الفيلسوف عزت قرني: الإرهاب بدأ مع الاستعمار والقضاء عليه يبدأ من التعليم
الأربعاء 19/يونيو/2019 - 11:40 ص
طباعة
رحل عن عالمنا، صباح الاثنين 17 يونيو 2019، الدكتورعزت قرنى، رئيس لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، إثر حادث سيارة فى مدينة الشيخ زايد.
والدكتور عزت قرنى، تخرج فى كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1960، وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون (باريس - فرنسا) عام 1972.
ونال عزت قرنى، طوال مشوار حياته على العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة عام 1975، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1976.
ومن أبرز أعماله الفلسفية المترجمة:
1- بعض محاورات أفلاطون (عن اليونانية القديمة): فيدون ، أو خلود النفس .."محاورة بروتاغوراس، في السفسطائيين والتربية"
الدفاع محاورة أوطيفرون، أو في التقوى محاورة أقريطون، أو في الواجب، محاورة مينون، أو في الفضيلة
محاورة السيفطائي، أو في الوجود محاورة ثياتيتوس، أو في العلم
2- أخرى أرسطو، تأيف الفريد تايلور، الفلسفة المعاصرة في أوروبا، تأليف إ.م.بوشنسكى.
أما بالنسبة لأبرز مؤلفاته، الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، الفكر الجديد في أزمة الفكر العربي المعاصر، العدالة والحرية في فجر النهضة العربية سلسلة عالم المعرفة، دولة الكويت، 1980، مستقبل الفلسفة في مصر، فى الفكر المصرى الحديث، فعل الإبداع الفنى مع نجيب محفوظ، تأسيس الحرية، طبيعة الحرية، الذات ونطرية الفعل فكرة الخير ونظرية الشر.
وفي حوار له بالأهرام المسائي نشر في 16 أبريل 2017، ولأهميته نعيد نشره هنا
قال المفكر الدكتور عزت قرني إن الغرب يخدعنا منذ الثورة الفرنسية, ولفت إلي أن قرنين أو أكثر مضوا ونحن في محاولة للبحث عن طريق للخروج من كهوف القرون الوسطي, وبدلا من أن نذهب قدما للأمام, مشينا في الطريق الخطأ, وتساءل: ألم يحن الوقت للتعامل مع الواقع بدلا من الرجوع دوما إلي محاولات إحياء الماضي, والاعتماد علي أنفسنا بدلا من أن نضع مقاديرنا في أيدي أعدائنا؟ وتساءل في حوار لـالأهرام المسائي هل العقل وحرية الفكر من تقدمنا, ولماذا انحسرت الليبرالية في مصر بالرغم من الحنين الدائم إليها؟ وماذا فعلت المذاهب الغربية بالفكر العربي, وهل دلتنا تلك المذاهب علي الأسس الاجتماعية لتخلفنا, أو أنها كرست من حالة التمذهب والتقوقع والبعد عن جادة الصواب في حياتنا الفكرية والاجتماعية؟
الدكتور عزت قرني مفكر ومؤلف للعشرات من الكتب المؤسسية في الفكر والثقافة العربية, التي تتخذ من الهوية العربية ورفض التبعية بكل أشكالها, والتبعية الفكرية بشكل خاص منطلقا لها, وجذبت كتاباته الاهتمام علي مستويات مختلفة, وهو واضع أسس ما سماه بأصول الفلسفة المصرية, ويدعو إلي نبذ كلمة فلسفة واستبدالها بتعبير الفكر التأصيلي لمحاولة الخروج من كل شكل من أشكال التبعية للغرب, ويري أن الفكر التأصيلي هو وحده القادر علي دفع حركة مصر بانتظام وفاعلية علي طريق القوة, وأن الحياة الفكرية والثقافية في مرحلتها الحالية تدفع بالإنسان المصري إلي الخلف, بعد أن كانت تلك الحياة في الجيل الماضي تحاول دفعه إلي الأمام؟
