أحمد هلال وحوار حول.. "تدليس السنة والوضع في الحديث"
السبت 21/سبتمبر/2019 - 01:06 م
طباعة
حسام الحداد
يرى البعض أن الحديث يكمل كل شيء وأنه بمثابة التطبيق العملي لفهم الدين، بما أنه ثاني مصادر التشريع الإسلامي حسب المدونة الفقهية الإسلامية، بينما يرى آخرون أن مدونة الحديث ضيقت أفق الاجتهاد والتجديد داخل مفاهيم الدين. وهناك معركة فكرية دائمة دائرة ما بين تيار ديني تقليدي وتيار ديني حداثي في تنازع حول مكانة وقيمة وقداسة الأحاديث.
وحول الأحاديث واختلاف وجهتي النظر جاء حوار أحمد هلال، الباحث في الدراسات الإسلامية بدرجة الماجستير في قسم الشريعة بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية، مع موقع مواطن، ويذكر ان للباحث أحمد هلال كتاب مهم في هذا الموضوع يتناول فيه مدونة الحديث بأسلوب نقدي يعتمد آلية الحذف والاستبعاد في إطار ما يسمى بعملية عقلنة، لرؤية قد تعد أكثر تصالحا مع الواقع المعاش، ومشاكل المسلمين المعاصرة، ويقدم لنا محاولة نبش في أصول عمليات الكذب المنظم، حسب رؤية صاحب الكتاب بين طيات مدونات الحديث، وكان لـ مجلة مواطن حوار مع أ. أحمد هلال حول مؤلفه "تدليس السنة والوضع في الحديث".
وحول رؤية الباحث لأبعاد التأثير السياسي على المدونة الحديثية قال: "نعم، الكتاب محاولة لفهم وتفسير ظاهرة وضع الحديث وانتشاره، والأحاديث الموضوعة هي التي نسبت زورا وبهتانا للنبي، إما لمصلحة شخصية، أو مذهبية، أو عقدية، أو فقهية، أو سياسية.
وتعتبر الخلافات السياسية بين علي ومعاوية، وانقسام المسلمين إلى فرق وأحزاب سياسية وطائفية متناحرة، من أبرز أسباب الوضع في الحديث، إذ قام كل فصيل سياسي بوضع الحديث، انتصارا لرأيه ومذهبه وإعلاء من شأنه، والحط من قدر الخصوم، فوضع أنصار علي الأحاديث في مدحه وقدح معاوية، كحديث: “إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري هذا فاقتلوه”. ووضع أنصار معاوية الأحاديث في مدحه وذم علي، كحديث: “الأمناء عند الله ثلاثة: أنا وجبريل ومعاوية”
فالخلافات السياسية تمخض عنها ظهور مذهبين دينيين، مختلفين، متناوئين أحيانا، متهادنين أحيانا أخرى، في النهاية لم يكن على عهد النبي بعد تمام الرسالة، أو بعد مرور ثلاثون عاما من وفاته، ما يسمى بالسنة والشيعة.
وحول امكانية تتبع وفصل السياسي والديني داخل مدونات الحديث قال: "للفصل بين ما هو ديني وسياسي، يجب البدء في عملية تنقيح للتراث الإسلامي وخاصة الحديث، وبعد تلك عملية التنقيح سنفاجأ أن النصوص تخلصت من كل ما دخل عليها لأغراض سياسية بشكل تلقائي، فعلى مر العصور، حدث تزاوج بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، نتج عنه الكثير من التشوهات لمضامين التراث الإسلامي، فأدخلوا في الدين ما ليس فيه، ووظف ذلك لخدمة مصالح وأغراض سياسية وشخصية، وفي رأيي فإن المعيار الذي يجب أن نحتكم إليه هو القرأن، لأنه النص الإسلامي المقدس الوحيد، فنعرض عليه كافة النصوص فما اتفق معه أخذناه، وما خالفه تركناه.
وحول تقديس البعض للأحاديث قال: "القرآن وحي السماء الصادق المنزل على الرسول، والحديث هو الأقوال والأفعال التي نظن أنها منسوبة للنبي وهي تحتمل الصدق والكذب من حيث النقل، فالحديث ليس وحدة واحدة من حيث الدرجة وإنما عدة مراتب أعلاها المتواتر الصحيح وأدناها الآحاد الذي نظن أنه صحيح، فضلا عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة، إن الحديث في مجمله اهتم بالفضائل والأخلاق اهتماما بالغا دون غيرها فهو حياة المسلمين التي كان النبي يرسخ من خلالها دعائم مجتمع ناشئ فلم تكن أحاديث الأحكام بالكثرة التي هي عليها الآن، فالنبي نفسه لم ينزل كلامه في أمور العادات منزلة التقديس وهذا واضح في قوله: “أنتم أعلم بأمور دنياكم”. وإذا ما تحدثنا عن السنة الفعلية فأستطيع أن أقول إنها تقترب كثيرا من الصواب خصوصا أنها مفصلة لمجمل القرآن وشارحة ومبينة له، وهنا أقول إن تقديسنا للقرآن تقديس إذعان وإيمان، أما الحديث فتقديس عمل واجتهاد".
وعن العائد من تنقية وتدقيق الأحاديث ومدى تأثيره قال: "أعتقد أن كتابي “تدليس السنة والوضع في الحديث” خطوة في هذا الطريق إلى عملية التنقيح، وأرى أن العائد المباشر من مثل هذه الأعمال، هو تنقية النص الحديثي أو الفقهي من التشوهات التي علقت به على مر العصور، ومن ثم تتفتح شرايين الاجتهاد مرة أخرى، وتسري دماء جديدة، تنتج مذاهب فقهية جديدة، يتمخض عنها أحكام فقهية معاصرة، بدلا من استدعاء أقوال فقهية أنتجت منذ أكثر من ألف عام.
