قراءة في الذهنية التكفيرية،، أبو مصعب السوري نموذجًا
الجمعة 26/أكتوبر/2018 - 11:14 م
طباعة
حسام الحداد
اسم الكتاب: أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم
نظرية حرب العصابات بشكل عام
المؤلف: أبو مصعب السوري
الناشر: منبر التوحيد والجهاد
كما للحب والجمال فلسفة، وكما للإيمان فلسفة هناك أيضا فلسفة للتكفير، وتستند هذه الفلسفة التكفيرية على أسس ومذاهب ومناهج ورؤى، ولكي نتعرف على هذه الفلسفة التكفيرية لتنظيمات الإسلام الراديكالي نحاول في هذه الورقة الولوج الى عالم واحد من اهم منظري هذه التنظيمات وواضعي الاسس الفكرية التي ينطلق منها التكفيريين ليس فقط في القاعدة بل ايضا في غيرها من التنظيمات الممتدة في أراضي العالم الإسلامي، من بيشاور إلى موريتانيا ومن شمال العراق الى وسط أفريقيا،
البدايات
كانت بدايات أبو مصعب في سوريا بتنظيم "الطليعة المقاتلة" والذي تنقل بعد ذلك ما بين العواصم العربية لتلقي التدريب والإعداد وبين العواصم الآسيوية والأوربية معلمًا وناشرًا لأفكاره وتنظيراته ليس فقط على المستوى الفقهي بل أيضا على المستوى العسكري، فلقد انكب أبو مصعب السوري خلال فترة الجهاد الأفغاني على دراسة الكتب الشرعية وخاصة كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، واهتم بتراث علماء السلف وكتب أئمة الدعوة النجدية، واهتم بمطالعة كتابات سيد قطب وعبد الله عزام، وتأثر بهما تأثراً بالغاً في منهجه وكتاباته، درس أبو مصعب أثناء وجوده في باكستان وأفغانستان في جامعة بيروت العربية في قسم التاريخ - بالمراسلة - وحصل على شهادة "ليسانس" في التاريخ من فرع الجامعة في عمان، كل هذا وغيره أهل الرجل لأن يكون مرجعًا لحركات الإسلام الراديكالي، وأيضا بما تميز به من جودة العلاقات بقادة هذه الحركات، حيث كانوا رفاق نضال في أفغانستان،
كذلك ما يتميز به من قراءة تكاد تكون موضوعية إلى حد بعيد لما يدور حوله، وأنه ملتزم إلى حد كبير بعدم الافتاء فيما لا يعرف ويعايش حسب قوله في كتابه "أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام" فيقول "إن العالم المفتي لا تصح فتواه إلا بعلمين الأول علمٌ بواقعة المسألة وحالها وملابساتها، ثم علم بحكم الله في مثل هذه المسائل ثم يطبق علمه بحكم الله على علمه بواقع المسألة فيسدد بإذن الله ويصيب، وأما إن بُنِيَت الفتوى على جهل بأحد هذين الأمرين أو بكليهما فهذه هي الطامة" (ص 9) مؤكدا على أهمية معايشة الحدث لمناقشته بقوله "أن الفتوى السياسية الشرعية مثلها مثل كل فتوى شرعية وكل قول في دين الله مبنية على واقع يقتضي حكماً لله فيه،
ولما كان واقع كثير من الفتاوى في دين الله كأحكام الطهارة والعبادات والبيوع والمواريث وسوى ذلك ثابتة، كان الأصل في تلك الأحكام والفتاوى أنها ثابتة ومفصلة،
ولكن أحكام السياسة الشرعية في واقع البشر وحركتهم أفراداً وجماعات وأحكام الله في صراعاتهم السياسية والعسكرية ومواقفهم متوقفة على حكم الحال الذي هم فيه، فالأحكام والقواعد أصلاً ثابتة معروفة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الثقات والعلماء وفقهاء الأمة عبر تاريخها، ولكن لما كانت قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولما كان هذا التبدل والتحول في البشر يتدرج حتى يصل إلى أن الرجل يصبح مؤمناً ويمسى كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، لهذا السبب الجوهري كانت الأحكام السياسية الشرعية المفروضة علينا اتخاذها تجاه فرد أو جماعة من البشر تتحول وفق القواعد والموازين الثابتة التي أشرنا إليها ولاءً وبراءً وما يتبع ذلك تبعاً لأحوال العباد، فمن أصبح مؤمناً أصبح وله حقوق على كل مسلم من الولاء والنصرة وغير ذلك وإن أمسى كافراً بات وفي أعناقنا واجباً من البراءة منه والعداء له وما يتبع ذلك وهكذا، فالثابت قواعد دين الله وأحكامه والمتحول هو أحوال وقلوب العباد فثبتت الأحكام وتحولت لذلك مواقفنا من الناس إلزاماً شرعياً لأنه حق الله وحق دينه،" (ص 7) هكذا نكون امام احد المهتمين بالواقع ومجرياته حسب مرجعيته الدينية التي ينطلق منها.
