مؤسسات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في فرنسا والتأسيس للتطرف والإرهاب
السبت 31/أكتوبر/2020 - 07:18 ص
طباعة
حسام الحداد
قالت الشرطة الفرنسية إن ثلاثة أشخاص قتلوا في هجوم بسكين على كنيسة في مدينة نيس جنوبي فرنسا، ونقلت وسائل إعلام فرنسية، عن مصادر مطلعة على التحقيقات، أن منفذ الهجوم مهاجر تونسي يبلغ من العمر واحدا وعشرين عاما، لكن السلطات لم تقدم أية تفاصيل.
وقال رئيس بلدية نيس، كريستيان استروزي، إنه وقع "هجوم إرهابي في قلب كنيسة نوتردام"، وأضاف أن أحد الضحايا المسنين، الذين جاءوا للصلاة "قطع رأسه"، وأطلقت النار على مشتبه به، ثم اعتقل بعد ذلك بوقت قصير.
وتحدث استروزي عما وصفه بـ"الفاشية الإسلامية"، وقال إن المشتبه به "ظل يكرر الله أكبر".
هذه الخبر وغيره من الأخبار المتداولة حول الإرهاب في أوروبا وخصوصا باريس يجعلنا نفكر جيدا في الذين أسسوا لهذا التطرف والإرهاب ومن أين جاءوا وماذا يريدون؟ وأشئلة كثيرة تراود تفكيرنا ولا يأخذنا التفكير طويلا حتى تتدفق الإجابات فهذه هي أوربا التي فتحت زراعيها لتحتضن جماعة الإخوان المسلمين وتقدم له الدعم والملاذ الآمن تحت دعوى حقوق الإنسان وحق اللاجئين، فما هي حكاية الإخوان في فرنسا..؟
شهدت حقبتا السبعينيات والثمانينيات انطلاقة مؤسسية جديدة لجماعة الإخوان في أوروبا من خلال توافد ما يمكن أن يطلق عليه الموجة الثانية من العناصر الإخوانية التي توجهت إلى أوروبا بعد صدامها مع الأنظمة العربية، إذ حدث تزايد مطرد في عدد الفروع الأوروبية للأحزاب والكيانات الإسلامية في العالم العربي وعلى رأسها جماعة الإخوان. في هذا السياق، انشقت مجموعة من اللاجئين السياسيين والطلبة المحسوبين على الكوادر التنظيمية الإخوانية عن جمعية الطلبة المسلمين في فرنسا عام 1979 وقامت بتأسيس ما أطلق عليه "المجموعة الإسلامية في فرنسا" والتي سرعان ما تحولت عام 1983 إلى اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذى تولى راشد الغنوشي وضع الهيكل الخاص به واستراتيجيته السياسية والأيديولوجية بما جعله إحدى الدعائم المؤسسية الإخوانية في فرنسا وأوروبا حتى الوقت الراهن. وذلك في الوقت الذى شهدت فيه بداية التسعينيات تأسيس المجلس التنفيذي لجبهة الانقاذ الاسلامية الجزائرية بروافدها السلفية والاخوانية في فرنسا وألمانيا وعدد من العواصم الأوروبية، بالإضافة إلى جمعية الأخوة الجزائرية في فرنسا والتي تبنت نهجاً أيديولوجياً قريبا من توجهات الإخوان.
تواكب ذلك مع تعميق جماعة الإخوان لتعاونها على الساحة الأوروبية مع روافد الاسلام السياسي غير العربي وتحديداً الرافدين التركي المتمثل في منظمة MILLI GORUS التي اتخذت من ألمانيا مركزاً لها بعد الحكم بحل حزب الرفاة التركي في السبعينيات. بالإضافة إلى الرافد الباكستاني الممثل في الجماعة الإسلامية الباكستانية المتمركزة في بريطانيا منذ عقد الخمسينيات، وضعاً في الاعتبار أن الرابطة الأيديولوجية بين الجماعة الإسلامية الباكستانية وجماعة الإخوان تم بلورتها إبان الحرب العالمية الثانية بواسطة سيد قطب وأبو الأعلى المودودي.
