تصدير الإرهابيين لسوريا.. مخطط «النهضة» للتخلص من السلفيين في تونس
الجمعة 31/يوليو/2020 - 10:05 ص
طباعة
في أعقاب هجوم السفارة الأمريكية عام 2012، أدركت حركة النهضة، فرع جماعة الإخوان في تونس، أن وجود التيار السلفي الجهادي في الساحة المحلية سيكون وبالًا عليها وحرجًا لها أمام الداخل المعارض والخارج الراعي، وأدركت أن القضاء على التيار داخليًّا أصبح مسألة صعبة، وأن بقاءه ناشطًا كما الحال في 2011 وخلال النصف الأول من 2012، سيكون مسألة أكثر صعوبة، ستدفع فيها الحركة أثمانًا باهظة، أقلها خروجها من السلطة؛ فانتهجت نهجًا وسطًا عبر محاولة إفراغ الساحة التونسية من العدد الأكبر من شباب هذا التيار، وحتى إن بقي منهم جزءٌ، استطاعت لاحقًا السيطرة عليه بالاستمالة أو بالضرب.
جاءت تلك السطور ضمن دراسة حديثة نشرها الباحث التونسي، أحمد نظيف بعنوان «نهج إفراغ الساحة.. كيف ركبت النهضة موجة «التسفير» بعد أحداث السفارة؟»؛ إذ اعتبر أن الجبهات الجهادية الملتهبة شرقًا مثلت هدية من السماء بالنسبة إلى الحركة، ومنذ خريف عام 2012 أصبحت الأجهزة الأمنية تغض الطرف عن عمليات الخروج المنظمة التي كانت بعض الخلايا السلفية تقوم بها نحو سوريا والعراق، مرورًا بليبيا أو مباشرة عبر تركيا.
ولفت إلى أن الجهاديين التونسيين كانوا قديمًا الأقل عددًا في التجارب الجهادية السابقة: (أفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق والجزائر)، مقارنةً بالجنسيات العربية الأخرى، لكن الأمر تغير جذريًّا بعد سقوط نظام «زين العابدين بن علي» في العام 2011؛ إذ تشير أغلب التقديرات إلى أن الجنسية التونسية هي الأكثر حضورًا في الساحة السورية والليبية.
ووفق الدراسة، تمت عمليات التسفير بشكل علني في سبتمبر 2012، وكانت المجموعات السلفية تنشط في المساجد والأحياء، بالتواصل مع مجموعات قريبة منها في سوريا وليبيا، في المقابل كانت حكومة حركة النهضة لا تبالي بالموضوع أصلًا.
الإرهاب يدخل تونس
استند الباحث إلى تصريح السفير الأمريكي في تونس حينذاك، جاكوب والس: «تسامحت حكومة الترويكا، التي حكمت بين عامي 2012 و2013، في بادئ الأمر مع الأنشطة الجهادية، وعند جمع هذه العوامل، نجد أنها سمحت بتشكيل الجماعات المتطرفة، وقيام هذه الأخيرة بتجنيد أفراد جدد، وتسهيل سفرها إلى ليبيا وسوريا والعراق، وتنظيمها في النهاية هجمات داخل تونس».
وخلال المرحلة -من 2011 إلى سبتمبر 2012- سُمح عمومًا لـ«أنصار الشريعة» وغيرها من الجماعات المتطرفة بتنظيم صفوفها علنًا وإرسال مقاتلين للانضمام إلى ما كان يُعتبر آنذاك كفاحًا شعبيًّا ضدّ نظام الأسد في سوريا، ثم أدركت الحكومة أنها تواجه مشكلة؛ حيث بدأت الجماعات المتطرفة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل تونس، بدءا بهجوم سبتمبر على السفارة الأمريكية».
كانت حكومة الترويكا، ومن ورائها حركة النهضة، تدرك جيدًا بعد أحداث السفارة الأمريكية، والتي كادت تعصف بها وتسقطها من الحكم، أن الوجود السلفي في تونس سيكون وبالًا عليها وسببًا في سقوطها، لكنها لم ترد أن تخسر شعبيتها لدى الطيف الإسلامي في المجتمع، فتوجهت نحو مشروع التخلص من هؤلاء «المتمردين ليفجروا مواهبهم» في سوريا وليبيا والعراق.
وروى الباحث واقعة ترجع إلى أواخر العام 2012، حين قرر شاب سلفي، يدعى محمد السويسي، التوجه للقتال في سوريا ولم يجد أي صعوبات في السفر نحو تركيا، ثم دخل إلى الجبهة السورية الملتهبة وقتل هناك، وخلال فترة غيابه توجه والده، الضابط المتقاعد في الجيش التونسي، أمين السويسي، إلى مكتب زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، برفقة عائلة أخرى غادر ابنها أيضًا.
