من جولن إلى الأسد.. «الغدر» طريق أردوغان للخلافة العثمانية
الأربعاء 22/يناير/2020 - 12:02 م
طباعة
علي رجب
«الغدر والخيانة» تشكل اتحد أبرز اساليب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نهجه السياسي الداخلي والخارجي، وهو ما يعطي صورة لديكتاتور يحكم عبر الغدر بالاصدقاء والحلفاء، متشبها بنهج السلطان العثماني سليم الاول في الحكم.
الغدر والخيانة
المتتبع لتاريخ أردوغان السياسي وعلاقاته بحلفائه، سيجد أن وصف «الخائن» هو الأنسب إلى أردوغان، إذ عمل دائمًا على استغلال المحيطين به للوصول إلى هدفه، كحاكم ديكتاتوري للبلاد، قبل أن يغدر بهم، ويضعهم على هامش الحياة السياسية.
«الغدر بالجميع» سياسة يتبعها أردوغان مع رفقاء وأصدقاء الداخل وكان أبرزهم زعم حركة الخدمة الداعية التركي عبد الله جولن، والذي لعب دورا كبيرا في صعد حزب العدالة والتنمية للحكم، عبر تقرب أردوغان من جولن واستغلال نشطائه الاجتماعي وشعبيته في تركيا بالوصول للحكم، ومن ثم تفكيك جماعة كولن عبر مسرحية انقلاب يوليو 2016.
جولن ليس الوحيد في قائمة الغدر الأردوغاني، فهناك الرئيس التركي السابق عبد الله جول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، بسبب تفكيرهم في إنشاء حزب سياسي ينافس العدالة والتنمية.
وهاجم أردوغان رفاقه قائلا في تجمع انتخابي للحزب الحاكم في إقليم توقاد بوسط البلاد: «لقد عهدنا بمهام إلى بعض أصدقائنا الذين انطلقنا معهم (في هذه الرحلة السياسية)، ثم أتت بعد ذلك أوقات معينة قلنا فيها خذوا قسطا من الراحة».
أضاف: «دعونا نكلف أشخاصا آخرين، نرى أنهم قد قفزوا من قطار (حزب العدالة والتنمية)، وركبوا قطارا آخر، هؤلاء الذين يخونوننا اليوم سوف يخونون المكان الذي يذهبون إليه في المستقبل».
جول فكر في الترشح لانتخابات الرئاسة الأخيرة، يونيو 2018، ما وضعه في مرمى سهام أردوغان الذي حاول استصدار قوانين لمنعه من الترشح. نائب الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية نعمان كورتولموش وصف رغبة جول في الترشح أمام إردوغان ڊ «الخيانة»، متناسيا أنه مؤسس الحزب الذي ينتمي إليه.
اهل الصحافة والأدب
الكاتبة الصحفية ناظلي إيليجيك هي الأخرى التي قدمت الدعم لحزب العدالة والتنمية بصفتها شخصية ليبرالية وممثلة عن التيار الليبرالي؛ وكانت عاقبتها في النهاية السجن لمدة ثلاثة سنوات ونصف في سجون أردوغان.
كذلك الكاتب الصحفي أحمد ألتان كان ساند أردوغان وحزب العدالة والتنمية في السابق من أجل إصلاح نظام الدولة القديم المتهالك، وكان يقول عن أردوغان: «لديه لطافة طبيعية، واحترام لطيف».
كما قال أيضًا: «كثير من الأمور تتغير اليوم في تركيا في ظل حكم أردوغان، لذا أشعر بالأمل.. لا يمكن الاستهانة بالانتقال من فترة كان فيها رؤساء الوزراء يهاجمون الكتابات والمقالات ويمارسون مجزرة معنوية على الكُتّاب إلى فترة يحترم يها رئيس الوزراء وزراء المقالات وكتابها»، أما الآن فقد انضم ألتان إلى طابور الصحافيين المعتقلين في سجون أردوغان.
الكاتب الصحافي محمد ألتان، شقيق أحمد ألطان، كان يقول: "لقد عاشت تركيا عملية تحول عظيمة بيد حزب العدالة والتنمية. حزب العدالة والتنمية أدار دفة الجمهورية الكمالية صوب الديمقراطية. تركيا تتحول إلى الديمقراطية بسرعة. ولكن الفكر الكمالي لا يريد أن يدرك ذلك، ويحاول عرقله. لم أدافع عن حزب العدالة والتنمية من دون وعي وإدراك، بل قدمت الدعم له عمدًا من أجل أن يحول تركيا إلى الديمقراطية الحقيقية، ولم يكن يليق بي أن أقف إلى جاب «الوضع الراهن».