كان من محصلة كل تلك التطورات، أن سعت جماعة الإخوان لتوظيف رصيدها المؤسسي في عدة عواصم أوروبية من أجل تأسيس حركة معارضة إسلامية متعددة الجنسية تحت قيادتها في مواجهة الأنظمة العربية التي تصادمت معها. وعلى سبيل ذلك، اعتمدت الجغرافيا السياسية لجماعة الإخوان في أوروبا على مبدأ النواة الصلبة كقاطرة للعمل الدعوى والسياسي الإخوانى والمتمثل في الاتحادات والجمعيات النشطة في الدول الثلاث الأوروبية الرئيسية وهى فرنسا وألمانيا وبريطانيا إذ تعد الأخيرة هي نقطة الانطلاق الأكثر شراسة في مواجهة الأنظمة المصرية المتعاقبة.
وقد تمكن اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا -عبر توظيف الكوادر الإخوانية المغاربية ولا سيما العناصر التونسية التي تعد النواة الصلبة للاتحاد- من ضم أكثر من 250 مسجدا وجمعية اسلامية على الأقل تحت مظلته بما مكنه من بسط نفوذه على كتلة معتبرة من مسلمي فرنسا في عدد كبير من المدن والضواحي الفرنسية مما أسهم في ترجيح كفته داخل المجلس التمثيلي لمسلمي فرنسا في انتخاباته المتعاقبة. فضلاً عن تمتع كوادر الاتحاد بعلاقات متميزة مع السلطات الفرنسية (نتيجة قيام قيادات الاتحاد بمجابهة التيار السلفي) بما جعله أحد القواسم المشتركة في الحملات الانتخابية المحلية والتشريعية في ضوء تحكمه في نسبة لا يستهان بها من أصوات المسلمين في عدد من المدن الفرنسية الخاضعة لسيطرته.
كما أنه في إطار تنويع المنطق المؤسسي الإخوانى، اقدم اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا على المضي في انشاء مجموعة من المدارس لتخريج نخبة اسلامية أشهرها مدارس الكندي والرازي وابن رشد حيث يمتلك الاتحاد 5 من بين 10 مؤسسات تعليمية إسلامية في فرنسا وفقا لإحصاءات 2012. كما يسيطر الإخوان في فرنسا على عدد آخر من المؤسسات التعليمية التابعة ايديولوجيا للجماعة في فرنسا مثل مركز الدراسات والبحوث حول الاسلام والمعهد الأوروبي للعلوم الانسانية الذى يتولى اعداد وتخريج الدعاة والأئمة في أوروبا ومعهد دراسات العالم الإسلامي والفرع الفرنسي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي الذى يتخذ من بريطانيا مقرا له ومركز الشاطبي بالإضافة إلى معهد ابن سينا لتخريج الأئمة بمدينة ليل شمال فرنسا والذى أنشئ عام 2006 بتمويل قطري. هذا فضلاً عن سيطرة الشركات التابعة لقيادات اتحاد المنظمات الاسلامية على سوق اللحوم الحلال في فرنسا واحتكار تصديرها لعدد من دول الخليج العربي.
وهناك العديد من المراكز والجمعيات التابعة للتنظيم الدولي لجماعة الاخوان سواء كانت تبعية مباشرة أو غي مباشرة من بينها:
المعهد الإسلامي ومسجد باريس:
يعتبر مسجد باريس استثناءًا فريدًا لهذا الوضع القانوي، حيث جرى بعد الحرب العالمية الأولى في 19 آب 1920م، سن قانون يقضي بزيادة هامش الإعتمادات المخصصة للمعهد الإسلامي الذي تأسس في الجزائر عام 1917م، تقديرًا للمحاربين المسلمين الذين قاتلوا على ضفاف نهر السوم Somme وغيرها. وفي الأول من ديسمبر 1921م تأسست في باريس جمعية أخذت تجمع التبرعات لبناء مسجد، واكتمل بناؤه وتم تدشينه في 1926م، بإشراف سلطان المغرب آنذاك. واعتبرت هذه المؤسسة لعدّة عقود الممثل الفعلي للإسلام في فرنسا.
