الكاتب والباحث في الشأن الإسلامي عصام الزهيري: ثورة 30 يونيو بداية حقيقية للجمهورية الثانية
الثلاثاء 01/يونيو/2021 - 12:40 م
طباعة
حسام الحداد
• ثورة 30 يونيو حولت مصر لقوة إقليمية كبرى في المنطقة، إن لم تكن أقواها
• إنقاذ مصر من حكم عصابة الإخوان، وعقاب كوادرهم على إرهاب الشعب
• انقذت المصريين من حكم ديني فاشي وفاشل كاد يقود المجتمع لحرب أهلية، ويقود الدولة للانهيار
يحمل شهر يونيو الكثير من الذكريات للشعب المصري، وربما تكون الذكرى الأهم، ثورته التي جاءت متممة للشهر ولنضال جيل مهم من المصريين في وجه قوى الظلام والرجعية والتخلف، تلك القوى التي استعانت بكوادرها الإرهابية وبحكومات واجهزة استخبارات لقتل الدولة المصرية، الا ان قدرة المصريين فاقت كل هذه المؤامرات وانصرت ارادتهم وأسقطوا الظلم وقضوا على الإرهاب، وحول ثورة 30 يونيو كان لنا هذا الحوار مع الكاتب والباحث في الشأن الإسلامي وواحد ممن شاركوا في ثورة 30 يونيو، عصام الزهيري، كاتب وأديب وباحث في الشأن الإسلامي والتاريخ المصري، يقيم في الفيوم، عضو اتحاد الكتّاب المصري، أصدر في بداية مشواره الإبداعي أربع مجموعات قصصية، وصدرت له مئات المقالات والدراسات في الصحف والمواقع الإلكترونية المصرية والعربية.
حاوره: حسام الحداد
- ما هو تقييمك لحدث 30 يونيو 2013 بعد مرور 8 سنوات على وقوعه؟
معروف في أحداث التاريخ الفارقة أن عظم وجسامة الحدث تقاس بشكل أدق كلما مرت السنوات أكثر، مع ما يتضح من التداعيات والملابسات والأبعاد المحيطة بالحدث، ومع بروز مدى التغيير الذي يترتب عليه، من هذه الجهة - ومن هذه اللحظة الآنية - ألمح تشابها جزئيا بين ثورة يوليو 1952 وثورة 30 يونيو 2013، وهو تشابه يتمثل في تأثير مرور السنين على حسم الخلاف حول ضخامة الثورتين ونتائجهما، كان يطلق على ثورة يوليو في بدايتها مسمى "حركة"، وكان هناك البعض ممن رأوها انقلابا أيضا، لكن مفكرا عظيما كـ"طه حسين" استشرف فيها منذ اللحظة الأولى ملامح ثورات التاريخ الكبرى وما يترتب عليها من تغير كامل وعميق في المسار، ولذلك كان هو تقريبا أول من أطلق عليها مسمى ثورة، وتأكد ذلك وتعمق بمرور السنوات، بحيث لم يعد أحد لديه اليوم شك في أن ثورة يوليو كانت الحدث التاريخي الفارق الذي أسس الجمهورية المصرية الأولى في القرن العشرين، الوضع مع 30 يونيو شبيه، باستثناء الطابع الجماهيري الذي تميزت به وافتقرت إليه ثورة يوليو، حاولت جماعة الإخوان تصوير الثورة كما لو كانت انقلابا رغم عشرات الملايين التي تدفقت للشوارع، وعلى كل حملات الرعب والتخويف والإرهاب الذي مارسته الجماعة لمنع خروج المصريين العظيم، وبإسناد سياسي وإعلامي دولي للجماعة أيضا، كان على رأسه حكام أقوى دولة في العالم هي الولايات المتحدة، لكننا ونحن نقف على رأس 8 سنوات تلت 30 يونيو ونتطلع للوراء، نرى بكل وضوح حجم التغيير الذي أنجزته، وأفق الإضافة الهائلة الذي انفتح لقوة مصر بفضلها، وفي جميع الميادين داخليا وخارجيا، بداية من مواجهة الإرهاب وتصفية الفكر المتطرف، مرورا بنهضة اقتصادية وتنموية وعمرانية مذهلة، وصولا إلى تحول مصر لقوة إقليمية كبرى في المنطقة، إن لم تكن أقواها جميعا، بذلك يمكننا أن نضاهي ثورة يونيو 2013 مرة أخرى بثورة يوليو 52، فكما كانت يوليو تأسيسا للجمهورية الأولى، كانت 30 يونيو المؤسسة للجمهورية المصرية الثانية.
