جماعة الإخوان والسعي إلى إقامة الدولة الإسلامية و السيطرة على مراكز القوى المحلية
يعتقد فريق كبير من الباحثين خصوصاً في الغرب أن النصوص المؤسسة لجماعة الإخوان ووثائقها، هي مجرد واجهة خطابية لا تؤثر على ممارسات الجماعة! ويبدو أن نهج هذا الفريق ينكر حقيقتين واضحتين: الأولى، أن "الإخوان" لديهم تراث نصي يتم تربية أعضائها من خلاله، بل إنه يعتبر نصاً مقدساً يُحفظ عن ظهر قلب. والثانية هي أن الجماعة لم تَقُل قط أن هذه النصوص أو تلك الوثائق لا تؤثر على ممارساتها وأهدافها الاستراتيجية، بل إن متابعة سلوكيات الجماعة العملية تشير بوضوح إلى أن هذه الوثائق تمثل منهاجاً يسير عليه الإخوان بكل دقة.
حول
هذا الموضوع قام مركز "ترندز" للدراسات بتقديم دراسة جديدة بعنوان
"الإخوان من خلال وثائقهم.. قراءة في الاستراتيجيتين السياسية والمالية للجماعة"،
الدراسة عبارة عن قراءة في وثيقتين تم اكتشافهما في نوفمبر 2001، بمداهمة فيلا فاخرة
في كامبيون بسويسرا، يمتلكها يوسف ندا، مدير بنك التقوى في لوغانو ومفوض العلاقات الدولية
لجماعة الإخوان المسلمين.
الوثيقة الأولى بعنوان: "نحو استراتيجية عالمية
للسياسة الإسلامية: منطلقات، وعناصر، ومستلزمات إجرائية، ومهمات".
والوثيقة
الثانية بعنوان: "الاستراتيجية المالية لجماعة الإخوان المسلمين".
وحسب
الدراسة حملت الوثيقة الأولي التي أُرِّخت بتاريخ 1ديسمبر 1982 عنوان: "نحو استراتيجية
عالمية للسياسة الإسلامية: منطلقات، وعناصر، ومستلزمات إجرائية، ومهمات"، ويُحدد
فيها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين 12 منطلقاً تحدد ما يسمى الاستراتيجيات
الدولية للجماعة أهمها:
1- معرفة
أرض الواقع واعتماد المنهجية العلمية في التخطيط والتنفيذ، بمعنى فهم الواقع الذي يعيش
فيه أفراد الجماعة والتعامل معه علميا وموضوعيا حتى يسهل اختراقه. ولتحقيق هذا المنطلق
تحث الوثيقة عناصر الإخوان على استخدام الوسائل العلمية والتكنولوجية اللازمة للتخطيط
والتنظيم والتنفيذ والمراقبة، وإنشاء مراصد لجمع المعلومات وتخزينها لجميع الأغراض
واستخدامها عند الضرورة.
وتدعو
الوثيقة أيضا إلى إنشاء مراكز بحثية لإنتاج دراسات حول البعد السياسي للحركة الإسلامية،
ورسم خريطة للعقائد في العالم للحصول على رؤى العالم الدولية من مائة عام إلى يومنا
هذا، وتحليل الوضع القائم في ضوء تلك الخريطة مع مراعاة التغييرات التي حدثت والمتوقعة.
كما
توصي هذه الوثيقة برسم خريطة لمذاهب العالم الإسلامي وللحركات الإسلامية وتياراتها،
وإجراء سلسلة من الدراسات في مختلف المجالات الإسلامية مع التركيز بشكل خاص على الأحداث
الجارية. ويكشف هذا المنطلق الحرص الذي توليه الجماعة وعناصرها على محاولة اختراق مراكز
البحث والتفكير أو على نشر المخرجات الفكرية التي ترغب في الترويج لها.
2- الجدية في العمل إذ تحث الوثيقة على أن تكون الأهداف
الرئيسية والمرحلية للجماعة واضحة لدى جميع منتسبيها بهدف تسخير الطاقات بالشكل الأفضل
وتوجيهها، وتوحيد الجهود لتحقيقها، وبذل الوقت والمال في سبيل ذلك من خلال تسخير كل
طاقات العاملين في خدمة دعوة الإخوان، كل على قدر مستواه (معيار الفعالية هو أن كل
واحد يجب أن يكرس نفسه للمهمة المخصصة له).
كما
تفصل الوثيقة في كيفية حشد أكبر عدد ممكن من الأتباع والقادة، وكيفية جمع الأموال بكفاءة
والتحكم في الإنفاق والاستثمار في مصلحة الجماعة العامة؛ ومن أجل تحقيق هذه الأهداف
تقترح الوثيقة المهام التالية:
القيام
بإجراء مسح شامل للعاملين في خدمة دعوة الجماعة (لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب)؛
وضع جداول زمنية لتنفيذ الأهداف؛ وضع جداول للعاملين في خدمة الدعوة والمتخصصين واستخدم
هذه الموارد بحكمة وفي الوقت المناسب (الجهد المناسب في الوقت المناسب)؛ وإنشاء المؤسسات
الاقتصادية الكافية لدعم القضية مالياً.
