أبو محمد الجولاني.. أمير "جبهة النصرة"
الخميس 02/يوليو/2020 - 01:21 م
طباعة
حسام الحداد
يعد "أبو محمد الجولاني" زعيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام "جبهة النصرة" ومن بعدها "تحرير الشام" من أكثر الشخصيات الجهادية في سوريا التي يكتنفها الغموض في العديد من تفاصيل حياته، وقد زادت أهميته عقب إعلانه عدم الالتزام ببيعة أبو بكر البغدادي زعيم "داعش " وبعدها تم إدراجه من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بأنه "إرهابي عالمي" يوم 16 مايو 2013م ليصبح على رأس قائمة أخطر عشرة إرهابيين في العالم.
نشأته وحياته
الجولاني الذي أستطاع أن يحجز مساحة واسعة في المشهد السوري، ويمتد نفوذه من دير الزور إلى حلب ومن ريف اللاذقية إلى حمص وحماه وإدلب، بعد تبنّيه مئات الهجمات والعمليات الانتحارية في مختلف المحافظات السورية، والتي جعلته يحمل أسما حركيا هو "الفاتح"، هناك روايتان حول اسمه ونشأته:
الأولى وهي الأقرب إلى الصحة: هو أن اسمه أحمد حسين علي الشرع، ويعود أصله إلى منطقة الجولان، التي نشأ بها ثم انتقل إلى العاصمة السورية دمشق ودرس بها لمدة سنة واحدة في كلية الإعلام، كان خلالها لا يسافر من دمشق إلى حلب لحضور خطب الجمعة التي كان يلقيها محمود قول آغاسي (أبو القعقاع) في "جامع العلاء بن الحضرمي" بالصاخور، وحين تعرض العراق للغزو الأمريكي في مارس 2003، نادي آغاسي بضرورة مقاومة هذا الغزو فكان الجولاني ضمن أوائل الملبين لهذا النداء ليتوجّه بعدها إلى العراق ليلتحق بصفوف "دولة العراق الإسلامية".
الثانية: أن "اسمه أسامة العبسي الواحدي، وولد في عام 1981 في بلدة الشحيل التابعة لمدينة دير الزور وسط عائلة أصلها من محافظة إدلب، وانتقلت إلى دير الزور، ثم التحق بكلية الطب في جامعة دمشق؛ حيث درس الطب البشري سنتين، قبل أن يغادر إلى العراق بعد الغزو الأمريكي".
وعلى الرغم من اختلاف الروايتين إلا أن الجامع المشترك بينهما أنه انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق وفي التنظيم عرف "أبومصعب الزرقاوي"، وكان من المقربين له، وبعد أن قُتل الزرقاوي في هجمة جوية أمريكية عام 2006، غادر الجولاني العراق، وبقي لمدة قصيرة في لبنان؛ حيث عرض هناك دعمًا لوجستيًّا للمجموعة المقاتلة "جند الشام"، والتي اتّخذت أيديولوجيّة القاعدة.. عاد إلى العراق من أجل الاستمرار في القتال، ولكنه اعتُقل من قبل الجيش الأمريكي وسُجن في معسكر بوكا الأمريكي على الحدود الجنوبية للعراق مع الكويت وبعد إطلاق سراحه من سجن بوكا عام 2008 اتصل بزعيم داعش في العراق أبي بكر البغدادي. ولدى عودته إلى النشاط العسكري تم تعيينه رئيسًا لجناح العمليات لدى القاعدة في محافظة الموصل، ومع وصول "أبو بكر البغدادي" لقيادة التنظيم أرسله إلى سوريا لتأسيس التنظيم بها عقب اندلاع الثورة السورية في 2011م، وفيها أسس "جبهة النصرة" في يناير 2012، في بيان قال فيه: "تعالت أصوات النداء لأهل الجهاد، فما كان منا إلا أن نلبي النداء ونعود إلى أهلنا وأرضنا من الشهور الأولى لاندلاع الثورة".
وعلى الرغم أن البيان لم يتضمن تبعية الجبهة لتنظيم القاعدة، وتزامن مع إعلان إنشاء الجبهة افتتاح مقارّ عديدة في مختلف المحافظات لتقديم خدمات صحية واجتماعية، أبرزها «مستشفى الأطفال» في مدينة حلب، الذي رُفعت عليه لافتة كتب عليها «جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد"، ثم بدأ توافد الجهاديين من العراق، وأفغانستان، واليمن، والسعودية، بكثافة إلى سوريا لمؤازرة «النصرة» المكوّنة أساساً من السوريين فقط، وكان السائد حينها أن «المجاهدين من غير السوريين جاءوا للمؤازرة الجهادية في القتال فقط، ولا علاقة لهم بإدارة أمور الجبهة»، ولم تتم أي إشارة علنية على تبعية الجبهة لـ«القاعدة».