اتحاد المنظمات الإسلامية:
يعتبر هذا الاتحاد الذي أنشئ سنة 1983م، امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين، وله انتشار ونفوذ واسعين في فرنسا والعاصمة باريس خاصة، ويقوم بدور المنافس الأول للمجلس الفرنسي وإدارة مسجد باريس. يدير عدّة مساجد ومدارس في باريس وضواحيها، ويرعى المخيمات الشبابية لأبناء المسلمين في المدارس والجامعات، ويشرف على مؤتمر سنوي، تُلقى فيه المحاضرات، وتُعرض فيه الكتب الإسلامية، كما يدير الاتحاد معهدًا إسلاميًا تحت اسم "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية". ويحرص الاتحاد في تجمعاته على استعراض شعبيته في وقت تشهد فيه قيادة المسلمين في فرنسا أزمة تمثيل، ويعتبر الاتحاد أن المجلس الفرنسي أخفق في بلورة مشروع يرضي المسلمين في فرنسا وتأسيس مجلس حر ومستقل. ويستمر لقاء المؤتمر السنوي الذي يجمع عشرات الآلاف لعدّة أيام في "بورجيه" شمال باريس حيث يناقش أعضاؤه خلالها قضايا عديدة مثل العائلة المسلمة في فرنسا، وقانون حظر الحجاب الذي صدر في 15 مارس 2005م.
يضم هذا الاتحاد أكثر من 200 جمعية تعمل في مختلف ميادين الحياة الإجتماعية. ويوجد مقر الاتحاد في المنطقة الصناعية بـ "كورنوف"، وهو الفرع الفرنسي من اتحاد المنظمات الاسلامية في أوروبا. وأهم جمعياته في باريس: جمعية الشباب الإسلامي الفرنسي، والطلبة المسلمن الفرنسيين، والرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة، وجمعية ابن سينا للأطباء، وجمعية أئمة المساجد، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس الذي يديره أحمد جاب الله، التونسي الجنسية، وهو نائب رئيس الاتحاد تهامي براز المغربي.
الفدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا:
تأسست سنة 1985م برعاية رابطة العالم الإسلامي، وهي في الأصل مبادرة لبعض الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام أمثال الشيخ يعقوب روتي، ويوسف لوكليرك، ثم تغيّر مع مرور الزمن أعضاء مجلس إدارة الفدرالية، فاستقلت عن الرابطة لتقترب من الحكومة المغربية، وتضم حاليًا أكثر من 150 جمعية في باريس وخارجها.
الاتحاد العالمي الإسلامي:
تأسس في الثمانينيات، ومركزه في مدينة باريس. وهو تجمع يضم في عضويته فئات إسلامية مختلفة. يقيم المؤتمرات العلمية والدينية، وتجري البحوث الجامعية مع طلبة الدكتوراه وبالتعاون مع أساتذة الجامعات بحيث أصبح مركزًا للبحوث يجيب على أسئلة المسلمين وأبحاثهم الدينيية والثقافية. ويشارك الاتحاد في برنامج "تعرّف على الإسلام" على قناة التلفزيون المحلية في باريس. وله مكتبة تتعاون مع المنظمات الدولية واليونسكو، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
المركز الثقافي الإسلامي:
تأسس في أواسط الخمسينيات على يد الأستاذ حميد الله الباكستاني، وهو الشخصية الإسلامية المعروفة في المركز الوطني للتحقيقات العلمية في باريس. أهم أهداف هذا المركز هو إقناع المثقفين برؤيته الإسلامية، وإقامة حوار دائم وتعاون مستمر مع المسيحية والإسلام من خلال الندوات والمحاضرات ونشر الكتب الإسلامية.
وغيرها من التنظيمات التي سوف نعرضها في المقال القادم.