القس جادالله نجيب راعي الكنيسة الانجليزية ببريطانيا: حوادث الطعن نتيجة لمراكز التدريب الإخوانية
الإثنين 06/يوليو/2020 - 05:07 ص
طباعة
روبير الفارس
حذر القس جادالله نجيب راعي كنيسة المجتمع العربي، ببرايتون. وراعي الكنيسة الإنجليزية بمدينة ورازينج ببريطانيا من تكرار عمليات الطعن الإرهابية في المملكة المتحدة واعاد ذلك للمدارس ومراكز التدريب التي أنشأت لتقديم خطاب كراهية ورفض الآخر مستغلة في ذلك الديمقراطية الغربية جاء هذا في حوار خاص لبوابة الحركات الإسلامية هذا نصه
لماذا تتكرر حالات الطعن في بريطانيا؟ وهل هناك أخطاء في طرق قبول اللآجئين؟
أولاً: أشكرك على الحوار، وأيضًا على هذا السؤال الحيوي والمهم الذي يشغل الكثيرين من المفكرين. وبادئ ذي بدئ علينا أن نعلم أن بريطانيا العظمى هي دولة حضارية متجذرة في التاريخ، واتسمت هذه الحضارة داخل بريطانيا بالتعددية الثقافية والدينية والسياسية أيضًا، مما خلق قدرًا كبيرًا من التسامح وقبول الآخر ودعمه. وهذه التعددية صاغت من البريطانيين قبولاً لأحقية الفرد بأن يعيش متميزًا، سواء كان بريطانيًا أصيلًا أو من الجاليات الأجنبية، بل وأبعد من ذلك فقد أفسحت للآجئين المجال وفرص التعليم والعمل والاستفادة منهما كما للمواطن البريطاني. ومن هنا أصبحت هوية بريطانيا منذ عشرات السنين وجود كل الجنسيات في كل المجالات، من مدارس وجامعات، ومطارات، وحتى في المواقع الحساسة جدًا، كجهاز الشرطة الذي تجد فيه شرطي عادي أو عادية، وشرطي ملتحٍ أو شرطية متحجبة. ولأن بريطانيا دولة مؤسسات فهي تحاول وحتى اليوم أن تدافع عن هويتها التي تتميز بها. فبريطانيا تريد أن تظهر في كل وقت أنها مختلفة، وأن لا حدود للتسامح حيث تعطي جنسيتها لكل من تتوفر لديه الشروط اللآزمة للحصول عليها بغض النظر عن الدين والجنس واللون.
وليس هذا فقط، بل أن بريطانيا تتميز بدفع الأقليات العرقية للتعبير عن ثقافاتها الخاصة كجزء من المجتمع المتعدد الثقافات. وهذه التعددية الإثنية خلقت أيدلوجيات تهدف إلى احتفاظ كل جماعة بخصوصيتها الإثنية والاحتفاظ بتراثها وطريقتها في الحياة، مع المساواة في الحقوق السياسية والمدنية أمام القانون. إلا أن بعض من تلك العرقيات الدينية، اتخذت حق ممارسة خصوصيتها للانعزال وممارسة شعائرها كأنها تعيش وحيدة منفردة. والأنكى من هذا، إنها أسست مدارس وشيدت مساجد تبني أجيالًا مغلقة العقول والقلوب، وتقدم التعليم الموجهه لرفض الآخر، وتصَدّر خطاب الكراهية للآخر وتكفيره، وتأسيس دولة الخلافة.
من هذا السياق نفهم ما يحدث في بريطانيا من تكرار حوادث الطعن والقتل ما هو إلا نتاج طبيعي لمراكز تدريب، ومدارس ومساجد تبث ثقافة مغايرة، وخطاب احادي يحث على كراهية الآخر وتكفيره.
كيف تغلغل الإخوان إلى المجتمع البريطاني؟
إجابة هذا السؤال تستدعي ذكر جانب آخر لتسامح بريطانيا العظمى، هو عدم التدقيق في قبول اللآجئين إليها، وهذا القبول الليّن كان ولا يزال، ترسم ملامحه وسياسته المطامع الخارجية، والمصالح البريطانية التي تحقق مطامعها. فمن مصلحة بريطانيا هو مد جسور مع الدول وتأسيس حركات موالية لها للحفاظ على مصالحها الاستعمارية. فعلاقة الإخوان المسلمين ببريطانيا علاقة تاريخية منذ ثلاثينات القرن العشرين، إلا أن وجود الإخوان في بريطانيا كان منذ الستينات. ووصلت أعداد كبيرة من الليبين إلى بريطانيا في الثمانينيات والتسعينيات، بعد أن غادروا ليبيا بسبب معارضتهم لنظام معمر القذافي، وكان من بين هؤلاء اللآجئين إسلاميون، بما في ذلك العديد من الأعضاء والقادة الذين أطلق عليهم فيما بعد اسم الجماعة الإسلامية. وقد كتبت جريدة التايمز في لندن أنه: "عندما شنَّ نظام العقيد القذافي حملة على الجهاديين في فترة التسعينيات، وطرد الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، المرتبطة بتنظيم القاعدة من الدولة، نزح الكثيرون من عناصر هذه الجماعة إلى بريطانيا".