وفي 8 أبريل عام 2013، ومع إعلان «أبو بكر البغدادي» حل الجبهة، ودمجها في تنظيم واحد مع «دولة العراق الإسلامية» أطلق عليه اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وما يعرف اختصاراً بـ«داعش»، بدأ الصراع بين الجولاني وبين البغدادي لرفض الأول إعلان الاندماج، فرد أبو محمد ببيان بايعت فيه الجبهة أيمن الظواهري وتنظيم «القاعدة»، ليبدأ بعدها الخلاف بين التنظيمين وعلى الرغم من هذا الصراع المحتدم بين التنظيمين عبر مجموعة من الرسائل الصوتية المتبادلة منذ إعلان البغدادي للاندماج ورفض الجولاني له، واستطاعت "جبهة النصرة" السيطرة على مناطق واسعة في جنوب سوريا وقاتلت بضراوة في محيط دمشق وشمال البلاد، بقوة تقدر بستة آلاف إلى سبعة آلاف مقاتل.
أبو محمد الجولاني ظل طوال الوقت حريصًا على عدم الكشف عن هويته حيث ذكرت مجلة التايم في إحدى تقاريرها أنه في إحدى الاجتماعات التي ضمت الجماعات المسلحة البارزة وحضره قادة كتائب أحرار الشام ولواء صقور الشام ولواء الإسلام وغيرها من الكتائب, أن أبا محمد الجولاني جلس متلثمًا رافضًا الكشف عن هويته وجرى تقديمه إلى الحضور بمعرفة أمراء الجبهة في حلب وإدلب، والجبهة عموما مصبوغة بهذا النوع من التكتم والسرية وترفض التصوير والتصريح لأحد إلا بإذن مسبق من الأمير، كما ترفض بتاتًا الإدلاء بأي معلومة تخص أسماء القيادات أو أعداد المقاتلين أو مصادر التمويل.
حرب العراق
انتقلَ الجولاني إلى العراق لمحاربة القوات الأمريكية بعد الغزو عام 2003؛ وسُرعان ما ارتقى في صفوف تنظيمِ القاعدة في العراق حيثُ أصبح مقربًا من زعيم التنظيم آنذاك أبو مصعب الزرقاوي. بعد مقتل هذا الأخير في غارة جوية أمريكية في عام 2006؛ غادرَ الجولاني العراق وظل لفترة قصيرة في لبنان حيث قدم الدعم اللوجستي لجماعة جند الشام المُسلّحة. عادَ إلى العراق لمواصلة القتال لكنه اعتُقل هذه المرّة من قبل الجيش الأمريكي واحتُجز في معسكر بوكا الذي كان سجنًا لعشرات الآلاف من «المتشددين المشتبه بهم». في تلكَ الفترة؛ درَّس الجولاني اللغة العربية الفصحى للسجناء الآخرين فزادت شعبيّته.
بعد إطلاق سراحه من سجنِ بوكا في عام 2008؛ استأنفَ الجولاني عمله العسكري حيثُ عملَ هذه المرة إلى جانب أبو بكر البغدادي رئيس دولة العراق الإسلامية آنذاك. برزَ بشكلٍ سريع في المعارك فعُيّنَ رئيسًا لعمليات دولة العراق الإسلامية في محافظة نينوى.
الثورة السورية
بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2011؛ لعب الجولاني دورًا مهمًا في التخطيطِ لتأسيسِ فرعٍ لدولة العراق الإسلامية في سوريا حيثُ أشرفَ على تشكيلِ ما عُرف باسمِ جبهة النصرة. كانت هذه المجموعة بمثابة الفرع السوري لدولة العراق الإسلاميّة بقيادة أبو بكر البغدادي الذي سهّل على الجولاني مأموريّته بعدما مدّهُ بالمُقاتِلين والأسلحة والمال بمساعدةٍ منَ المخابرات الباكستانية.
تختلفُ المصادر في الجولاني وما إذا كان هو صاحبُ فكرة تشكيل جبهة النصرة أم أن قائدًا آخر في دولة العراق الإسلامية هو من فعل؛ لكنّ الشيء الأكيد أنّ الجولاني قد عُيّنَ أميرًا للنصرة وذلك في يناير 2012. في نفس الفترة؛ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن جبهة النصرة هي «منظمة إرهابية» مشيرةً إلى أنها كانت مجرد اسم مستعار جديد لتنظيم القاعدة في العراق (المعروف أيضًا باسم دولة العراق الإسلامية). تحت قيادة الجولاني؛ تطوّرت النصرة شيئًا فشيئًا لتُصبح واحدة من أقوى «الجماعات الجهاديّة» في سوريا.
