"الطاغية" بين رحيل كاتبه و"مرسي" النموذج الأقرب
الأربعاء 19/يونيو/2019 - 12:18 م
طباعة
روبير الفارس
يبدو ان القدر يريد ان يذكرنا بكتاب " الطاغية " للدكتور المفكر امام عبد الفتاح امام والذى توفي امس الثلاثاء 18 يونيو بعد يوم من وفاة " مرسي العياط " طاغية الاخوان .فالكتاب قادر ان يجمع بين الفيلسوف والارهابي في سطر واحد .حيث ترجم عام حكم مرسي المعبر عن الاستبداد الديني والفاشية الاخوانية عن صور الاستبداد السياسي التى عبر عنها وحللها الكتاب الاشهر للدكتور إمام الفيلسوف.
ولد إمام عبد الفتاح إمام بالشرقية عام 1934م لوالد من علماء الأزهر الشريف، وحصل على درجة الماجستير في الآداب عام 1968م، وحصل على الدكتوراة عام 1972م، وكان موضوع رسالته للدكتوراه "تطور الجدل بعد هيجل"، وكان ذلك بمرتبة الشرف الأولى، قام الراحل الكبير بالتدريس بجامعات القاهرة، وعين شمس، والمنصورة، والزقازيق، وجامعة الكويت، وطرابلس، وكلية الدعوة الإسلامية ،وجامعة سبها بليبيا، كما أشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراة داخل مصر وخارجها، وهو أبرز تلاميذ أستاذ الفلسفة الكبير د.زكي نجيب محمود، و أهم الباحثين في فكر علامة الفلسفة في الفكر العربي المعاصر.
وللراحل الكبير مساهمات فكرية ذات أثر واسع في الأوساط الثقافية المصرية، كما قدم للمجتمع الثقافي عدد كبير من المترجمين والباحثين.
وشغل إمام قبل رحيله درجة أستاذ غير متفرغ بقسم الفلسفة في كلية الأداب بجامعة عين شمس، وهو عضو أتحاد كتاب مصر، وعضو الجمعية الهيجلية بكندا.
الطاغية
هذا كتاب يذهب فيه صاحبه إلى أن تخلف المجتمعات الشرقية بصفة خاصة، والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة يعود أساساً إلى النظام السياسي الاستبدادي الذي ران على صدور الناس ردحاً طويلاً من الزمن ولا يكمن الحل في السلوك الأخلاقي الجيد، أو التدين الحق بقدر ما يكمن في ظهور الشخصية الإنسانية المتكاملة التي نالت جميع حقوقها السياسية كاملة غير منقوصة، واعترف المجتمع بقيمتها وكرامتها الإنسانية، فالأخلاق الجيدة والتدين الحق نتائج مترتبة على النظام السياسي الجيد لا العكس. وهو يستعرض نماذج من صور الطغيان، مع التركيز على الاستبداد الشرقي الشهير. الذي سرق فيه الحاكم وعي الناس عندما أحالهم إلى قطيع من الغنم ليس له سوى وعي ذو اتجاه واحد، كما يقترح حلاً بسيطاً يكسبنا مناعة ضد الطاغية، ويمكننا من الإفلات من قبضته الجهنمية، وهذا الحل هو التطبيق الدقيق للديمقراطية. بحيث تتحول قيمها إلى سلوك يومي يمارسه المواطن على نحو طبيعي وبغير افتعال.
