الدولة في التنظير العربي والإسلامي: التأصيل والتحديات
يتناول كتاب المسبار «الدولة في التنظير العربي والإسلامي: التأصيل والتحديات» سبتمبر ٢٠١٧، حضور الدولة في النقاشات الفقهية والأدب السلطاني والفلسفة، آخذاً بالاعتبار السياقات التاريخية المعاصرة، بدءاً بالخلاصات التي أرساها بعض أقطاب الإسلام السياسي (السني والشيعي) مروراً بالدولة في الفكر الليبرالي العربي، وصولاً إلى كتابات المؤرخ المغربي عبدالله العروي الذي يُعد من أبرز المنظرين لمفهوم الدولة في المجال العربي المعاصر.
التنظير للدولة بين الفقه والأدب السلطاني والفلسفة
عبدالجواد ياسين، قاضٍ ومفكر مصري، وباحث في مركز المسبار للدراسات والبحوث (دبي). يقول في دراسته: إن النظرية السياسية لم تنشأ ترجمةً لنص، بل كإفراز مباشر للواقع السياسي. فهي لم تقدم نفسها جملة واحدة قبل الزلزال السياسي المعروف بالفتنة الكبرى، بل كانت تسفر عن مفرداتها واحدة بعد الأخرى استجابة للتداعيات الناجمة عن هذا الزلزال، أي كرد فعل للتطور في شكل النظام السياسي وعلاقة الدولة بالمعارضة. ويضيف بأنه يمكن الحديث عن ثلاث دول متعاقبة بثلاثة أشكال للسلطة تحت مسمى الخلافة؛ الأولى: دولة الراشدين التي نتجت عن السقيفة، والثانية: هي الدولة الملكية التي انبثقت من الفتنة الكبرى، والثالثة: دولة التفويض السلطانية التي أنشأها البويهيون في القرن الرابع. ولكن التنظير لم يبدأ إلا بعد انتهاء الدولة الأولى، وأخذ يتشكل خلال الدولة الثانية، وانتهى عملياً قرب زوال الدولة الأخيرة. ويقصد بذلك أن تاريخ التنظير لم يتطابق مع تاريخ الدولة منذ البداية، وهو يستعيد أحياناً -كرد فعل لاستفزاز الواقع- حوادث الماضي للبناء عليها بأثر رجعي، وفي أحيان أخرى، يكرس المفاهيم الصادرة أيضاً عن اعتبارات الواقع ثم يصدرها إلى المستقبل بعد خدمتها إسنادياً (بالتنصيص غالباً) وإخراجها فقهياً، فعلى مدى حقبة التنظير المبكرة ظلت القنوات مفتوحة بين «الفقه» و«التحديث» و«المحازبة السياسية». جرى التفكير في الدولة طوال عصر التدوين الإسلامي على ثلاثة مستويات: الفقه (السياسة الشرعية) والأدب السلطاني (السياسة العملية) والفلسفة (السياسة المدنية). كان الفقه يعبر بأدواته الأصولية عن الرؤية المذهبية للكلام، وقدم تقنياً «نصياً» لواقعة التغلب كآلية لإسناد السلطة، فيما قام الأدب السلطاني بتكريسها والترويج لها بتقنيات ثقافية وتاريخية متنوعة. أما الكتابات الفلسفية المتأثرة بالفكر اليوناني، والتي تتقاطع مع (الكلام) منهجياً وموضوعياً، فلم تقدم اختراقاً حقيقياً للطرح (الأوتوقراطي) الذي قننه الفقه وكرسه الأدب السلطاني، على الرغم من بعض الإيحاءات النقدية التي كانت تصدر غالباً عن دوافع مذهبية وسياسية.
