دراسة جديدة حول نساء نيجيريا بين "داعش" و"بوكو حرام"
الخميس 30/أبريل/2020 - 11:43 ص
طباعة
حسام الحداد
سواء انخرطت امرأةٌ ما في "الإرهاب" بإرادتها أو رغماً عنها تحت ظروفٍ معينة، فإنّ معظم النّساء فاجأن العالم باتخاذهنّ خطوةً كبيرةً إلى الوراء؛ فكثيرون سمعوا بـ "أم البراء"، و"أم القعقاع"، وغيرهما من نساءٍ حملن السّلاح ثم خضن القتال أو انتشر نشاطهنّ الدّعوي والتجنيديّ لأخريات في بلدان ما يُسمّى "الربيع العربي".
ليس هذا فقط بل في قلب القارة السمراء هناك أخريات تم استخدامهن في عمليات ارهابية سواء كانت مشاركتهن برغبتهن ام لا، وتقدم لنا هذه الورقة البحثية للباحثة في العلوم السياسية منى عبد الفتاح وضع النساء في نيجيريا بين بوكو حرام وداعش والتي نشرت على موقع الاندبندنت، حيث تعيش نساء نيجيريا بين الاختطاف والتنازع بين جحيمي "بوكو حرام" و"داعش"، في حلقة واحدة تمثِّل سلسلة العنف ضد المرأة التي تتغطى بدثار الدين، تمارس رغبة أصحابها في السيطرة والامتلاك والاضطهاد لأغراض سياسية. كوّن هذا الصراع اللامتكافئ بين هذه الجماعات والنساء وبين الطبيعة والموروث الشعبي في نيجيريا لدى هذه الجماعات قاعدة أساسية استطاعت أن تقرّب التصور الكامل عن المرأة في تلك النواحي وعن حقيقة همومها. وهو ما ساعد في بناء نموذج قوي يتحدى السلطات والقوانين المحلية والدولية. وبعد ظهور تنظيم "داعش" في غرب أفريقيا إثر انشقاقه عن جماعة "بوكو حرام" في 2016، تضاعف الهجوم على المدنيين وخصوصاً النساء. وبعد انحسار "داعش" جغرافياً متأثّراً بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، ركَّز على توظيف قدراته في غرب أفريقيا وشملت حزام التهديدات الإرهابية الذي يحد نيجيريا من الشمال ويمتد من تشاد ثم النيجر ومالي.
وحسب الباحثة فقد اعتمد التنظيم في استراتيجيته على المرأة بشكلٍ كبير، لأسباب عدة منها التمويه وتعويض نقص المقاتلين. وتفوَّقت جماعة "بوكو حرام" على "داعش"، في ما يتعلق باختطاف واغتصاب الفتيات والنساء، أو بالاعتماد عليهن فى عملياتها الانتحارية مستغلِّة الثغرة الأمنية وعجز الحكومة النيجيرية عن إنقاذهن من براثن الإرهابيين واضطرارها فى النهاية، للتفاوض لإطلاق سراحهن.
عنف إثني بلباس ديني
هذا الوضع الذي تعيشه نساء نيجيريا هيأت له الأحداث التي اشتعلت خلال العقد الأول من الألفية نتيجة صدامات طائفية. وقد انتقدت التقارير الدولية نيجيريا لعدم البتّ في القضايا الأساسية المتعلقة بالهوية القومية، وتصاعد حدة العنف الاجتماعي الذي يعكس التوترات العرقية والدينية والسياسية والإحساس المتزايد بفقدان الأمن والأزمة في الدولة عموماً. وتشعّبت الأزمة نتيجة التحولات المعقدة في السياسة القومية لنيجيريا ووجدت فيها تربة خصبة لإحياء السياسة الدينية العرقية. أدى هذا إلى تغذية العنف الاجتماعي في شمال نيجيريا مستفيداً من النزاعات متعددة الأبعاد القائمة على التنافس السلطوي بين قبائل اليوروبا، وقبيلتي الهوسا والفولاني المتصاهرتين، والإيجبو وأقليات تقطن إقليم الميدل بلت. وتزداد المسألة تعقيداً عند النظر في الفسيفساء الإثنية في نيجيريا، إذ توجد حوالى 400 مجموعة عرقية و20 طائفة دينية رئيسية. ووسط هذه المكونات 50 في المئة من النيجيريين مسلمون و35 في المئة مسيحيون و15 في المئة روحانيون. أما القانون الذي يحكم هذا التنوع الديمغرافي والإثني والديني فهو القانون الإنجليزي والشريعة الإسلامية، إضافة إلى القوانين التقليدية التي تحكم حياة كل مجموعة إثنية على حدة. ولا يزال النزاع الدستوري مستمرّاً، إذ يرى الجنوبيون غير المسلمين أن تطبيق الشريعة إعلان غير دستوري من جانب ولايات الشمال التي أقرت الإسلام ديناً للدولة.
