الافكار القاتلة لسيد قطب في كتاب جديد
الثلاثاء 17/نوفمبر/2020 - 05:44 م
طباعة
روبير الفارس
يطرح كتاب أفكار وراء الرصاص للكاتب والمترجم الكبير مصطفى عبيد والصادر عن دار انسان للنشر والتوزيع تصورا موضوعيا حول الإرهاب والعنف السياسي ليُقر بأن تبني العنف لا علاقة له بالأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة للبعض، ولا علاقة له بما يتعرض له فصيل ما من إضطهاد وقمع سلطوي، وإنما هو مرتبط أولا وأخيرا بالأفكار التي تطرق الأدمغة ثم تدلف إليها وتسكن وتستوطن ثم تُسيطر وتحرك صاحبها كما تشاء. إن القضية فكرية بحتة.. كلمات وأفكار مُحددة تُشرعن للقتل والتصفية وممارسة العنف فيما بعد. وفي الكتاب
يحاول مصطفى عبيد قراءة أفكار دعاة العنف بنوعيه الديني والوطني وممارسيه من خلال كلماتهم، مقالاتهم، كتبهم، وشعاراتهم السياسية ليخلص إلى أن مواجهة الإرهاب تستلزم بناء فكريا موضوعيا ومتزنا، وآفاق واسعة لبيئة الثقافة والابداع والفكر، تجعل من الإنسان العادي العامي قادرا على تمييز الأفكار ووزنها بميزان حساس.
يستعرض الكتاب الظروف التي أنبتت شخوص عرفوا بعنفهم السياسي بدءا من عشرينات وثلاثينات القرن ليمر على هنري كورييل، وحسن البنا، وأحمد حسين، وحسين توفيق، ثم مصطفى كمال صدقي، وهنداوي دوير وسيد قطب، وصولا إلى شكري مصطفى ومحمد عبد السلام فرج وأيمن الظواهري. حيث
يبني مصطفى عبيد موقفه من أرضية ليبرالية تتصور أن اتساع قاعدة التعدد والليبرالية يمثل طرحا ضروريا في مواجهة العنف السياسي مستشهدا بشخصية مصطفى النحاس زعيم الوفد من 1927 إلى 1953، مؤكدا أن خطابه وممارساته كانت كفيلة باقامة ساتر قوي ضد الفكر المتطرف سواء وطنيا أو دينيا..
صدرت الطبعة الأولى للكتاب في 2013 ونفذت تماما، لتصدر طبعة جديدة هذا العام عن دار إنسان للنشر. وللكاتب 18 كتابا متنوعا بين الروايات والبحوث التاريخية والكتب المترجمة.
سيد قطب
وفي واحد من أهم فصول الكتاب قدم مصطفى عبيد لافكار سيد قطب التي كانت وراء رصاص لازال يطلق على الأبرياء حيث كتب عبيد يقول
فى 29 اغسطس عام 1966 أعدم الكاتب والمفكر والاديب سيد قطب ...
تدلى عنقه على مشنقة فى سجن الاستئناف بعد أن صدق جمال عبد الناصر على اعدامه ،بدعوى قيادة تنظيم لقلب نظام الحكم .
أُعدم قطب وصار شهيدا وانتشرت أفكاره وآرائه فى مصر والعالم وكتبت عنه الدراسات والكتب العربية والاجنبية وتحول لشخص مثير للجدل فى حياته ونشأته وأفكاره وظروف إعدامه .
كانت قصة حياة سيد قطب نموذجا واضحا للانقلابات الفكرية الحادة .. من اليمين الى اليسار ، ومن العلمانية الى التشدد الدينى .. ومن التحرر الى نفى الآخر .