3- السعي إلى إقامة الدولة الإسلامية، والعمل التدريجي
في اتجاه السيطرة على مراكز القوى المحلية؛ ويعني هذا المنطلق تأطير الفكر والتعليم
والعمل من أجل ترسيخ قوة الإخوان والتأثير على مراكز القوى المحلية والعالمية لخدمة
الجماعة (التي هي الإسلام في وجهة نظرهم).
وكمستلزمات
إجرائية تقترح الجماعة إعداد دراسة علمية حول إمكانية إقامة حكم الله في كل مكان في
العالم وفق الأولويات المقررة، ودراسة مراكز القوى المحلية والعالمية وإمكانيات التأثير
عليها، وعمل خريطة بكل المؤثرين في الدول للتأثير عليهم، وإجراء دراسة حديثة حول مفهوم
دعم الدعوة الإسلامية.
وتقترح
الوثيقة للوصول لتلك الغايات القيام بالمهام التالية: صياغة دستور إسلامي، وتدوين القوانين
الإسلامية والمدنية وغيرها، واختيار مكان وجعله من أولويات الجماعة لتأسيس قوة إسلامية
وتركيز جهودها فيه، وحث أعضاء الجماعة على العمل في مختلف المؤسسات المؤثرة واستخدامها
في خدمة الجماعة، وتنسيق العمل بين المؤسسات المتخصصة الإسلامية والاقتصادية والاجتماعية
وغيرها.
4- قبول فكرة التعاون المرحلي بين الحركات الإسلامية
وغيرها من الحركات الوطنية بحيث يكون فقط في قضايا عامة وفي بعض النقاط غير الخلافية
كمحاربة الاستعمار والتبشير والدولة اليهودية وبصورة لا ترقى إلى مستوى التحالفات،
بل على مستوى عناصر محدودة في القيادة أو الاتصال، ويبقي في نطاق دراسة كل حالة على
حدة وشريطة أن يوافق الشرع ودون موالاة هذه الجماعات أو الاطمئنان إليها، مع ملاحظة
أن تكون الحركة الإسلامية هي صاحبة المبادرة والتوجيه.
ورأت
الوثيقة ضرورة توحيد كل الجهود ضد قوى الشر الكبرى، والعمل وفق مبدأ الأخذ بأهون الشرين
(درء الشر الأكبر بالشر الأصغر. أو إذا اجتمع شران، أو محظوران، أو ضرران، ولم يمكن
الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما)، وقصر التعاون على الإدارة العليا أو على عدد محدود
من الأفراد لتحقيق أقصى قدر من الربح وتقليل المشاكل المحتملة.
واقترحت
الوثيقة مجموعة إجراءات لازمة في هذا الصدد من بينها: إجراء دراسة لتقييم المجالات
التي كانت موضع تعاون متبادل بين الحركات الإسلامية والحركات الأخرى والتعلم منها،
ودراسة المجالات التي يمكن تنسيقها مع الآخرين وتحديد الخطوط العريضة لها، ودراسة تفكير
وخطط الحركات الأخرى. كما حثت الوثيقة الإدارات المحلية للإخوان في كل دولة على استكشاف
إمكانية تعزيز التعاون الداخلي مع الآخرين في المستقبل.
5- بناء قوة الدعوة الإسلامية بشكل مستدام ودعم الحركات
المنخرطة في الجهاد في العالم الإسلامي، بدرجات متفاوتة وبقدر الإمكان؛ ويعني هذا المنطلق
حماية دعوة الجماعة بالقوة اللازمة لضمان أمنها محلياً وعالمياً، والتواصل مع أي حركة
جديدة تشارك في الجهاد في أي مكان على هذا الكوكب، ومع الأقليات المسلمة، وبناء الجسور،
حسب الحاجة، لدعمها وإقامة تعاون معها، والحفاظ على الجهاد حياً في الأمة.
وكمستلزمات
إجرائية لتحقيق هذه الغايات تستهدف الوثيقة بناء قوة أمنية مستقلة لحماية الدعوة وأتباعها
محلياً وعالمياً، ودراسة الحركات المنخرطة في الجهاد في العالم الإسلامي والأقليات
المسلمة لمعرفة المزيد عنها. وأشارت الوثيقة إلى عدة مهام في هذا الصدد من بينها، بناء
الجسور بين الحركات المنخرطة في الجهاد في العالم الإسلامي ومع الأقليات المسلمة ودعمها
قدر الإمكان بطريقة تعاونية.