بين خطف التلاميذ وذبح المهاجرين.. بوكو حرام الأكثر وحشية في افريقيا
الأربعاء 23/ديسمبر/2020 - 05:00 م
طباعة
حسام الحداد
ان المتابع للتنظيمات الإرهابية في أفريقيا ليجد أكثرها خطورة حركتي بوكو حرام في نيجيرا وحركة شباب المجاهدين في الصومال، وفي الآونة الأخيرة وفي ظل الضغط الأمني على الحركتين زاد توحشهما، خصوصا بوكو حرام في نيجيريا والتي قلت مواردها في الأونة الأخيرة فاتجهت لعمليات نوعية جديدة لزيادة أموالها وهي خطف تلاميذ المدارس وطلب فدية نظير عودتهم أو الإفراج عنهم.
في 15 ديسمبر الجاري أعلن زعيم جماعة "بوكو حرام" المتطرفة، أبو بكر شيكاوا، مسؤولية الحركة عن خطف مئات الطلاب الثانويين في شمال غرب نيجيريا، وذلك في تسجيل صوتي، حسب "فرانس برس".
في حين لا يزال 333 مراهقا على الأقل، مفقودين منذ الهجوم على مدرستهم الثانوية في ولاية كاتسينا بشمال غرب نيجيريا، على بعد مئات الكيلومترات عن مناطق "بوكو حرام"، التي عادة ما تنشط في شمال غرب نيجيريا وفي محيط بحيرة تشاد، من جانبه، دان الرئيس النيجيري، محمد بخاري، الهجوم وأمر بتعزيز الأمن في جميع المدارس. وتم إغلاق المؤسسات التعليمية في ولاية "كاتسينا".
وأكد الجيش الإثنين أنه حدد "أماكن العصابات" لافتا إلى القيام بعملية عسكرية.
وأشارت "فرانس برس" إلى أنه في البداية نسبت عملية الخطف لجماعات مسلحة يطلق عليها "عصابات"، تقوم بترهيب السكان في هذه المنطقة غير المستقرة، التي تكثر فيها عمليات الخطف لقاء الحصول على فدية، حيث تعد حادثة الخطف تحولا مهما في تمدد نفوذ الجماعات الجهادية في شمال غرب نيجيريا.
وبعد يومين من اعلان زعيم التنظيم مسؤولية جماعته عن خطف التلاميذ، وفي 17 ديسمبر أطلق سراح 344 تلميذا الذين اختطفوا وقال متحدث بإسم حاكم ولاية كاتسينا إن الطلاب الـ 344 المفرج عنهم كانوا في حالة جيدة.
ومع ذلك ، فمن غير الواضح ما إذا كان قد تم إطلاق سراح جميع الفتية
وقال المتحدث الرسمي النيجيري، عبد اللاباران، في بيانه، إن الفتية نُقلوا إلى العاصمة الإقليمية كاتسينا، وسيتم لم شملهم بأسرهم قريبا.
وفي حالات كثيرة في السابق كان يتم دفع فدية بطريقة أو بأخرى ويتم إطلاق المخطوفين بينما تستغل بوكو حرام أموال الفدية للتسليح والتدريب.
ومن بين العمليات الأكثر وحشية في الأونة الأخيرة ذبح مقاتلو جماعة بوكو حرام 43 مزارعا على الأقل كانوا يعملون في حقول الأرز في مدينة مايدوغوري في شمال شرق نيجيريا وأصابوا 6 آخرين بجروح، وفق ما أفاد فصيل مسلّح مناهض للمتشددين في أخر نوفمبر الماضي.
لم تكن أعمال الخطف تكتيكا للحركة لكنه أدخل إليها من قبل جناح فيها يسمى نفسه "الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا"، وقد تدرب هذا الفصيل على أيدي "القاعدة في المغرب" التي كان لها دور في تحول الجماعة إلى العنف والإرهاب منذ حوالي عشرين عاما.
أبرز عمليات الخطف التي قامت بها بوكو حرم كانت في العام ألفين وأربعة عشر عندما خطفت مئتي فتاة ولم يطلق سراحهن في وقت قصير.
وإلى اليوم لا تزال هناك الكثير من الفتيات المخطوفات في قبضة بوكو حرام التي تدعي أن الفتيات لا تردن العودة إلى عائلاتهن.
خطفُ الفتيات في ذلك العام بينما كانت جماعة داعش تقوم بالسيطرة على مناطق واسعة من شمال العراق لفت نظر العالم إلى حجم الإرهاب الذي تقوم به بوكو حرام في نيجيريا وتهدد من هناك دول حوض بحيرة تشاد إذ لم تكن الحكومة النيجيرية قادرة على احتواء أعمال الجماعة. ثم تكررت حوادث الخطف وكانت إحداها في فبراير عام ألفين وثمانية عشر عندما خطفت الجماعة مئة طالب واحتجزتهم لمدة شهر ثم أطلقت سراحهم ولم يكن ذلك مجانا على ما يبدو.
كانت الحركة في بدايتها عام ألفين واثنين حركة دعوة ونشاطها سلمي عندما انشقت بزعامة محمد يوسف عن جماعة إبراهيم الزكزاكي تحت اسم جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد. لكنها متأثرة بجماعة "القاعدة في المغرب" فبدأت تتحول نحو العنف وتبني الأفكار المتشددة.
ولأن محور معارضتها كان للتعليم الغربي في نيجيريا أطلق عليها صفة "بوكو حرام" بلغة الهاوسا وعرفت بها وهي عبارة تعني تحريم التعليم الغربي في نيجيريا.