ويؤكد الأستاذ منير أديب الباحث والمتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي أن "لندن تمثل عاصمة ثانية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وكما تمثل القاهرة بلد المنشأ للتنظيم، فإنّ بريطانيا تمثل الحماية والبديل لهذا التنظيم إذا ما تعرضت الجماعة للضغوط، وهو نفس الدور الذي قام به مكتب لندن في السبعينيات من القرن الماضي عندما أقام قادة الجماعة في بريطانيا مختبئين". والحقيقة الثابتة أن المكتب الرئيسي للتنظيم الدولي للجماعة الإسلامية تأسس في لندن عاصمة بريطانيا العظمى.
هل حقًا هناك دعم تاريخي من بريطانيا للإخوان المسلمين؟
هناك قاعدة ثابتة، وقد أشرت إليها في البداية، هو أن أي دولة تسعى لفرض هيمنتها على أجزاء كبيرة من العالم عادةً ما تبني جسور وتكوّن جماعات محلية تساعدها على تنفيذ سياساتها، واستخدامها لتحقيق مصالحها.
في كتابه"لعبة الشيطان"، أكد الصحفي والمحلل السياسي روبرت دريفوس على وجود الدعم التاريخي واللوجيستي من بريطانيا للإخوان، قائلاً : إن جماعة الإخوان المسلمين أسسها حسن البنا بمنحةٍ من شركة السويس البريطانية، ودعمها رجال المخابرات الدبلوماسيين البريطانيين. هذا الدعم التاريخي نتج عنه أن تصبح بريطانيا هي البلد الآمن لإيواء وحماية هذه الجماعة. وقد تأسست أول وأكبر رابطة إسلامية للإخوان في عام 1997 في بريطانيا، ولها 11 فرعًا في طول بريطانيا وعرضها. ووالذي يؤكد على أن للإخوان المسلمين تواجدًا وحضورًا ضخمًا في بريطانيا، فإن هذه الجماعة لها أكثر من 39 مؤسسة إعلامية وسياسية وتعليمية. فالتواجد والحضور الإخواني في بريطانيا واسع ومؤثر.
كيف يقابل المجتمع البريطاني تحذيرات كتاب ورجال دين مسيحي من تغيير بريطانيا بسبب المتشددين؟
دعني أذكر لك ما حدث في المدينة التي أرعى فيها الكنيسة الإنجليزية عندما حدث الإغلاق الكامل، واستغنت بعض الشركات عن كثير من الموظفين، والاضطراب والزعر الذي حدث عند المجتمعات المحلية. جاءت الفكرة من أحد أعضاء المجلس المحلي الذي اتصل بي يطلب أن نفتح الكنيسة لتكون نافذة "لبنك الطعام" لنخدم المجتمع المحلي بكافة احتياجاته. كانت الفرصة ذهبية أن يكون في داخل الكنسية ملحمة مجتمعية لخدمة عدة أحياء من مدينتنا. هذه الملحمة تتكون من 7 أعضاء مجالس محلية ل 6 أحياء في المدينة، منهم المسلم والمسيحي ولا ديني، بالإضافة إلى 35 متطوع ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة ودينية لخدمة المجتمع. هذه التعددية الدينية والسياسية والثقافية التي احتوتها الكنيسة الإنجيلية الإنجليزية التي أرعاها، وجعلت منها ملحمة مجتمعية لمواجهة جائحة كورونا وتسديد احتياجات المجتمع. وهذه الملحمة التي نعيشها الآن هي صورة مصغرة من المجتمع البريطاني، مجتمع تعددي وعلماني. فهو لا يمكـن أن يتغيّر في هويته الواضحة، ولا يتنازل عن التنوع والتعدد والتسامح والشمول في قبول الآخر، والاعتراف بخصوصيته وفرادته.
وعلى الرغم من أن نشاط الإخوان في بريطانيا لا يزال سريًا من حيث العضوية وجمع الأموال والبرامج التعليمية، وأن أيديولوجياتهم ومفاهيمهم، تتعارض مع القيم والمصالح الوطنية لبريطانيا وأمنها القومي، إلا أنهم يعجزون عن تغيير هوية المجتمع البريطاني. ومع أن الوجه السياسي في بريطانيا لا يتخلى عن الإخوان المسلمين بصفتها إحدى الركائز الأساسية التاريخية في علاقتها بالعالم الإسلامي بشكل عام، وبمنطقة الشرق الأوسط ومصر بشكل خاص، إلا أن المواطن العادي ووكثير من اللوردات البريطانيين يرفضون رفضًا قاطعًا الانحياز والتعصب أو العنصرية داخل بريطانيا، بل المطالبة والعمل من أجل عقلية منفتحة وتفاعل جمعي وإرادة جمعية.