- لكن بعض الجماعات لاتزال تردد إلى اليوم مقولة أن 30 يونيو كانت انقلابا من طرف ما يسمونه بـ"الدولة العميقة" ويدللون على ذلك بمشاركة الجيش فيها؟
وجود هذه الجماعات أمر مفهوم ومبرر من منطق الثورات نفسها، فكل ثورة يقوم بها شعب تنتصر لمصلحة الأغلبية الشعبية في مواجهة جماعة مهيمنة على الحكم، وبالطبع تعتبر الجماعة المنهزمة الثورة انقلابا على شرعيتها في الحكم، هذه الشرعية مدعاة بالطبع لأن الثورة أسقطتها، على ذلك لم تنتصر ثورة يونيو لمصلحة جموع المصريين فحسب، بل إنها تستحق لقب "ثورة إنقاذ" بكل معيار، فقد انقذت المصريين من حكم ديني فاشي وفاشل كاد يقود المجتمع لحرب أهلية، ويقود الدولة للانهيار، تهديدات مثل "حرق مصر" أو "السيناريو السوري" كان الإخوان وملحقوهم من أعضاء جماعات الإرهاب يتهددونا بها على نحو جدي تماما، وقد استعدوا لتنفيذها - كما شاهدنا فيما بعد – بإمكانيات تمويلية ضخمة، وبكم مرعب من الأسلحة المتطورة ووسائل النسف والتفجير، وبالعناصر الإرهابية المدربة بأيدي محترفين وأجهزة مخابرات من داخل مصر وخارجها، ولو كانت ثورة يونيو انقلابا على ما تزعم الجماعة، لما تلاحمت كل أنسجة وفئات الجسد المصري، في ملحمة نضال وتصد مستبسلة في وجه الموجة الإرهابية الشاملة والمستمرة لسنوات، ولما بذل مئات من شهداءنا الأماجد من الجيش والشرطة أرواحهم عن طيب خاطر فداء للمصريين ودفاعا عن ثورتهم ومستقبلها ومستقبلهم. ورغم جلال ذكر الشهداء لن يفوتني أن أسخر سخرية مستحقة من فهم واستخدام وترويج الجماعة الساذج لمفهوم "الدولة العميقة"، وهو مصطلح حاولوا إشاعته بكل الطرق، رغم أنه مصطلح غير اختصاصي، وربما يعود السبب في ذلك إلى أن بلد المنشأ له هو تركيا التي تبنت مشروعهم وتنظيمهم الدولي الإرهابي في مصر والمنطقة والعالم، استخدم إعلام الجماعة مصطلح "الدولة العميقة" استخداما كاريكاتوريا، كما لو كان يتعلق بوصف تنظيم سري يسيطر على الدولة مثلا (!!)، في حين أنه أصبح ينصرف اصطلاحيا إلى شبكات السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، والتي تعمل على حفظ كيان الدولة ومواجهة التحديات التي تتعرض لها، وحمايتها من الانهيار!!.
- هل تعني أن "حركة تمرد" التي بدأت شرارة الثورة ضد الإخوان لم تحصل على أي دعم من أجهزة الدولة؟
"تمرد" كانت حركة شعبية منذ انطلاقها يوم 26 أبريل 2013 من ميدان التحرير، وكانت أهدافها مستقاة من خبرة المصريين الثورية خلال ثورة 1919، وتمثلت في حملة جمع توقيعات لسحب الثقة من "محمد مرسي"، بعد أن انكشف وضعه المزري كذراع لجماعة الإخوان، وخادم لمخططات الجماعة ومصالح داعميها في الخارج من قصر الرئاسة، وكرئيس حصري لأعضاء جماعة الإخوان فقط، لا رئيسا لكل المصريين، وصلت حملة "تمرد" لجمع توقيعات أكثر من 22 مليون مصري، خرج للشوارع في نهاية الحملة ومع حلول 30 يونيو عدد يفوق الموقعين على استمارة تمرد بنحو عشرة ملايين مصري، ولو افترضنا صحة تصورات الإخوان حول دعم من أجهزة الدولة للحملة، فإن ذلك يعني بشكل حرفي أن الدولة دعمت الأغلبية الساحقة من المصريين عندما طالبت بإنقاذ مصر من حكم عصابة الإخوان، وعقاب كوادرهم على إرهاب الشعب، وبسبب سنوات من الرعب الإسلاماوي عاشها المصريون منذ ثورة 25 يناير إلى لحظة زوال الجماعة وحكمها.
