الإسلام في غرب ووسط أفريقيا: التقليد، السياسة، الإرهاب
الأحد 24/نوفمبر/2019 - 01:55 م
طباعة
حسام الحداد
يواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإسلام في غرب ووسط أفريقيا: التقليد، السياسة، الإرهاب»، (أكتوبر 2019)، رسالته التي تتتبع تفاعل الإسلام مع شعوب ومجتمعات مختلفة الثقافات، ودوره في إعادة تشكيلها، ورسم هويّاتها، ويدرس دلالة تباين أو تشابه تجاربها، ويقيس اختلافات تأثرها بالنص والعرف والتقليد وغيرها من متغيرات، ثم يعاين تأثرها بالواقع السياسي وتأثير حركات الإسلام السياسي عليها، بمحاولة فرض تصورها الخاص على المسلمين في عدد من دول القارة الأفريقية.
يبدأ الكتاب بهذا العدد، منطلقاً من غرب ووسط أفريقيا، ساعياً إلى تبيان خريطة تنوع الإسلام وتمظهراته المجتمعية والسياسية في كل من: تشاد، نيجيريا، السنغال، النيجر، وساحل العاج، وهي دول تصارعت فيها أنماط متباينة بين الإسلام الصوفي والتقليدي والإسلام السياسي الوافد إليها في منتصف القرن العشرين الماضي، ساعياً لفرض هويّة متطرفة تتناقض مع المسار التاريخي للمسلمين، محاولاً إجبارهم على خدمة أهدافه السياسية.
اهتم الكتاب بالمسلمين في جمهورية تشاد، مؤرخاً لتطور الإسلام التقليدي فيها، خصوصاً المؤسسات التعليمية منذ مراحل تاريخية مبكرة. إن الخريطة العرقية التشادية شديدة التنوع، مما يزيد من تعقد دراسة الإسلام لارتباطه بالهويات المركبة، لا سيما إذا تمّ تحليل الترابط بين الديني والعرقي أنثروبولوجياً في حقل المقدس وتوليفاته. وضعت في الكتاب خلاصة ورشة نقاش أجراها مركز المسبار للدراسات والبحوث حول التأثيرات الدينية والسياسية لدول الجوار على تشاد.
ارتبط الإسلام في نيجيريا -أخيرًا- بالإرهاب الذي يصدِّره «بوكو حرام»، أخطر التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية. لم يكتف الكتاب بتناول هذا التنظيم الإرهابي، فاختار الغوص في تاريخ نيجيريا، وتتبع الانشقاقات الدينية التي تولّدت منها التيارات المتشددة الراهنة، وبحث عن صلة هذه الانشقاقات بحركات الإسلام السياسي، وتأثرها بامتدادات إيران الخمينية، من جهة الفكر والأدبيات والصلة التنظيمية. دون إغفال لعلاقتها بالإسلام التقليدي، وموقف المجتمع المحافظ منها، وجذورها القبائلية، وعلاقاتها المعقدة بالجوار المسيحي في نيجيريا. سعى الكتاب إلى تقديم دراسة تعمل على قراءة هذا التنظيم في تداخلاته الدينية والإثنية والسياسية، مناقشاً الادعاء بأن العنف الإرهابي المنبثق عن هذه الجماعة هو مجرد «جهاد ديني» تدعيه جماعة متطرفة أو «تمردٍ قبليِّ» ضد الحكومة النيجيرية؛ إذ ثمة ترابطات تجعل منها تنظيماً تأسس من طبقات متداخلة من التفاعلات.
