داعش والنازيون الجدد وخطاب الكراهية والتطرف في العالم الافتراضي (1)
الثلاثاء 08/ديسمبر/2020 - 06:51 ص
طباعة
حسام الحداد
الإرهاب والتطرف وتعدد الوجوه في العالم الافتراضي، القاعدة وداعش والمتطرفين البيض والنازيين، جميعهم يستخدم الفضاء الالكتروني في إرهابنا، وتجنيد الشباب واشاعة الفوضى والتطرف بين أبنائنا، حول هذا الموضوع صدرت دراسة مهمة بعنوان " خطاب الكراهية والتطرف في العالم الافتراضي" بالتعاون بين المركز الدَّولي لدراسة التطرف والعنف السياسي ( ICSR ) التابع لجامعة كينجز كوليج في لندن، ومعهد الحوار الإستراتيجي ( ISD ) في لندن ومؤسسة أماديو أنطونيو، وهي جزءٌ من المبادرة التي أطلقوها عام 2016 م لمكافحة التطرف وخطاب الكراهية بعنوان: «مبادرة الشجاعة المدَنية في العالم الافتراض
شارك في الدراسة فريقٌ كبير ضمَّ خبراءَ متمرسين في مكافحة التطرف، منهم الدكتور بيتر نيومان مؤسِّسُ المركز الدَّولي لدراسة التطرف والعنف السياسي ICSR في كينجز كوليج بلندن، ودانيال كوهلر مديرُ المعهد الألماني لدراسات التطرف ومكافحته، ويوهانس بالدوف رئيسُ مبادرة OCCI في ألمانيا، وجوليا إبنر الباحثةُ في معهد الحوار الإستراتيجي في لندن، والدكتور كريستيان مونتاج الأستاذُ في معهد علم النفس بجامعة أولم بألمانيا
وفي مقدمة الدراسة أكد دكتور نيومان على أن خطابَ الكراهية أو التطرف ليسا ظاهرتين جديدتين، لكنَّ مظاهرهما ونتائجهما تغيَّرت كثيرًا في العقود القليلة الماضية، بسبب الأثر المتزايد للإنترنت الذي أصبح جزءًا مهمًّا من حياتنا، بل غيَّرها تغييرًا كبيرًا، فكان من الطبيعيِّ أن يغيِّرَ سلوكَ الاتصال للمتطرفين أيضًا، ويغيِّرَ خطاب الكراهية الذي انتشر في الإنترنت انتشارَ النار في الهشيم، وتغلَّب
على كل محاولات الحجب والإزالة.
ومن أعظم المشاكل التي تواجه التصدِّيَ لهذه الظاهرة أن التقنية تتطوَّر بسرعة أكبر من البحث، فالمشروع البحثيُّ الذي يتناول التطرفَ وخطاب الكراهية ويستغرق سنوات، لن تكونَ توصياته ذاتَ قيمة عملية؛ لأن البيئة التقنية تكون قد تطوَّرت في هذه المدَّة كثيرًا.
فعلى سبيل المثال: معظمُ برامج المراسلة التي يستعملها الناسُ بكثرة حاليًّا للتواصل، إنما بدأت قبل أقلَّ من عشر سنوات.
نقاش حول: خطاب الكراهية والتطرف في الإنترنت
يستعرض سيمون رافائيل وألكسندر ريتزمان في الفصل الأول بإيجاز النقاشاتِ الدائرةَ في ألمانيا بين السياسيِّين عن خطاب الكراهية والتطرف في الإنترنت، والاستجابة بإصدار التشريع المسمَّى «إنفاذ القانون على الشبكة »NetzDG ، ويناقشان إن كان أدَّى ذلك إلى إزالة المحتوى المتطرف بفاعلية أكثر، دون المساس بحرية التعبير المشروعة، ويقدِّمان سُبل استكمال التشريع بتعاون وتشاور أوسعَ مع المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين.
ظلَّ خطابُ الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي في ألمانيا دون رقابة كافية مدَّة طويلة، حتى أنشأت وزارةُ العدل الاتحادية في عام 2015 م فريقَ عمل للتعامل مع هذه الظاهرة والردِّ على محتوى المتطرفين في الإنترنت، وعندما اعتُمد قانون NetzDG ودخل حيِّزَ التنفيذ في فبراير 2018 م تعرَّض السياسيون لانتقادات ليس من المتطرفين فحسب، ولكن من ممثِّلي المجتمع المدني أيضًا.
