«الإرهابيون الجدد».. متلازمة الدول الضعيفة وانتشار التطرف
الإثنين 14/أكتوبر/2019 - 01:37 م
طباعة
نهلة عبدالمنعم
أعاد الغزو العسكري التركي لشمال سوريا «تنظيم داعش» إلى واجهة الأحاديث السياسية، لما لذلك من تأثير أمني مدمر على معتقلات العناصر الإرهابية في المنطقة، ومع احتمالية تجدد قوة التنظيم تحت فرضيات الهروب والتوظيف نناقش الأطروحات التي قدمها رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا وهولندا، جاسم محمد في مطبوعته «داعش والجهاديين الجدد».
إذ ناقش الباحث العراقي إشكالية تعاون واختلاف الجماعات الإرهابية فيما بينها، وماهية الإستراتيجيات التوسعية لـ«داعش» بالمنطقة العربية، والكيفية الإيديولوجية التي ينتشر بها تنظيم القاعدة والتشابك بينه وبين باقي المجموعات والحرب العسكرية التي تشنها الدول عليه والتي – من وجهة نظر الكاتب- لا تكفي دون رؤية تنموية شاملة تجابه الاستقطاب الفكري للراديكالية.
المال المتطرف
كما أكد جاسم على متغير «الدعم المالي» كواحد من أهم العوامل التي تغذي نمو الجماعات الإرهابية، فبدون المال لن يكون هناك تمدد لجماعات الإرهاب الدولي، مسلطًا الضوء على العلاقات القوية بين جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة وخصوصًا بعد إزاحتهم من السلطة في مصر عقب ثورة 30 يونيو.
في بدايات المطبوعة، لفت الباحث إلى متغيرات الظهور القوي لجبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية وعلاقتهما بتصاعد الأحداث في سوريا، فجماعة «دولة العراق الإسلامية» التي تأسست في أكتوبر 2006 كفرع للقاعدة في العراق كانت نواة تنظيم «داعش» فيما بعد، وأن الاضطرابات السياسية التي حدثت في سوريا في أعقاب مرحلة ثورات الربيع العربي أدت إلى تبلور حركة الإرهاب في المنطقة.
وبحلول 9 أبريل 2013 أعلن «أبوبكر البغدادي» زعيم داعش أن جبهة النصرة التي تنشط بسوريا تابعة لتنظيم دولة العراق الإسلامية ولكن النصرة تنصلت من ذلك، ويرجع الباحث أسباب هذا التفكك إلى رغبة الجبهة في الحفاظ على مصادر تمويلها الدولية، وإرادتها حول فتح جبهات مشتركة مع الدول العظمى التي كانت تريد تسليح المعارضة آنذاك، وكانت الجماعة الإرهابية ترغب في صبغة المعارضة للحصول على النفقات، أي لم تكن معركة ايديولوجية من وجهة نظر الباحث ولكنها تكالب على الأموال أولًا.
الاستغلال القاعدي
يرى جاسم أن تنظيم القاعدة حاول جديًا استغلال التفكك السياسي والأمني للمنطقة العربية في 2011، وكان يريد تصعيد تيارات الإسلام السياسي كبديل لسد الفراغ السياسي الذي أحدثته الثورات المتتالية سواء بتنظيمه أو بتقديم الدعم لتيارات أخرى إسلاموية وتقديمها على أنها «معتدلة».
فطبقًا لمعلومات وثقها الباحث في كتابه حاول تنظيم جبهة النصرة والمسمى حاليًا «هيئة تحرير الشام» تقديم نفسه للمواطنين بصورة شعبوية وحرص على تقديم الخدمات وتوفير التسهيلات لسكان المنطقة كفصيل معتدل يهدف إلى حشد المواطنين الغاضبين من الحاكم لزيادة حصيلته البشرية للمناورة بهم في الملفات المستهدفة.
كما اعتمدت استراتيجية القاعدة على الانتشار بين الشريط الحدودي لسوريا والعراق نتيجة ضعف الأمن هناك، والذي أدى إلى مزيد من تعقد المشهد الداخلي إلى جانب زيادة الترتيبات التكتيكية التي انعكست على تصاعد الهجمات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ما أدى بدوره إلى وضع الجبهة على اللائحة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية.
المنصات الإلكترونية
أدى تمدد رقعة الإرهاب في سوريا إلى اتساع دائرة الاعتماد على الوسائل الإلكترونية لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب والشابات إلى صفوف الجماعات لتأجيج الصراع والحفاظ على المكاسب الجغرافية التي استطاعت المجموعات التحصل عليها.
ووفقًا لتصريحات بعض المسؤولين لجاسم محمد، لفت إلى أن بعض المواقع الإلكترونية المهمة الخاصة بالتنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم القاعدة تدار من مقاطعات أوروبية وأمريكية، مشددًا على أن محاربة النشاط الإلكتروني لا يقل أهمية أو خطورة عن المواجهة الميدانية.
بينما أشار جاسم إلى أن هذه الدعاية أسهمت كثيرًا في التحاق العناصر الأجنبية بمجموعات الدم في سوريا ما أربك الحسابات الغربية تجاه الحرب الدائرة هناك، كما خلف للقارة العجوز جيلًا جديدًا من المتطرفين المدربين والمؤهلين عسكريًّا، ما يبرر رفض الحكومات الآن استقطاب مواطنيها.
الإستراتيجية الداعشية
يعتقد جاسم بأن استراتيجية «داعش» هي الأخطر فالتنظيم يقاتل الجميع ويشتبك مع كل التيارات غير إنها تمتلك المال الأكثر وتمنح عناصرها الكثير من المزايا المادية إلى جانب السيطرة على مناطق النفط والثروة المعدنية ما زاد من قبضتها على المناطق التي وجدت فيها، ويزيد أيضًا المخاوف حال تجدد سيطرة التنظيم المدرب عسكريًّا وتكتيكيًا.
وعلى الرغم من أن «داعش» هو امتداد لجهود «أبو مصعب» المتطرفة نحو إحياء فرع للقاعدة بالعراق ولكن الخلافات التي دبت بين البغدادي وعناصره التي شكلت «داعش» وبين تنظيم القاعدة المركزي يؤكد من وجهة نظر الباحث على اختلال الفرع الرئيسي للقاعدة وضعف شوكته في السيطرة على فروعه بينما بعض الفروع الأخرى تتنامى مثلما يحدث في الصومال وغيرها من البقاع.
المواجهة المتكاملة
أكد جاسم على أن حماية الأمن القومي للدول لا يكمن فقط عند قوتها العسكرية وما تملكه فقط من أسلحة متطورة وإنما يمتد لمنظومة سياسية متماسكة يمكنها قيادة البلاد ضد أي مخاطر، بالإضافة إلى نظام اقتصادي متطور، وتعليم وثقافة ينميان الوعي ويجابهان التيارات الفكرية المتطرفة.
وبناء على ذلك، يجب على الدول التي تخوض تحولًا سياسيًّا وفقًا للباحث- أن تنتبه لكونها في أضعف حالاتها إذ يحدث تفكك للأنظمة القديمة وتستبدل بأحدث منها وبين هذه الحالات تكمن أحيانًا عوامل خطورة لابد من اتحاد العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهتها بدلًا من الانزلاق في غياهب الجماعات الإرهابية.