أدت العلاقة بين الطرق الصوفية التقليدية والسلطة السياسية السنغالية القائمة منذ عهد الاستعمار، دوراً رئيساً في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في السنغال. تناولت إحدى دراسات الكتاب، هذه العلاقة، وفق سؤالين: إلى أي حد تساعد مؤسسات التقليد في الإسلام على توطيد السكينة في الدين في ضوء التطرف الإسلاموي، وتنامي حركات العنف الديني، سواء في القارة الأفريقية أو خارجها؟ وهل العلاقة بين الطرق الإسلامية التقليدية والسلطة السياسية في عدد من التجارب تقلص من فرص العنف الجهادي؟ سعى الكتاب إلى رصد هذه الأطر وتعقيداتها، محلِّلاً طبيعة العلاقة بين جماعات التقليد والنظام السياسي في السنغال، وتحديداً الطرق الصوفية والزعماء الدينيين.
يتكوَّن سكان النيجر من جماعات عرقية مختلفة: الهَوسا والدْجِرما سونراي والطوارق والبيوهل، والكانوري مانجا، وغورما، والعرب. يشكل المسلمون الغالبية الكبرى من الجماعات الدينية التي تضم أيضاً المسيحيين والأديان التقليدية. قدم الكتاب دراسة تاريخية حول تاريخ الإسلام في هذا البلد الأفريقي، على صعيد الأخذ بمذهب الإمام مالك والسياقات التاريخية والدينية والاجتماعية المؤسسة للحركات الدينية، لا سيما الطرق الصوفية وأنشطتها والحركة السلفية ودعاتها، وما يواجه المسلمين من مخاطر آتية من الحركات الإسلاموية.
تتميز دولة ساحل العاج، الواقعة في غرب قارة أفريقيا، على صعيد التقسيمات الدينية بتعددية طائفية ومذهبية لافتة، فإلى جانب المسلمين –بعض التقديرات تشير إلى أنهم الأغلبية- هناك الكاثوليك والإنجيليون والميثوديون والإحيائيون (الأرواحيون). بنى المسلمون هوية لجماعتهم، على الرغم من الصعاب التي واجهتهم، واستطاعوا الانخراط في العملية السياسية، فالتقدم الذي وصلوا إليه خلال التاريخ، ترك لهم إمكانية تامة بأخذ مكان في الدائرة السياسية؛ مكان له قدر من الأهمية نجم عن حوار سلمي، «فالتقليد الإسلامي الإيفواري يميل من باب أولى إلى السلمية» -كما يؤكد الكتاب- لذا عمل على بناء «أمة داخلية مسالمة» تبتعد عن الصدام مع المكوِّنات الأخرى، وهذا يدفعنا إلى الافتراض أن التجارب السياسية الناجحة غير الصدامية وغير المعادية للدول، وإن بُنيت على أسس هوياتية، مرشحة لأن تأخذ حظها من الحضور والفاعلية.
تأثر الإسلام في الغرب الأفريقي، بمؤثرين: الأول مسيحي، والثاني مالكي، وبقدر ما كانت العلاقات المسيحية-الإسلامية تتوتر، إلا أنّها هدأت في مراحل أخرى. درس الكتاب علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالقارة الأفريقية عبر التاريخ الذي اتسم في بداياته بالتوتر في الحقبة الاستعمارية وخلال نشاط حركة التبشير، لكن الواقع يختلف اليوم عمّا كان عليه في الماضي؛ إذ شهدت العلاقات الأفريقية – الفاتيكانية تطوراً ملحوظاً إثر الزيارات التي قام بها الباباوات في العقود الأخيرة. طرح الكتاب هذه العلاقة كاشفاً عن أهداف الدبلوماسية البابوية ورهاناتها الجديدة القائمة على «الدبلوماسية التصالحية» و«مواصلة الحوار».
أما في مجال المذهب المالكي، اختُتِّم الكتاب برصد التوجهات الدينية للمغرب تجاه أفريقيا وأهميتها وآلياتها؛ حيث نجحت عناصر القوة الروحية الناعمة التي انتهجتها المملكة المغربية في تحقيق الكثير من المكاسب لجهة تكوين الأئمة ومكافحة الفكر المتطرف، والإفادة من دورات تكوينية في مجال تدبير الشأن الديني، مما ساعد على إرساء علاقات متوازنة ومتينة مع عدد من دول القارة.