البيعة والدولة في الفقه: السياسة الشرعية
محمد الدوسري، كاتب وباحث سعودي، تناول في دراسته الدولة في الفقه والمقاصد الكلية العامة للشريعة الإسلامية، وتهدف إلى عرض ومناقشة المبادئ والأطر الفقهية الناظمة للسياسة الشرعية في الإسلام. ويستعرض البيعة في اللغة والشرع وشكلها وشروط كتابتها وأحكام البيعة والخلافة، ويبين الأسباب الموجبة لأخذ البيعة كما يراها الفقهاء، وكيف يعقد للإمام ومن يعقد له، وطرق انعقادها، ومن هم أهل الحل والعقد، وما هي شروط الإمامة، وواجبات الإمام وحقوقه.
ويختتم الدوسري دراسته بقوله بأن الفقهاء قرروا أن الدولة من خلال النصوص الشرعية والمبادئ التي نصت عليها النصوص ذات المرجعية لتأسيس العلاقات بين الحاكم والمحكوم؛ هي رباط ووثاق ديني تنظمه النصوص الشرعية من خلال مفاهيم البيعة والخلافة، ومن خلال الوقائع والأحداث التي قررها المشرع في وقت التشريع، لذا فإن الدولة لا تخرج عن هذه الحقيقة لدى الفقهاء الذين كتبوا في السياسة الشرعية والإمامة، وعليه فإن استنطاق الفقهاء عن حقيقة الدولة لا يتجاوز هذه القواعد، ومن حاد عنها يتوسع: فإما متعسف أو تنقصه الدربة والدراية لما قرره الفقهاء الذين تأسست المذاهب الفقهية من خلال تصوراتهم ورؤاهم.
ولاية الفقيه.. دولة النُّصوص المختلف عليها
رشيد الخيُّون، باحث في التراث والفلسفة الإسلاميين، يرى في دراسته أن الشكل الوحيد الذي نجح، بين أشكال الدَّولة، حسب الفقه الشيعي، تراه يتعرض لأزمة، مع أن تأصيله في التراث الشِّيعي لم يصل إلى حد الاتفاق عليه، فقد بقيت نظرية «الانتظار» التقليدية هي الأصل، مثلما تبقى فكرة عدم الثَّورة أو الخروج على الحاكم المتغلب راسخة في الفقه السُّني، وفي الحالتين يفسر الأمر بفشل للإسلام السياسي، في شكل الحاكمية الشِّيعية المنوطة بالولي الفقية، وشكل الحاكمية السُّنية المنوطة بتطبيق شرع الله ودستورها القرآن والسُّنَّة، حسب العنوان الواحد لكتابي الخميني والمودودي «الحكومة الإسلامية».
تطور فكرة الدولة في المجال الديني الشيعي
توفيق السيف، باحث سعودي في العلوم السياسية، يتناول في الدراسة تطور فهم المجتمع الديني الشيعي لفكرة الدولة والمجال العام، لا سيما في ربع القرن الأخير. شهدت هذه الفترة مراجعات عميقة لأبرز التعبيرات عن تلك الفكرة، أي نظرية «ولاية الفقيه». يعرض في البدء موجزاً لأبرز المنعطفات في فقه الشيعة السياسي، بغية إبراز بؤرة اهتمام المدرسة الفقهية، أي مصدر شرعية السلطة. فضلاً عن كشف محرك التحولات السابقة والحاضرة على حد سواء، أي اقتراب الفقهاء من السياسة. كما تعرض الدراسة بإيجاز لآراء عالِم الدين محمد مهدي شمس الدين (1936-2001)، الذي قدم رؤية أكثر تطوراً من «ولاية الفقيه» في نسختها المعيارية. الجزء الأخير من الدراسة مخصص لنقاش رؤية بديلة، تنطلق من مراجعة معمقة لا تقف عند مجادلة النظريات الفقهية، بل تذهب إلى مجادلة الأساس الفلسفي الذي قام عليه الفقه الإسلامي ككل. وهي تنفي قدسيته وثبات أحكامه. ومن هنا فإنها تقدم منظوراً جديداً لدور الدين في الحياة العامة وعلاقته بالدولة، يقترب كثيراً من المنظور الليبرالي، ويدعو دون مواربة إلى ديمقراطية تكفل مشاركة المسلمين، ليس فقط في صناعة السياسة، بل وأيضاً في إنتاج وصوغ الرؤية الدينية التي تناسب زمنهم. اختار الباحث كأنموذج، النظريات التي يطرحها المفكرون الإيرانيون الثلاثة: محمد مجتهد شبستري، مصطفى ملكيان، وعبدالكريم سروش. أما الإشكالية الأساسية في الدراسة فهي ليست «كيف ينظر الشيعة إلى الدولة؟»