التطرف بين الثقافي والديني والسياسي في العدد الجديد من مجلة "تحالف"
السبت 03/أكتوبر/2020 - 08:26 م
طباعة
حسام الحداد
صدر العدد الرابع من مجلة "التحالف" والتي يصدرها التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وفي العدد الكثير من الموضوعات المهمة والتي تشغل الرأي العام قبل الباحثين، وبداية من مقالة الدكتور رضوان السيد - مفكر وباحث لبناني، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية – وعنوانها " التطرُّف - بين الديني والفكري" يؤكد بداية أن مصطلح التطرُّف في الأصل ترجمةٌ لمصطلح غربي (Radicalization) الذي يعني الانجرافَ الفكريَّ أو العملي باتِّجاه اليمين أو اليسار، بما يتجاوز المتعارَف فكريًّا أو سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا. وتُضيف المعاجم ودوائرُ المعارف الغربيَّة المعاصرة إلى هذا المعنى أو المعاني الجانبَ الدينيَّ أيضًا. وقد شاع المصطلح في الأوساط الثقافيَّة والسياسيَّة والدينيَّة العربيَّة والإسلاميَّة منذ سبعينيَّات القرن الماضي. لكن التطرُّفَ -بوصفه مغادرةً للوسطيَّة والاعتدال في فهم النصوص، والتصرُّف المتشدِّد أو العنيف- عنى منذ البداية في مجالنا الثقافي الجانبَ الدينيَّ، خلافًا لمفهومه في الأوساط الغربيَّة. فقد صار يعني ما كانت تعنيه مفردة (الغُلُوِّ) في الكتاب والسنة: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ (النساء:171)، و﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ﴾ (المائدة:77)... وفي الحديث: (إيَّاكُم والغُلُوَّ، فإنَّما هَلَك مَن كان قبلَكم بالغلُوِّ في الدِّين). وفيه: (إنَّ منكم مُنَفِّرينَ)، وهم الذين يظُنُّون أنهم بتشديدهم على الناس وعلى أنفسهم، والإعنات في أمور الدِّين، والإيقاع في الحرج والمشقَّة، وإيقاع الضَّرر بمَن يعُدُّونهم خصومهم في الدِّين، إنما يحسنون صُنعًا بفعلهم هذا؛ وهم في الحقيقة منفِّرون للمسلمين وللآخرين، كما ورد في الأثر.
وحول سؤال لماذا كانت الأصوليَّة أو التطرُّف؟
يجيب الدكتور رضوان السيد بأن التطرُّف في الأصل تُهمةٌ نبزَ بها الحاكمون في الغرب خصومَهم من المعارضة السياسيَّة الداخليَّة الشيوعيَّة أو اليساريَّة، لكن عندما تصاعدت التيَّارات اليمينيَّة بعد الحرب العالميَّة الأولى صارت السلطات المنتخَبة تُطلق مصطلح التطرُّف على الاتجاهات والأحزاب الفاشيَّة اليمينيَّة أيضًا، وهو الأمر المستمر إلى اليوم. أما إطلاق هذا المصطلح على الجانب الإسلامي فإنَّ الجهات الرسميَّة الغربيَّة تتقلَّب في إطلاقاتها بين: التطرُّف العنيف والإرهاب؛ لكنَّ إطلاق الإرهاب هو الغالب.
وإذا عُدنا إلى النصوص والإسلام الأول فإنَّ الغُلُوَّ استُخدم بمعنيين رئيسين، هما: التحريف الاعتقادي الذي نسبه القرآنُ إلى أهل الكتاب غلوًّا في تعظيم المسيح عيسى ابن مريم، أو مريم بنت عمران، أو عُزير، أو غيرهم من الشخصيات المباركة التي غَلَوا فيها. والمعنى الثاني: التشدُّد والمبالغة في العبادات، أو الأخذ الانتقائي والتحكُّمي بظواهر النصوص؛ ممَّا يُؤدِّي إلى تصرُّفات تخرج عن صحيح الدِّين وحدوده، مثل أولئك الذين استقلُّوا عبادةَ رسول الله ﷺ، فأرادوا المزايدةَ والزيادة، وذلك الذي اتَّهم رسولَ الله ﷺ بالجَور في قسمة الغنائم... إلخ. وإلى أولئك جميعًا اتَّجه رسول الله ﷺ بتحذيراته: (يَسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تُنفِّروا)، و(الدِّين يُسرٌ)، و(لن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غلَبه). على أن الغُلُوَّ في الجماعة المسلمة أيام النبيِّ ﷺ ظلَّ حالاتٍ فرديَّةً، ولم يصبح ظاهرةً إلا في أواخر زمن الراشدين؛ إذ ظهر غُلُوٌّ عقَدي، وغُلُوٌّ في التصرُّفات تُجاه السلطات وتُجاه الجماعة والمجتمع.