عاش الرجل 60 عاما كتب فيها 24 كتابا ونحو109 قصيدة شعر ، و495 مقالا بين السياسة والدين والنقد الادبى . ورغم ضحالة ذلك الانتاج الفكرى مقارنة بمفكرين وكتاب جيله ، الا أن ما حوته كتاباته جعلته مادة ثرية لأكثر من 150 كتابا حول حياته باللغة العربية ، ونحو 15 كتابا باللغات الاخرى . فضلا عن 7 رسائل دكتوراة منها واحدة باللغة الانجليزية فى جامعة مانشستر ، وأخرى باللغة الفرنسية فى جامعة السوربون .
وما يعنينا أن نستعرضه فى هذا البحث المختصر أن سيد قطب يمثل التجسيد الأقرب للمثل العربى " جزاء سنمار " . فقد استخدمت ثورة يوليو الرجل ، أو هو أراد ان تستخدمه كمخلب قط لضرب خصومها السياسيين من الوفديين واليساريين ، ثم اقلبت عليه فألقت به الى السجن ، ثم أعدمته بعد ذلك .
ويقول عبيد
إن الثابت تاريخيا أن سيد قطب بدأ حياته وفديا ويشير الدكتور محمد حافظ دياب فى مؤلفه الهام " سيد قطب . الخطاب والايدلوجيا " الى أن "قطب " انضم رسميا الى حزب الوفد خلال الثلاثينات من القرن الماضى . والغريب أنه ترك الوفد لينضم الى السعديين بعد شهور قليلة بدون أسباب واضحة .
ثم ساند الرجل ثوار يوليو مساندة عمياء وحادة وطالب باقصاء جميع خصومها قبل أن يساند جماعة الاخوان ويصطدم بالسلطة ويدخل السجن 9 سنوات كاملة ، يخرج بعدها شهور قليلة ثم يعاد اعتقاله واتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم والحكم عليه بالاعدام .
إن الكاتب البريطانى جيمس توث يرى فى كتابه الرائع عن "سيد قطب . حياته وميراثه الفكرى " أن قطب كان مغرما شخصيا بكثير من المناقشات الفكرية ، والثقافية ، والسياسية فى عصره ، رغم أنه تجنب الكتب الدراسية الغربية التى تناولت التاريخ الفكرى المصرى باسهامات طه حسين ، توفيق الحكيم ، أو محمد حسين هيكل ، لان هؤلاء الادباء استعانوا بالمنظور الغربى بينما هو يدينه بجدية .
وكان تأثير قطب متسع ، وكان تراثه غير عادى . وكمفتاح فكرى فى الحركة الاسلامية ، فإنه هو وأفكاره يحتلان وسط المنصة .
لقد كان النشطاء المبكرون يستشرفون النخبة العامة أو المجتمعات المتدينة المنظمة . أما دور قطب فكان شاملا لمد الايدولوجيا الاسلامية إلى كافة أجزاء المجتمع وإلى كثير من الدول المتاخمة لحدود مصر .
لقد طور نموذجا معقدا وعميقا للمجتمع الاسلامى الحقيقى ، وعكست كتاباته عددا من المحاولات لتجسيد نموذجا متماسكا من المحاورــ الدينية ، السياسية ، الاقتصادية ، التاريخية ، الثقافية ، الأدبية ، الفنية ، والفلسفية ــ على الرغم من أنه تجنب كثير من هذه التصورات عند اختلاطه بالعالم العلمانى الذى صار يرفضه .
إن كثيرين ــ فى راى جيمس توث ــ درسوا سيد قطب من خلال مراجعة معظم اصداراته . وهناك آخرون استكشفوا حياته بشكل نفسى وحللوا أفكاره عبر الزمن معتمدين على قرائن لتحديد متى توجه قطب فى الناحية الخطأ .
كذلك هناك من بحثوا مجموعة المصطلحات الهامة التى أكدها قطب مثل " الجاهلية " نقيض الاسلام ، أو " الحاكمية " وهى الوحدانية الكاملة لله ، و" الجهاد " وهى القتال الضرورى للتحرك من المرحلة الاولى الى الثانية ، لكن الدراسات التحليلية لظروف حياته مازالت فى حاجة إلى مزيد من التأصيل . وتحت عنوان (
رجل ضد الحرية ) كتب مصطفى عبيد
إن المتابع لمقالات سيد قطب فى عامى 1952 ، 1953 يتعجب من ذلك التحريض الفظ من جانب الرجل ضد الحريات وتبنيه للدعوة الى نفى الآخرتماما ،بل والى اقتلاعه تماما من المجتمع .