رغم كل ما ذكرته الدعم التاريخي للإخوان وعن موقف البريطانيون منهم، فهل يؤثر تكرار مثل هذه الجرائم على التطرف اليميني؟
نرى التطرف موجود في كل مكان وفي كل زمان سواء كان تطرفًا دينيًا أو سياسيًا. بلا شك في بريطانيا، يتزايد التطرف اليميني عن كل الحقب الماضية. ففي وقت سابق قد صرح رئيس ضباط مكافحة الإرهاب في بريطانيا: "إن بريطانيا تواجه تهديدًا جديدًا وكبيرًا من الإرهاب اليميني المتطرف والمنظم، وكشف أن الشرطة أحبطت أربع مؤامرات من تدبير متطرفين يمينيين عام 2017م". كما أن أحد قادة كبار الشرطة في لندن أعلن للصحفيين أن: "التهديد الإرهابي اليميني أكثر أهمية وتحديًا مما قد يظنه الرأي العام".
فحزب الاستقلال البريطاني، الحزب اليميني قد كان يطالب بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد نجح في تحريك الشارع البريطاني في التصويت للخروج من الاتحاد الأروربي. ولايزال يطالب بحظر النقاب معتبرًا أن ارتداء النقاب خارج المنزل عائق للتوافق المجتمعي، وخطر أمني.
أما الحزب اليميني الآخر هو "بريطانيا أولاً" والذي يعتبر أكبر تجمع يميني متشدد في بريطانيا، والذي يناهض الهجرة الجماعية إلى البلاد بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين.
وعلى أي حال، فإن خطر اليمين المتطرف تواجهه الحكومة البريطانيا بشكل أو بآخر، كما تحاصر الإرهاب الإسلامي بداية من جماعة الإحوان المسلمين، حتى داعش، للحفاظ على مجتمع تعددي قائم على التسامح والشمول وهي القيم الأصيلة التي تتسم بها بريطانيا وشعبها. وعقدت الحكومة العزم على أن لا تتسامح مع خطاب الكراهية الذي يهدد أسلوب ونمط حياة البريطانيين.
أسمح لي أن أسألك سؤالًا أخيرًا: ما هي أشكال الدعم من بريطانيا لقطر وتركيا؟
علينا أن نعي جيدًا أن التنظيم الدولي للإخوان يربط خيوط من العلاقات من خلال مؤسساسته وأنشطته المختلفة في بريطانيا بكل الجماعات المتطرفة في العالم العربي وخاصة قطر. في هذا اتضح جليًا في ركوب الأخوان على سدة الحكم في مصر، والتي لم تكمل العام في الحكم، حتى غادروا مصر إلى قطر، ثم إلى تركيا ثم إلى بريطانيا.
زار "تميم بن حمد" أمير قطر رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، العام الماضي 2019م. وكانت الزيارة كالمعتاد لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي أشار فيها رئيس الوزراء أن العلاقة الثنائية بين بريطانيا وقطر تزداد قوة. وخلال هذه العلاقات تعمل لندن وفق التزام مشترك مع قطر لفتح العديد من أبواب التعاون في مختلف المجالات، ومنها وضع هيكل واطار لتبادل الخبرات والمعلومات والعلاقات الدفاعية بين الجانبين لتقويتها على مدار 30 عامًا قادمة. وقد أضاف رئيس الوزراء أن بريطانيا ملتزمة بأمن قطر.
أما من جهة تركيا، فعندما كان رئيس بريطانيا الحالى بوريس جونسون، وزيرًا للخارجية، صرح أن بريطانيا وتركيا يقفان معا ضد الإرهاب، مشددًا على أن بلاده ستواصل دعم محاولة تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا على أن "الشراكة بين لندن وأنقرة ليست مرتبطة بالاتحاد الأوروبي وعلينا تطويرها.
في النهاية الرابط الحقيقي بين بريطانيا وقطر وتركيا هو علاقات مصالح اقتصادية ومطامع سياسية. فجزء كبير من القوة المحركة لتنشيط هذه الروابط هم الإخوان المسلمين، فقطر تدعمهم ماليًا، وتركيا حلقة الوصل لوصولهم لبريطانيا، وبريطانيا الملاذ الآمن في الحفاظ على وجودهم وانتشارهم، وذلك لأن الإخوان المسلمين يدعمون مصالحهم في الشرق الأوسط. وبسبب وجود الإخوان وداعش على الساحة فإن زيادة التطرف اليميني ناتج طبيعي كرد فعل تلقائي .