الإسلام السياسي في الشرق الأوسط
الإثنين 13/يوليو/2020 - 08:58 م
طباعة
حسام الحداد
يسعى الدكتور بليغ حمدي إسماعيل ( أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية بكلية التربية جامعة المنيا بمصر ) ضمن مشروعه الفكري الذي يستهدف تجديد الخطاب الديني إلى مناقشة وتحليل الأفكار المرجعية التي استندت عليها جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط في كتابه الجديد والصادر في يونيو 2020، ضمن إصدارات دار شمس للنشر بالتعاون مع دار جلوب إديت للنشر ـ لاتفيا / الاتحاد الأوروبي ضمن سلسلة العلوم السياسية.
ويؤكد المؤلف على الحقيقة التاريخية للإسلام ، وهي أنه ـ الإسلام ـ كفل حرية النقاش الديني معتمداً في ذلك على مبادئ أصيلة مثل الحوار الجيد الخصب ، واحترام الآخر ، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) . وكم من مرة أشار القرآن الكريم إلى الدعوة الجادة للحوار ، مثل قوله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ).
ويرصد الكتاب فقه التيارات والجماعات السياسية ذات المرجعية الدينية في الوطن العربي و شعاراتها الشعبوية التي جاءت بها ، مع الإشارة إلى فشل هذه الجماعات في صياغة مشروع إسلامي الذي كان من المفترض والمتوقع أن تأتي بها، وهذا من شأنه أن يدهش القاصي والداني المتابع للشأن العربي ، فقيادات الجماعات الدينية اكتفت بإدلاء التصريحات السياسية والفتاوى الدينية حول بعض القضايا الاجتماعية المعاصرة وأحياناً إثارة الغبار عن قضايا فقهية انتفى ذكرها منذ قرون . ورغم وجود حالة التناطح تلك إلا أن المشهد الحالي لهذه التيارات والجماعات والطوائف أثبت انتفاء تام لوجود مشروع إسلامي يحقق نهضة أمة لا تزال تعاني من مخاض نهضوي لم يكتمل بعد .
كما يتناول الكتاب في فصوله مشكلة النموذج الإسلامي السياسي المصري الذي بدأ في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وحرصه على ما تم تسميته آنذاك بأسلمة المجتمع المصري ، والقائمون على هذا النموذج لا يزالوا يظنون بأن المجتمع كافر ويحتاج إلى تطهير وتغيير ، رغم أن البلاد منذ تلك الفترة شهدت أكبر حركة تأليف إسلامية ونشط الدعاة بصورة غير مسبوقة ، ويكفي أن نشير إلى ظاهرة الدعاة الجدد الذين تسيدوا المشهد الفضائي ورغم ذلك ادعت ولا تزال تدعي بعض التيارات الدينية أن المجتمع المصري يعيش منذ سنوات في ضلال غير مبالين بظواهر جيدة تفشت في المجتمع كان أبرزها الفضائيات الدينية والسلاسل الدينية التي أصدرتها وزارة الأوقاف المصرية ومشروع مكتبة الأسرة وتعدد المجلات والمطبوعات الدينية . وهذا ما دفع الكاتب إلى استنتاج واستقراء قرائن الغلو والكفير لدى تلك الجماعات وما صاحبها من عنف وتطرف وإرهاب مسلح صوب العسكريين والمدنيين على السواء.
وحاول الكتاب إماطة اللثام عن ملامح المشروع الإسلامي الذي قام على مرتكزات ربما كانت وليدة اللحظة السياسية الراهنة آنذاك فإنها لم تخرج عن مواضعات فقهية ترتبط بفكرة الخروج على الحاكم الفاسد ، وتكفير المجتمع ، والغلو في تكفيره ، والجهاد ضد أعداء الإسلام ، وتطبيق الحاكمية ، وتغيير المنكر باليد والقوة ، وأخيراً الحسبة بوصفها فرض عين ، لكن هذا المشروع لم يكتب له الاستدامة لأنه ارتبط بفترة زمنية محددة ، كما ارتبط الخطاب السياسي للأحزاب الدينية بفترة التصويت الانتخابي وبعده اختفى صدى هذا الخطاب ، كما أن المشروع الإسلامي الذي ظهر منذ السبعينيات واستمر خلال أكثر من ثلاثين عاماً لم يخرج عن كونه نموذجاً جهادياً فقط دون التطرق إلى تأسيس خطاب نهضوي يتسم بالحداثة والجدة والاستمرارية بل كان مجرد رد فعل لتحولات السلطة السياسية في مصر .
كما يؤكد المؤلف في كتابه على مدى حرص التيارات والجماعات الإسلامية لاسيما في مصر خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى استلاب فهم ونشر النصوص التراثية وتأويلها بما يخدم مصالحها أو يعزز من مواقفها السياسية والاجتماعية بسبب خوضها غمار التعايش السلمي بين فصائل المجتمع المصري لأول مرة بلا استبعاد أو تمييز أو حظر سياسي أو منع ثقافي ، ولكن سرعان ما يتحول هذا الاستقطاب إلى عملية استلاب فكري تستهدف أحيانا تعطيل عمل العقل أو فقد الثقة في الحاضر مما يجعل المواطن يركن دائماً إلى الماضي وفي الوقت الذي تغيب فيه المؤسسة الدينية دوراً وريادة وأخشى أن أبتعد بعيداً وأقول ومكانة حيث إن الشارع المصري بدأ يتساءل عن موقف المؤسسة الدينية الرسمية إزاء الأحداث السياسية خلال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات. ورغم الثورة الفكرية التي واكبت إحداثيات الانتفاضة السياسية الشعبية في يناير 2011 والتي قادتها مجموعة من الشباب المتحمس غير المؤهل سياسيا أو المتمكن من القيادة المجتمعية أيضا إلا أن ذاتها التيارات الدينية بدأت تعيد إنتاجها من جديد عن طريق طرح منهج التفكير القائم على الثقة لا على الدليل ، وعلى حجر فهم النصوص الدينية على بشر محدودين .
وينتهي الكتاب بالحديث عن مفهوم السلطة في الإسلام ، كونه من المفاهيم التي يدور حولها الجدل العميق لا سيما بعد تحول السلطة في الإسلام من خلافة راشدة إلى ملك عضوض ،أو بالأحرى من مؤسسة إسلامية ذات كيان سياسي رصين إلى ملكية وراثية ، فارتبط المفهوم بالمظان العاطفية للمواطن المسلم والذمي أيضاً ، وحينما يتصل الملك بالسلطة فالفساد قاسم مشترك والشهوات تظل عنواناً معبراً عن نظرية البقاء في السلطة والحرص عليها مهما كلف ذلك الكثير من مقدرات الأمة .
ويقع الكتاب في تسعة فصول رئيسة تضمن الحديث عن التيارات الدينية السياسية في الشرق الأوسط ، وخصاص الرُّؤيَةُ الإسْلامِيَةُ ، قَرَائِنُ الغُلُوِ فِي فِكْرِ الجَمَاعَاتِ التَّكْفِيرِيَّةِ، الجَمَاعَاتُ الإسْلامِيَّةُ مِن الخلافة إلى وَكَالَةِ الدِّينِ، عَوَارِضُ تَجْدِيدِ الخِطَابِ الدِّينِيِّ فِي مِصْرَ، مَشَاهِدٌ مِن الفِتْنَةِ الكُبْرَى المُعَاصِرَةِ، فِي مَوَاجَهَةِ الأفْكَارِ العَقَائِدِيَّةِ الضَّالَّةِ، السُّلْطَةُ الدِّينِيَّةُ فِي الإسْلامِ.