السجن في التصورات القديمة
رغم ما تقدم لم يكن أبو مصعب السوري متحررا بحال من مرجعيته الراديكالية التي استقاها من السيد قطب وابو الأعلى المودودي وعبد الله عزام وغيرهم من رموز هذا التيار فنجده في بدايات مناقشة الحرب الأمريكية على طالبان يرجع أسبابها إلى:
1- بسبب تطبيقهم لشريعة الله
2- بسبب إيواء المجاهدين ونصرتهم
3- بسبب تمردهم على النظام العالمي اليهودي الصليبي الجديد
وان كانت هذه الاسباب ذات مصداقية بالنسبة له فليس من الضروري ان تكون صادقة بالنسبة للآخرين أو على أحسن الفروض أن تكون الأسباب الوحيدة، حيث إن كاتب هذه السطور وغيره الكثيرين من المعاصرين لهذه الحرب كذلك عدد لا باس به من المحللين العسكريين يرون أن الحرب على الطالبان هدفها الاساس سيطرة أمريكا على الثروات الطبيعية في أفغانستان حيث كشف الكاتب الأمريكي دونالد لامبرو الهدف الحقيقي للحرب الأمريكية على أفغانستان بقوله: "ربما يرى العالم أفغانستان كتلة من الجبال تعلوها الأتربة والدخان وتنمحي معالمها بين الأطلال المنتشرة في كل مكان، لكن الجيولوجيين كان لهم رأي آخر، فهم يرون أفغانستان عبارة عن ثروة طبيعية منحها الله تعالى إياها ودفن في ترابها أغلى الثروات الطبيعية التي لو توافرت في دولة أخرى لم تشهد كل هذه الحروب لكانت من أغنى الدول وأقواها على الإطلاق".
لذلك فإن الحروب المتتالية التي ضربت أفغانستان كانت السبب الرئيسي في محو هذه الكنوز النادرة التي دفنها غبار الحرب وطوى الزمن صفحاتها تحت رمال الصحراء، ويؤكد فريق العلماء الأمريكيين من الجيولوجيين والجغرافيين الذين وضعوا خريطة تفصيلية لأفغانستان عقب أحداث حرب الاتحاد السوفييتي مع أفغانستان عام 1978 بقيادة العالم الجيولوجي والجغرافي (جاك شرودر) أن أفغانستان تملك أكبر مخزون في العالم من النحاس الأصفر، وتعد ثالث أكبر دولة تملك مخزونًا من الحديد الخام الذي يدخل في أغلب الصناعات الحديثة المدنية منها والعسكرية، وتعد أيضًا ثالث أكبر الدول التي تملك احتياطيًا من النفط والغاز الطبيعي في شمال البلاد وفي بعض أجزائها الجنوبية، وما يؤكد هذا تقرير نشرته نيو يورك تايمز 11يوليو 2010 تقول فيه " اكتشفت الولايات المتحدة ما يقرب من تريليون دولار في شكل ثروات معدنية غير مستغلة في أفغانستان، في كشف قد يؤدي لتغيير جذري في الاقتصاد الأفغاني، وربما الحرب الأفغانية نفسها " ونشر التقرير بعد ذلك على السي إن إن بتاريخ 14 يوليو 2010، هذا الجزء المهم الذي يغفله ابو مصعب السوري وغيره من مفكري وأعضاء الإسلام الراديكالي فبدلا من قراءة الواقع الحقيقي والأسباب الحقيقية للحروب التي تخوضها أمريكا في المنطقة بحجة الإرهاب انما تخوضها للاستحواذ على الثروات الطبيعية في هذه المنطقة لسد احتياجاتها على كافة المستويات هذا من ناحية ومن ناحية أخرى حتى يكون للأمريكان سيطرة حقيقية على أهم منابع الثروات في العالم، وهنا نستطيع القول إن وجود هذه الجماعات "الإسلام الراديكالي" هو الذي يعطي المبرر القوي للتواجد الأمريكي.
