مجلة "الكلمة" تبحث في فكر محمد اركون
الثلاثاء 04/مايو/2021 - 11:10 م
طباعة
روبير الفارس
تضمن العدد الجديد من مجلة الكلمة التي تصدر بلندن ملفا مهما حول المفكر الجزائري محمد اركون وذلك عن طريق
تقديم الباحثة فاطمة الحصي موجزا لرسالتها للدكتوراه حول فكر أركون، عارضة فصولها المختلفة، وما قدمته في كل منها من إضافات، ومنهجية هذا العرض الشيق بمنهاج لبلورة علم الأخلاق الجديد الذي يدعو إليه، وما فيه من تركيز على العقل النقدي، واللغة العربية في تاريخيتها، وتعلم اللغات الأجنبية، وتغيير مناهج التدريس وطرائقه.
فمن خلال كتاب «حكاية الفتى أركون: رحلة حياه من الاغتراب الى الإصلاح»
كتبت الباحثة فاطمة الحصي البدء في تغيير الذهنية الفكرية لدى الأجيال القادمة منذ المراحل المبكرة للطفولة أمر حتمي، وهذا التغيير يكاد يكون الممر الوحيد الآمن للولوج إلى عالم الحداثة وما بعده، توطئة للخروج من ارث القيود الثقيلة التي تكبل خطوات تقدم العقل العربي. وتعتمد الرؤية المقدمة في السطور المقبلة على دمج لتصور الباحثة حول السبيل للخروج من المأزق المعاصر، وبين الأفكار التربوية المستخلصة من كتابات المفكر الجزائري محمد أركون، وهو المفكر المهموم والواعي بمشاكل الوطن العربي الراهن، من خلال خطوات تطبيقية مختصرة يمكن ايجازها في نقاط محدده.
وتقول فاطمة لكن قبل الولوج في هذه الخطوات من المهم إلقاء الضوء على المفكر الجزائري محمد أركون كما قدمته في أطروحتي للدكتوراه، والتي سأقدم في السطور القليله القادمه موجز لها: بحصول أركون على درجة الماجستير في اللغه والأدب العربي عام 1954 عن أطروحته حول (الجانب الإصلاحي في أعمال المفكر المصري طه حسين) يكون قد وأد كل ما تم ترويجه حول عدم إتقانه للعربية، والإتهامات المستمره له بإستشراقه وعمله البحثي لصالح الأجنده الاستشراقية. وبحصوله على درجة الدكتوراه حول (الأنسنه العربية في القرن الرابع الهجري) يكون قد أكد أنه مفكر منشغل بالفكر الإسلامي العربي.
بدأ مشروع أركون الفكري بالإهتمام بالتراث قراءةً ونقداً ومراجعةً، طرق أركون أبواب عديده أسماها البعض "ورش عمل" مازلنا بحاجه إلى اكتشافها وتطويرها والعمل عليها. وقالت الباحثة فاطمة في دراستي حول المفكر الجزائري محمد أركون والتي حملت عنوان (الفكر التربوي عند المفكر الجزائري محمد أركون من الاغتراب إلى الإصلاح) استخدمتُ منهج التحليل النقدي للخطاب الأركوني، جعلتُ من أركون شارحا لنفسه ولفكره، بمعنى عرض أفكاره وتفكيكها وتفسيرها لبيان مقاصده وأهدافه عبر الاعتماد على قراءة أعماله. متخذه خطوات منهجيه على أكثر من مستوى: المستوى الأول قراءه استكشافيه تحليليه سريعه، تعتمد على المنهج الظاهراتي للتعرف على المؤشرات الأولى للفكره المفترضه، والإعتماد على المنهج التاريخي لتفسير الوثائق. المستوى الثاني: قراءه تحليليه معمقه تعتمد على المنهج التحليلي الذي يشتمل على الحفر والتفكيك عن طريق المنهج التحليلي. وتم تحليل الخطاب الأركوني من خلال الإطلاع على كتبه ولقاءاته الثقافيه وندواته والمحاضرات.