وحول رؤيته عن الإرهاب وتطور أحداثه, وكيف يتم تجفيف منابعه والقضاء عليه قال: "يجب أن نبدأ أولا من الاتجاهات العدوانية إلي التعصب إلي التطرف إلي العنف, حتي الإرهاب الأخير والذي راح ضحيته العشرات, وهذه الظاهرة لها جوانب شديدة التنوع, أهمها أنها ذات مواهب فردية عند الأفراد العدوانيين, وموارد اجتماعية حين ترفض فئات وجماعات التوافق مع المجتمع والسلطة من الأصل, وموارد فكرية أو تنظيرية للتوجه والتقعيد والحشد, ثم موارد بشرية ومالية ولوجستية واستخباراتية وغير ذلك
وتاريخيا, فإن المسئول الأول عن التطرف والإرهاب في مصر, إنما هو الاستثمار الغربي عموما, والاحتلال البريطاني خصوصا, حيث توجه الإرهاب الأول إلي ضربر عملائه منذ عام1910 م, ثم إلي من اعتبروا من المؤيدين له1946 وما بعدها وما حدث فيها من تفجيرات وقتل للخازندار والنقراشي وأحمد ماهر, ومن المؤيدين له وبخاصة من الناشطين لخط تقليد الغرب علي طول الطريق..
ولكن العجيب أن هناك ما يشير إلي أن الإنجليز والفرنسيين عام1928 هم أول من أيدوا جماعة حسن البنا ومولوها بخمسمائة جنيه من شركة قناة السويس وأما اليوم فإن دولا غربية ودولا معروفة بالمنطقة وأمراء دولاريين وغازيين يمولون الإرهاب".
وعن الحلول والآليات للحد من خطر الإرهاب والتطرف قال: "لا بد من تنظيف المدارس والجامعات من الكتب الصفراء التي لا تحوي علما ولا معرفة ولا فكرا حقا, والأهم أن تؤلف كتبا جديدة تعتمد ليس علي ابن فلان أو ابن علان, بل علي القرآن الكريم وحده, ومع الحذر الشديد من الأحاديث المزورة بعشرات الآلاف.
وأقول: لقد أخطأ من توهموا أن المشكلة الفكرية تقوم في الخطاب, وأن الخطر هو في الفكر الديني القديم منعدم الحس النقدي والحس التاريخي معا, فمن الضروري بناء فكر ديني جديد بمصطلح جديد علي أيدي مفكرين حقيقيين, من المدنيين أو من الأزهريين ويكونون علي دراية بفقه يتواءم مع فكر مصري أصيل".
وعن مبررات دعوته لتلك الفلسفة قال: "أولا, وقبل كل شيء أدعو إلي نبذ كلمة فلسفة, وأن يستبدل بها تعبير الفكر التأصيلي أو الأصولي, لأننا نريد الخروج من كل شكل من أشكال التبعية للغرب, وأن وظيفة الفلسسفة هي تحديد أصول أي ميدان ما, كالزواج والصداقة والأخلاق, وكذلك تحديد أصول المعرفة الإسلامية والحياة الإنسانية, وضرورة هذا الفكر التأصيلي أنه وحده القادر علي دفع حركة مصر بانتظام وفاعلية علي طريق التقدم".
وعن صراع الحضارات ونهاية التاريخ قال: "المصطلحان الأولان صحيحان ويدلان علي الوقائع في مصر وفي كل بلاد المسلمين وغيرها, بل إني أقول إن حركتهما لم تكن بأقوي منها في أي وقت مضي كما هي الحال الآن, بل ومنذ معاهدة كامب ديفيد واستسلام الحاكم لأمريكا لقاء ظهور صورته علي غلاف مجلة تايم الأمريكية إن اختزلنا كل شيء في واقعة شديدة الدلالة. إن الغزو الغربي الشامل لمصر قائم علي قدم وساق منذ1798 م مع الحملة الفرنسية التي أراد بعضهم في حكومة مبارك تمجيدها وكأنها جاءت خادمة لمصر, أما اتجاه التغريب, فإنه أصبح مؤسسة يدعو إليها مصريون أنفسهم منذ مفتتح القرن العشرين الميلادي, وبالمقابل فقد وقف ضدها وفضح أساليبها أشرف الشرفاء بين كل من عمل في الحياة العامة الحديثة في مصر, عبد الله النديم والخلاصة أن التغريب أصبح يتم بأصابع مصرية ملوثة, أما المصطلح الثالث, فهو حديث جدا ومن اختراع العاملين في الاستخبارات الأمريكية".
