كتاب جديد فى ألمانيا ينتقد فتاوى القرضاوي فى مسألة التفجيرات الانتحارية
صدر مؤخرا للباحث المصري
الدكتور محمد أبو الوفا بمعهد الدارسات والتربية الإسلامية كارلسروهى ، المانيا، كتابا
جديدا بعنوان " طبقات فهم القران"، مقاربة شرعية حداثية في ضوء مصطلح الجهاد
في القرأن، عن رسالة دكتوراة للمؤلف تحمل نفس العنوان.
ويقول المؤلف إن الهدف
من الدراسة هناك حالة توجس وخوف حقيقي من الإسلام في أوروبا هذا الخوف مبرر في كثير
من حالاته، خاصة إذا اخذنا في الاعتبار أن أرواحاً أزهقت هنا في قلب أوروبا على يدي
مجرمين ينتسبون للإسلام وأن ثمة محاولات حثيثة لـ "أسلمة العنف" من خلال
تأويلات سطحية وحرفية لأيات من القران، الذى هو كتاب رحمة ونور وهداية للبشرية، مما
يطرح السؤال عن مدى توافق الإسلام مع القيم الأوروبية وينادى بضرورة أنسنه الإسلام
أو عزله وتحريمه وكذا تجريمه.
يخوض الباحث في عمق المشكلة
إذ يقدم في ثلاثة فصول بعد المقدمة، أولاً، لعلوم القران ذات الصلة بموضوع البحث نحو
علم أسباب النزول، علم الناسخ والمنسوخ، علم المكي والمدني وكذا نظرية المحكم والمتشابه.
ويتنقل الباحث في تناوله
لعلوم القران بين أمهات الكتب، والكتب المعاصرة كما يعطى أهمية ملحوظة لبحوث كبار المستشرقين
وتقديراً موضوعياً للبحث الغربي الإسلامي (من غير المسلمين) وهو ما أشاد به المشرف
الثانى الأستاذ الدكتور برند فايننجر، أستاذ علوم الأديان – فرايبورج ، ألمانيا
"إن هذا العمل هو الأول من نوعه كونه محافظاً على ثوابت المسلمين وميراث العلمائية
المسلمة ومنطلق منها وفى ذات الوقت ينصف جهود علماء الغرب الباحثين في الإسلام ويقدر
منهجيتهم وانتاجهم العملي" ويثنى على الباحث أنه "استطاع بمهارة فائقة إحداث
حوار بناء بين المدرستين مدرسة التراث التي ينطلق منها ومدرسة البحث الإسلامي الغربي
الحديث والاستشراق" كما يتناول الباحث الاتجاهات المعاصر لتفسير القران: كالتفسير
الليبرالى، والتفسير النسوى، والتفسير النصى "اللغوىط، والتفسير العلمى، وكذا
التفسير الهيرمينوطقى.
و يخلص الباحث في هذه
الفصل إلى أن هذه الاتجاهات تمثل مساهمات معتبرة تثرى التعامل مع القران الكريم وعلينا
اخذها مأخذ الجد، معتبراً إياها اجتهادات يؤجر أصحابها عليها في أسوأ الحالات أجراً
واحداً.
ويرى صعوبة تقييمها بشكل حقيقي أو ان تكون حلاً أو بديلاً للتفسير المتطرف
للقران الكريم، كونها في المجمل لم تتجاوز النظرية وتفسير بضعة آيات من القران ولا
يوجد في علم الباحث تفسيراً كاملاً في اى من أبوابها ليمكننا من الحكم عليه.
وهذا ما يجعل الرجوع إلى
التراث وتنقيته والاشتباك معه ودراسته أولى واخذ المناسب مع العصر وروح الإسلام منه
مع الإعتراف والاخذ في ذات الوقت بالعلوم الحديث كما يتناول الباحث مصطلح الجهاد في
القران الكريم بشكل مستفيض، بعد أن حدد الإطار لبحث المصطلح وانتقد كثيراً من كتب السيرة
التي بعدت في معظمها عن سيرة المصطفى وصارت أشبه ما تكون بقصص "الملاحم"،
وتدرج في معظمها تحت باب ما يسميه المتخصصون "كتب المغازي"، ناهيك عن إشكاليات
موثوقيتها، لذا اعتمد الباحث على القران والتفاسير المعتبرة كما تعرض أيضاً لأكثر من
ترجمة لمعاني القران كونها ضرب من ضروب من التفسير.