يقول سيد قطب فى مقال له بجريدة الاخبار بتاريخ 8 اغسطس 1952 تحت عنوان "استجواب الى البطل محمد نجيب " : " إن الرجعية اليوم تتستر بالدستور ، وهذا الدستور لا يستطيع حمايتنا من الفساد إن لم تمضوا أنتم فى التطهير الشامل الذى يحرم الملوثين من كل نشاط دستورى ولا يبيح الحرية الا للشرفاء ."
ويتوسع خطاب سيد قطب المساند للديكتاتورية التى بدت على ثوار يوليو فيقول فى ذات المقال " لقد احتمل هذا الشعب ديكتاتورية طاغية باغية شريرة خمسة عشر عاما او تزيد.. افلا يحتمل ديكتاتورية عادلة نظيفة ستة أشهر!! ."..... وربما توضح هذه المقالة أصول فكرة المستبد العادل التى ترددت وقتها بين ثوار يوليو . إن الرجل يرى أن تحمل استبداد الثورة ضرورى ولازم لاقامة دولة حديثة . وهو رأى غريب عانى منه كافة المختلفين مع الثوار وكان الاخوان المسلمين من بينهم .
وينقل الكاتب حلمى النمنم فى كتابه " سيد قطب وثورة يوليو " نصوصا كاملة من مقالات لسيد قطب كلها تصب فى التحريض على الساسة والاحزاب من خارج الثورة ، فمنها مثلا ما كتبه فى جريدة الاخبار بتاريخ 15 اغسطس 1952 حول تظاهر العمال فى كفر الدوار احتجاجا على الفساد حيث قال :
" هذه الحوادث المفتعلة فى كفر الدوار لن تخيفنا . لقد كنا نتوقع ما هو أشد منها .إن الرجعية لن تقف مكتوفة الايدى وهى تشهد مصرعها ." ثم يضيف قائلا :" فلنضرب بسرعة . أما الشعب فعليه ان يحفر القبر وأن يهيل التراب ."
وبالفعل اعتبرت ثورة يوليو أحداث كفر الدوار تحدى قوة لاختبار قدرة الساسة الجدد على اتخاذ القرارات وأخذت بنصيحة "قطب " وأصدرت أحكاما قاسية على عمال كفر الدوار منها حكم باعدام اثنين من العمال هما خميس والبقرى وصدق مجلس قيادة الثورة على الاحكام .
عدو التعددية
ويكشف مقال آخر فى مجلة روزا ليوسف بتاريخ 29 سبتمبر 1952 آراء سيد قطب فى عودة الاحزاب السياسية ، ورفضه الشديد لفكرة التعددية حيث يقول " هذه الاحزاب ليست صالحة للبقاء ، انها ستتفتت وتنهار سواء طلب الجيش ذلك ام لم يطلبها ، لقد استوفت ايامها وعاشت بعد اوانها ."
ويهاجم " قطب" حزب الوفد هجوما لا منطقيا ويدعى انه " خرب بعد ان دخله الاقطاعى فؤاد سراج الدين وتحالف مع الملك ." ومن يقرأ التاريخ جيدا يعلم ان سراج الدين هو من أطلق صفارة البداية لحرب الفدائيين ضد الانجليز وأن الملك عاش حياته فى السلطة وهو لا يكره احدا مثلما يكرهه .
ولم يكتف سيد قطب بذلك بل طالت سهامه الطائشة الزعيم الجليل مصطفى النحاس نفسه أنبل من أنجبته السياسة المصرية فى تاريخها فقال فى نفس المقال " أما مصطفى النحاس فرجل شاخ وانتهت ايامه كالوفد تماما ."
