فتضيع خيوط كثيرة يُمكن أن تربط بين إيران، والأحداث التي تقع في هذه الدولة أو تلك، وهي خطة من وضع الاختصاصي الأول في مثل هذه الخطط: محسن رباني”.
ويُضيف موقع انفو بايي الأرجنتيني ، أن هوميري، يرى بأن أمريكا اللاتينية أصبحت في نظر المخططين الإيرانيين من أبرز المجالات الحيوية التي تتحرك فيها السياسة الخارجية الإيرانية، مباشرة بعد سوريا والعراق والشرق الأوسط، وذلك “لقربها وإحتكاكها المباشر بالولايات المتحدة، ما يجعلها معبراً مثالياً نحو الأراضي الأمريكية مباشرة أو لإستهداف مصالح الأخيرة فيها، فالإستراتيجية الإيرانية تُدرك أنه يستحيل عليها إرسال قوات مقاتلة إلى أمريكا، ولكن في المقابل يسهل إرسال جواسيس، وإرهابيين إليها، أما السبب الثاني، فيتمثل في الحرس الثوري الإيراني، الذي يعمل منذ ثلاثين سنةٍ، على إقامة وإحداث معاقل له في كل بقاع العالم، تحت مسميات مختلفة دينية أو ثقافية أو تحت مسميات إسلامية مختلفة، لخدمة هذه الأهداف الاستراتيجية”.
وبعد وصول حسن روحاني إلى السلطة في إيران، ونظراً لطبيعة الظروف الدولية الضاغطة على إيران، بدأت القيمة الإستراتيجية لأمريكا اللاتينية تهتز في سلم أولويات الإستراتيجية الإيرانية حيال الولايات المتحدة، وهو على مايبدو توجه إيراني لتخفيف مناطق الصراع مع الولايات المتحدة وحصرها بالشرق الأوسط، من أجل الحفاظ على نفوذها في القارة اللاتينية أولاً، وثانياً إبقاء البنية التحتية والإستخبارية الإيرانية بعيدة عن مرمى الإستهداف الأمريكي.
في الأونة الأخيرة وجد صانع القرار في إيران أن طبيعة أنساق العلاقة التي تربطها مع دول القارة تحتاج إلى مراجعة حقيقية على مستوى التفكير والعمل، حيث أغلقت إيران مؤخراً معظم المراكز الثقافية والمساجد هناك، التي أنشئت خلال فترة أحمدي نجاد، وخففت من سياسات نشر التشيع، لأنه لم يكن هناك أي إهتمام في القارة، وأدركت أن هذا الإستثمار لم يكن ذا معنى، وإتجهت نحو إعتماد علاقات ثنائية ذات بعد إقتصادي وتجاري في غالبه، مع عدم إغفال القيمة الإستخبارية والأمنية لهذه القارة المتاخمة للأمن القومي الأمريكي، إضافة إلى فتح قنوات إتصال واسعة مع تيار واسع من الصحفيين والكتاب والمثقفين هناك، من أجل توجيه الرأي العام هناك بالشكل الذي يخدم القضايا الإيرانية، ويوجهه ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
ويختتم فراس دراسته قائلا إن نظرة دول القارة لإيران ليست إيجابية للغاية، خصوصاً بعد غياب العديد من القيادات اليسارية عن المشهد السياسي هناك، وهو ما إنعكس سلباً على طبيعة الدور الإيراني، فحتى الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لبعض دول القارة في أغسطس من العام 2016، وتحديداً تشيلي وبوليفيا وفنزويلا، وبرفقته العديد من رجال الأعمال والإقتصاد يشير إلى مدى البعد الرسمي الذي بدأت تتخذه العلاقات الإيرانية اللاتينية، بعد أن كانت علاقات يكتنفها الكثير من السرية وعدم اليقين، خصوصاً وأن إيران جعلت الأساس الذي يحكم علاقتها مع دول أمريكا اللاتينية هو العداء المشترك للولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا فإن التحول من العلاقات الغير رسمية “إستخبارية – أمنية”، إلى علاقات طبيعية سياسية- إقتصادية، يضع المتابع لهذه العلاقات أمام خيارات وسيناريوهات معقدة جداً، حول المستقبل الي ينتظر هذه العلاقات، أو حتى المدى الذي يمكن أن تصل إليه.وهكذا تعمل إيران علي نشر الخراب أينما حلت.