مفهوم الدولة في مقالات الإسلاميين كيف ينظرون لبعضهم البعض
الأحد 31/مارس/2019 - 12:36 م
طباعة
حسام الحداد
يتناول كتاب "كيف ينظر الإسلاميون إلى بعضهم؟" قضايا مهمة تشغل بال الباحثين في الحركات الإسلامية والمهتمين بتحولاتها، وقد رصد مجموعة من الباحثين نظرة هذه الحركات والجماعات الإسلامية لبعضها البعض، ومدى تعايشها مع التعدد وانسجامها معه، وهو موضوع نادراً ما كتب عنه، لأن الخلاف والصدام والتناحر بين أطياف الإسلاميين يبقى قضية ذات حساسية شديدة، حيث تقدم هذه الجماعات نفسها بصورة الكمال والمثال الذي يجب الاقتداء به، ولكن الانضباط الخلقي وتفادي إعلان الخلاف للجمهور الذي ألجم بعض الجماعات والتيارات والأعلام من أبناء الحركة، لم يكن دائماً محل إجماع عند نظرائهم وأقرانهم في الضفة الأخرى من المنشقين أو المنفصلين الذين ناصبوهم العداء وتراشقوا معهم التضليل والتبديع والتكفير في حالات كثيرة.
وتأتي في مقدمة دراسات الكتاب دراسة للباحث المصري أشرف عبدالقادر بعنوان "التيارات الإسلامية في مصر في قراءة للرؤى البينية المتبادلة"، الإسلاميين في مصر ونظرتهم لبعضهم البعض والتي تناول فيها مواقف حركات الإسلام السياسي من الإسلام التقليدي الذي يقوده الأزهر وموقف الأزهر منها، متناولا فترات تاريخية. في الأولى كان التأييد المتبادل، ثم تدخل الجماعة في شؤون الأزهر، كما تناول الباحث مواقف المتصوفة المصريين من الإخوان وسياساتهم مع الدولة، فشرح رؤية المتصوفة لجماعة الإخوان المسلمين، والفروق والاختلافات في رؤية الصوفية للدين والسياسة، وعلاقتهم بالسلطة، وفي ورصد مواقف الإخوان المسلمين تجاه بعضهم البعض.
أما الباحث الأردني محمد العواودة، فتناول كيف ينظر الإسلاميون في الأردن إلى بعضهم، متناولاً مواقف الاختلاف والاتفاق، في نظرة السلفية الألبانية ومواقفها من الجماعات الدعوية المنافسة، ورصد المواقف المتناولة بينها وبين الإخوان المسلمين متمثلاً في نقد الألباني لسيد قطب، معتبرًا أن موقف السلفية الألبانية من الإخوان اتسم "بالعنف في الرد والقسوة في الخطاب، ثم رصد رؤية السلفية الألبانية لحزب التحرير والنقد الفكري والعقدي المتبادل، ثم رؤية السلفية لجماعة التبليغ والدعوة وأخيرًا للتصوف الإسلامي، وبعد هذا المسح تناول مفصلاً اختلاف السلفيين وموقفهم من بعضهم البعض، إذ تتوافر في الساحة ثلاث تيارات سلفية رئيسية، وهي السلفية التقليدية ، والسلفية الجهادية والسلفية الإصلاحية .
أما الباحث والكاتب التونسي صلاح الدين الجورشي تناول الإسلاميين وسيرتهم من الاختلاف إلى التعايش في تونس، فالعاملون في المجال الإسلامي ليسوا كتلة متجانسة، والاختلاف بينهم ظاهرة طبيعية، تناولت الدراسة بدايات الحركة الإسلامية في تونس وتبلور رؤى التيارات لبعضها، تناولت المقدمة تمنع البيئة التونسية على التيارات الإسلامية بسبب الإسلام الشعبي والعمق الصوفي والمدرسة الزيتونية، وتتبعت الدراسة انسراب الحركة الإسلامية في المجتمع التونسي عبر جماعة التبليغ، وامتطاء النخبويين من الإخوان للجماعة إلى أن أدى التضاد المنهجي لخلاف كبير. رصد الجورشي إدارة هذا الخلاف، وأثره في الرؤى المتكونة الآن بين المجموعات الإسلامية في تونس. ومرّ بمراحل الخلاف واحتدامه إلى أن وجد الإسلاميون التونسيون أنفسهم مضطرين لأن يتعايشوا فيما بينهم رغم اختلافهم وتعدد تنظيماتهم. يرى الجورشي أن الانتفاضة التونسية تضع الجميع أمام الاختبار، فالجورشي بعد أن رصد رحلة طويلة من خلافات الإسلاميين، أمن على ضرورة نشوء ميثاق أخلاقي يحمي المرحلة الجديدة في تونس، قوامه التسامح ومبادئ الديمقراطية والإيمان بالتعدد.