ونكتشف هنا أن الذهنية الراديكالية الإسلامية وممثلها في هذا السياق "أبو مصعب السوري" قد أغلقت وسجنت نفسها في فتاوى قديمة أو فكرة قديمة يعيدون إنتاجها بشكل مستمر لإيجاد مبرر لوجودهم وهي فكرة "حرب الأديان " أو كما صاغها هنتجنتون في العقد الأخير من القرن الماضي في كتابه "صدام الحضارات"، ويعترف هو نفسه بعد ذلك في كتابه "التجربة الجزائرية " وهو عبارة عن مجموعة لقاءات مسجلة تم تفريغها فيقول في (ص6) "نحن مُقَدِّمين نفسنا للأُمَّة وللعالم وللأصدقاء والأعداء والأنصار بطريقة خاطئة جداً، وأن الإعلام الجهادي إعلام محصور للغاية وضيّق وسييء الخطاب إلى حدٍ كبير يعني جوهرهُ في كثير من الزوايا المعتمة وأسلوبُ وصولهِ خاطئ ويحتاج لإعادة صياغة فبدأت أفكر في عمل مكتب دراسات وإعلام في لندن أُعيد تقديم قضايا العمل المسلح فأسست مكتب للدراسات والإعلام سميته "مكتب دراسات صراعات العالم الإسلامي" ورغم ذلك لم يستطع ابو مصعب السوري ومركزه التحرر من حصار الفكرة المسيطرة "امتلاك الحقيقة ومحاربة الجميع لهم" لأنه كان يدور حول الفكرة ذاتها لا يستطيع تجاوزها.
كتاب " أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم"
يقدم أبو مصعب السوري في هذا الكتاب شهادة حية عن تجربته في أفغانستان ورؤيته لحركة طالبان وتقديراته للحرب الأمريكية عليها، فقد كان يعلم منذ بداية الحرب أنها حرب طويلة وممتدة ليس بسبب الثروات الطبيعية في أفغانستان كما أوضحنا بل بسبب الإسلام.. فيقول في هذا الصدد "وإن المعركة الأساسية ضد أفغانستان ومن فيها من الطالبان والجماعات الجهادية الإسلامية والعربية المستهدفة من النظام العالمي الجديد هذه المعركة المصيرية لم تبدأ بعد وإنما نعيش إرهاصاتها الأولى، وأنها ستكون معركة طويلة وحاسمة ليس بين الطالبان وبعض خصومهم في الداخل كما يتصور بعض السذج وإنما بين الإسلام الناهض في أفغانستان والمتمثل بحركة الطالبان وحلفائهم اللاجئين إليهم من القوى والرموز الجهادية من مختلف الجهات وبين النظام العالمي الجديد الذي ضم تحالفاً واضحاً من اليهود أرباب النظام الدولي والأمريكان وحلفائهم الصليبيين ونظام الروافض في إيران والقوى المرتدة العميلة في المنطقة لا سيما العربية بالإضافة لحلفائهم المرتدين والبغاة والمفسدين والجهال والبائعين لدينهم بدنياهم ودنيا غيرهم من بقايا أحزاب الفساد في داخل أفغانستان والذين اندس في سائرهم بقايا النظام الشيوعي السابق وعلى رأسهم ميليشيا دوستم وبقايا الخاد والاستخبارات وكوادر الشيوعية البائدة في أفغانستان".
ويقسم كتابه إلى ثلاثة فصول وخاتمة تضمن الفصل الأول: توصيف للواقع الأفغاني الطالباني في معركته مع الأمريكان وحلفائهم من حيث الواقع السياسي لطالبان والمناوئين لهم داخل أفغانستان كذلك واقع بقايا المجاهدين العرب في أفغانستان وغيرها، ويتميز هذا الفصل بالسرد التاريخي للأحداث والوقائع والحبكة السردية التي تخدم اهداف الكاتب من حيث التدشين لمحتوى الحرب الدائرة وأنها "حرب على الإسلام" بما يؤهل القارئ للفصل الثاني والذي يحاول فيه مناقشة ثلاث قضايا :
1- ما حكم الطالبان كحكومة في أفغانستان وبالتالي ما حكم أفغانستان اليوم وهل هي دار إسلام تجوز أو تجب الهجرة إليها
2- ما حكم القتال إلى جانب الطالبان بصفتهم مسلمين على ما فيهم وقد وثب عليهم هذا النوع من الاحتيال العالمي عبر حلفائه المحليين بصرف النظر عن الضرورة عندنا في القتال معهم، هل يجوز أو يجب الدفاع معهم أم لا،
3- ما حكم القتال إلى جانب الطالبان وقد لجأنا إليهم فآوونا ونصرونا فقصدهم المحتلين الكفار من صليبيين ويهود وشيعة وحلفائهم لأسباب عديدة من أهمها نصرتنا وإيوائنا، فهل ندافع عن أنفسنا معهم وعنهم لأنهم يُحاربون بسببنا وما حكم هذا القتال هل يجور أم يجب أم لا؟،
وفي الفصل الثالث يستقصي الشبهات القائمة حول موضوع الطالبان والقتال معهم ويجيب عليها.