وحول رؤية العقل الجمعي لما يقوم به الباحث وحجم تداول الأفكار الجديدة داخل المجتمع قال: "تنامي التيارات الدينية في الحقب الماضية، واستخدامها العنف لفرض رأيها، كان بمثابة صدمة للعقل الجمعي، جعلته يرفض هذه الأفكار وأسقطها، وهو الآن مستعد أكثر من أي وقت مضى لتلقي أفكار جديدة معاصرة، فمن الملاحظ أن كثيرا من الشباب الآن يتجهون نحو قراءة كتب نصر حامد أبو زيد، وفرج فودة، أو غيرهم من هذا التيار، بالرغم من أن تلك الكتب أو الأفكار التي كانوا يطرحونها لم تكن تلقى قبولا شعبيا في زمنهم، وهذا شيء مبشر للغاية، وأستطيع أن أقول إن الوقت الراهن هو أفضل وقت للتغيير.
وحول مدى الاختلاف أو التطوير الذي يقدمه الباحث عن تلك المحاولات السابقة في تنقية وتدقيق الأحاديث من حيث المنهج والطريقة قال: "نعم.. بدأ نقد الحديث مبكرا جدا، فعندما كتب الإمام مالك الموطأ وضع فيه عشرة آلاف حديث من أصل مائة ألف، ومكث على مدار عمره يفحص ويدقق وينقح في تلك الأحاديث التي جمعها وكتبها بيده، حتى استقر في موطئه على خمسمائة حديث، ولو امتد عمره أكثر لقل هذا العدد، ومن قبله رفضت السيدة عائشة حديثا رواه أبو هريرة عندما قال: ” تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب” ، فقالت: “شبهتمونا بالحمير والكلاب”.
وتبع ذلك علماء كثر على مر العصور، كل له منهجه وطريقته، فمنهم من اهتم بنقد السند فقط، أو المتن فقط، بل إن هناك من نادى بترك الحديث كلية، بالنسبة لي لدي رؤية خاصة لتجديد الفكر الديني، لها عدة محاور من أهمها الجزء المتعلق بالسنة، بداية بالأحاديث الموضوعة، ومرورا بروايات التاريخ، وانتهاء بكتب الصحاح.
ففي منهجي تحررت من فكرة القداسة، فكما قلت سابقا إن المقدس الوحيد هو القرآن، وشخص الرسول، ودون ذلك يؤخذ منه ويرد، فأنا أحاول النظر للحديث سندا ومتنا بعين مجردة، عن طريق عرضه على القرآن أولا، ومقارنته بأحداث التاريخ المجردة ثانيا، إذا عملية التنقيح بدأت منذ زمن بعيد ومستمرة، وأتوقع أن تزداد وتيرتها في المستقبل القريب.
وحول هيمنة الاحاديث وسطوتها على النص الأساسي "القرآن" قال: "للأسف هذا الكلام صحيح إلى حد كبير، وخاصة في العصور المتأخرة، ففي البداية لم يكن هناك سوى القرآن، وكان هو المصدر الوحيد والمؤسس للأحكام الفقهية، لكن بعد جمع الأحاديث وتدوينها في الكتب المعروفة حاليا فيما يسمى بالصحاح، أصبح الحديث المصدر الثاني للتشريع كما هو معروف، ومع مرور الوقت، اعتمد العلماء أكثر فأكثر على الأحاديث على حساب النص القرآني، لدرجة أن هناك أحكامًا فقهية مبنية على أحاديث ضعيفة أو موضوعة، أو تخالف صريح القرآن، وأحيانا كان يتم تأويل القرآن لكي يتوافق مع الحديث، كما تعددت واختلفت تأويلات الفقهاء لنفس النص القرآني، ثم ارتكن أتباعهم على أقوال علمائهم، دون الرجوع للنص الأصلي، فأصبحت اقوال الفقهاء تسبق أقوال الرسول، وتأويل النص يسبق النص".
وحول كيفية التعامل مع التراث قال: "فكرة القطيعة مع التراث تبدو مضحكة، لأنه لا توجد أمة تضحي بتراثها، وبميراث علمي وثقافي عمره أكثر من ألف عام، فالتراث في جوهره منتج ثقافي، يتأثر بالزمان والمكان، فهو وحدة واحدة من حيث المضمون، ولكنه مجموعة من الطبقات الزمنية والمكانية التي تختلف عن بعضها البعض، فكل زمن له ثقافته، وكل مكان أنتج فكره، وإن كانت بعض نصوص التراث أنتجت لنا العنف فكرا وممارسة، والتي ارتكنت إليها الجماعات الإرهابية.
المشكلة الأكبر تكمن في نظرتنا وفهمنا للتراث، فبسبب توقف الاجتهاد، لم ننتج علما جديدا، واستدعينا علم الأموات، وأصبح العالم دينيا هو الأكثر حفظا لأقوال الفقهاء وليس المنتج للعلم، فالتصقنا بالتراث أكثر فأكثر، واستمر ذلك لعدة قرون، حتى أصبحت أقوال العلماء وشخوصها مقدسة، تعلو على قول الرسول وعلى نصوص القرآن، ولا شك أن وجود هذه القداسات الموهومة هي أولى معوقات التغيير، فالتحرر من الموروثات والأفكار القديمة هي أولى خطوات التنوير، والرجوع للنص وفهم مدلولاته في إطار معرفي حديث، متجدد، هو أولى مراحل البناء الحقيقي، يجب أن ننظر للتراث على أنه تراث، نأخد منه، ونرد، ونضيف إليه.