تناولت الدراسه في الفصل الأول ملامح الحياه في الجزائر إبان ميلاد أركون، ثم المؤثرات على شخصه وانعكاساتها على أفكاره. مشيره إلى أن المفتاح الرئيسي لشخصية أركون هو الاغتراب والتهميش الذي عانى منه في المجتمعات التي عاش بها. سواء في القبيله، أو كنتاج للإستعمار الفرنسي بالجزائر، أو بفرنسا كمفكر مسلم؛ مع تناول المؤثرات الأساسيه في تشكيل شخصيته والمصادر الأولى لفكره وتأثره بالمفكرين العرب كالتوحيدي وابن مسكويه والجاحظ وطه حسين، ثم تأثره بالمفكرين بالغرب كميشيل فوكو وبورديو ودريدا ومدرسة الحوليات.
تناولت الدراسه في الفصل الثاني ملامح المشروعات الفكريه التي دشنها المفكر الجزائري محمد أركون كعلم الإسلاميات التطبيقيه، ونقد العقل الإسلامي الذي اعتبره أركون مشروعا عقليا في المقام الأول. واصفا إياه بأنه الطريق الوحيد القادر على إدخال المسلمين والإسلام في إطار الحداثة. وسلطت الدراسة الضوء على كون أركون كان ناقدا لكل من العقل الإسلامي والعقل الغربي في آن، وهدفه الأول هو إحياء الموقف الفكري البحّاَث والنقّاَد في العقل الإسلامي.
سعى أركون لإستكمال المشروع الغربي الحداثي ليشمل الإسلام من خلال مشروع نقد العقل الإسلامي، وهو يربط بين الحركه النقديه الحديثه المباشره المتجهه إلى نقد الأسس المكونه لهذا وإعادة تأويل مسلماته وفرضياته تأويلا جديدا، يكشف عن ترابطه وتفاعله مع الحقيقه والتاريخ، فتحديث الفكر الإسلامي يمر أولا بالإصلاح الديني، كمرحله ضروريه للوصول إلى إحداث الثوره في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، بهدف السعي وراء لاهوت إسلامي جديد يستجيب للحداثة ويتناسب مع معطيات العلم الحديث.
أكدت الدراسه على عدم انحياز أركون لمذهب ضد آخر، وعدم وقوفه مع عقيدة ضد أخرى؛ فمشروعه تاريخي أنثربوولوجي في آن. يثير أسئله أنثربولوجية في كل مرحلة من مراحل التاريخ، ونقد العقل الإسلامي لديه لا يعني إطلاقا عمل سلبي أو تدميري للتجربه الروحية الكبرى للإسلام الحنيف. فأركون كان يحترم ويدعو إلى احترام تراث الأولين، وألا يحرج المفكر المسلم الوعي الإيماني أو يعامله بفجاجة.
النقد التاريخي عند أركون هدفه الأول تخليص التجربة وتهيئة ظروف العمل والتعليم والثقافة لزرع القيم الإنسانية الايجابية، الطاردة لمسوخ عهود الظلام والاستبداد والديكتاتورية، ومخلفات وإفرازات الحروب الخارجية والداخلية القذرة في الروحية الإسلامية الكبرى مما علق بها من أوشاب وأوصاب على مدار التاريخ. وهو ما يمثل عمل إيجابي بكل المقاييس. والإنتقال من مرحلة الإجتهاد الكلاسيكي إلى مرحلة نقد العقل الإسلامي، يتوجب خلق مفكر مسلم مُسلّح علميا، ومتدرب على تقنيات الاجتهاد وعلومه ومناهجه.