وكان مصيره السجن أيضًا لمدة عامين إلى أن أفرج عنه مؤخرًا بصعوبة كبيرة.
الكاتب الصحافي شاهين ألباي، المنتمي للتيار اليساري الليبرالي، كان يقول عن أردوغان ونظامه: «ستزيد الحريات الفردية، وسنتخلص من الوصاية، وستصبح الديمقراطية أمرًا طبيعيًا مألوفًا لدينا»، ولكن أردوغان كان له رأي آخر وقرر حبسه 20 شهرًا أيضًا.
الكاتب الصحافي ذو التوجه الإسلامي علي بولاج كان يقول قبل اعتقاله عن دعمه لأردوغان: «حزب العدالة والتنمية قدَّم أداءً لم تتمكن أي حكومة سابقة أن تقدمه حتى اليوم فيما يتعلق بإصلاحات الاتحاد الأوروبي».
حسن جمال، كان من المقربين للغاية من أردوغان، وكانت علاقتهما تصل إلى درجة كبيرة من الأخوة، وكان يقول عن نظام حزب العدالة والتنمية: «لقد رأيت أن حزب العدالة والتنمية هو فرصة تاريخية لتركيا. سيحققون سيادة القانون في البلاد»، ولكن أردوغان أصدر تعليمات بفصله من الصحيفة التي كان يعمل بها.
كذلك الكاتب الصحافي المنحدر من أصول قومية ممتازار توركون،كان من الداعمين لأردوغان، وقال: «بفضل حزب العدالة والتنمية سنلقي بهذا الوضع الراهن في سلة القمامة»؛ إلا أن أردوغان ألقى به في السجن الذي بات يقبع بداخله منذ ثلاث سنوات ونصف تقريبًا.
باسكين أوران، كان كاتبًا مهمًا يلجأ إليه حزب العدالة والتنمية لاستشارته في الأمور المهمة، ولكن الحال قد تغير وصدر في حقه حظر ظهور على القنوات التلفزيونية.
مراد بلجى أيضًا أيد أردوغان، ولكن كان هذا سببًا لندمه؛ إذا صدر في حقه قرار بحظر ظهور على القنوات التلفزيونية كذلك.
جنكيز تشاندار كان من أهم وأبرز الصحفيين الداعمين لأردوغان داخل تركيا؛ ولكنه اضطر إلى الهرب إلى خارج البلاد مثل هاكان شُكُر حتى لا يتعرض لظلم أردوغان كغيره.
الكاتب والأديب أورهان باموك، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، قال عن حزب العدالة والتنمية في الحقبة الأولى من حكمه: "إنهم يديرون تركيا بشكل جيد للغاية"؛ ولكن هذا لم يكن شفيعًا له، فقال عنه أردوغان: "إنه إرهابي حاصل على جائزة نوبل".
آيدين أنجين، أحد الصحفيين المنتمين للتيار الليبرالي، وكان من بين الداعمين لحزب العدالة والتنمية وأردوغان؛ إلا أن قضاء أردوغان أصدر حكمًا بحبسه 7.5 أعوام، بالرغم من تجاوز عمر 78 عامًا.
جان دوندار كان قد قدَّم دعمًا كبيرًا لأردوغان من خلال فيلم وثائقي بعنوان "لوحة فنية للزعيم: طيب أردوغان"، إلا أن أردوغان نفسه اتهمه بالتجسس، واضطر كغيره لمغادرة البلاد.
عدالت أغا أوغلو.. كان دعمه مطلقًا لحزب العدالة والتنمية، حتى إنه قال: "أقول نعم لكل خطوة خطاها أو سيخطوها أردوغان". ولكنه الآن رجع ليقول: «أنا ندمان للغاية بسبب قولي "نعم". لقد كانت سذاجة مني. أنا أضرب رأسي بالحائط بسبب انخداعي بهم».
أهل الفن والرياضة
أهل الرياضة والفن كان لهم نصيب من «الغدر والخيانة» الأردوغانية، «هاكان شُكُر» اشهر لاعبي كرة القدم التركية، وأحد الداعمين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والواقفين بجانبه في أصعب المراحل التي مر بها، حتى ينجز وعوده بالانتقال بسفينة تركيا إلى الديمقراطية.
