الشرطة الدينية والوصاية على المرأة في إيران
الأربعاء 17/يونيو/2020 - 12:56 ص
طباعة
حسام الحداد
يتناول كتاب "الشرطة الدينية" الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث مجموعة من الدراسات المهمة حول الموضوع ولباحثين متميزين في مادتهم العلمية ومناهج البحث ومن بين الدراسات التي يتناولها الكتاب سوف نركز على دراستين مهمتين حول إيران الأولى " الشرطة الدينية في إيران بين المحافظين والإصلاحيين" للباحث اللبناني هيثم مزاحم، أما الدراسة الثانية "النساء في إيران ونظام الوصاية" للباحثة اللبنانية ريتا فرج
الشرطة الدينية في إيران
يشرح الباحث اللبناني هيثم مزاحم كيف -وبعد الثورة الإيرانية الإسلامية- نشأت أكثر من هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبرزها هيئة الأمر بالمعروف وعناصر شرطة يعرفون باسم “گشت ارشاد” أو “دوريات التوجيه أو الإرشاد” مهمتهم التذکير اللساني للنساء اللواتي يبالغن في السفور، أو الرجال والشباب الذين يبالغون في المظهر المخل بالآداب. ويناقش الباحث المنطلقات الفقهية لهذه الهيئات، وكيف أنها تؤكد مدى أهمية فريضة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لدى جميع المذاهب الإسلامية، وبينها المذهب الشيعي الاثنا عشري. ثم يشرح طريقة عمل الأذرع الثلاث الكبرى للاحتساب في إيران: قوات الباسيج (التعبئة الشعبية)، و”گشت ارشاد” (دوريات الإرشاد أو التوجيه)، وهيئة إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يشير الباحث إلى أنه وبعد تعرّض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للاعتداءات الواسعة من قبل بعض مرتكبي المخالفات الأخلاقية أو معارضي هذه الفريضة، صادق مجلس الشورى الإيراني علی مشروع قانون “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعم الآمرين والناهين” في 2015. لكن “مجلس صيانة الدستور”، الذي يدقق في مطابقة مشاريع القوانين مع دستور البلاد والشريعة الإسلامية، رفض الموافقة على مشروع القانون الذي يسمى “الوقوف إلى جانب الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” والذي يعزز صلاحيات الهيئة في فرض ارتداء “الزي الإسلامي” على النساء، قائلا إن مشروع القانون يتضمن (24) مادة بينها (14) “تتعارض مع الدستور ولم تتم الموافقة عليها”. وقد أعاد المجلس المشروع إلى “مجلس الشورى” لدراسته وإدخال تعديلات عليه. وكان علی الرئيس الإيراني إصدار هذا القانون کمرسوم رئاسي إلی الوزارات وجميع المؤسسات، لكن الرئيس روحاني عارض إصدار هذا القانون واعتبر أن فيه أخطاء، وقام بتوجيه کتاب إلی مرشد الثورة: آية الله خامنئي، قدم فيه وجهة نظره لمخالفته الموضوع. وقرر خامنئي إحالة الموضوع على هيئة حل الخلافات بين المجالس. ويفصل الباحث فيما بعد في الحديث عن نص القانون وما يترتب عليه من صلاحيات وتوسع في الموازنات المالية والامتيازات.
لاحقاً يطرح الكاتب السؤال: هل سيختفي الحجاب في إيران؟ مشيرا إلى أن هناك تراجعاً واضحاً للتديّن في الجمهورية الإسلامية في إيران بعد قيام النظام الإسلامي، ويستنتج في خاتمته أن عملية فرض الحجاب على النساء تأتي بنتائج عكسية. وقد أظهرت ظاهرة نشر بعض الإيرانيات صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي من دون حجاب ومن دون الزي الإسلامي، وبينهن ممثلة إيرانية شهيرة، ضيق هؤلاء النسوة من قانون فرض الحجاب ورغبتهن في تحديه. وإذ يتفهم الباحث خلفيات أي نظام إسلامي يتبنى تطبيق الشريعة، ودوافعه للحفاظ على فريضة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لمنع الانفلات الديني والأخلاقي، فإنه يخشى من أن يؤدي التشدد في تطبيقها إلى نفور الناس من الدين، مؤكدا أن الحكومة الإيرانية برئاسة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني وفريقه، تعتمد سياسة غض النظر عن عدم التزام الناس بالدين، وخصوصاً داخل المنازل والمكاتب والأماكن الخاصة المغلقة، والاكتفاء بالحفاظ على صورة البلاد الإسلامية في حدها الأدنى من قبيل الحجاب والمظاهر الأخرى، وأن النظام الإسلامي تراجع في إيران عن تطبيق الحدود إلى مستوياتها الدنيا، بحيث يقتصر تنفيذها على الجرائم الكبرى، كالاتجار بالمخدرات وتهريبها، وجرائم القتل والاغتصاب وقطع الطرق.
النساء في إيران ونظام الوصاية
ترى الباحثة اللبنانية ريتا فرج أن حضور النساء داخل الفضاءات العامة في إيران يتسم بمحددات دينية واجتماعية متفاوتة بين المدن الكبرى والأرياف. وتتأرجح الحالة الإيرانية بين الانفتاح والانكماش وفقاً للمعطى السياسي، فلا يمكن الحديث عن نظام فصل تمييزي حاد، على الرغم مما يفعله “مقاولو الأخلاق” -كما يجترح عالِم الاجتماع الأميركي هوارد بيكر (Howard Becker) (1928) من ملاحقة الإيرانيات ومراقبتهن وحتى سجنهن، ومعاقبة النساء الناشطات المناهضات للخطاب الديني الرسمي.
تعرض الباحثة للرقابة الدينية على النساء في الأنموذج، ففي إيران “الأخوات” هن المنوطات بالاحتساب لا “المطاوعة” الذكور. وتسرد من خلال الدراسة نشأة حركة “أخوات الباسيج” تاريخياً ثم تطور دورها وصلاحياتها القانونية. لا تكتفي “أخوات الباسيج” بمراقبة ومعاقبة النساء غير الملتزمات بالزي الإسلامي الذي فرضته الثورة، والذي بدأ يتخذ أنماطاً عدة من أشكال التمرد النسائي على سياسات التمييز الديني والاجتماعي، وفي الغالب تتعرض التظاهرات السلمية النسائية المطالبة بالإصلاحات إلى قمع ممنهج على أيدي الشرطة وميليشيا الباسيج. ثم تضيف دور المقاومة النسائية لهذه السلطة، حيث شكل موضوع الحجاب واختراق عديد من النساء “للزي الشرعي” الحدث الأبرز، حيث بدأت دوريات الشرطة بتنفيذ ما سُمي بـ(حملة التصدي للحجاب السيئ)، وأثارت هذه الخطة جدلاً واسعاً وانقساماً في الرأي بين مؤيدٍ ومعارض.
تعبّر النسوة في إيران عن رفضهن لشروط الزي الإسلامي من خلال صور مختلفة، وهناك ميل للتمرد على الحجاب كليا؛ لأن العواقب القانونية لعدم الالتزام به لا تتجاوز الإنذار واستدعاء ولي الأمر.