الإخوان في الجزائر .. وتاريخ من محاولات السيطرة على الحكم (3 – 3)
السبت 21/مارس/2020 - 11:54 ص
طباعة
حسام الحداد وهند الضوي
خلال الأشهر الماضية حاولت حركة مجتمع السلم"حمس" الجناح الجزائري للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، برئاسة عبد الرزاق مقري، ان توحي للرأي العام الجزائري والعربي قدرتها على تشكيل "لوبي"ضاغط على السياسة الخارجية للدولة الجزائرية، وهو غير "صحيح" تماما، نظرا لان السياسية الخارجية الجزائرية اقوم على مصالح الدولة الجزائرية بعيدا عن العلاقات "الحزبية" و" الاخوانية" في الاقليم.
ليس هذا فقط بل تحاول الحركة من وقت لآخر الوثوب على السلطة وإيهام الرأي العام العالمي بأنها مسيطرة على الشارع الجزائري فلا تخف تحركات «إخوان الجزائر» حلم السلطة، وعلى مسار تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس. بينما يرصد الجيش الجزائري تحركات «الإخوان»، ويتأهب للتيار الإسلامي، فتتحرك الجماعة داخل الجزائر وعين على السلطة والأخرى على الجيش. وهذا ما اتضح جليا خلال فترة الاحتجاج الشعبي الذي تم تعليفه مؤخرا
بسبب تفشي وباء كورونا، مقابل إجراءات تهدئة من قبل السلطات وفي مقدمتها إطلاق سراح المعتقلين.
إخوان الجزائر والولايات المتحدة
حركة مجتمع السلم الذراع السياسي الأبرز للإخوان في الجزائر ترتبط مع الولايات المتحدة بعلاقات وطيدة حيث تتميز مواقفها دائما ببراجماتية، ووفقا لمصالحها فهي لم تندد إطلاقا بخضوع الجزائريين للتفتيش الدقيق أكثر من غيرهم بين أمم العالم، في المطارات الأمريكية، وما يمثل ذلك من إهانات في كامل مطارات الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حرصا على علاقة الروابط التي يملكها رجل حمس القوي عبد الرزاق مقري، بمنظمة فريدم هاوس الأمريكية في الجزائر، والتي كان لها دور كبير في إنجاح ندوة ترعاها حول الإصلاح السياسي في العالم العربي، ووضع لها أسماء أكاديمية وغير أكاديمية تنشط الندوة وهي العلاقة التي ألحقت ضررا بالغا بصورة حركة مجتمع السلم وتوجهها الإخواني، واضطرت مسئولي الحركة إلى التبرؤ مما قام به.
وتشكل هذه العلاقة لأحد أهم رجال أكبر حركة إسلامية سياسية في البلاد، بمنظمة من حجم فريدم هاوس، تأكيدا واضحا على أن فكرة الإخوان كبديل سياسي للأنظمة لا زالت موجودة لدى الولايات المتحدة، وتعمل على ترسيخها.
هذا وقد نمت العلاقات الأمريكية الجزائرية بداية من يوليو 2001، عندما أصبح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة أول رئيس جزائري يزور البيت الأبيض منذ 1985، وهذه الزيارة تبعها لقاء ثان في نوفمبر 2001، وآخر في نيويورك في ديسمبر 2003، وذلك بمشاركة أعضاء حمس من الحكومة الجزائرية.
ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تكثفت الاتصالات في المواضيع الأساسية ذات الاهتمام المتبادل، بما فيها تطبيق القانون والتعاون في مكافحة الإرهاب والإخوان طرف فيه، وقد أدان الإخوان بالجزائر رسميًّا الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة ودعمت بكل قوة الحرب على الإرهاب.
وفي أغسطس 2005 قاد الرئيس، آنذاك، للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السناتور ريتشارد لوجار، وفد رئاسي إلى الجزائر والمغرب بمشاركة الإخوان للإشراف على إطلاق سراح 404 أسرى مغربيين متبقين كانت تحتجزهم جبهة بوليزاريو في الجزائر، وأزال إطلاق سراح الأسرى عقبة كئود من العلاقات الثنائية المغربية الجزائرية.
الإخوان والخيبات الأربع
وبالنظر إلى نتائج انتخابات الرئاسة الجزائرية الأخيرة، يظهر أن "إخوان الجزائر لدغوا من جحر رفض الجزائريين لهم للمرة الرابعة" كما علق بعض الجزائريين
وآخر خيبة صدم بها إخوان الجزائر، تلك النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة، سواء من للتيارات المقاطعة التي تفاجأت بحجم المشاركة، أو للذين شاركوا فيها ممثلين في الإخواني عبد القادر بن قرينة رئيس ما يعرف بـ"حركة البناء".
الإخواني بن قرينة زعم حتى قبل الحملة الانتخابية بأنه "رئيس الجزائر المقبل"، وأبدى قناعة تامة بذلك، وظل يردد الحلم على من حضر في تجمعاته الانتخابية، إلى أن استفاق الجمعة على كابوس نسبة تصويت الجزائريين، والتي وصلت إلى 17.38% فقط، وبفارق كبير عن المتصدر تبون.
أما أول خيبة لإخوان الجزائر فكانت في أول انتخابات رئاسية تعددية عام 1995، حيث لم يحصل مرشح الإخوان محفوظ نحناح مؤسس ما يعرف بـ"حركة مجتمع السلم" الإخوانية على أكثر من 26% من الأصوات، ثم رفض ملف ترشحه في رئاسيات 1999 بسبب عدم وجود وثيقة الانتماء للثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي انتخابات 1999، ركب الإخواني عبد الله جاب الله موجة المقاطعين لها بين بقية المرشحين الذين كانوا يوصفون بـ"ثقيلي الوزن"، حينما كان رئيساً لما يعرف بـ"حركة النهضة".