1- شبهات ذات صفة شرعية
2- شبهات سياسية أو واقعية من باب المصالح والاولويات،
3- شبهات تهويش وجدال لا شرعية ولا منطقية، فإلى الفصل الثالث والله المستعان.
ومن خلال كتابه هذا وكتابات أخرى كثيرة يتضح للباحث المدقق أن أبا مصعب السوري وإن كان كثير الاطلاع على التجارب والأحداث وغزير القراءة والتعلم، إلا أنه مسجون ومقيد في ذهنية ابن تيمية وتلامذته " المودودي وسيد قطب وعبد الله عزام" فانه لم يخرج من هذه العقلية إلا فيما ندر، وإن كان استند الى بعض التجارب الشيوعية خاصة في كتابه " نظرية في حرب العصابات " والذي يعد من اهم كتبه التي تؤسس لجيل جديد من الراديكالية الإسلامية،
نظرية حرب العصابات بشكل عام
والذي يقول في مقدمته " قد لا يتوجب علينا أن نتفقَّه في فقه الزكاة والمعاملات المالية إذا كنا مفلسين لا نعمل في التجارة، أما كوننا نعمل في الحرب ونعمل في الجهاد و نعمل في هذه القضايا فيتوجب علينا أن نفقه أحكامها الشرعيّة وطريقتها البنيوية، أي كيف تعمل هذه الأمور". ويؤسس فقه حرب العصابات في هذا الكتاب حيث يؤكد انه لا يخرج عن ثلاث حالات:
الحالة الأولى الاحتلال المباشر، مثل احتلال فرنسا للجزائر ومثل كل عمليات الاحتلال التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تقاسم العالم الغربي الدنيا خاصةً العالم الإسلامي،
الحالة الثانية: حالة الاحتلال المستند لحكومة عميلة كستار شرعي، كما حصل الآن في أفغانستان، لما جاء الروس واحتلوا أفغانستان لم يدمروا الدولة نهائياً ويقولوا نحن نحكم أفغانستان وإنما جاءوا تحت غطاء الحكومة الشيوعية الأفغانية،
الحالة الثالثة من حالات حرب العصابات، هي قيام العصابات ضد حكومة محلية ظالمة مستبدة، كما هو الحال في غالب بل كل بلدان العالم الإسلامي، ومعظم بلدان العالم الثالث.
وفي هذه الحالة الثالثة يجيز بل يشرع ابو مصعب السوري الحرب على الحكومات المحلية ان كانت " ظالمة او مستبدة " من خلال وجهة نظر الجماعة، دون وضع تعريف عام للظلم والاستبداد او مفهوم تلك الجماعة، هذا من ناحية ومن ناحية اخري لم يذكر حال المواطنين الذين ينتمون لهذه الدولة وموقفهم من هذه الحرب.
منتقلا بعد ذلك الى الاجراءات التي تتخذها الدولة لمواجهة حرب العصابات ويسميها " التكتيكات العامة في مكافحة حرب العصابات أو الحرب الجهادية" مثل افتتاح مراكز عسكرية قوية متمركزة في المدن الكبرى، قيام دوريات نظامية تجوب الشوارع الرئيسية، يقوم النظام بدوريات مفاجئة مباغتة أو كما يسموها(دوريات طيارة)، تقوم السلطات بتنظيم شبكة هائلة من العملاء والمخبرين: أن تمارس الدولة سياسة الإرهاب والبطش، عملية نزع السلاح من المدنيين، الحرب الإعلامية الموسعة لعزل المجاهدين والانفراد بهم، قطع مصادر التمويل والتموين عن العصابات، مطاردة قيادات ورموز العصابات ومحاولة اغتيالها، مفندا لهذه النقاط بخبرة عسكرية هائلة ومستندا إلى معظم تجارب الحرب على الإرهاب في المنطقة، منتقلا بعد ذلك إلى وضع تكتيكات وخصائص حرب العصابات الجهادية مستعينا بكتاب روبرت تابر "حرب المستضعفين" ومناقشا اياه حتى انه اوصى بقراءته لطلابه في بيشاور، ويناقش في هذا الجزء ايضا بعض النماذج في ايران ومصر.
