ميريت الثقافية تبحث الصراع الديني في جمهورية أفريقيا الوسطى
الخميس 15/أبريل/2021 - 09:53 ص
طباعة
روبير الفارس
اهتم العدد الجديد من مجلة ميريت الثقافية بعدد من القضايا الافريقية وحول الصراع الديني في جمهورية افريقيا الوسطي كتب الباحث المهتم بالشان الافريقي محمد زكريا يقول
إنّ مفهوم الصراع من المفاهيم التي أثارت جدلًا كبيرًا بين الأكاديميين والسياسيين والفاعلين في المجال الإنساني بشكل عام؛ لكننا هنا سنركز على الجانب الأكاديمي. معظم الدراسات الأكاديمية اتخذت لنفسها مناهج نظرية خاصة بها من أجل فهم دقيق للصراع. في مجال العلوم الاجتماعية والنفسية التركيز ينصبّ حول سلوك الأفراد في الصراع، ويشاركهم في ذلك علماء الدين أو اللاهوت، حيث غالبًا ما يتناولون موضوعات الصراع من زاوية الأخلاق والإيمان. في حين علماء السياسة يتركزّ اهتمامهم على الحركات السياسية والكيانات الإثنية والدينية والنظم الثقافية لفهم الصراع ومكوناته.
أمّا مفهوم الدين أيضًا فاختلفت تعريفاته، فقد عرّفته قواميس أكسفورد بأنه الإيمان بعبادة قوة خارقة مسيطرة، وخاصة مثل إله شخصي أو آلهة. بينما نجد مفكرون آخرون شككوا فيه مثل "إرنست فيل") الذي يرى أنّ الدين ليس له أي معنى محدد على مستوى العالم. فكثير من هؤلاء الباحثين والمفكرين يعتبرون الدين عبارة عن شيء قديم من الموروثات، وُجد في مرحلة معيّنة بين الأمم.
في المفهوم الإسلامي، الدين هو الاستسلام والتسليم الكامل لله تعالى والانقياد له بالطاعة وعبادته قولًا وفعلًا، والإيمان بما جاء في كتاب الله، والسنّة النبويّة الشريفة، والالتزام بالعقائد والأحكام، والتشريعات، والأوامر والنواهي التي حدّدتها الشريعة. فهو ملة الإسلام وعقيدة التوحيد التي هي دين جميع المرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلى الله عليهم جميعًا وسلم
وبالتالي قد يُقصَد بالصراع الديني العنف الديني أو حرب دينية أو التعصب الديني أو الخلافات الدينية التي تنشأ بين مجموعة أو مجموعات من البشر في دولة ما، أو منطقة محددة. هذه الصراعات ليس الدين هو السبب في نشأتها في الأصل، وإنما الطرق التي يوظف بها الدين في حياة الناس هي السبب في نشوء الصراعات الدينية المختلفة، وأحيانًا يُستغلّ الدين للتغطية على أهداف أخرى. في هذا الصدد، تهدف هذه الورقة إلى تناول حقيقة الصراع الديني في جمهورية أفريقيا الوسطى وأسباب توسع نطاقه بين المسلمين والمسيحيين والدوافع الكامنة وراء ذلك، وهل هو صراع ديني أم سياسي؟
ويضيف الباحث قائلاً
الخلفية التاريخية للصراع
الصراع في جمهورية أفريقيا الوسطى يختلف عن كثير من الصراعات في الدول الأفريقية. حيث كان في بداية الأمر صراعًا سياسيًّا بالدرجة الأولى، وبعدما فشل السياسيون والقادة العسكريون في إدارة البلد وحَلِّ النزاعات السياسية فيما بينهم، حولوه إلى صراع ديني كي يجد كل واحد منهم قاعدة شعبية يرتكز عليها أو يبرر فشله من ناحية، وليستمر الصراع مدة أطول من ناحية أخرى.
منذ الاستقلال في عام 1960 لم تشهد البلاد انتقالًا سلسًا للسلطة إلا مرة واحدة فقط، وذلك في أغسطس 1993 عندما قرر الرئيس أندريه كولينجبا تطبيق مبادئ الديموقراطية ولأول مرة في تاريخ البلاد. أُجريت الانتخابات وخسر فيها الجنيرال كولينجبا أمام آنشج فيليكس باتاسي، ومن ثم سلمه السلطة في مراسم اتسمت بالتسامح والنموذجية. إلا أن باتاسي لم يتمكن من إنهاء فترته الأولى، فبعد مضي عامين ونيّف فقط من حكمه بدأت الصراعات الداخلية تعرقل مجرى العملية الديموقراطية.
حاول باتاسي أن يصمد ويراوغ أحيانًا حتى أنهى فترته الأولى وترشح للفترة الثانية وفاز بها، إلا أنه لم يستطع إنهاء هذه الفترة وأطاح به الجنيرال فرانسوا بوزيزي -قائد القوات المسلحة آنذاك- خلال تمرد قاده من الحدود التشادية الأفرووسطية في عام 2003. شارك في هذه المرة بعض الشباب المسلمين حيث جنّدهم الرئيس باتاسي في القوات الرئاسية الخاصة، ومن ثم انقلبوا عليه وانضمو لفرانسوا بوزيزي ليحققوا هذا الانقلاب. هذه تعتبر أول مشاركة للمسلمين في عمل عسكري منذ الاستقلال؛ إذْ كانوا يفضلون الأنشطة التجارية والاقتصادية بدلًا من النشاط السياسي والعمل العسكري طوال هذه الفترة