«إيران الخفية».. كتاب يرصد الصورة الضبابية للمرشد ودولته
الأربعاء 20/نوفمبر/2019 - 11:35 م
طباعة
محمد عبد الغفار
سعى نظام الملالي منذ سيطرته على مقاليد الحكم في إيران عام 1979 إلى إخفاء كافة المعلومات عن الأوضاع الداخلية التي يمر بها، وذلك عن طريق التضييق على وسائل الإعلام المحلية والدولية، ومحاولة تصدير صورة جيدة، لإيهام العالم بنجاح الثورة.
وعلى الجانب الخارجي، سعت طهران لتصدير أفكار ثورتها إلى العالم، عبر بعض الجماعات التي تسعى للسيطرة على الحكم باسم الدين، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، التي احتفت بصورة مبالغة بالثورة الإيرانية.
فهم إيران
مع هذه الصورة الضبابية التي رسمها المرشد الإيراني لنفسه ودولته، سعى العديد من الباحثين والكتاب إلى التعرف على حقيقة الأوضاع داخل إيران، ومن هذه النماذج كان كتاب «إيران الخفية»، والذي جاء بعنوان فرعي «خبير بارز يوضح السبب وراء فشلنا في فهم إيران ويقدم استراتيجية جديدة لإعادة تعريف هذه العلاقة المهمة»، للباحث الأمريكي ــــ الإيرانى راي تقية، والصادر عن دار العبيكان بالمملكة العربية السعودية، في عام 2010.
جاء الكتاب شاملًا، بداية من فهم الثورة الإيرانية وتقسيم المجتمع الداخلي، والنقطة الفاصلة بعد أحداث 11 سبتمبر2001 ، وحتى العلاقة ما بين الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ونظام الملالي، وأوضح الكاتب في مقدمة كتابه أنه يسعى للتعرف على فهم النظام الإيراني بصورة صحيحة.
كيف تكون الخميني؟
في الفصل الأول المعنون باسم «إرث الخميني»، يقدم المؤلف صورة كاملة عن المرشد الإيراني آية الله روح الله الخميني ودوره في أحداث عام 1979، بداية من جذوره الفكرية خلال مرحلة الشباب، إذ سعى إلى الوصول إلى ما يعرف بـ«العدالة»، ورأي فيها المخلص لإيران آنذاك، وانتقل بعد ذلك إلى الكتابة، حيث طالب صراحة في أربعينيات القرن الماضي بضرورة تقييد السلطات الملكية، وبدأ خلافًا كبيرًا مع المؤسسة الدينية بسبب رفضها الدخول في العمل السياسي، مشيرًا إلى خطأ فكرة فصل الدين عن السياسة.
ثم تأثر الخميني بالفلسفة ودرسها، قبل أن ينتقل إلى الفكر الصوفي، ثم الفكر اليساري رغبة منه في التخلص من الهيمنة الرأسمالية والإمبريالية التي تسيطر على المجتمع الدولي، والذي رأي فيها سببًا في نهب ثروات الشعوب الضعيفة، ما جعله يعلن صراحة رفضه التدخل الأمريكي في شؤون بلاده خلال خمسينيات القرن الماضي، متأثرًا في ذلك بخطب وآراء المفكر الإيراني علي شريعتي.
ومع وصول «الخميني» إلى السلطة، رأى أن أفضل طريقة يمكن أن يحافظ بها على نظامه هي تصدير الثورة للخارج، وعدم التركيز على إصلاح الشؤون الداخلية، خصوصًا وأن ذلك يضعف نظامه، وفقًا لفهمه، كما عمل على إقصاء كافة التيارات السياسية الأخرى عن الساحة حتى تصبح الأمور متاحة أمامه للتخلص من أي بديل محتمل، مع وضع ولاية الفقية كي يمنح نظامه بعدًا دينيًّا.
ويشير المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب إلى أقطاب النظام السياسي الإيراني وهم البراجماتيون، والإصلاحيون، والمحافظون، ومنافستهم على قيادة النظام الإيراني بعد وفاة الخميني، في يونيو 1989، ومحاولة الإصلاحيون الوصول إلى النظام بدلًا من المحافظين الذين ينتمي إليهم علي خامنئي، كما حاول البراجماتيون التوجه نحو الاقتصاد.