فنحن لسنا أمام فقيه ديني او شيخ يخطب في المسجد بما حفظ من آيات الذكر الحكيم أو من كتب السلف وحسب، بل أمام رجل اتخذ موقفا عدائيا من المجتمع ويحاول جاهدا دراسة كل جزئية وتفصيلة في حربه معه حتى يتحقق له النصر، وبدلا من دراسة غزوات الرسول وحروب التابعين كما كانت تفعل المدرسة القديمة الى السيد قطب جاء الجيل الجديد منفتحا على ثقافات مختلفة ولكنها في اطار الهدم وليس البناء فلم ياخذ من الحضارة الغربية الا ما ينفعه في مشروعه الحربي، فيأخذ عن جيفارا بتصرف انه لابد لقيادة الحركة الجهادية حسب قوله" اتبّاع سلسلة من التكتيكات العسكرية والإعلامية والتنظيمية لإنزال هذا الصراع ليكون قضية الناس جميعاً " هذا الغطاء الاعلامي الذي يجعل الناس تلتف حول هذه الفئة التي تشن الحرب على الدولة مستخدمين ما تيسر لهم من آلة الكذب باسم الدين للوصول الى اهدافهم وهذا يتجلى واضحا منذ ما اطلق عليه " ثورات الربيع العربي " من قبل الاخوان وغيرهم، ويستفيض ابو مصعب السوري في هذه الجزئية لأهميتها فيقول " ونحن كنُخبة وصفوة حركة إسلامية مقتنعين بمجموعة من المبادئ، التي قد تكون صعبة الفهم والإدراك من الإنسان العامي، كقضايا الحاكمية وقضايا السَلَف، فيجب أن نُلَخّص قضيتنا للناس بسلسلة من الأسباب، ابتداءً هي أسباب دينية ثم نأتي إلى أسباب منطقة وحتى أسباب عاطفية، قد يكون من المفيد إنك تقول له: شوف الدعارة، شوف الفجور، شوف كذا،" ويستند في هذه النقطة ايضا الى ماو تسي تونج يقول "إن الشعب بالنسبة للعصابات هو كالبحر بالنسبة للسمك"، يعني الجو العام الذي تستطيع فيه السمكة أن تعيش هو البحر، الشعب هو مثل البحر بالنسبة للعصابات، فهو مصدر التجنيد والتمويل والمعلومات يعني من أين نعوض من يسقطوا منا أثناء المعركة؟"،
فلم يرى في ماو غير هذه الجملة ليصل من خلالها وغيرها الى تنظيراته المهمة (إن وصول الشعب أو أغلبيته الساحقة إلى القناعة بالقتال والمعركة وشرعيتها وعدالتها هو ما أطلق عليه منّظرو حرب العصابات اصطلاح المناخ الثوري)، وهذا هو ما تحاول تلك الجماعات حاليًا أن تفعله رغم ما تلاقيه من هزائم الواحدة تلو الأخرى.
رغم استناد ابو مصعب السوري لمقولات جيفارا وماو إلا أنه يغفل جانبًا مهمًا جدا وهو أنه ينطلق من ذهنية منغلقة تحاول التأسيس للحاكمية وإقامة دولة الخلافة التي لم يكن لها وجود فعلي على الأرض، بل كانت دائما ما تعبر عن اتحاد رمزي للمسلمين، وكان استناد هؤلاء إلى مشروع إنساني عادل قابل للتحقق على أرض الواقع بغض النظر عن فشل التجارب أو نجاحاتها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ووفقًا للذهنية المنغلقة التي يتبناها أبو مصعب السوري ومن معه، فإن هذا التحالف الدولي الذي حارب طالبان هو نفسه التحالف الذي كان يحارب جيفارا وماو ليس هذا فقط بل انه هو نفسه التحالف الذي ايد ومد يد العون بالسلاح والاموال والتدريب لقاعدة افغانستان ايام حربها مع الدولة السوفيتية، وكان يجب على ابو مصعب السوري لعلمه الغزير ان يتكشف وحده ان الحرب ليست على الإسلام كما يشير او يدعي ويحاول جاهدا ان يؤصل لهذا، مكفرا الحكام تارة والشعوب تارة أخرى بل هي حرب المصالح فالإرهاب بالنسبة لأمريكا هو ان تسيطر على ثروات طبيعية تريد هي امتلاكها ستكون إرهابي وقتها سواء كنت مسلما أو مسيحيا او بوذيا ففي الثروات دوما ما تتراجع الاديان حسب شريعتها.
كانت هذه قراءة أولية في ذهنية الفيلسوف العسكري لحركات الإسلام الراديكالي، وسوف تستتبع بقراءة تشمل أعماله المتبقية في عرض لاحق.