ويكتب الرجل فى روزا ليوسف بتاريخ 10 سبتمبر 1952 مؤيدا قرارات حركة الضباط ومحاكماتهم قائلا : " لأن نظلم عشرة او عشرين من المتهمين خير من أن ندع الثورة كلها تذبل وتموت ." ..
هل يصدق احد أن يكتب شاعر ومفكر هذه الكلمات ؟ فعلها الرجل واراشيف الصحف شاهدة ولا نملك الا ان نسأل الله له المغفرة .
رفض الغناء والفن
وفى سبتمبر1940 نشر سيد قطب موضوعا بعنوان " الغناء المريض" فى مجلة " الرسالة " ، استنكر فيه قطب الاغانى التى تبث عبر الراديو ، النوادى الليلية ، وشركات التسجيلات الفنية ، واعتبرها خطرا لأنها مثل " السم الذى يسرى عبر روح الامة ، وهو ما يؤدى إلى انهيار الاخلاق والمناقب لكلا الجنسين . إنها تدمر الهيكل الاجتماعى للمصريين والصفات الشخصية لأنها تفسد مناقب الرجال والنساء ."
وأكد أن الموسيقى وكلماتها تخرّب كرامة مصر ورجالها ونسائها وتثير الغرائز الحيوانية وتذهل مشاعر الجسد . مثل هذه الأغانى المريضة يجب حجبها لذا فقد اقترح النعامل مع المشكلة كما يجب أن يتعامل الانسان مع المخدرات ،و الكحوليات باعتبارها إثم مجرّم .
وبصورة مشابهة انتقد قطب جودة السينما خاصة الافلام الرومانسية التى بدأت تغزو السوق المصرى . وكتب :
" فى مصر تقوم معظم الأفلام التى تعرض فى السينما سواء محليةأاو عالمية على الحب . وتظهر بعض الأفلام العالمية رغبات الانسان فى صورة نبيلة ورحيمة بما ينعكس على كرامته وصلاح روحه . إننا لا نعنى بكرامة الانسان تلك الصورة الروحية أو الافلاطونية ، لكننا نعنى أن الصورة هى صورة حية لرغبة الانسان وليس للحيوانات المثارة ولا للبغاء الرخيص . إن هناك أفلام عديدة تظهر هذه الرغبة الانسانية فى شكل مبتذل . وللاسف فإن بعض هذه الافلام مصريا خالصا ، لذا فإن الفيلم المصرى معروف أنه الأدنى فى العالم ففيه يصبح العشاق مخنثين ، ناعمين ، وضعفاء وليس لديهم أكثر من الحزن والبكاء . مثل هذه الأفلام مدمرة وخطرة على الانسانية . "
شهادة نجيب محفوظ
والثابت أن الاديب الكبير نجيب محفوظ قدم شهادته باستفاضة عن سيد قطب فى نصه البديع " المرايا " الذى ترجم فيه لكثير من معارفه ومعاصريه وقد اختار له اسما مغايرا هو عبد الوهاب اسماعيل . ومما قاله الاديب العالمى عنه :
" هو اليوم اسطورة ، ويختلف فيه التفاسير . وبالرغم من اننى لم ألق منه الا معاملة كريمة اخوية الا اننى لم ارتح ابدا لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين ."
ثم يفسر نجيب محفوظ ذلك بثلاثة مواقف لمح منها انتهازيته وتعصبه وكراهيته للآخر ، أولها حديث دار بينهما – محفوظ وقطب- حول كاتب قبطى امتدحه سيد قطب عندما كان ناقدا ادبيا وقال انه ذكى وحساس ومطلع وذو أصالة فى التفكير ، فسأله نجيب محفوظ أن يكتب عنه فرد أنه لن يساهم فى بناء قلم قد يستخدم يوما فى تجريح التراث الاسلامى !
