خلصت دراسة للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إلى أن إيران تولي أهمية لميليشياتها المنتشرة بالمنطقة أكثر من برنامجيها الصاروخي والنووي.

وذكرت الدراسة التي جاءت تحت عنوان "شبكات تغلغل إيران في الشرق الأوسط"، إلى أن كفة الميزان من حيث القدرات العسكرية التقليدية لا تزال ترجح لصالح الولايات المتحدة وحلفائها، غير أن التوازن من حيث القوة الفاعلة يصب في مصلحة الملالي.

وأوضح المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقرا له في دراسته الجديدة المفصلة التي استغرق العمل عليها 16 شهرا أن هذه الأفضلية الحاسمة تكمن في شبكة التنظيمات المسلحة التي تمكنت إيران من إنشائها في المنطقة، وتستطيع التعويل عليها في حرب محتملة.

وذكرت الدراسة التي تتركز على استراتيجية الملالي العسكرية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، أن إيران جعلت من شبكة الحلفاء هذه سلاحا مفضلا لديها أهم من برنامجها الباليستي ومخططاتها النووية المزعومة وحتى قواتها المسلحة التقليدية.

ولفتت الدراسة إلى أن إيران لم تتعرض إلا لمواجهة دولية ضعيفة في تطبيق هذه الاستراتيجية، مؤكدة أن تلك التنظيمات المسلحة تشكل اليوم أهم أداة تعول عليها طهران بغية التصدي للخصوم الإقليميين والضغط الدولي، وهي تمنح الملالي أفضلية دون تكلفة ودون خطر الانخراط مباشرة في نزاعات مع الخصوم.

وذكرت الدراسة أن هناك أكثر من 200 ألف مقاتل من وكلاء وأعضاء في ميليشيات غير حكومية حول الشرق الأوسط تستطيع إيران الاعتماد عليهم لزعزعة استقرار المنطقة. ويذكر حزب الله في لبنان وسوريا، والحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق رغم أنه يفرق بين درجة سيطرة إيران على كل منها.

كما أشارت الدراسة إلى أن انعدام الاستقرار والحكم الرشيد في الدول هو ما يفتح المجال للتجنيد الإيراني الذي ينحسر في دول أخرى رغم انتماء سكانها للطائفة الشيعية.

وحذرت الدراسة من أن القوة العسكرية التقليدية لا تكفي لمواجهة القدرات السيادية التي اكتسبتها إيران خلال العقود الأربعة الماضية، مشيرة إلى أن معظم النزاعات في الشرق الأوسط لا يمكن وصفها عبر صيغة "دولة مقابل دولة" بل إنها أكثر تعقيدا وتشمل لاعبين كثيريين يعكسون فسيفساء المصالح الإقليمية والدولية.

وأكدت الدراسة أن وتيرة أنشطة إيران في النزاعات الإقليمية لا مثيل لها في العالم المعاصر، موضحة أن أنشطة طهران في سوريا والعراق واليمن كلفت الاقتصاد الإيراني نحو 16 مليار دولار، علاوة على 700 مليون دولار يتلقاها "حزب الله" اللبناني من طهران سنويا.

وحذرت الدراسة من إلصاق وسم "العملاء" المبسط على تلك الفصائل الإقليمية الموالية لطهران، مشيرة إلى أن حكومة الملالي تمولها من جانب واحد دون أن تنتظر منها أي عوائد اقتصادية.

وخلصت الدراسة إلى أن إيران قادرة على مواجهة موجة المظاهرات المناهضة لها في المنطقة، مضيفة أن مشاكلها تكمن في أن نفوذها يتوقف على الفصائل التي لا تريد الوصول إلى الحكم مباشرة مثل "حزب الله" في لبنان أو ليست مؤهلة لتولي المهام الإدارية مثل "الحشد الشعبي" في العراق.

وتقول كوري شاكي نائبة مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "إيران أتقنت تكتيك استخدام الطرف الثالث، أي الميليشيات، ما سمح لها بتغيير ثقل القوى في الشرق الأوسط. بالنسبة للحكومة الإيرانية فإن الميليشيات أكثر تأثيرا من برنامجها النووي والباليستي، ومن قواتها التقليدية العسكرية. الميليشيات تكلف أقل وأصبحت الأداة المفضلة لإيران للتأثير على المنطقة".

وأضافت شاكي "إيران تحاول أن تتجنب ضربة مباشرة، فالحرب الإيرانية - العراقية أثبتت أن الإيرانيين لا يجيدون الحرب التقليدية. قدراتهم من خلال فيلق القدس هي البديل الذي يزيد من المزايا ويدعم الأيديولوجيا الثورية. هناك منا من اعتقد أن الاتفاق النووي كان سيقدم حوافز لإيران لأن تكون دولة عادية لكن ما تريده إيران أكثر من ذلك، هو أن تكون لديها القدرة على التحكم بالاستقرار أو عدمه في المنطقة".

وتختلف شاكي مع استنتاجات الإدارة الأمريكية بأن العقوبات أثرت على قدرة إيران على دعم الجماعات الموالية لها، قائلة "إن الدراسة وجدت أن ثمن الحفاظ على الميليشيات ضئيل بالمقارنة مع تكاليف أخرى، كما أنه أولوية للنظام".

واستنتج معدو الدراسة إلى أن مواجهة التأثير الإيراني لا تأتي من خلال الردود المحلية فقط ولكن عبر فهم قدراتها السيادية بشكل عام والتي أصبحت حجر الأساس في استراتيجيتها الأمنية.