ونقل عن «الغنوشي» قوله لوالد الشاب: «أن يموت ابنك في سوريا أفضل من أن يموت هنا، سيكون شهيدًا وسيشفع لكم يوم القيامة، قتال بشار الأسد أفضل من البقاء هنا»، ويؤكد «السويسي» أن ما قاله الأمين العام لـ«النهضة» للعائلتين اللتين قصدتاه للمساعدة في استعادة ابنيهما، يكشف قضية مسؤولية الحركة عن تضخم هذه الظاهرة في ظل نفوذها وفي ظل حكومتها في تونس.
شبكات التجنيد والاستقطاب
وتناول سياسة الحركة الأمنية ومواقفها السياسية التي شجعت على تنامي الظاهرة، والتسامح معها من خلال غض النظر عن شبكات التجنيد والاستقطاب التي كانت تعمل بنشاط في المساجد وفي الأحياء، وكذلك من خلال تسهيل إجراءات استخراج وثائق السفر لفائدة العناصر الجهادية المشتبه بها، حتى إن عائلات كثيرة قد أبلغت أجهزة الأمن عن نوايا أبنائها بالتوجه نحو سوريا وليبيا والعراق، لكن الأجهزة لم تمانع في منح هؤلاء جوازات سفر جديدة ولم تصدر في حقهم قرارات بمنع السفر.
وتابع: «كانت المساجد التونسية قد أضافت إلى نفسها دورًا جديدًا إلى جانب العبادة، بعد أن تحولت إلى مكاتب تنسيق ووكالات أسفار وجهتها الوحيدة سوريا، وتواصل هذا الزخم الجهادي حتى بدأت أخبار الشباب التونسي المقتول تصل تباعًا، وكان قادة حركة النهضة لا يفوتون الفرصة للإدلاء بتصريحات مثيرة حول الظاهرة».
رئيس الحكومة -آنذاك- حمادي الجبالي، والذي كان في نفس الوقت أمينًا عامًا للنهضة، علق على الموضوع بلا مبالاة كبيرة، قائلًا: «هذا ليس جديدًا، الشباب التونسي تحول إلى كل مكان (للقتال) كالعراق وأفغانستان والصومال».
أما مستشاره وعضو البرلمان عن كتلة حركة النهضة، أبو يعرب المرزوقي، صرح بأنه «يخجل ممن يعتبر جهاد الشباب التونسي في سوريا جرمًا.. ولن أقبل السكوت أمام النذالات التي أراها تنصب على رؤوس أبطال المستقبل الذين سيعيدون للأمة مجدها، ليس بالجهاد المباشر فحسب بل وكذلك بالاجتهاد العلمي الطبيعي والإنسان، وأفخر بوجود شباب تونسي يجاهد في كل أصقاع الدنيا من أجل ما يؤمن به».
فيما تحسر القيادي في الحركة ونائبها في البرلمان، الحبيب اللوز، على سنوات شبابه التي ضاعت دون قتال، حين صرخ في إحدى الإذاعات المحلية قائلًا: «لو كنت أصغر سنّا لذهبت للجهاد في سوريا».
وقال الباحث: إن الجهاز السري التابع لحركة النهضة شارك في عمليات تهريب واسعة النطاق لعناصر التيار الجهادي، خاصة تلك التي تعلقت بها تهم قضائية أو ملاحقات أمنية، وكان قائد الجهاز الميداني، مصطفى خضر، بالتنسيق مع شبكة واسعة من العناصر الأمنية، في جهازي الشرطة والحرس، يقوم بتسهيل خروج المئات من الشباب السلفي عبر منفذ «بنقردان» البري مع ليبيا ومن خلال مطار تونس قرطاج.
وانخرطت النهضة مبكرًا في كيل الاتهامات والتصريح بالمواقف المعادية للنظام السوري، ورأت الحركة أن اللحظة سانحة للتخلص من كل هؤلاء الشباب، الذين تحولوا إلى عبء ثقيل ومصدر حرج كبير، لتفتح بوابات الجحيم، ويتدفق الجهاديون، جماعات وأفرادا نحو الشام.
وخلصت الدراسة إلى أن هذه الخطة، كان هدفها إخلاء البلاد من الجهاديين كي تستقر الأمور لفائدة حركة النهضة وتوطد أركان حكمها، إلا أنها كانت تتقاطع دوليًّا وإقليميًّا مع خطة أخرى ذات أهداف أكبر، هي إسقاط النظام الحاكم في سوريا، وكانت هذه الخطة تقوم على تحويل سوريا إلى ساحة حرب واسعة من خلال حشد الدعم لقوى المعارضة السياسية وغير السياسية، حتى لو تطلب الأمر دعم الجماعات الجهادية.