وثانى المواقف أنه قال له انه يحتقر شخصا ما لديه مجلة يمتلكها ويكتب فيها ثم فوجىء بمقالة له فى مجلة " الرسالة " يمتدح فيها ذلك الشخص ويرفعه فيها الى السماء وعلم بعدها أن صاحبنا اتفق مع صاحب الجلة أن ينشر له كتابا بمقابل مجزى .
ثالث المواقف كان قبيل اعدامه بقليل عندما افرج عنه عام 1964 والتقاه محفوظ ودعاه ان يعود للنقد الادبى فسمع منه كلمة جاهلية . وقال له الرجل وقتها أن كافة القوانين يجب أن تنحى وتستبدل بالقرآن ، وان على المرآة أن تلزم بيتها ، وان الاشتراكية والوظنية والحضارة الاوروبية خبائث علينا ان نجتثها من أصولها . وحول (
خطاب التكفير ) في حياة قطب كتب عبيد يقول
وتمثل المرحلة التالية فى فكر سيد قطب مرحلة تأييد ومساندة الثورة الى الانقلاب عليها وتكفيرها ، بل وتكفير جميع المجتمعات القائمة فى كتابه "معالم فى الطريق ."
ويرى الدكتور محمد حافظ دياب أن الخطاب " القطبى " فى هذه المرحلة اتسم بعدة صفات تتناقض مع كثير من اطروحات الاسلاميين بشأن حرية الرأى وقبول الآخر منها أنه خطاب "مطلق " طرحه صاحبه على كونه " الصحيح المطلق " وما دونه الباطل .
كما اعتمد الخطاب على الاخذ بافكار ثبتت فى ظروف معينة واطلاقها كافكار صالحة لكل ظرف وزمان مثلما حدث فى الاقتباس من فتاوى ابن تيمية قديما ، و افكار ابى الاعلى المودودى حديثا .
لقد عمم سيد قطب فتوى ابن تيمية بتكفير الحاكم اذا خالف شرع الله رغم أن موقف ابن تيمية له مبررات تاريخية حين تصدى لمحاولات الحاكم المغولى للسيطرة على العالم الاسلامى بادعاء الاسلام . أما " المودودى " فقد وقف بفتوى تكفيره عند الدولة وهى دولة غير مسلمة فى الاساس " هندوكية " .
ويرى الدكتور" دياب " أن اخطر ما يبدو من أفكار سيد قطب أنه اطلق " القداسة " عليها فهو اعتبر تصوراته مسلمات لا تقبل النقاش او الجدل ويعنى ذلك ان نقد الخطاب القطبى " مستحيل ".
يقول سيد قطب فى صفحة 106 من "معالم فى الطريق"- دار الشروق - " الاسلام لا يعرف سوى نوعين من المجتمعات :مجتمع اسلامى ومجتمع جاهلى ".
ويقول فى صفحة 98 من نفس الكتاب "ويدخل فى اطار المجتمع الجاهلى جميع المجتمعات القائمة على الارض ،الشيوعية والوثنية واليهودية والمسيحية ،والمجتمعات التى تزعم انها مسلمة ." الا ترون معى ان هذه العبارات تشكك فى اطلاق وصف مجتمعات اسلامية على مجتمعاتنا التى يدين اغلبيتها بالاسلام ويصلى الناس الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان ويستهجنون من يفطر بلا عذر ، ويدفعون الزكاة ويسعون لحج بيت الله . الا يعد إنكار الاسلام عن مجتمعاتنا نوعا من الغلو ، وترجيحا للتكفير .
ويقول الرجل ايضا ص 173 من "المعالم " " الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية . ليس هذا اسلاما وليس هؤلاء مسلمون ."
وفى كتابه "خصائص التصور الاسلامى - طبعة دار الشروق ، يقول ص 85 :
" إما أن يلتزم الناس الاسلام دينا اى منهجا للحياة ونظاما والا فهو الكفر والجاهلية ." وبهذا المعنى يحكم الرجل على الراقصات واللصوص و العاهرات من المسلمين بالكفر ، فليس هناك شك أن اى منهم لا يلتزم بالاسلام منهجا للحياة . وبدون شك أو مدارة فإن ذلك القول هو التكفير بعينه ، وهو مالم يقل به احد من علماء الاسلام عن اى من العصاة أو الفاسقين . لقد خلط الكاتب بين المعاصى والكفر بصورة خطيرة سيطرت على معظم كتاباته التى لم تكن تراجع فقهيا بسبب ظروف سجنه الطويلة .