وبعد تفريخه تياراً إخوانياً جديداً في الساحة السياسية عشية انتخابات 2004 باسم "حركة الإصلاح"، اكتفى الإخواني جاب الله بالحصول على 5% من أصوات الناخبين، وتكررت الخيبة مع التيار ذاته في انتخابات 2009 بحصول خليفته الإخواني محمد جهيد يونسي على 1.37% من نسبة التصويت.
نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر، أثبتت مرة أخرى، وفق مراقبين، عدم قدرة التيارات الإخوانية على استقطاب الشارع، بما يملكه من خلفيات عنهم في ضوء تجربتهم خلال تسعينيات القرن الماضي، عند صعود ما كان يعرف بـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" إلى المشهد السياسي، وتبني قياداتها الإخوانية خطابات متطرفة "صريحة".
ومن تلك المنطلقات، لا ينظر الناخب الجزائري، للمرشحين الإخوان وخطاباتهم الانتخابية على محمل الجد، إذ يعتبرونها تعبيرا عن متلازمة انتهازية تمجد صناديق الاقتراع وأدوات الديمقراطية طالما جاءت بهم إلى سدة الحكم قبل أن ينقلبوا عليها في مسعى لتكريس أفكارهم عن التمكين.
وترسخت عند غالبية الجزائريين قناعة تتأكد مع كل موعد انتخابي بأن التيارات الإخوانية ما هي إلا "جدار يعزل الفعل الديمقراطي ويلغيه بمجرد انتقاله إلى موقع صانع القرار"، ويستدلون على ذلك أيضا بما تشهده التيارات الإخوانية في تسييرها الداخلي من "انعدام تام لآليات الديمقراطية في غالبيتها وديمقراطية شكلية في بعضها الآخر تتخفى وراء الولاء للشخص".
ويصف الجزائريون، كما تبرزه ردود أفعالهم الدائمة عبر منصات التواصل، التيارات الإخوانية بـ"المستثمرات السياسية"، ويعزون ذلك إلى "استعمال تلك التيارات كل أنواع التضليل السياسي لبيع بضاعتهم الكاسدة والتي باتت مع الحراك الشعبي الأخير منتهية الصلاحية، بشكل أصبح ضررها السياسي واضحاً لعيان غالبية الجزائريين".
ويقول المتابعون للشأن السياسي في الجزائر إن التيارات الإخوانية "تعيش في زمن غير زمانها، ولا تعرف حقيقة المشاكل التي تواجهها البلاد والمواطن"، بل "استغلت همومه وأوجاعه بخطابات رنانة حاولت من خلالها دغدغة عواطفه الاجتماعية والسياسية".
لكن كثيراً من المتابعين يؤكدون أن حصول مرشح الجماعة على نسبة متدنية في انتخابات الرئاسة الجزائرية ما هو إلا "تأكيد لنتيجة استفتاء شعبي على مدار 9 أشهر ترجم رفضه لوجود التيارات الإخوانية ومحاولتهم القفز عليه، ما جعلهم معزولين ومنبوذين في مشهد سياسي تغيرت تركيبته وفق متابعين.
مستقبل الإخوان في الجزائر
تحاول جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر الصمود أمام موجات الانحسار التي تعيشها التنظيمات الإخوانية الأخرى في العالم العربي، دون أن يؤثر ذلك على مكاسبها التاريخية؛ ولذلك فإن استمرارها في ممارسة دور سياسي يتطلب ما يلي:
1- تبني المزيد من مُحاولات الإصلاح الداخلي، والاستفادة من التعديلات الدستورية في أبريل عام 2011 الماضي؛ لتظهر كتيار إسلامي مُعتدل، بعيدا عن الجماعة الأم التي حولتها ممارستها إلى جماعة إرهابية.
2- لا زالت ما تعانيه جماعة الإخوان في الجزائر بجناحيها من تعثّرات كبيرة، من خلال تحالفات هشة يدفع بها في أغلب الأحوال إلى مزيد من الانشقاق داخل الصف الإخوانى نفسه وهو ما يحول دون وجود كيان واحد لها في المستقبل.
3- على الرغم من تبني الإخوان في الجزائر لفكر التغيير السلمي والوصول للسلطة عبر صناديق الاقتراع، إلا أنها لا زالت تعانى من عدم القدرة على ايجاد بديل لحالة العنف الجزائرية التي يقوم بها أطراف يتبنون نفس الأفكار القطبية الإخوانية.
4- حالة الانقسام داخل الإخوان يجعل من المستحيل التوافق على وحدة الموقف الوطني تجاه القضايا الوطنية الكبيرة وهو ما أثبتته الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
5- التنافُس بين الإخوان في الانتخابات التشريعية والبلدية انعكس سلباً على نشاط الحركة الدعوي والتربوي، وبذلك تكون الحركة قد تفرغت من محتواها الأصلي في النشاط الدعوي والتربوي إلى العمل بالسياسة، وفقدت توازُنها كحركة إسلامية.
6- لا زالت الجماعة تستخدم الطرق التقليدية في استغلال الدين مثل تحويل المساجد مسرحاً لخطاباتهم، وكثف الإخوان المسلمون تواجدهم داخل الجزائر عن طريق الكتب الدينية والمجلات.
7- الصراع الداخلي أدى إلى افتقاد الجماعة لولاء نسبة كبيرة من الشباب الجزائري، بسبب عدم رغبتهم في الدخول في صراعات جديدة ليس لهم علاقة بها.
8- الفشل الكبير للجماعة الأم في مصر انعكس على إخوان الجزائر وهو ما تم رصده في العام الأخير من انقسامات وانشقاقات وتصدع في البنية التنظمية وانحسار فاعلياتها في الشارع الجزائري.