ويشرح دانيال كوهلر وجوليا إبنر في الفصل الثاني إستراتيجيات الجماعات المتطرفة في استغلال إمكانات الإنترنت لاستقطاب المجتمع، وتجنيد الأفراد، وإرهاب المخالفين، والتلاعب بالمناقشات في الإنترنت، ويؤكِّدان أوجهَ التشابه في خُطط هذه الجماعات ووسائلها في الإنترنت، على الرغم من اختلاف معتقداتها وتوجُّهاتها، ويبيِّنان الحاجةَ إلى فهم عميق لأساليبهم؛ لتطوير استجابات مناسبة ومُجدية.
في عام 2005 م كتب أيمن الظواهري الرجلُ الثاني في تنظيم القاعدة الإرهابي وقتئذٍ رسالةً إلى أبي مصعب الزَّرقاوي زعيم القاعدة في العراق، انتقد فيها الوحشيةَ المفرطة لفرع القاعدة في العراق، مظهرًا خشيتهَ من أن يؤدِّيَ هذا العنفُ إلى فِقدان دعم المجتمع، وقال الظواهري: أكثرُ من نصف المعركة تدور في ساحة الإعلام، نحن في معركة إعلامية من أجل كسب قلوب أبناء أمَّتنا وعقولهم. وقد ثبتت صحةُ مخاوف الظواهري، ففي العام التالي ظهرت معارضةُ الجماعات السُّنية في الأنبار، وما هي سوى ردِّ فعلٍ على توحُّش القاعدة.
وقبل عام من خطاب الظواهريِّ نشر أبو بكر ناجي منظِّرُ القاعدة كتابه «إدارة التوحُّش » الذي يَعدُّه بعض الباحثين دليلَ عمل للتنظيم الإرهابي، مؤكِّدًا فيه أهميةَ عرض صور للهجَمات والضحايا في الإنترنت؛ لتوليد شعور دائم بفقد الأمن وبالخوف والفوضى والوحشية التي لا تستهدف الغربَ فحسب، بل تستهدف السكَّان
المدنيين في الدول المسلمة، والهدفُ من ذلك استقطابُ المواطنين الباحثين عن الأمن والنظام، بإقناعهم أن هذه الجماعاتِ المتطرفةَ هي من ستوفِّر لهم ذلك.
ويرى ناجي أن لوسائل الإعلام أثرًا بيِّنًا في هذا الصراع؛ ولذلك دعا القاعدةَ إلى اتِّباع إستراتيجية إعلامية مزدوجة تستهدف فئتين:
الأولى هي الجماهير؛ لدفع عدد كبير منهم للانضمام إلى القاعدة، أو تقديم الدعم لها. والثانية هي جنودُ العدوِّ الذين يتقاضَون رواتبَ أقلَّ؛ لدفعهم للانضمام إلى صفوف المقاتلين المتطرفين، أو على الأقلِّ للهرَب من خدمة العدوِّ.
وتبنَّى الإرهابُ اليميني المنطقَ نفسه باتباع (إستراتيجية الاضطراب)؛ التي تُتيح للأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تُندِّد بضعف الدولة الديمقراطية وتطالب بنهج متشدِّد إزاء الجريمة، أن تستفيدَ من الشعور بعدم الأمان. ويعطي المتطرفون اليمينيون حربَ المعلومات الأولويةَ القصوى، ويحاولون استخدامَ وسائل الإعلام
التقليدية والحديثة لتحقيق أهدافهم. وفي وقت مبكِّر من عام 1998 كتب ديفيد ديوك زعيمُ كلو كلوكس كلان Klu Klux Klan حينئذٍ أن الإنترنت سيكون مفيدًا للثورة العالمية من أجل الوعي بالعِرق الأبيض، وسيساعد الحركةَ على معالجة الجماعات المستهدَفة مباشرة على نحو مستقلٍّ عن وسائل الإعلام الرئيسة.