و تطرق أيضا إلى مصطلح
الجهاد من الناحية اللغوية نحواً وصرفاً في اللغتين العربية والألمانية، ثم ينتقل لمسألة
محورية وهي تطور مفهوم الجهاد منذ صدر الإسلام حتى العصر الحديث.
وتأثير الحروب الصليبية
والاستغلال السياسي على إثقال المصطلح بما وصل إليه، وبعد فصل عن أنواع الجهاد المختلفة
(جهاد النفس/ جهاد الشيطان/ جهاد العلم / جهاد العمل) يعرج الباحث على مسألة دقيقة
وهى المقارنة بين الجهاد، والقتال، والعنف، والإرهاب، والحرب في القران الكريم ويستعرض
الباحث بشىء من التفصيل المدرستين الأساسيتين في التعاطي مع الجهاد (بمفهومة الحربي)
"المدرسة الهجومية" والأخرى التي ترى ان للجهاد صفة "دفاعية" فحسب.
ويفند أدلة القائلين بانه
هجومي، وأنه فرض على الأمة مرة كل عام والدعاوى المشابهة، رداً تأصيلاً مردوداً إلى
كتاب الله وسنة رسوله. بالإضافة إلى ذلك يفرد الباحث الشبهات السائدة في الأوساط الأوروبية
والغربية عموماً حول القران باعتباره كتاباً داعياً إلى العنف أو /و مبرراً له، ويبدأ
بتناول ما تسمى "أية السيف" ويجدر بالذكر هنا على سبيال المثال موقف الشيخ
شلتوت رحمه الله – شيخ الأزهر الشريف الذى قال: يريدون أن يجعلوا للإسلام سيفاً وهو
دين الرحمة – لا سيف في الإسلام، ثم معالجة ما يطلق "أية الفتنة" وكذا حديث
السيف، وأمرت أن أقاتل الناس ... الخ. وقد برع الباحث في التعاطي المؤصل وبأدوات العلم
الشرعى دون إهمال المنهجية العلمية وتصدى لهذه المعضلات الى تعيق الحوار بين الإسلام
والإديان الأخرى و تفتن كثيراً حتى من المسلمين.
ويتناول الباحث بعد ذلك التأويلات المتطرفة والمتشددة سواء كانت من سلف
الأمة أو من المعاصرين أمثال سيد قطب ومن يسير في فلكه، وينتقد الباحث يوسف القرضاوي
وغيره في مواقفهم من مسألة التفجيرات الانتحارية وأن تراجعهم عن هذه الفتاوى
"تكتيكياً" وليس "مبدئياً" حسب توضيحاتهم فلم يكن الرجوع عنها
لحفظ النفس التي حرم الله، بل يبرووها بمزيد من العنف وانهم الان لديهم أسلحة أشد فتكاً.
ويؤصل الباحث لنظرية "إسلام بلا عنف" من خلال أصول الدين واعتماداً على القران
الكريم وعلومه والتفسير وأصوله بمهارة ودربة مبهرة.
ومن جانبه يقول البروفيسور
عمران شروتر، في الجزء الثاني من البحث من رسالة الدكتوراه ينتقل الباحث إلى فن أخر
محملاً بالنتائج التي خلص إليها من الجزء الشرعي في الرسالة إلى الجزء التربوي البيداغوجي،
ومعضلة التعاطي مع مصطلح الجهاد في القران تؤرق ليس فقط المجتمعات الغربية وسياسيها
ومفكريها فحسب، بل هي أيضاً معضلة وتحدى في العالم الإسلامي.
ويضيف هناك نقاشاً يطفو
على السطح بين الحين والأخر بضرورة تعديل المناهج التعليمية والمطالبة في عدد من الدول
الإسلامية بحذف أيات الجهاد من المناهج الدراسية، وهنا في فرنسا منذ شهور مبادرة وقع
عليها ٣٠٠ من قادة الرأي والفكر من بينهم فلاسفة مشهورون والرئيس الفرنسي السابق ساركوزي
تطالب بحذف أيات من القران الكريم كأساس لضمان إمكانية التعايش مع الإسلام ليس في أوروبا
فحسب بل في الأسرة الإنسانية.