و فى "الظلال .ج1 " ص 25 نجده يقول :
" القوى الانسانية نوعان ، قوة مهتدية ،تؤمن بالله وتتبع منهجه وهذه يجب أن نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح ..وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه . وهذه يجب أن نحاربها ونكافحها ونغير عليها ." ولم يقل احد ابدا ان مهمة المسلمين فى الارض هى الاغارة على القوى غير المهتدية ،ولم يقل احد أنه لو هناك مسلمون غير مهتدون وبعيدون عن منهج الله فإن ذلك يبرر الاغارة عليهم سوى الاستاذ قطب .
وعلى الرغم من صدامية هذه الافكار وحدتها ومجانبتها لأصول الاسلام كما أوضح بعد ذلك الدكتور يوسف القرضاوى والدكتور محمد عمارة والشيخ ناصر الالبانى وغيرهم من علماء الاسلام ، الا أن النظام الناصرى استغلها فى الايقاع به والصعود به الى طبلية الاعدام ، وهو ما لا نقره ونعتبره جريمة من جرائم عبد الناصر .
حبل المشنقة
وقد بقيت لنا وثيقة هامة اشتهرت باسم " لماذا أعدمونى " يحكى فيها سيد قطب قصته كاملة مع الاخوان والثورة وقضية قلب نظام الحكم .
وعلى الرغم أن بعض محبى سيد قطب شككوا فى أصل هذه الوثيقة والتى يقال أن الرجل كتبها قبيل اعدامه بشهور وتحديدا فى 22 اكتوبر عام 1965 ، الا أن المسئولين عن نشر الوثيقة أكدوا أن محمد قطب شقيق سيد قطب والذى يقيم فى المدينة المنورة اطلع عليها وجزم بصحة خط صاحبها .
لقد ظهرت الوثيقة لأول مرة فى جريدة المسلمون اللندنية عام 1985 ونشرت مسلسلة تحت عنوان " سيد قطب : لماذا اعدمونى " ثم صدرت فى كتاب عن الشركة السعودية للابحاث والتسويق فى نفس العام .
ويروي الكاتب صلاح قبضايا أن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أعطى بعض تلاميذه بعض وثائق العهد الناصرى لدراستها وتحليلها وكان مما أعطاه للكاتب فهمى هويدى هذه الوثيقة والذى عرض نشرها فى جريدة المسلمون .
فضلا عن ذلك يرى المؤيدون لصحة الوثيقة أن الاستاذ سيد قطب عرف عنه قوة الارادة والصلابة وهو ما يعنى انه كتبها بارادته ودون اى ضغوط .. كما انها تضمنت وقائع ومواقف للرجل مع بعض معارفه واقربائه اقر بكثير منها شقيقه محمد قطب . علاوة على ذلك فقد تضمنت استعراض لكثير من جرائم النظام الناصرى تجاه الاسلاميين لم يكن ليمليها زبانية النظام على سيد قطب فى ذلك الوقت مثل الكلام عن تدبير حادث المنشية عام 1954 ، وذكر لتفاصيل المذبحة التى خطط لها ونفذها زكريا محيى الدين ضد مساجين الاخوان فى ليمان طرة عام 1957 وراح ضحيتها 21 سجين .
المهم أن المرجح طبقا لخط سيد قطب وبيانات الوثيقة انه كتبها فى وعى تام وبكامل ارادته ودون ضغوط وهى تعكس آخر مراحل مشروعه الفكرى لاقامة دولة الاسلام . والخطير فى وثيقة "لماذا اعدمونى " انها تتحدث صراحة عن وجود تنظيم حقيقى للاخوان لتغيير الحكم وان بعض افراد ذلك التنظيم قاموا بشراء سلاح ومتفجرات ، وانه كانت هناك خطط لنسف القناطر وبعض الكبارى ولاغتيال بعض الشخصيات السياسية تمهيدا للانقلاب .
