الهرولة التركية المشبوهة صوب أفريقيا.. خطة أردوغانية خبيثة للهيمنة على مقدرات القارة السمراء
الثلاثاء 26/يناير/2021 - 10:40 ص
طباعة
فاطمة عبدالغني
تجاهلت تركيا القارة السمراء إلى حد كبير في العقود التي أعقبت انهيار الإمبراطورية العثمانية، حيث اختار الحكام الأتراك التركيز على أوروبا بدلا من أفريقيا. إلا أنه وخلال الـ15 عاما الماضية، وخاصة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، اتجه الرئيس التركي أردوغان لإحياء العلاقات التركية مع أفريقيا، فمنذ عام 2009 رفعت أنقرة عدد سفاراتها في القارة من 12 إلى 42 سفارة، وأصبح أردوغان زائرا مستمرا، برحلات إلى أكثر من 20 عاصمة أفريقية.
وفي هذا السياق أشارت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير تحليلي لها إلى أنّ السياسة الخارجية التركية تغيرت مع مجيء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا منذ أكثر من 15 عامًا، حيث بات الوجود التركي في إفريقيا ينافس دولًا خليجية، إلى جانب قوى عظمى كالولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا.
وذكرت الصحيفة في معرض تقريرها الذي يسلط الضوء على أنشطة تركيا في القارة السمراء، أنّ المسلسلات التركية باتت تنتشر بشكل واسع في دول إفريقيا، مضيفة؛ "على الرغم من أنها علامة صغيرة، إلا أنها تشير بشكل واضح إلى مدى اتساع النفوذ التركي في هذه المنطقة".
كما أكد التقرير على أنّ التجارة والمساعدات التنموية وكذلك المسلسلات، تعتبر من عوامل زيادة واتساع النفوذ التركي في إفريقيا.
ونقلت الصحيفة عن ”إلياس شولتز“، أحد مؤسسي ”قناة كانا“ التليفزيونية الخاصة في إثيوبيا، قوله إن المحتوى التركي يمثل ”ضربة قوية“، حيث تعتبر أنقرة التجارة والمساعدات وكذلك الدراما عبر المسلسلات التركية، عناصر رئيسية في تعزيز النفوذ التركي داخل أفريقيا.
فايننشال تايمز، سلطت الضوء على ما عبّر عنه أردوغان في أكتوبر العام الماضي، حيث قال أن "قدَر الأتراك والأفارقة أن يكونوا شركاء"، كما أن أردوغان صرح بأن تركيا تهدف إلى رفع حجم التجارة مع إفريقيا إلى ضعف الحجم الموجود، ليصل إلى 50 مليار دولار، ما يعادل ثلث حجم التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
وأشار التقرير إلى تركيز أنقرة على صفقات وعقود البنيات التحتية الحكومية الكبيرة في جميع أنحاء أفريقيا، من تجمع أولمبي في السنغال إلى أكبر منشأة عسكرية خارجية في الصومال ومسجد كبير في جيبوتي، والأهمية الاقتصادية والجيوسياسية التي توليها للقارة.
وفي السياق ذاته، ذكّر التقرير بالدعم التركي الذي قدمته أنقرة على كافة الأصعدة لحكومة الوفاق الوطنية الليبية، إلى زيارة أردوغان للسنغال قبل عام، وأنّ ذلك معًا "أثار غضب فرنسا القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، حيث تبحث البلدان الإفريقية عن بديل للوجود الفرنسي". حسب التقرير.
ونقلت الصحيفة عن مايكل تانكوم، المتخصص في السياسة الخارجية التركية بجامعة نافارا الإسبانية، حيث قال؛ "إن الدول الإفريقية التي تعتبر مستعمرات فرنسية قديمة، تبحث عن بديل لفرنسا، ولا ترغب هذه الدول بالقيام بأعمال تجارية مع مستعمرة فرنسية أو صينية جديدة، ولذلك فهي ترى تركيا خيارًا ثالثًا حاضرًا".
ولفت التقرير إلى أنّ عائلات إفريقية لا سيما في الصومال، باتت تمنح مواليدها الذكور اسم "أردوغان"، وذلك تكريمًا لما تقوم به تركيا من مساعدات تنموية لاقت استحسان الشعوب الإفريقية.
ولفتت أيضًا إلى أن سياسة تركيا في أفريقيا ترتكز على فكرة أن القارة لم تحصل على ما تستحقه من الاهتمام، وأن هناك فرصا عملاقة متاحة في أفريقيا من حيث الجهود التنموية والإنسانية، أولا، ثم الاتجاه إلى العلاقات الاقتصادية، وفقا لما قالته السفيرة التركية في أديس أبابا ”يبراك ألب“. ويرى المراقبين ان المقامرة الأفريقية لأردوغان، تشكل جزءاً من حملة توسعية يواصل الرئيس التركي المستبد تنفيذها خارج حدود بلاده، بما يثير قلق القوى الغربية الكبرى، لا سيما أنها تمثل تكريسا لـانقلاب كامل، على السياسات التي انتهجتها تركيا الحديثة، منذ تأسيسها على يد أتاتورك.
فقد كان مؤسس الجمهورية التركية يعتبر تجنب التدخلات الخارجية، أحد المبادئ الجوهرية لدولته، ما لم تكن بلاده مُعرضة لتهديدات حقيقية، وهو ما أدى إلى أن تظل البلاد في عهده على الحياد بشكل عام، واستمر ذلك، بعد رحيله، حتى خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن هذه التوجهات الإيجابية انقلبت رأساً على عقب خلال السنوات العشر الماضية من حكم أردوغان، بالنظر إلى التدخلات التركية السافرة في دول, مثل سوريا وليبيا بجانب الصومال، التي تزايدت أنشطة أنقرة في أراضيه منذ عام 2011، مُتذرعة في بادئ الأمر بإرسال مساعدات إنسانية لضحايا المجاعات هناك، لإخفاء مساعيها الرامية للهيمنة على مقدرات هذا البلد.