الجماعات والتيارات الإسلامية السُّنية في لبنان ومواقفها ورؤيتها لبعضها وما جره ذلك من انقسامات واصطفافات، تناوله عماد عبدالغني الأكاديمي اللبناني. شرح نظرة التيارات السياسية الإسلامية في لبنان، و الانقسام الطائفي في لبنان، دارسًا مواقف الجماعة الإسلامية وفق التجاذبات السياسية الأخيرة، إذ وقفت الجماعة وغالبية الحركات الإسلامية السنية ذات التمثيل الأقوى (الجماعة الإسلامية – التيارات السلفية) إلى جانب تيار المستقبل بصفته التنظيم السني الأبرز ودعمته في قيادته لقوى 14 آذار وفي المواجهة التي يقودها والحملة التي يتعرض لها من حزب الله التنظيم الشيعي الأبرز اليوم؛ عرضت الدراسة مواقف أبرز الجماعات الإسلامية ورؤيتها لبعضها البعض ك كالجماعة الإسلامية، و جبهة العمل الإسلامي، حزب التحرير الإسلامي، السلفية الجهادية، و جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش).
نائب مدير الجماعة الإسلامية في كيرالا في الهند عبدالسلام أحمد اختار أن يقدم شهادته ورؤيته كراصد إسلامي للجماعات الإسلامية في الهند، مبينًا ما يراه محاسنها وما اعتبره مآخذًا، فبدأ بأقوى الجماعات صيتًا وهي جماعة التبليغ و دورها وتكوينها ونظرتها للآخرين في الهند وقد أخذ عليها انغلاقها على الجانب الدعوي وقصورها عن التجديد السياسي، وتناول جمعية العلماء وما اعتبره اضمحلالاً لدورها الاجتماعي. يرى عبدالسلام أحمد أن ندوة العلماء فكرة بدون تنظيم، أما الجماعة الإسلامية التي اقترب منها كثيرًا فاعتبرها بطيئة في التطوير، وأن جماعة أهل الحديث متشددة في المنهج، بينما عاب على البريلوية ما سماه تساهلًا في التوحيد، مرّ الكاتب على الجماعات كلها، مبينًا رؤيته الإسلامية لها، و ضمن بعض المواطن رؤية الجماعات لبعضها البعض مستكشفًا حال الجماعات في الهند وإدارتها للخلاف.
المشهد الإيراني يتنوع فيه الوجود الإسلامي، لذلك اختار محمد حسن فلاحية الباحث الإيراني دراسة ولاية الفقيه والأخوة الإسلامية في منظور الإسلام السياسي السُّني الإيراني، تناولت زوايا نظر السُّنة بمختلف تياراتها لبعضهم البعض وللشيعة بدأ بالسلفيين الذين قسمهم إلى قسم متشدد يكفر الشيعة وآخر وصفه بالوسطية لا يكفرهم، ثم تناول الإخوان المسلمين في إيران ورؤيتهم للشيعة مقسمًا إياهم إلى معسكر قديم يرفض الفكر الشيعي من غير تكفير، وآخر جديد يقبله ويتحمس له مثل حماس، وتناولت الدراسة رؤية الصوفيين، وما يلمسه العامة من تشابه بينهما لكنه يفرق بينهم ويبين نظرة الشيعة للصوفية. كما تناولت الدراسة حزب التحرير الذي ينظر إلى الشيعة كما الإخوان المسلمون يتعاطون مع الشيعة ، كما تناول موقف جماعة التبليغ الإيجابي من الشيعة وبرر ذلك بعداء السلفية والتبليغ، و بين رؤية أهل السنة للأخوة الشيعية و ولاية الفقيه.
الباحث في الجماعات الإسلامية وظاهرة الإسلام السياسي محمد مصطفى تناول التباين حول مفهوم الدولة في مقالات الإسلاميين، قسّم الباحث في دراسته الإسلاميين إلى قسمين: الأول جماعات تعمل من خارج الرؤية الوطنية، وأخرى تعمل من داخل الرؤية الوطنية، وسلط الضوء في دراسته على ثلاث حركات إسلامية عربية، اعتبرها الأهم من بين الحركات التي رضعت فكر حسن البنا زعيم الإخوان، فتناول أولاً حركة النهضة التونسية التي حاولت حسم علاقة الإسلام بالدولة الحديثة، عبر محاولة زعيمها راشد الغنوشي الذي ذهب إلى أن السلطة في الإسلام ضرورة اجتماعية. وحصر المواطنة في معيارين الأول يتجلى في الانتساب الديني، أما الثاني فيتمثل في الإقامة، كما تناولت الدراسة سعي الغنوشي لأسلمة مفهوم الوطن بالمعنى السياسي الحديث، أما الحركة الثانية فتمثلت حزب المؤتمر الشعبي السوداني الذي يمثل امتداداً للحركة الإسلامية السودانية وهو الحزب الذي يتزعمه حسن الترابي، الذي ناقش طبيعة الدولة، وتناول فصله بين الديمقراطية الغربية وما يسميه بالشورقراطية الإسلامية، وكانت آخر النماذج متمثلة في حزب العدالة والتنمية المغربي الذي تصالح مع الديمقراطية ومفاهيم المواطنة دون تردد أو خجل، ويقدم الحزب نفسه ابتداء على أنه ليس حزباً دينياً، بل حزب سياسي وطني يقوم على أساس المواطنة.