أما عن فشل ما يسمي بمشاريع النهضة في مصر والعالم العربي فقال: "أعلن رفضي الآن, ومنذ نحو1990 م, لمفهوم النهضة هذا, لأنه يعني إمكان أن يقوم المريض المنهك فاقد القوي علي قدميه من جديد, وهو قد أخذ ترجمة للفظ فرنسي كان يدل علي ما سمي بالعربية عصر النهضة الأوربية, بينما اللفظ الإفرنجي يدل حرفيا علي الميلاد من جديد, أي خلق تكوين مختلف غير القديم".
وعن أسباب التراجع والتخلف قال: "السبب الأعمق هو عدم وجود فكر تأصيلي وطني شامل مؤسس متسق وعميق يمكن أن يكون محور حياة الاجتماع والسياسة والاقتصاد والتعليم, تماما كما ظهر في أوروبا كل من مونتيني الفرنسي وبيكون الإنجليزي وأرازموس الهولندي ومكيافللي الإيطالي ثم ديكارت الفرنسي وغيرهم. إن الذي يصنع الأمم ليس رجال السياسة غالبا, بل أصحاب الأفكار والرؤي الثقافية, السبب الثاني هو ضرب الغرب لمصر كل35 أو40 عاما, ودوريا: فمنذ1805 م جاءت ضربات1840 م مع معاهدة لندن التي قيدت أيدي محمد علي, ثم الديون في عهد عصر سعيد وإسماعيل والاحتلال1882 م ثم الحماية1914 م, ثم إسرائيل1948 م, ثم1956 م, ثم1967 م, ثم جسر السلاح الأمريكي لإسرائيل بعد أيام من6 أكتوبر".
وحول تأثير المذاهب الفلسفية والفكرية الغربية في الفكر العربي قال: "أفهم وأستخدم دائما الفكر العربي علي أنه المكتوب باللغة العربية, وليس إشارة إلي عرق أو دم, فمنذ قال أحمد لطفي السيد قولته الخاطئة المشئومة, لأنني أري أنه هاو وليس محترفا في مجال الفكر: الأوربيون هم أساتذتنا, اصطبغ معظم الإنتاج الفكري عندنا بالطابع الغربي, وكذلك التعليم في المدارس والجامعات, وأصبح هذا سياسة رسمية منذ دستور سنة23 الذي أعدته طبقة كبار الملاك الإقطاعيين ورفض حزب الوفد وسعد زغلول المشاركة في إعداده. والنتيجة أنه لم يعد فكرا وطنيا أصيلا يعبر عن مصر حقا, وانتهزت الاتجاهات الدينية السلفية والرجعية الفرصة لتقول: بل نحن المعبرون عن الأصالة, فقام من قال: فلنجمع بين الأصالة والمعاصرة, وهذا الاتجاه أو ذاك كلاهما ساذج وغير ممكن, لأن الثقافة الإسلامية التقليدية أصبحت في المتحف, ولأننا نستطيع أن نعرف الغرب فقط معرفة الآخر الغريب, لا أن نأخذ بفكره وثقافته, فلا يبقي أمامنا إلا خلق ثقافتنا من الألف باء, لقد وضعتنا سذاجة السذج في حارة مسدودة, فكان من الطبيعي أن يقوم من يقول: فلنخلق فكرنا وثقافتنا وحضارتنا الجديدة من منطلق البداية".