إيران والخارج
تعتمد إيران في سياستها الخارجية على فكرة تصدير الثورة وأفكارها ومبادئها إلى المحيط الجغرافي لها، بهدف خلق قوى مؤيدة وداعمة، ويرى المؤلف أنها تسعى لإحداث حالة توازن بين أيديولوجيتها الدينية الثورية وبين مصالحها القومية.
كما تعتمد سياستها الإقليمية على ثلاثة محاور، وهي الخليج العربي، والمشرق العربي، ومنطقة أوراسيا، وتختلف درجة أهميتها وفقًا للفكر الإيراني، ويتبوأ الخليج العربي المكانة الأولى في هذا الأمر، إذ يصدر النفط الإيرانى بصورة أساسية عبر تلك المنطقة، لذا فإن وجود نفوذ إيراني يضمن لها استمرار تدفق النفط بصورة سلسلة كان الهدف الأساسي لطهران لمدة طويلة، ولكنها لم تدرك عبثية معاداة هذه الدول ومحاولة تغيير الأوضاع بها.
وأدرك النظام الإيراني عبثية معاداة الروس، والذين يعدون جيرانًا أقوياء، لذا لم يرغب في إثارة أي مشاعر دينية متطرفة لدى الدول الإسلامية التابعة في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وعلى رأسها جمهورية الشيشان.
وينتقل المؤلف في الفصل الرابع من المحيط الإقليمي إلى الجوانب الدولية، وتحت عنوان «منعطفات في العلاقات الأمريكية الإيرانية»، أظهر أن تداخل علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بإيران متداخلة وبها العديد من الأوقات والمحطات الفاصلة، مثل الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق خلال خمسينيات القرن الماضي، ومحاصرة الطلاب الإيرانيين للسفارة الأمريكية لمدة 444 يومًا متواصلًا.
ولم تكن العلاقة بين الطرفين سيئة طوال الوقت، إذ تعاونت واشنطن مع طهران في مجال التسليح، طوال فترة الحرب "العراقية ـــ الإيرانية"(1980 ـــ 1988) في ثمانينيات القرن الماضي، ويؤكد الكاتب أنه رغم العداء بين الطرفين، إلا أن البراجماتية تحكمهم في أحيان كثيرة.
وحاولت إيران التقارب مع الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر2001، وفقًا لما أوضحه الكاتب في الفصل الخامس من الكتاب، إلا أن ذلك لم يجد نفعًا، إذ لم ير المحافظون الجدد في أمريكا بقيادة الرئيس جورج بوش جدوى من القيام بذلك، كما صنفوا طهران ضمن محور الشر بجانب العراق وكوريا الشمالية في خطابه عام 2002، ما أدى للتصعيد الإيراني.
ثم يتناول المؤلف مسألة الملف النووي الإيراني الذي بدأ في عهد الشاه، والذى تم إعادة العمل به بعد انتهاء الحرب «الإيرانية ـــ العراقية»، إذ رأت إيران ضرورة امتلاك قوة رادعة أمام التهديدات الأمريكية المتزايدة، بالإضافة إلى امتلاك باكستان قوة نووية جعل طهران أكثر تحمسًا للحصول عليها.
وفي الفصل السابع المعنون بــ«عراق إيران الجديد»، حيث ترغب طهران في منع العراق من البروز مجددًا إلى الساحة العالمية، ومنع وجود قوة عسكرية عراقية قوية لديها، تشكل تهديدًا عسكريًّا وأيديولوجيًا فيما بعد لطهران، لذا سعت إلى وضع نظام شيعي في العراق عن طريق أذرع إرهابية موالية لها.
ويبرز الكاتب مفارقة عجيبة ممثلة في رغبة رجال الدين الإيرانيين في وجود انتخابات ديمقراطية في العراق، بينما يرفضونه في إيران، إذ يرون أن هذا الأمر يمكن أن يؤدي لإقامة دولة ذات نظام فيدرالي ضعيف، ما يؤدي لوجود دولة خاصة بالشيعة وأخرى خاصة بالأكراد.
ويرى المؤلف في نهاية كتابه أن إيران وعلى الرغم من كافة الضغوط الأمريكية والغربية عليها، ربما تصمد أمام العقوبات، بسبب لا مركزية النظام ووجود أذرع مختلفة له في دول أخرى.