ورصدت فاطمة
اهتمام أركون بتحقيق النصوص القديمه والمخطوطات على أسس علمية من خلال قراءة أركيولوجية ناضجة، مُطبقا إشكاليات ومناهج اللسانيات والسيميائيات لتحليل الخطاب القرآني، خالقا ما أسماه الإسلاميات التطبيقية، التي أرادها بديلا علميا عن الاسلاميات الكلاسيكية. ورأى فيها تحالف العقل الاستشراقي التقليدي مع العقل الفقهي الأرثوذكسي، ومن المهام الأساسية التي تأخذها الإسلاميات التطبيقية على عاتقها رصد ظاهرة الاسلام السياسي، ومعرفة أسباب العنف والتطرف كظاهرة أنثروبولوجية، بالإضافه الى قراءة التراث قراءه حديثة، بهدف نهضة إسلامية-عربية مع ضبط آليات الحداثة، وطرح المشاكل الفعلية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية. ومحاولة السيطرة عليها بمنهجيات علمية حديثه، وآليات لتحقيقها على رأسها استدعاء علم الأنثروبولوجيا الإجتماعية أو الثقافية أو الدينية كضروره لدراسة المشاكل الحقيقيه للمجتمع الإسلامي في الماضي والحاضر. بالإضافه الى البحث الأنثروبولوجي والتاريخي ومنهج نقد الخطاب، وتتبع المنهجية المطبقة في الإسلاميات التطبيقية، وتتبع مناهج متعددة الجوانب.
أكدت فاطمة في الدراسه على أن أركون يرى أهمية إنخراط الباحث المتخصص في الإسلاميات التطبيقيه في الحقيقه المٌعاشه للمجتمعات الإسلامية والقضايا المتراكمه التي تعاني منها. وعليه اتقان المناهج متعددة الجوانب وآلياتها. وأوضحت الدراسه أن صعوبة تطبيق الاسلاميات التطبيقيه تتمثل في رفض الجماهير الشعبية والطبقة المثقفة، نتيجة للقوى الإنفعالية والتصورات الدينية، وأنظمة العقائد الدينية، والأعراف الإجتماعية السائدة، بالإضافه الى رفض النخبة الحاكمة بسبب تسخيرها للرموز الدينية في خدمة سلطتها.
ألقت الدراسه الضوء على مشروع أركون (الأنسنة) وكيف آمن بأن التوحيدي نموذج للأنسنة العربية، لحرصه على تطبيق شعار العلم بالعمل والعمل بالعلم، وإيمانه بعبارة التوحيدي «الإنسان اُشكل على الإنسان»، التي تدعو الى تصالح الإنسان مع ذاته بطريقة علمية وفق نظام أخلاقي معاش على أرض الواقع، مع عداله اقتصادية ومساواة في الفرص. معتبرا أن هذه هى الأنسنة الحقيقية والفلسفة القائمة على احترام الانسان، بإعتباره أعلى شئ في الوجود.
اعتبرت الدراسة أن أركون حين تناول الفكر الأنسني وتأكيده على بزوغ الفكر الأنسني منذ البداية في الفكر العربي الإسلامي، ثم انتقاله الى الغرب أنها رساله للغرب مؤداها: أعيدوا النظر في الفكر العربي الاسلامي، لأن الأرضية التي نقف عليها أرضيه مشتركة وواحدة. وأنه لكي نغير ما نمر به من أزمات فكرية وانغلاقات مذهبية وطائفية تؤدي الى حروب، علينا أن نسلك مسلكا انسانيا في العالم أجمع، لا تمييز فيه ولا مذهبية أو طائفية؛ فالأنسنة عند أركون تتجاوز حدود الأديان والطوائف والقوميات والأعراف، لكي تصل الى الإنسان في كل مكان، فإذا ما استثنت من نعيمها انسانا واحدا، لن تكون هناك نزعة انسانية حقيقية.
لم تغفل الدراسه استعراض الانتقادات التي تم توجيهها الى المشروع الأركوني في نقاط كالتالي: البعض وجه له نقدا حول عدم امتلاكه آليات الاصلاح، بقدر امتلاك آليات النقد، وعدم امتلاك القابلية على التطبيق، بقدر ما حمل مشروعه من تنظير. ورأى البعض ابتعاده عن الواقع ووقوعه في المثاليات، كما اعتبره د. حسن حنفي في حوار خاص مع الباحثة أنه هرب من دوره كتنويري ببلده الجزائر. أما جورج طرابيشي فأعتبر أنه كان وسيطا فاشلا ما بين الشرق والغرب. في حين رأت الباحثة أن أركون أصاب أو أخطأ فقد اجتهد وعمل بإخلاص على تجديد الفكر الإسلامي