صعود داعش
اكتسبَ الجولاني مكانة بارزة في أبريل 2013 عندما رفض محاولة البغدادي تصفية جبهة النصرة كمجموعة فرعية وإدماجها مباشرة في دولة العراق الإسلامية لتشكيلِ ما عُرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). هذه الخطوة كانت ستضعُ كل القادة والقرارات تحتَ سيطرة أبو بكر البغدادي ونفس الأمر بالنسبة للأراضي وما إلى ذلك. ومن أجل تجنب فقدان الحكم الذاتي والهوية الفردية لجبهة النصرة؛ تعهّدَ الجولاني بالولاء لزعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي أيّد طلب الجولاني بالحفاظِ على جماعته ككيانٍ مستقل. على الرغم من ذلك فإن النصرة كانت قد أقسمت بالفعل على الولاء لتنظيم القاعدة عبر دولة العراق الإسلامية لكنها بعد هذه الخطوة تجاوزت الأخيرة وأصبحت تابعةً للأولى مباشرة. هذا التغيير في سلسلة الولاء جعل النصرة فرع القاعدة الرسميّ في سوريا. على الرغم من تقديمهِ يمين الولاء لأيمن الظواهري؛ إلا أن أبو بكر البغدادي رفض هذا القرار وأعلنَ أن مضيّهِ في توحيد المنظمتين تحتَ مظلّة واحدة مما تسبّبَ في اندلاع اشتباكات بين جبهة النصرة وداعش للسيطرة على الأراضي السورية.
لقد احتكّت النصرة بفصائل أخرى من المعارضة السورية حيثُ هاجمتهم أحيانًا واستولت على أراضيهم في أحيان أخرى كما دخلت الجبهة في بعضِ المعارك ضدّ الجيش السوري الحر؛ وعلى الرغمِ من ذلك فهي تعملُ إلى جانبِ فصائله أحيانًا في بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة خاصة أن معظم مقاتليها من السوريين الذين حاربَ الكثير منهم القوات الأمريكية في العراق. على النقيض من ذلك؛ هناك تنظيم داعش الغير مقبول في سوريا والذي يتألّف إلى حد كبير من مقاتلين أجانب. تعرّض هذا التنظيم – بغض النظر عن تصنيفهِ كمنظمة إرهابيّة عالمية – لانتقادات عدّة في الداخل السوري بسبب وحشيته ومحاولته فرض نسخة صارمة من الشريعة الإسلامية في المناطق الخاضعة لسيطرته.
عودة النصرة
في أواخر مايو 2015؛ وأثناء الحرب الأهلية السورية أجرى الصحفيّ أحمد منصور مقابلة مع الجولاني بُثت على قناة الجزيرة حيث أُخفي وجهه. في تلك المقابلة؛ وصفَ الجولاني جنيف للسلام بأنه مهزلة وادعى أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة المدعوم من الغرب لا يمثل الشعب السوري وليس له وجود بريّ في سوريا. ذكر الجولاني أيضًا أن النصرة ليس لديها خطط لمهاجمة أهداف غربية؛ وأن أولويتها تُركّز على محاربة النظام السوري وحزب الله بالإضافةِ إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لقد قالَ الجولاني حينها: «جبهة النصرة ليس لديها أي خطط أو توجيهات لاستهداف الغرب. تلقينا أوامر واضحة من أيمن الظواهري بعدم استخدام سوريا كمنصة انطلاق لمهاجمة الولايات المتحدة أو أوروبا من أجل عدم تخريب المهمة الحقيقية ضد النظام. ربما تفعل القاعدة ذلك ولكن ليس هنا في سوريا ... تُقاتلنا قوات الأسد من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، وداعش على جبهة ثالثة. الأمر كله يتعلق بمصالحهم المشتركة!»
عندما سُئل عن خطط النصرة لسوريا ما بعد الحرب؛ صرّح الجولاني أنه بعد انتهاء الحرب سيتم التشاور مع جميع الفصائل في البلاد وذلك قبل أن يُفكر أيّ شخص في «إقامة دولة إسلامية» في إشارةٍ للبغدادي كما ذكر أن النصرة لن تستهدفَ الأقليّة العلوية في البلاد على الرغم من دعمها لنظام الأسد؛ واسترسل: «حربنا ليست مسألة انتقام ضد العلويين على الرغم من حقيقة أنهم في الإسلام يُعتَبرون زنادقة.»
بحلول أكتوبر 2015؛ دعا الجولاني إلى شنّ هجمات عشوائية على القرى العلوية في سوريا حيثُ قال: «لا يوجد خيارٌ سوى تصعيد المعركة واستهداف البلدات والقرى العلوية في اللاذقية» كما دعا إلى شنّ هجمات ضدّ الروس بسبب دعمهم للنظام السوري. أعلنَ الجولاني في 28 يوليو 2016 في رسالة مسجلة أن جبهة النصرة ستُصبح من الآن فصاعدًا تحتَ الاسم الجديد جبهة فتح الشام، كما أكّد على أن مجموعتهُ ليس لها أي انتماء لأي جهة خارجية. تصريحهُ هذا قُرأ وفُسّر من بعض المحلّلين على أنه إعلانُ انفصال عن القاعدة إلا أن المجموعة لم يتم ذكرها على وجه التحديد كما لم يتخلَّ الجولاني عن يمين ولائه لأيمن الظواهري.