الاستبداد
من اندر واهم الكتب العربية التى صدرت عن الاستبداد السياسى من منظور فلسفى واجتماعى كتاب ( الطاغية دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسى )للاستاذ الدكتور امام عبد الفتاح الصادر عن سلسلة عالم المعرفة مارس 1994 .والذى يقع فى 382 صفحة من الحجم المتوسط .فى اربعة ابواب .بدات بمقدمة اكد فيها الدكتور امام ان موضوع الطاغية بالغ الاهمية وانه لم ينل حقه من الدراسة ربما لان الباحث لاجرؤ ى هذا الموضوع مابقى الطاغية متربعا على كرسى الحكم .فاذا ماتنفس الناس الصعداء بعد زواله نسوا ايامه السوداء .وفى الفصل الاول ضرورة السلطة .والذى بدء بمقولة اللورد اكتون كل سلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة .ووصف مونتسكيو بان موقف الطاغية هو موقف ذلك الذى
يقطع الشجرة لكى يقطف ثمرة .ثم تعرض لموضوع تاليه الحاكم فى الشرق معطيا امثاله بمصر القديمة وبابل واليونان .ومن اهم الفصول الفصل المعنون بعائلة الطغيان والذى بدء بقول الفيلسوف جون لوك يبدا الطغيان عندما تنتهى سلطة القانون اى عند انتهاك القانون والحاق الاذى بالاخرين .وبقول دكتور امام افراد عائلة الطغيان غير الكريمة كثيرون وتعطينا كتاب التاريخ انطباعا بان اعداد الطغاة والمستبدين يفوق عدد الحكام الخيرين .واول من استخدم كلمة طاغية هو الشاعر اليونانى ارخيلوخوس عندما اطلقها على الملك جيجز.ملك ليديا الذى اطاح بملكها السابق واستولى على عرشها اما المعنى العربى فالطاغية تعنى الجبار والاحمق والمتكبر والصاعقة والمراد به هنا من تولى حكما فاستبدا وطغى وتجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذا لماربه .ويمك ن استخلاص السمات العامة للطاغية من التاريخ فيما يلى
اولا الطاغية رجل يصل الى الحكم بطرق غير مشروعة سواء مؤمرات او اغتيالات ويتحكم فى شؤون الناس بارادته لا ارادتهم ويحكم بهواه لا بشريعتهم ويضع كعب رجله فى افواه ملايين من الناس لسدها عن النطق بالحق . –وهنا يمكن القراءة في مشهد انتخابات مرسي الذى استغل الدين ودفعت جماعته الرشاوي من زيت وسكر وتم منع فصيل وطني كبير مثل الاقباط من التصويت في اكثر من قرية .كما تم الاستباق باعلان نتيجة الانتخابات والحشد بالتجمع في ميدان التحرير والتهديد بحرق البلد اذا لم يعلن فوزه
ثانيا لايعترف بقانون او دستور فى البلاد بل تصبح ارادته هى القانون الذى يحكم وما يقوله هو امر واجب التنفيذ .وما على المواطنيين سواء السمع والطاعة.
والاعلان الدستوري الذى اقدم مرسي علي اصداره جعله فوق كل قانون فكان يحق للرئيس اتخاذ أية تدابير أو قرارات "لحماية الثورة" على النحو الذي يضمنه القانون. كما يحصن هذا الإعلان الدستوري الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة من الرئيس حتى نفاذ الدستور بجعلها نهائية ونافذة ولا يجوز الطعن عليها.
ثالثا يسخر كل موارد البلاد لاشباع رغباته او ملذاته
رابعا ينفرد هذا الحاكم فى جميع العصور بخاصية اساسية وهى انه لايخضع للمساءلة ولا للمحاسبة ولا للرقابة من اى نوع
خامسا يقترب الطاغية من التاله فهو يرهب الناس بالتعالى والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة والسلب وعوام الناس يختلط فى اذهانهم الاله المعبود فيلقب بوالى النعم والجليل والمهيب والركن
والكتاب العميق والممتع لايمكن تلخيصه الان ولكن يكفى منه الاشارة الى قيمة مهمة تقول اذا اختفت الحرية كما فى انظمة الطغيان اختفى العقل معها فما قيمة العقل اذا لم يكن فى الاستطاعة ان استرشد به .الواقع ان الحرية والعقل وجهان لشئ واحد.