، بل: كيف يريدونها أن تكون؟ ويخلص الباحث إلى أن فهم الشيعة للسلطة بدأ محدوداً في نطاق الإمامة. ثم انفتح قليلاً وانتقل جانبه المدرسي إلى الحقل الفقهي، حيث تلعب إلزامات وحاجات الواقع دوراً في تشكيل رؤية الفقيه. في مرحلة تالية مال المجتمع الشيعي إلى توحيد قيادته وتكثيفها في حملة العلم الديني، فتبلور مفهوم نيابة الفقيه للإمام، ثم ولايته العامة. أتاح وصول الفقهاء إلى السلطة الفرصة لاختبار كفاءة التراث الفقهي في الحياة الواقعية. لكن العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية، كشف عن غربة الفقه عن عصره. نتيجة لذلك، تبلور داخل المجتمع الديني تيار يدعو صراحة إلى طيّ صفحة الفقه والكلام القديم، وبناء منظومة فكر ديني جديدة كلياً، تتضمن -بين أمور أخرى- تصوراً مختلفاً عن الدولة العادلة ومعنى الدين ودوره في الحياة العامة. وقد أوضحت الدراسة أن الاتجاه العام لهذه الدعوات يميل بقوة إلى المنهج الليبرالي في الفلسفة والسياسة، وهو يطرح دون مواربة، الديمقراطية الليبرالية كنظام سياسي أمثل للمجتمع المسلم في هذا العصر.
الأمة والدولة في الفكر العربي المعاصر
عبدالله السيد ولد أباه، أستاذ الفلسفة والدراسات بجامعة نواكشوط الموريتانية، استعرض المحاولات الفكرية الأكثر رصانة وعمقاً في تناول مسألة «الدولة- الأمة»، من خلال تقديم وتقويم سبعة من أبرز المفكرين العرب هم: عبدالله العروي، وهشام جعيط، ومحمد عابد الجابري، وبرهان غليون، ومحمد جابر الأنصاري، وعلي أومليل، ووجيه كوثراني. ويشير إلى أن ما يجمع هذه الأسماء السبعة هو الانخراط المزدوج في العمل الفكري والسياسي، وتبني المنظور النقدي للفكر السياسي العربي في تلويناته الأيديولوجية المختلفة. ويبين أن هذه المقاربات المذكورة في تناولها لإشكالية الأمة والدولة في السياق العربي الحديث، وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع ثلاث ثنائيات بارزة هيمنت على الخطاب الأيديولوجي العربي: ثنائية الدولة القُطرية والدولة القومية، ثنائية الدولة التحديثية والدولة التقليدية، وثنائية الدولة التسلطية والدولة المدنية. ويخلص الباحث في الوقوف عند هذه الثنائيات الثلاث التي شغلت سبعة من أهم المفكرين العرب في مقاربتهم لموضوع الدولة والأمة، إلى أن الإشكال الرئيس الذي شغل الباحثين العرب في الاجتماع السياسي العربي المعاصر، هو علاقة الدولة الوطنية الحديثة ببناها المجتمعية العميقة في مستواها المحلي الضيق (مشكل التنوع القبلي والطائفي والديني والإثني) ومستواها القومي الأشمل (الأمة بمفهومها الثقافي والديني). ويضيف الباحث أن الوجوه الفكرية المذكورة انطلقت من أن المشكل السياسي الجوهري في نظام الاجتماع السياسي العربي ليس هو موضوع الشرعية بمنظوره القانوني الدستوري الضيق، بل شرعية التكون والتشكل التي يطرحها التمايز بين الدولة القائمة، التي أصبحت حقيقة تاريخية وإن كانت لا تزال هشة البناء السياسي والاجتماعي، والدولة المنشودة (الدولة القومية أو دولة الأمة) التي وإن كانت أفقاً مثالياً أقرب للطوباوية، إلا أنها هي المحرك الأيديولوجي والرمزي لموضوع الشرعية السياسية، بما فيها شرعية الدولة الوطنية ذاتها.