والفئة المستهدَفة الرئيسةُ لكلتا الحركتين هي الشباب؛ ولهذا السبب غالبًا ما تحاكي دعايةُ تنظيم داعش مشاهدَ من أفلام هوليوود، أو ألعاب الكمبيوتر؛ لتقديمها بطريقة جذَّابة للشباب. وقدَّم الفاشيُّون الإيطاليون الجدُد الإرهابيَّ اليميني لوكا ترايني، الذي أطلقَ النار على المهاجرين الأفارقة في فبراير 2018 ، على أنه God of Race
War في إشارة إلى لعبة الكمبيوتر God of War.
خُطط ومقاربات بين داعش واليمين المتطرف
استندت الخُطط الإستراتيجيةُ للدعاية الإعلامية لتنظيم داعش الإرهابي إلى ثلاثة أسُس:
• سرديات إيجابية عن داعش.
• دحض واسع النطاق للخطاب المضادِّ.
• هجَمات إعلامية منظَّمة.
ويُقدَّم العملُ الإعلامي في هذه الخطط الإستراتيجية على أنه مكافئٌ للجهاد الجسدي، إن لم يكن أكثرَ أهميَّة منه.
يهدِفُ الأساسُ الأول لإستراتيجية الإعلام لداعش "السرد الإيجابي والبديل" إلى إنشاء علامة جاذبة للتنظيم، ذات قيمة لدى عامَّة الناس، فالنداء التأسيسيُّ لداعش- في زعمهم- ليس رفضًا للوضع الراهن أو تحدِّيًا للاستبداد فقط، بل هو بديل إيجابيٌّ يقدِّم حلًّ شاملً دون إسهاب في الحديث عن المشكلة، وهذا من التحوُّل في التواصل لدى التنظيم الإرهابي، «وهو الابتكار الأكثر أهميَّة لداعش في مجال الاتصالات الإستراتيجية .»
ويدعو الأساسُ الثاني "الخطاب المضاد" الإعلاميين في التنظيم إلى إنشاء مَتاريسَ من الحُجَج والأدلَّة المضادَّة؛ للدفاع عن أنفسهم تجاه الغزو الفكريِّ لمن يسمُّونهم بالكفَّار. والمنطق المركزيُّ لهذا في إستراتيجية دعاية داعش قريبٌ جدًّا من أنماط الفكر اليمينيِّ المتطرف. تقول إحدى دعايات داعش: «وسيرسَخ الجهل بين الناس، ولن يمرَّ إلا بضعةُ عقود قبل أن يضيعَ هذا الجيلُ من المقاتلين باسم الله تعالى، ولن تجدوا أحدًا يُكمل الرحلة ». ويستخدم المتطرفون اليمينيون في ألمانيا حجَّةً مماثلة عندما يشيرون إلى تدهور القدرة الدفاعية أو الجودة البيولوجية للعِرق الآريِّ؛ بسبب الهجرة وتعدُّد الثقافات في المجتمع.
في كلتا الحالتين يتناول الوصفُ أزمةً وجودية يجب منعها بأيِّ ثمن، فبينما يرى تنظيمُ داعش أن القوة الروحية اللازمة للمقاومة المُجدية لغير المؤمنين مهدَّدةٌ بالانقراض، يخشى المتطرفون اليمينيون في ألمانيا التدميرَ المتعمَّد للقدرة الدفاعية الجسدية للعِرق الآريِّ.
ويقوم الأساسُ الثالث للإستراتيجية على استخدام تنظيم داعش وسائلَ الإعلام سلاحًا نفسيًّا؛ لدعم العمليات العسكرية الإرهابية، وهذا ما يفسِّر نشرَ التنظيم صورًا صادمة كعمليات الإعدام المروِّعة.
أما اليمينُ المتطرف العالمي فلديه إستراتيجية إعلامية أكثر تعقيدًا من داعش، تعتمد تشويهَ التصوُّر العامِّ، والتأثير في النقاش السياسي بحمَلات منسَّقة؛ للتصيُّد والكراهية والتضليل في وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا كانت حمَلاتُ الكراهية التي يشنُّها التنظيم تجري في العالم الافتراضي، فإنها لا تخلو من عواقبَ في العالم الحقيقي، فهي تُلهم الأعمال العنيفة، وتُرهب المعارضين، وتؤثِّر في الانتخابات.