وتحت عنوان " إستراتيجية مكافحة الإرهاب ما بعد كورونا" جاءت مقالة د. أعلية علاني - مؤرخ وباحث في القضايا الإستراتيجية بجامعة منوبة – والذي حدد استراتيجية مكافحة الإرهاب بعد كورونا بعدد من العناصر من أبرزها:
استمرارُ عمليات الطعن والدعس وتفجير العبوات والأحزمة الناسفة، وهو ما رأيناه في أثناء مرحلة الحَجْر الصحِّي؛ لأن التنظيمات الإرهابية لم تعُد قادرةً على تحصيل الأسلحة بسهولة، ولأن الرقابة على مصادر تمويل الإرهاب أصبحت مكثَّفة، وإن كان هذا لم يمنع إلى الآن من حصول هذه الجماعات المتطرفة على مساعدات مالية بعمليات تبييض أموال الإرهاب، وهو ما يفرضُ على المجتمع الدَّولي مزيدَ إحكام الرقابة على حركة الأموال المشبوهة.
الاستثمارُ في الثورة الرَّقْمية، وتوجيه أنصارها للتدُّرب على الهجَمات السيبرانية (الإلكترونية)، وإنتاج تطبيقات وبرمجيات إعلامية فائقة التعمية (التشفير)، تتمكن بواسطتها من تبليغ تعليماتها، سواء أكان ذلك في التجنيد أم في التنفيذ.
انتهاجُ أسلوب جديد في الاستقطاب يُعنى بالمختصِّين في المجال الرَّقْمي، إضافة إلى عدد محدود من الأنصار العاديين. فهذه التنظيماتُ المتطرفة لم تعُد بحاجة إلى عدد كبير من الأنصار إلا ما تقتضيه الضرورةُ في بعض العمليات المحدودة؛ لأن كلَّ شيء يُخطَّط له في الفضاء الافتراضي.
اعتمادُ هذه التيارات المتطرفة مستقبلًا على خطاب ديني رَقْمي أكثر من السابق، ويُتوقَّع أن يكون خطابًا رَقْميًّا يمزج بين نماذجَ تراثية من القديم منتقاة على نحوٍ ينسجم مع قناعاتهم، ونصوص دينية تُوظَّف وتُسقَط بتعسُّف على الواقع الحالي، كلُّ ذلك ضمن إخراج متطوِّر تقنيًّا وفنيًّا، صوتًا وصورةً وألحانًا متناغمة مع مضمون الخطاب الذي يهدف إلى التعبئة والاستقطاب، ويجعل المـُتلقِّين من قليلي العلم والمعرفة والسطحيين في فهم الدِّين، منبهرين ومتحمِّسين للتضحية بأنفسهم إذا لزم الأمر؛ لإقامة دولة الخلافة من جديد أو الموت دونها؛ لأن إقامة هذه الدولة في اعتقادهم واجبٌ شرعي يتحقَّق بالجهاد ومحاربة ما يسمُّونه ملَّة الكفر. ويكون الجزاءُ مضمونًا سواء في الدنيا أو في الآخرة، أما في الدنيا فيُذكِّر تنظيم داعش أنصاره أنه تمكَّن من إقامة دولة خلافة بمساحتها الجغرافية، ومواردها المالية، وجيشها وأمنها، ودواوينها وقضائها، مدَّة ثلاث سنوات من 2014م إلى 2017م، وأن سقوطها حصل بسبب ما يعدُّه التنظيم تألُّبَ الكفَّار عليها، وخيانات بعض عناصرها من الداخل. وأما في الآخرة فالجزاء أكبرُ وأعظم في نظره، فهو جنَّة الخُلد حيث الُحور الِعين. وهذا النوعُ من الخطاب يستلزم قدراتٍ فائقةً في التسويق له؛ لأنه خطابٌ يهدف أساسًا إلى غسل الأدمغة، وهي أخطرُ عملية في مراحل التكوين؛ لأنها تجعل الفردَ منقادًا لكلِّ ما يُطلب منه بلا تفكير.