«هاكان شُكُر» الذي اعتزل كرة القدم وقرر الدخول في الحياة السياسية، عن طريق تمثيل حزب العدالة والتنمية في البرلمان، أصبح الآن في قوائم الإرهاب، واضطر لمغادرة البلاد، بل وصل الأمر إلى مصادرة ممتلكاته، فلجأ إلى العمل سائقًا على سيارة أجرة «أوبر» في الولايات المتحدة الأمريكية.
الدعم الذي حصل عليه أردوغان وحزب العدالة والتنمية لم يقتصر على كرة القدم، وإنما حصل على دعم كبير من المطربة الشهيرة، سازان أكصو، ولكنها ما إن بدأت تدلي بتصريحات لا تروق لحزب العدالة والتنمية، تعرضت لقتل معنوي على وسائل الإعلام والقنوات التليفزيونية الموالية للحزب.
الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي، صلاح الدين دميرتاش، قدَّم الدعم لأردوغان خلال عملية مفاوضات السلام بين الحكومة التركية والأكراد، ولكنه الآن داخل سجون أردوغان منذ ثلاث سنوات ونصف.
الممثل والنجم السينمائي الشهير قادر إنانير أيضًا، قدم الدعم لأردوغان، وكان ضمّه أردوغان لجنة حكمائه، أما الآن فيتعرض لهجوم من قبل وزير داخلية حزب العدالة والتنمية سليمان صويلو.
الأسد والقذافي
نعم، كل من دعموا حزب العدالة والتنمية في فتراته الأولى عقب صعوده إلى سدة الحكم، كان مصيرهم الظلم والاعتقال في سجون أردوغان. يبدو أن هذا هو مفهوم «الإسلام السياسي» الذي يتحدثون عنه.
خيانة وغدر أردوغان لم تتوقف القوى السياسية الداخلية، ولكن أيضا اتبع ذلك في سياسته الخارجيةن وابرز النماذج هو علاقة أردوغان مع الرئيس السوري بشار الأسد؟ فقدتحولت من الصداقة والتحالف إلى العداوة والخصومة، مع مساعي الرئيس التركي للسيطرة على سوريا ودخول المسجد الأموي.
لخصت مجلة دير شبيجل انتهازية رجب إردوغان في تعامله مع الملف السوري، ونظيره بشار الأسد، لتحقيق أطماعه، حسب مقتضيات كل مرحلة، تحت عنوان "من الصداقة إلى العداء إلى التحالف في الخفاء"
قالت المجلة الألمانية فى تقريرا لها إن العلاقة بين الرئيس التركي ونظيره السوري انتهازية بحتة، وفضحت تحول أردوغان من صديق حميم للأسد، يقضي عطلاته بصحبته، إلى عدو في العلن، وحليف في الخفاء.
فقد أكد بشار الأسد، في تصريحات صحيفة أن أردوغان شخصية انتهازية ولن أتشرف بمثل هذا اللقاء وسأشعر بالاشمئزاز.
كذلك قال وصفه الرئيس السوري، أردوغان بأنه «لص» وقال«تصريحاتي ضد أردوغان مستمرة.. قلت (لص) وهو بدأ من الأيام الأولى بسرقة كل ما يتعلق بسورية فهو لص، أنا لم أشتمه، أنا أصفه».
التجربة نفسها تتكرت في مع العقيد معمر القذافي في سوريا، بعد علاقة قيوة وتكريم من قبل القذافي لأردوغان ومدح الاخير لقائد ثورة الفاتح من سبتمر، عاد وشارك في اسقاط نظام القذافي وسرقة أموال ليبيا.
وكشف أحمد قذاف الدم ابن عم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه حصلا من القذافي على 30 مليار دولار كعقود استثمارية ودعم لهما للوصول إلى الحكم والسلطة في تركيا والفوز بالانتخابات البرلمانية.
ومؤخرا تداول نشطاء خطاب قديم جدا للقذافي، يحذر فيه اللبيين من رجوع وتكرار تجربة الاحتلال العثماني لليبيا مرة أخري في المستقبل.. يقول الدولة العثمانية باعت ليبيا للايطاليين مقابل جزيرة في بحر ايجة، ويقول قد يتكرر المشهد هذا للمستقبل، أي رجوع الغزو العثماني لليبيا.
تاريخ أردوغان وتعامله مع الأصدقاء يؤشر على انه رجل غدر ولا يتورع في بيع أبنائه لتحقيق أهدافه محاولة السير على نهج سليم الاول في قتل ابيه واخوته للانفراد بالحكم، وايضا تكرار تجربته بالخلافة العثمانية، والتي تشكل حلم أردوغان المستحيل.