وتركز العنف في فترةٍ لاحقة في وسط نيجيريا حيث أسفرت الهجمات عن نزاع بين "بوكو حرام" ومواطنين مسيحيين كانوا ضحايا المشاحنات بسبب النزاع على الأراضي والمياه والرعي وسرقة الماشية والمزروعات في هذه المنطقة التي تعاني من الفقر المدقع والإهمال الشديد، إضافة إلى أسباب عرقية وقبلية ودينية. وفي المنطقة الوسطى من نيجيريا تتداخل الأراضي، وينشأ الصراع حين تعتدي إحداهما على الأخرى. ووفقاً لـ"مؤشر الإرهاب العالمي"، قتلت ميليشيات من الجماعة تابعة لقبيلة الفولاني حوالى 3 آلاف شخص منذ عام 2011، من بينهم مسيحيون ومسلمون. وفي الوقت الذي تستهدف فيه "بوكو حرام" المسيحيين لدينهم، فإنَّ استهدافها المسلمين كان لأسباب تتعلق باتهامهم بالردة عن الإسلام، ومتابعة الحياة الغربية. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2019 نشر "داعش" تسجيلاً مصوراً يذبح فيه مسلحون من التنظيم 10 مسيحيين نيجيريين، ذكر أنَّ الحادثة جزء من حملة للثأر لقتل زعيمه أبو بكر البغدادي.
كوّن هذا الصراع بين الطبيعة والموروث الشعبي لدى هذه الجماعات قاعدة أساسية استطاعت أن تقرّب التصور الكامل عن المرأة ووضعها في المجتمع النيجيري. وهو ما ساعد في بناء نموذج للمرأة في بعض المجتمعات القبلية الأفريقية.
أعيدوا لنا فتياتنا
وتعتمد جماعة "بوكو حرام" التي تمارس نشاطها منذ أن أنشأها متطرفٌ إسلامي عام 2002 في مايدوغوري بولاية بورنو، تكتيكاً جديداً في نيجيريا وهو توظيف الفتيات في عملياتٍ تفجيريةٍ موجهة ضد أهداف عامة. قتلت الجماعة بين 2009-2014 حوالى ثلاثة عشر ألف شخص. قامت "بوكو حرام" في أبريل (نيسان) 2014، بخطف حوالى 276 فتاة من مدرسة في قرية تشيبوك في شمال شرقي نيجيريا. ما أدى حينها إلى إطلاق حملة #BringBackOurGirls (أعيدوا لنا فتياتنا) في جميع أنحاء العالم. وقامت بعدها بفترة قصيرة بخطف 185 أغلبيتهن من النساء والأطفال، في ظل تطور ممارساتها وتشعبها. وفي فبراير (شباط) 2018 اختطفت 110 تلميذات من مدرسة العلوم والتكنولوجيا الحكومية. وتشير تقديرات إلى أنَّ الصراع بين الحكومة وجماعة "بوكو حرام" قد أسفر عن مقتل عشرات الآلاف، واختطاف الآلاف.