تحولت الجماعة إلى الإرهاب بعد العام ألفين وثمانية واتجهت نحو المزيد من التشدد عندما سيطر عليها أبو بكر شيكو إثر وفاة زعيمها الأول في الاعتقال.
وقد نقل أبو بكر شيكاوا الحركة إلى حالة غير مسبوقة من الإرهاب المتوحش إلى درجة استخدام الأطفال في عمليات تفجير انتحارية؛ وقد أعلنت الحركة ولاءها لحركة داعش في مارس من عام ألفين وخمسة عشر.
مثل كل الحركات الإرهابية تستقوي بوكو حرام على المدنيين الضعفاء والصغار من طلبة المدارس لأنهم أهداف سهلة في مناطق تصنف أمنيا بأنها رخوة حيث قبضة الأمن ضعيفة.
أما ذروة أعمال بوكو حرام الإرهابية فكانت في عامي ألفين وأربعة عشر وألفين وخمسة عشر وبعدها تراجعت وتيرة تلك الأعمال بسبب ضعف التمويل وشدة الضغط العسكري الذي تقوم به قوات الحكومة.
وبينما تستعر المعركة ضد بوكو حرام تبدو جماعة إبراهيم الزكزاكي الموالية لإيران والممولة منها هادئة وصامتة في تكتيك الانتظار لمصير زعيمها المعتقل.
وجماعة الزكزاكي المحظورة منذ ست سنوات تطالب بإنشاء نظام حكم على غرار النظام الإيراني، وتعتمد الجماعة على شيعة نيجيريا الذين تصل أعدادهم إلى خمسة ملايين نسمة تقريبا. وتقوم الدولة بمكافحة هذه الجماعة وتعتبرها أداة إيرانية معادية للسلطة، وسبق للمواجهات أن أسقطت عشرات القتلى وانتهت باعتقال زعيم الجماعة.
الصراع بين قوات الحكومة وميلشيات بوكو حرام مستمر منذ اثني عشر عاما أسقطت عشرات الألوف من القتلى وشردت الملايين.
لكن الضغط العسكري المستمر لم يتمكن من القضاء على الحركة وإن كان قد قلص من نفوذها وكبدها خسائر جسيمة وأفقدها الكثير من الأراضي التي كانت تسيطر عليها.
لكن الحركة التي تجد حاضنة اجتماعية في المناطق الفقيرة، تمكنت من العودة إلى نشاطها والقيام بهجمات إرهابية متفرقة في البلاد والكثير من عمليات الخطف والترويع للأهالي.
نتائج العمليات العسكرية على الدوام كانت قصيرة الأمد، وما إن تبتعد القوات الحكومية حتى تعود ميلشيات الحركة من جديد؛ وقد شكلت دول حوض بحيرة تشاد قوات مشتركة لمواجهة حركة بوكو حرام لكن هذه القوات المشتركة لم تكن ذات فاعلية كبيرة.
ومع أن التعاون الإقليمي مهم جدا في محاربة الحركة إلا أن الدول المشاركة أحجمت عن المشاركة بكل طاقتها بسبب بعض الحساسيات القومية مما جعل القوة المشتركة ضعيفة عمليا وهيكليا.
الخبراء في شؤون الإرهاب يرون أن العمل العسكري وحده لن يقضي على الجماعة وأن المطلوب فعلا هو برامج اجتماعية وإنسانية شاملة لمواجهة الدوافع التي تتسبب في نشوء التطرف في المناطق التي تشكل حاضنة اجتماعية للحركة حتى لا تبقى أي مبررات لوجودها.
وهذه البرامج التي سينتج عنها توفير فرص عمل للسكان المحليين ودعم المشروعات التنموية ستؤدي إلى تحسن نوعية الحياة وبالتالي تحقيق انفراج اقتصادي واجتماعي يصرف الشباب عن الالتحاق بالحركات المتطرفة والإرهابية يمكن أن توفرها مؤسسات دولية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي الذي أبدى استعدادا ملحوظا في تقديم المساعدات اللازمة لإعادة تأهيل المقاتلين السابقين الذين اقتنعوا بترك الحركة والعودة إلى الحياة الطبيعية.
قد لا تنتهي حركة بوكو حرام سريعا في نيجيريا لكن المثابرة والصبر في تطبيق البرامج المطلوبة اجتماعيا وإنسانيا لتحييد الجماعات الإرهابية ستؤدي إلى إضعاف نهج الحركة.
لكن مشكلة الدعم الخارجي تبقى حية ومنع الدعم الخارجي يحتاج دعما عالميا وخصوصا من الاتحاد الأوروبي لقطع الطريق على تهريب السلاح والمال إلى هذه الجماعات.
بالتزامن مع ذلك لا بد من تعزيز القوة العسكرية وإحياء التحالف الخماسي لدول حوض بحيرة تشاد للتصدي للإرهابيين وحماية المدنيين، ومع ذلك لا بد من الالتفات إلى بعض العوامل الأخرى التي تشكل دعائم تسهم في توفير بيئة مناسبة للحركات الإرهابية، وما ينطبق على نيجيريا قد ينطبق على مناطق أخرى من العالم.
فالفساد والتحديات الاقتصادية والسياسية تعيق الجهد الحكومي في مكافحة الأعمال الإرهابية؛ كذلك فإن سوء توزيع الثروات في نيجيريا وهي دولة مصدرة للنفط يشكل سببا في نشوء التذمر الشعبي الذي ينتج عنه استعداد خفي للانخراط في معارضة الدولة قد يتحول إلى عمل إرهابي.