يقول "قطب " فى بداية الوثيقة :
" لقد آن الاوان أن يقدم انسان مسلم رأسه ثمنا لاعلان وجود حركة اسلامية وتنظيم غير مصرح به قام لاقامة النظام الاسلامى ايا كانت الوسائل التى سيستخدمها لذلك ." ويحكى الرجل بداية التحاقه بجماعة الاخوان عام 1953 واعتقاله بعد حادث المنشية واتهامه بأنه المسئول عن تحرير المنشورات وهو مالم يكن صحيحا حسب قوله .
ثم يتحدث عن محن الاخوان المسلمين فى سجون ناصر ومذبحة طرة واتساع حجم الغضب بين شباب الاخوان ونمو تنظيمات عديدة تدعو للانتقام من الدولة التى لا تطبق الاسلام . ثم يقول صاحب الوثيقة " كنا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة فى تغيير نظام الحكم وفى الوقت نفسه قررنا استخدامها فى حالة الاعتداء على التنظيم . وكان معنى ذلك البحث فى موضوع التدريب والاسلحة اللازمة لهذا الغرض ."
ثم يقول:
" أخذ الاخوة فى محاولات لصنع قنابل نجحت بالفعل لكنها كانت فى حاجة لتحسين . " وتحكى الوثيقة كيف تم شراء اسلحة من ليبيا ثم يقرر كاتبها فى وضوح تحوله للرأى القائل بمشروعية تغيير نظام الحكم بالقوة فيقول " وكان امامنا المبدأ الذى يقرره الله سبحانه وتعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وكان الاعتداء قد وقع علينا بالفعل فى 1954 وفى 1957 بالاعتقال والتعذيب واهدار الادمية وتشريد الاطفال والنساء ."
ثم يقول :
" ووفقا لهذا جاءوا فى اللقاء التالى ومع احمد عبد المجيد قائمة باقتراحات تتناول الاعمال التى تكفى لشل الجهاز الحكومى . وهذه الاعمال هى الرد فور وقوع اعتقالات لاعضاء التنظيم بازالة رؤوس فى مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربى ، ثم نسف لبعض المنشآت التى تشل حركة المواصلات لضمان عدم تتبع بقية الاخوان . "
وتتحدث الوثيقة بعد ذلك عن علاقات وزيارات ولقاءات لقطب بافراد وشخصيات عامة ثم تنتهى بتقرير " ان العنف الذى عومل به الاخوان عام 1954 بناء على حادث مدبر لهم وليس منهم هو الذى أنشأ فكرة رد الاعتداء بالقوة ."
ولاشك أن هذه الوثيقة وما تحمله من اعترافات تدور فى محور تبرير العنف فى التغيير ، وهو نفس المنهج الذى اتبعته الجماعات المسلحة خلال حقبة الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضى وانتهت الى الاف الضحايا وتكريس للاستبداد السياسى وتبرير للقوانين الاستثنائية المقيدة للحريات .
واذا كان البعض يلجأ الى تأويل افكار سيد قطب الاخيرة الواردة فى كتاب " المعالم " ويرفض تفسيرها بأنها تتشابه مع أفكار "الخوارج " و" التكفيريين " فإن ما ورد فى وثيقة "لماذا اعدمونى " تؤكد بما لا يدع شكا أن قطب كان يعنى تماما ما كتب وانه كان يؤمن بالتغيير بالقوة والعنف وانه كان يكفر جميع المجتمعات القائمة ويرى الاسلام دين هجومى عليه الدخول فى حروب دائمة مع الآخرين لاقامة مملكة الله ، وهو مالم يقل به احد من عقلاء أئمة الاسلام ..