انتحاريات تحت الطلب
استخدمت "بوكو حرام" العنصر النسائي كواجهة أمامية للإرهاب، وبهذا انتقلت من استخدام الفتيات الصغيرات كناقلاتٍ للسلاح والمؤن والنقود، إلى زيادة انتشارهن كمفجِّرات انتحاريات. حقَّق هذا المنحى الأنثوي الذي اتخذته جماعة "بوكو حرام" نجاح كثير من العمليات. ففي يونيو (حزيران) 2014 دشَّنت الحركة أول تفجير قامت به فتاة. وقبل ذلك كانت التفجيرات التي تنفذها الجماعة تتم بواسطة رجال. وبعده تزايدت تفجيرات العناصر النسائية في شمال البلاد بشكلٍ كبير مستهدفةً الأسواق والمدارس والثكنات العسكرية. وتقوم بهذه العمليات فتيات ينتمين إلى الجماعة وأخريات غُرِّر بهن مما عقَّد الأمر على السلطات لوضع حدٍّ له. واستفادت "بوكو حرام" من الإثارة التي تحققها أخبار مفجِّرات انتحاريات لأنَّها تستقطب تغطية أفضل من التفجيرات التي يقوم بها الرجال، وذلك بسبب عنصر المفاجأة والصدمة اللذين يُحدثُهما أي تفجيرٍ انتحاري نسوي ناجح. ما يجعل الجماعة في وضعٍ يُحسب له ألف حساب. وفي إفادات بعض الناجيات من جحيم "بوكو حرام"، اعترفت بعض الفتيات أنَّ آباءهنَّ قاموا بإرسالهن إلى أحد معسكرات "بوكو حرام" في أدغال غابات بوتشي ليحصلن على الجنة. وعدد غير قليل يُجبر على القيام بالعمليات الانتحارية.
ورصدت بعض التقارير آليات تجنيد الانتحاريات ووجدت أنَّ عدداً منهن أرامل مقاتلي "بوكو حرام" تم التأثير عليهن لينتقمن من قتلة أزواجهن. وهناك نساء يقمن بتجنيد الفتيات لمصلحة الجماعات الإرهابية. واختطفت الجماعة صغيرات يتيمات قتلت الجماعة آباءهن في هجماتها في شمال نيجيريا ولا عائل لهن. وأشارت بعض التقارير إلى أنَّ جماعة "بوكو حرام" حصلت على الانتحاريات عبر جماعاتٍ متورطةٍ في تجارة البشر.
أداة ناجعة
أوضحت دراسة صادرة عن "مركز محاربة الإرهاب في ويست بوينت" في الولايات المتحدة في 10 أغسطس (آب) 2017 ، أنَّ العمليات الانتحارية التي نفذتها جماعة "بوكو حرام" اعتمدت في غالبيتها على النساء أكثر من الرجال خلال السنوات الثلاث الماضية، أي منذ اختطاف تلميذات تشيبوك عام 2014. وبين أبريل (نيسان) 2011 ويونيو (حزيران) 2017، بلغ مجموع الانتحاريين الذين أرسلتهم الجماعة لإصابة 247 هدفاً مختلفاً، 434 شخصاً، منهم 244 انتحارية (56 في المئة من مجموع الانتحاريين). وتُعدُّ هذه أكبر مشاركة للنساء في تاريخ الجماعات الإرهابية في العالم.
وأشارت الدراسة إلى أنَّ الجماعة تعتمد على النساء بشكلٍ كبير لأنهنَّ غالباً ما يتمكنّ من الإفلات من القبضة الأمنية، أكثر من الرجال. ولا يسمح لرجل أمن أن يقوم بتفتيش امرأة في نيجيريا. ما يشير إلى وجود ثغرة أمنية في صفوف القوات الأمنية. وتُعدُّ الشابات في عمر المراهقة والنساء الحوامل الأكثر تمكناً من تنفيذ الهدف لأنهنَّ (اجتماعياً) الأبعد عن الشبهات. وتعتمد الجماعة على الانتحاريات أكثر من أقرانهن الرجال لأنهنَّ يد عاملة رخيصة ووسيلة يتم من خلالها الاحتفاظ بالرجال لإدارة المعارك. واستندت الدراسة إلى تقارير ذكرت أنَّ الجماعة تدفع للانتحارية مبلغاً زهيداً (حوالى 64 سنتاً أميركياً) لشراء وجبة غذاء قبل تنفيذ العملية. وهناك ميزة أخرى لتوظيف الانتحاريات، وفق الدراسة، وهي إمكانية إخفاء المواد المتفجرة تحت عباءة النساء. ويسهل إخفاء المتفجرات في حقائبهن أو عبر أطفالهن المحمولين على ظهورهن. وبالنظر إلى كل هذه النقاط التي تتمتع بها الانتحارية وتسهِّل مهمتها، يقوم رجال انتحاريون ضمن الجماعة بالتنكر أحياناً بهيئات نساء ليتمكنوا من الإفلات من نقاط التفتيش وملاحقة رجال الأمن.