- لكن هناك أمر لافت هو تمكن حملة تمرد من بناء شبكة واسعة غطت مصر كلها بشكل سريع وجمعت ملايين التوقيعات؟
هذا صحيح، فقد انطلقت حملة "تمرد" كشرارة ثورية في المكان والزمان المناسبين تماما، المكان هو ميدان التحرير، ومنه - كما هو متوقع – إلى سائر ميادين المحافظات، وكلها لم تهدأ بها حركة الاحتجاج ضد حكم الإخوان، منذ التفافهم الغادر على ثورة يناير خلال استفتاء 19 مارس 2011، حيث حوّل الإخوان وحلفاؤهم الإسلاميين خصومهم المدنيين في ذلك الاستفتاء إلى علمانيين وكفار وعملاء وملحدين.. إلى آخر قاموسهم التكفيري المعهود، وحولوا الاستفتاء نفسه إلى "غزوة صناديق"، وتهددوا منذ هذه اللحظة فصاعدا معظم فئات المصريين تقريبا بالويل والثبور، من الإعلاميين والمثقفين والصحفيين، إلى القضاة والجيش والشرطة، وحتى رفقاءهم في ثورة يناير من كل التيارات السياسية المدنية، جرى تهديد الجميع بمنطق انتقامي مريض، مشبع بالتكفير وبغرائز العدوان، حوّلت الجماعة مصر كلها تقريبا إلى عدو لها، وهو ما جعل حملة "تمرد" تنحدر ككرة الثلج، من فوق أعلى نقطة في جبل المخاوف والمخاطر الوجودية التي تمثلها الجماعة، ثم راحت تتضخم بكل تطلع المصريين لإنقاذ بلدهم من الخطر الداهم، لتصل بسرعة إلى لحظة يونيو العظيمة.
- السؤال الذي ربما يكون محيرا هو: كيف لم تستشعر الجماعة هذا الوضع الخطير وتحاول تداركه؟
اعتقادي أن الجماعة كانت تستشعر خطورة الوضع، وتستشرف لحظة الانفجار بشكل معقول، لكنها كانت متورطة بما يكفي – وطامعة وفاشلة أيضا بما يكفي – لجعلها لا تحرك ساكنا لتدارك وضعها، هناك الكثير من العلامات والتحذيرات والإنذارات المتلاحقة وجهت للجماعة، لم تأتي من رموز الجماعة الوطنية المصرية فحسب، بل إن الكثير منها أتى من بين حلفاء الجماعة، بل ومن داخل كوادر الجماعة أو "الصف الإخواني" حسب تسميتهم، المدهش حقيقة أننا لو رجعنا للأرشيف الإعلامي خلال تلك الفترة، لن نعدم وجود تسجيل واحد على الأقل لحلفاء ورموز الجماعة أنفسهم، يوجهون فيه نقدا أو تحذيرا من ممارسات للجماعة، ويلفتون نظرها للأخطاء الفادحة التي ترتكبها، وبلغ دوّي تلك الإنذارات المدوية الذروة مع دعوة قيادة القوات المسلحة للفرقاء السياسيين، لاجتماع يقربون فيه وجهات النظر في مقر القيادة، وكان الاجتماع برئاسة الرئيس "عبدالفتاح السيسي" الذي كان فريقا وقتها، دعي للاجتماع الرئيس الإخواني وقبل الدعوة، وكان على وشك الحضور، لولا أن الجماعة نبهت عليه بالرفض في اللحظة الأخيرة (!!). إذا أضفنا لما سبق تنبيهات أكبر حلفاء ورعاة الجماعة الخارجيين في أمريكا والاتحاد الأوربي، من أخطاء سياسية وإدارية خطيرة في ظل أزمة اقتصادية ومالية مستحكمة ومتفاقمة، ولم يزد تحذير الرئيس التركي "أردوغان" كل تلك التحذيرات مصداقية في نظر الإخوان، رغم أنه شغل منذ يناير 2011 موقع المرشد الحقيقي لتنظيم الجماعة الدولي، كانت الجماعة إذن أمام ما يشبه "نفخة الصور" التي توقظ الأموات، لكن الجماعة كانت متورطة في خطايا كارثية، ليس أخطرها التجسس وتسريب أسرار الدولة ومؤسسة الرئاسة، ومتورطة في خدمة شبكة مصالح وتوجهات متضاربة لداعميها الخارجيين، متورطة بأسوأ من تورط الأموات في انتفاخ جثثهم، ولو لم يتدارك المصريون بثورة يونيو أمر وطنهم لانفجرت الكارثة - لا قدر الله - في وجوه الجميع.