العنايةُ في المرحلة المقبلة بالتسويق لفكرة الخلافة الافتراضية؛ تمهيدًا لعودة الخلافة الجغرافية، وتجنيد أتباعها لبلوغ هذا الهدف.
مواصلةُ العمل بِقَسَم الولاء والطاعة للتنظيم، ولأوامر قادته في المنشَط والمكرَه.
تكثيفُ عدد الخلايا السرِّية أكثر مما كان في مرحلة ما قبل كورونا، واستعمالُ التقنيَّة في كلِّ ما يُهيِّئ للعمليات الإرهابية.
مواصلةُ العمل فيما يُعرف بتحرير المبادرة، أي ترك المجال لخلاياه في اختيار الوقت الملائم لتنفيذ العمليات الإرهابية دون الرجوع إلى القيادة المركزية للتنظيم.
العملُ على تطوير المنظومة الاستخباراتية لهذه التنظيمات الإرهابية؛ بالاعتماد على عدَّة أساليب، منها اختراقُ الأجهزة الأمنية والعسكرية الحكومية، واقتناء بعض التجهيزات المتطوِّرة تقنيًّا في هذا المجال.
الاستفادةُ من تداعيات ما بعد كورونا على المستوى الاقتصادي، ولا سيَّما في مجال التعامل المكثَّف بالعُملة الإلكترونية مثل البيتْكُوين وغيرها (قيمة البيتكوين الواحد في نهاية مايو 2020م يساوي ما يقارب عشرة آلاف دولار)، واستعمالُ هذه العُملة من طرف الإرهابيين يمنحُهم نوعًا من الأمان في التعامل المالي لا يمكن الحصولُ عليه بالعُملات النقدية غير الإلكترونية.
وعن التجربة الموريتانية في الحرب على الإرهاب - نفَسٌ طويل وآفاق متعدِّدة كانت مقالة عبد الله ولد محمدي - كاتب وصحفي موريتاني مختصٌّ بالشؤون الإفريقية، حيث انطلقت الإستراتيجية الموريتانية حسب الكاتب من النظر إلى ظاهرة الإرهاب باتجاهاتها المختلفة، فهي تدرك أن الظاهرة لا يمكن حصرُها في اتجاه واحد، ولا النظر إليها من زاوية واحدة؛ بل هي ظاهرةٌ مركَّبة ومعقَّدة، تتشابك أسبابها واتجاهاتها؛ لتزيدَها تعقيدًا على تعقيد.
وقد حاولت الإستراتيجيةُ الموريتانية، انطلاقًا من هذه الرؤية المركَّبة الواعية، أن تُزاوجَ بين الاتجاهين الأمني والتنموي، وتفعيل الدبلوماسية وجعلها خادمةً لهذه الأهداف، ولكن المحور الأبرز كان تطويرَ الجيش وتسليحه، وتنشيط العمل الاستخباراتي.
وتقسَم هذه الإستراتيجية إلى أربعة محاورَ رئيسة: محور قانوني، ومحور أمني وعسكري، ومحور سياسي ودبلوماسي، ومحور ثقافي وديني.
حيث كانت الإستراتيجيةُ الموريتانية في مواجهة الإرهاب طويلةَ الأمد، وتدرك أن الحرب على الإرهاب ستستمرُّ طويلًا؛ لأنها على عدوٍّ يتأقلم مع مختلِف الأوضاع، وتجب محاربتُه باتباع الأساليب التي ينتهجها، مع الاهتمام بالتنمية والتعليم، وعقد شراكات جادَّة مع المجموعة الدَّولية المهتمَّة بالقضاء على هذه الظاهرة التي باتت خطرًا حقيقيًّا على الأمن والاستقرار الدَّوليين. وبالرغم مما حقَّقته موريتانيا من مكاسبَ لا يزال الخطرُ محدقًا، في ظلِّ تزايد نفوذ تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، ودخول تنظيم داعش على الخطِّ في المنطقة.