الإسلام في أوروبا: إشكاليات الاندماج وتحديات الإرهاب (1)
الأحد 05/يوليو/2020 - 02:24 ص
طباعة
حسام الحداد
حول الإشكاليات المتباينة التي ينتجها الإسلام السياسي والإسلاموفوبيا تدور محاور كتاب مركز المسبار " الإسلام في أوروبا: إشكاليات الاندماج وتحديات الإرهاب"، خصوصا أنه جاء بعد حدثين إرهابيين شكلا صدمة للرأي العام العالمي: الأول: الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها باريس (2015)، والثاني: هجمات بروكسل (2016) عاصمة الاتحاد الأوروبي، وما نتج عنهما من سقوط عدد لا يستهان به من الضحايا.
ويرى الأكاديمي التونسي محمد الحدّاد في دراسته " أوروبا ومسلموها: قضية أمنية أم مراجعة لقواعد التأسيس؟" أنّ التطوّر الذي شهده البناء الأوروبي في المستوى الاقتصادي لم يتواز مع التطوّر في المستوى الأمني؛ إذ كان الأوّل أكثر سرعة ووضوحاً فيما خضع الثاني إلى الثقل البيروقراطي، وحرص كل بلد على السيطرة بنفسه على شأنه الأمني. طرحت أوروبا قضية الأمن الموحّد من جانبين أساسيين: الهجرة غير الشرعية والجرائم الكبرى، ولم تتفطّن إلاّ أخيراً إلى قضايا أخرى لا تقلّ أهمية، مثل انتشار المخدّرات الخفيفة، وانتشار التنظيمات الدينية المتطرفة التي لا يمكن معالجتها بالآليات والطرق نفسها التي تعالج بها الجرائم العادية. كما لم تطرح أوروبا بجدية قضية الحضور الإسلامي وما يتطلبه من إيجاد مساجد ومدارس دينية للمسلمين ومراقبة تجارة الحلال، فأسهم غياب الرؤية الواضحة في توفير الأرضية الخصبة لتلك التنظيمات، كي تفرض سيطرتها على جزء مهم من هذا المجال.
تزامن ذلك مع تراجع قدرة ما تدعى ببلدان المنشأ في الاضطلاع بأدوارهم السابقة في تأطير المهاجرين، ومع ذلك فإن مبدأ المساواة المعمول به داخل الفضاء الأوروبي لا يسمح بتخصيص أفراد مجموعة معينة بإجراءات خاصة لا بالسلب ولا بالإيجاب. ومن الأمثلة التي عرضها الباحث:
دور العبادة: كيف يمكن توفير دور عبادة للأعداد المتزايدة من المسلمين بفعل الهجرة ثم الاستقرار والاندماج؟ وكيف سيموّل إنشاء المساجد التي تعتبر حقّا لا جدال فيه للمسلمين بمقتضى المبدأ الأوروبي الحديث للحرية الدينية؟
التعليم الديني: إنّ المسلمين في أوروبا لهم أصول مختلفة ومرجعيات مختلفة، لذلك يعجزون في عديد من الأحيان عن تقديم مضمون تعليمي موحّد بينهم، فلا يستفيدون من الفرص التي تمنحها بعض الدول، مثل ألمانيا وإيطاليا، لإدماج التعليم الديني الخاص ضمن البرامج التعليمية الحكومية.
الجمعيات الدينية: يمكن لجمعيات أن تنشط عشرات السنين في التهيئة للعنف والقتل بكل حرية وفي العلن، ودون أن تخشى أية محاسبة من أي طرف وهي تحشد العقول والأتباع دون رادع.
يناقش بعدها الحداد القوانين والمعاهدات التي أثرت في وجود التحديات الأمنية المتعلقة بالمهاجرين وانتمائهم الديني. ويخلص إلى أن النظام الأمني الأوروبي ليس مجرد سلسلة من الإجراءات التقنية، وإنما هو فلسفة مرتبطة بمبدأ حرية التنقّل، وبالليبرالية التي تأسست عليها الوحدة الأوروبية، لذلك يمثل ارتجاج هذا النظام تحدياً للفلسفة الأوروبية برمتها.
وتسلط دراسة محمد شريف فرجاني (أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليون الثانية –فرنسا) "الإسلام في أوروبا: سياسات متباينة"، الضوء على خطوط تلاقي الاختلافات بين الأنظمة الدينية والروحية، وداخل كل بلد معني حول وضعية المسلمين وأحوال عبادتهم، لإقامة تحليل تاريخي ومقارن لتقاليد البلدان الأوروبية المعنية أكثر من سواها بوجود الإسلام، مع الأخذ بالاعتبار وقع السياق العالمي والتطورات المتتابعة لنمو النزعة الراديكالية الإسلامية منذ نهاية السبعينيات.
يشير فرجاني إلى أن أوروبا الغربية تطورت منذ بداية المسيحية ونهاية الإمبراطورية الرومانية في الغرب، باتجاه النزعة للدمج بين الجماعة السياسية والجماعة الروحية. أما البلدان الأوروبية في الجانب الشرقي، فقد أبدت في ظل الحكم البيزنطي، كما العثماني وأباطرة روسيا، ما أطلق عليه اسم “قانون الإقليم الوسيط”، وما “كان على الدوام اعترافاً بمختلف العقائد، لكن بشرط أن يدفع السكان من الديانات الأخرى غير ديانة الدولة ضريبة خاصة، مع وجود فصل بين الانتماء الديني والولاء السياسي. في الحالة الأولى أجبرت محاكم التفتيش المسلمين واليهود على الاختيار بين التحول إلى المسيحية، أو الرحيل أو الموت. وفي الحالة الثانية تبدل وضع المسلمين. من ملة مسيطرة، تحولوا إلى جماعات أقلوية، أو وقعوا تحت السيطرة بموجب الحقوق والإلزامات التي فرضها الأمراء البيزنطيون، والروس والعثمانيون على هذه الجماعات. صحيح أنهم تعرضوا للتمييز، لكن تم تقبلهم وحمايتهم طالما كان ولاؤهم للأسياد الجدد فوق كل شبهة. وهذا ما يفسر الفرق الحالي بين إسلام أوروبا الغربية وإسلام البلقان وأوروبا الشرقية.
يرى الباحث أن سياسات فرنسا وبريطانيا وهولندا تجاه الإسلام شكلت استمراراً لسياستهم الاستعمارية. فسياسة فرنسا – على سبيل المثال لا الحصر – حبذت الإدارة المباشرة للبلدان وللشعوب المستعمرة. وكانت تقوم على فكرة إثنية مركزية مسبقة، تعتبر الثقافة الفرنسية بمثابة المرجعية المطلقة للنزعة الكونية.
ويقدم الباحث من خلال دراسته للتعامل الفرنسي مع الإسلام في مختلف مراحل الجمهورية استنتاج أنه لا علاقة للتصور الفرنسي للدولة – الأمة وللتطورات التي عرفها هذا التصور مع مختلف أشكال الفدرالية والجماعوية، التي يتميز بها عديد من البلدان الأوروبية.
ويستعرض الباحث أمثلة أخرى في اليونان وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، ويبين الاختلافات في التعامل مع الإسلام فيها للوصول إلى نتيجة أنه: بغض النظر عن الاختلافات التي يقدمها المشهد الأوروبي حول وضعية المسلمين، فإن هذه الوضعية ما زالت في أوروبا تخضع لتصور الإسلام بمثابة ديانة غريبة، غريبة ومخيفة.