فتنة الخلافة:
ويقول يوسف الديني، الكاتب وباحث سعودي، يقول في دراسته: إذا كان الإسلام المبكر قد شهد فتنة عظيمة وسمت حينها بـ«فتنة خلق القرآن» بين المعتزلة وخصومهم من أهل الحديث والحنابلة؛ فإن المحنة الأولى في التاريخ الإسلامي المعاصر ولدت مع فتنة كتاب «الإسلام وأصول الحكم» (1925) للشيخ الأزهري علي عبدالرازق، الذي ألقى حجراً صلداً حرك به مياهاً كانت قارّة في مسألة بالغة الحساسية منذ الإسلام الأول، وهي مسألة «الحكم» و«الخلافة» أو بلغة معاصرة: «جدلية العلاقة بين الديني والسياسي». والحال، إن رسالة علي عبدالرازق لم تكتب في شكل كتاب علمي مكتمل المعالم والشروط، أو حتى بحث أكاديمي، بل كانت أقرب إلى البيان الذي نعى الخلافة ومهد لظهور الدولة القطرية الحديثة بعد سقوط الخلافة، ومعرفة طبيعة المؤلف تساعد في طريقة تلقيه وفهمه، بحيث لا يحاكم إلى المعايير العلمية كما فعل مناوئوه، بل يجب أن تناقش الفكرة الأساسية والجوهرية للكتاب وهي أن «الخلافة الدينية» ليست منصباً في الإسلام، بل فترة التباس سرعان ما تلاشت بعد وفاة النبي حيث تم فكّ الارتباط بين الديني والسياسي. ويرى الباحث أن علي عبدالرازق كان العاصفة التي ثارت في العالم الإسلامي ضد الدولة الدينية التي يراها محدثة في التاريخ وكارثة في الواقع المعاصر؛ واليوم تطور الإسلاميون إما عن إيمان بالمصلحة الشرعية أو قناعة باستحالة عودة الخلافة والدولة الدينية، فلجؤوا إلى المشاركة السياسية عبر صناديق الاقتراع، محاولين تأصيل ذلك بنصوص شرعية وتأويلات جديدة.
الإسلاميون: الدولة ونظريات الحكم
عبدالغني عماد، أستاذ جامعي وباحث أكاديمي لبناني متخصص في الحركات الإسلامية، يرى أن وطأة إلغاء نظام «الخلافة» العثمانية كانت شديدة على الوعي الإسلامي، إذ للمرة الأولى يواجه فيها عالمه بلا خلافة أو أي أنموذج لحكم سياسي إسلامي. لذلك كان طبيعياً أن يقوم سجال حاد حول سبل إعادة إحياء «حكم الإسلام» في نظام سياسي. تبلورت على تخوم ذلك الصراع ثلاث جبهات: الأولى تمثلت بالاتجاه الفقهي الذي أصر على الدعوة إلى أنموذج «الخلافة» التاريخي. الثاني تمثل بالاتجاه العلماني الذي لم يكن يرى من حاجة إلى تدخل الدين ونصوصه ورجاله في المسألة السياسية، استناداً إلى نماذج الحكم العلمانية الأوروبية الحديثة. الثالث تمثل بالاتجاه التوفيقي الذي سعى للجمع بين فضائل «الخلافة» وفوائد النظم الليبرالية الحديثة. يخلص الباحث في دراسته إلى إنه يمكن للمتابع والدارس اليوم، أن يجد في صفوف الإسلاميين من يذهب إلى تبني منهج التجديد والإصلاح ناهلاً من تراث الإصلاحيين الأوائل، كما يجد بينهم السلفيين الجهاديين. وبالتالي ليس في وسعنا أن نغامر ونستنتج أنموذجاً واضحاً ومحدداً للدولة الإسلامية قد تبلور بصيغة ما، فثمة أكثر من صيغة معاصرة اليوم للمشروع الإسلامي في علاقته بالدولة، فالنسخة السلفية الجهادية تقطع مع مفهوم الدولة بصيغته