عقدة "ليليث"
في مايو (أيار) 2017 تم تحرير بعض طالبات تشيبوك، اللواتي اختطفتهن جماعة "بوكو حرام" منذ عام 2014. ولكن تقارير إعلامية ذكرت أنَّ بعضاً منهن رفضن العودة إلى منازلهن ضمن دفعة من 82 طالبة محررة، وفضلن البقاء في غابات سامبيسا معقل الجماعة. ولهذه المسألة تحليلات عدة، هي أنَّ الجماعة وفرت لهن حياة رغد حتى تضمن استمراريتهن ويقمن بالعمليات، وجزءٌ منهن تزوجن من أعضاء الجماعة وأبدين سعادتهن بحياتهن الجديدة. وتمتعت بعضهن بالنفوذ والسيطرة التي وفرتها لهن "بوكو حرام" على فتيات أخريات أصبحن تحت إمرتهن ومسؤولات عنهن ورهن إشارتهن.
وأرجع البعض عدم ترحيب عدد من الفتيات بالعودة إلى ذويهن بإصابتهن بمتلازمة استوكهولم، أي أنَّهن أصبن بهذه الظاهرة النفسية التي جعلتهن يتعاطفن أو يتعاون مع أعدائهن أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، خصوصاً بإظهارهنَّ علامات الولاء. وأرجعها البعض إلى إصابتهن بعقدة ليليث التي ابتكرها المحلل النفساني النمساوي فريتز ويتلز عام 1932، حيث كانت وظيفة عقدة ليليث هي تحذير النساء اللواتي لا يتبعن قانون الرجال من أن يكون مصيرهنّ الهجر والعذاب إلى الأبد. ويسير "داعش" و"بوكو حرام" على نسق تمت معالجته على مدى عقود طويلة، في المجتمعات التي تتداخل فيها الصراعات مع التقاليد التي تكرِّس الواقع إلى مستوى خلق قوانين جديدة تسيِّر العنصر النسائي في هذه الجماعات
حرب الدولة
ووسط هذه الأجواء، لا تزال نيجيريا أكبر دولة في أفريقيا سكانياً (مجموع السكان 190 مليوناً) واقتصادياً تجتهد في مكافحة هذه الجماعات. وعندما فاز الرئيس النيجيري محمد بخاري بانتخابات الرئاسة وقبيل تنصيبه بأيام نُشر مقال له في "واشنطن بوست" بعنوان كيف نقضي على "بوكو حرام"، كما وعد في خطاب تنصيبه رئيساً للبلاد في 29 مايو 2015، بالعمل مباشرة على معالجة التحديات الكبيرة التي تواجه بلاده، خصوصاً تمرد حركة جماعة "بوكو حرام" والفساد.
بعد عامٍ واحد، أعلنت الحكومة النيجيرية تحقيق انتصاراتٍ على جماعة "بوكو حرام"، وظهر الرئيس بخاري معلناً أنَّه سحق إرهابيي "بوكو حرام" في معقلهم الأخير بغابة سامبيسا البالغة مساحتها 1300 كيلومتر مربع في ولاية بورنو شمال شرقي البلاد، بحملةٍ عسكرية استمرت لأشهر. وكان لهذا الإعلان أثره القوي في إخراج زعيم حركة "بوكو حرام" أبو بكر شيكاو من مخبئه وقام ببثِّ تسجيلٍ مصور باللغتين الهوسا والعربية ليدحض تصريحات الرئيس النيجيري محمد بخاري، نافياً إصابته في المعارك، ومتوعداً بأنَّه لن يتم كشف خططهم الاستراتيجية وتوعد بمواصلة القتال حتى فرض دولة إسلامية في شمال نيجيريا.
وعند فوزه بولاية رئاسية ثانية في فبراير (شباط) عام 2019، أكَّد الرئيس محمد بخاري أنَّ حكومته ستركز جهودها خلال السنوات الثلاث المقبلة على محاربة الفساد الذي يكلف الدولة مليارات الدولارات. وكذلك مواجهة انعدام الأمن، خصوصاً في ما يتعلق بالتهديد الذي تمثله جماعة "بوكو حرام" التي تنشط في المناطق الشمالية الشرقية لنيجيريا. ولا تزال الحرب بين السلطة في نيجيريا و"بوكو حرام" قائمة، وقودها ضحايا أبرياء وأدواتها النساء.