المعاصرة وتضع أولوية «الجهاد» على رأس مهامها لإقامة «حكم الله». أما الصيغة الإيرانية لمشروع الدولة الإسلامية فتقطع مع «الأمة» وولايتها لتؤسس نظرتها للدولة على منظومة «ولاية الفقيه العامة» التي تقيم سلطة دينية تتمتع بالهيمنة الكاملة وصلاحية «التكليف الشرعي» الذي يمتد إلى خارج حدود الدولة حيثما وُجِد الشيعة المتصلون وجوباً بالمرشد «الولي الفقيه». الصيغة التركية أكثر براغماتية في مقاربتها لمسألة الدولة والمواطنة والحريات والعلاقات الدولية، وهي تقدم تجربتها على خلفية إنجازات تنموية ونجاحات اقتصادية وحداثية مبهرة. لكنها تبقى متصلة بالمصالح القومية التركية بالدرجة الأولى. في الواقع أسقط النص الحركي الإسلامي العربي ولفترة طويلة الماهية السياسية للدولة، وألبسها ماهية عقدية، وحولها إلى مجرد أداة قابلة للتملك والاستعمال في مشروع سياسي أيديولوجي مسيّس. وهكذا لم تعد الدولة في هذا الخطاب كياناً يمثل الاجتماع الوطني السياسي والمدني في المقام الأول، ويعبر عن مصالحه ويرعاها، ولعل أبرز ما تضمنته الشريعة الإسلامية أنها قامت على أسس موضوعية للدفاع عن المصالح العامة، التي أطلق عليها الفقهاء قديماً الكليات الخمس: الدين، والحياة، والعرض، والعقل، والمال، وكل اجتهاداتهم قامت أساساً على جلب المنفعة ودفع المضرة، وهي المجالات العملية للدولة والتي تتعلق بالمصالح العمومية والتي كان نتاج النص الحركي فيها فقيراً، محوّلاً طاقته نحو الدولة في حدود إشكالية علاقتها بالدين. وقد أدى ذلك عموماً إلى بناء مقاربة للدولة تقوم على «مرجعية آحادية»، نصيّة وفقهية، على الرغم من أنه في بعض تجلياته وخصوصاً التأسيسية على يد حسن البنا وبعض مريديه وتلاميذه، اتخذ منحى «توليفياً» مستفيداً من مرجعيات فكرية أخرى، فحاول التوفيق بين منتجات الفكر السياسي الإنساني الحديث والمرجعية الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى توليد «تيار الوسطية» التوفيقي، وإعادة شحن تراث الإصلاحية الإسلامية التي انطلقت مع الطهطاوي والأفغاني وعبده بمفاهيم جديدة تحاول أن تلائم العصر ومحدثاته، وقد نجح هذا التيار في توسيع «منطقة الفراغ التشريعي» أو «الاجتهاد في ما لا نص فيه» على ضوء روح المقاصد الكلية للشريعة وإيجاد نوع من المصالحة والتوليف مع مفاهيم مختلفة مأخوذة من التجربة الغربية، فنوقشت مسائل الحريات، والردة، والتعددية السياسية، وحقوق المرأة، والانتخابات، وتداول السلطة، وجرى الاقتراب من هذه المفاهيم في رحلة مصالحة مع النموذج السائد والمعاصر من جهة، والمعيش والأكثر قابلية للتسييل وسط الجماهير من جهة أخرى. إلا أن هذا النص «التوليفي» أو «التوفيقي» الجديد الذي يعتمد على «مرجعية تركيبية» كان يفتقر إلى محركات ناظمة وعملانية تجعله فاعلاً ومؤثراً من جهة، كما أنه بقي متردداً أمام مسائل جديدة لا تنفك تطرح نفسها بقوة في حياتنا المعاصرة من جهة ثانية.