مستقبل "داعش" ومخاوف من عمليات استقطاب ممنهجة

الأربعاء 09/يونيو/2021 - 01:46 م
طباعة مستقبل داعش ومخاوف حسام الحداد
 
كان تنظيم "داعش" الإرهابي يظهر بوصفه منظمةً إرهابية قوية منذ الإعلان عن إقامة دولته المزعومة عام 2014، وقد بسط نفوذه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، ورغم أن التنظيم الإرهابي قد تكبد خسائر متتالية قبل أن تنهار "دولته المزعومة" عسكريًّا في مارس 2019 في سوريا، فإن أتباعه لا يزالون حتى الآن يجندون أنصارًا جُددًا؛ لتنفيذ اعتداءات هنا وهناك. 
حيث أكد تقرير  بعنوان  "كيف ترى داعش مستقبلها؟" صادر عن معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (Eu Iss) أن تنظيم داعش الإرهابي لا يزال حيًّا؛ ويمثل خطورة كبيرة رغم هزيمته في سوريا والعراق، وفرار ما تبقى من أعضائه إلى بقاع مختلفة من العالم. فالتنظيم الإرهابي يرى أنه لا يزال لديه الفرصة للعودة من جديد، وخاصة بعد أن نجح في استقطاب (27.000) مجند من الأطفال والمراهقين، وأبناء الإرهابيين وأنصاره، الذين لا يزال بعضهم محتجزًا في معسكرات بسوريا، ومنهم 600 مواطن أوروبي. 
وذكر التقرير أن فقدان "داعش" للأراضي التي كان قد استولى عليها بقوة السلاح في سوريا والعراق لم يضر بأي حال من الأحوال بقوته، أو بموارده؛ حيث استطاع أن يجدد نفسه، وأن يقوم بتحديث روايته المضللة عن "الجهاد"، وأصبح لديه قوى وإستراتيجيات جديدة؛ لتنفيذ الهدف النهائي: أي غزو القارة الأوروبية؛ حيث يوضح التقرير كيف تمكنت التنظيمات الإرهابية من إعادة تكييف نفسها، واستغلال مفهوم "الجهاد" في غير حقيقته التي شُرع من أجلها؛ بهدف التأثير على عقول الشباب واستقطابهم. وهكذا تحول اسم المجلة الإلكترونية لتنظيم داعش الإرهابي في عام 2016 من (دابق) إلى (رومية): أي (روما)، في إشارة من التنظيم إلى أن هدفه الجديد هو مركز المسيحية العالمية.
كما قام "آلان دنكان" الوزير البريطاني السابق لشؤون أوروبا والأمريكتين بعمل فيلم وثائقي عن زيارته لمخيم "الهول" للاجئين في سوريا الذي يُعرف باسم "رحم تنظيم داعش الإرهابي"، ويضم عددًا من أطفال ونساء التنظيم. ويظهر في الفيلم الوثائقي بعض الصِبية في العاشرة من العمر وهم يتباهون بإظهار روح القتال أمام الكاميرات. وعند سؤالهم عن معنى هذه الإشارات يجيبون قائلين: "إنها تعني أن تنظيم داعش لا يزال على قيد الحياة، وأننا نريد أن نحارب المرتدين"! كما تبرز الكاميرات امرأة ترتدي برقعًا أسودَ تقول: "أريد أن يكون أطفالي مجاهدين؛ ليقاتلوا الكفار"!!
وفي مارس 2021، أشار تقرير للحكومة البريطانية إلى زيادة تعرُّض الأطفال خلال الأشهر الـ (12) الماضية لتجنيد تنظيم داعش الإرهابي عبر الإنترنت بنسبة تصل إلى (7٪) مقارنة بعام 2020. ومن ثَمَّ، أكد تقرير معهد الاتحاد الأوروبي أن المنظمات الإرهابية مثل "داعش" وغيرها تعمل بصمت وبلا كلل، مشيرًا إلى أنه لا ينبغي الاستهانة بـ (27.000) شاب، معظمهم من أبناء الميليشيات الذين وُلدوا في أراضي الدولة المزعومة، وترعرعوا وسط المعارك التي خاضها التنظيم، كما أكد التقرير أنه حتى لو كانت الغالبية العظمى من القُصَّر، فإن هذا لا يعني تلقائيًّا أنهم أبرياء، أو لديهم نوايا بريئة؛ لأن المبدأ الذي يتمسك به معظمهم هو الحياة في ظل تنظيم "داعش" الإرهابي.
ويؤكد مرصد الأزهر أن الاهتمام بالأطفال ليس بالأمر الجديد؛ فقد درَّب تنظيم داعش الإرهابي الأطفال خلال فترة قوته، واستخدمهم جواسيس أو مفجرين انتحاريين. ففي يوليو 2019، فجَّر طفل يبلغ من العمر (13) عامًا نفسه خلال حفل زفاف في إقليم "ننجرهار" بشرق أفغانستان، ما أسفر عن مقتل (5) أشخاص، وإصابة (40) آخرين. وتم تصوير هذا المشهد وترويجه بشكل دعائي لصالح التنظيم الإرهابي، في إساءة بشعة للإنسانية وروح الطفولة البريئة.
وقد أدانت الأمم المتحدة في عام 2006 وجود (250.000) طفل تم تجنيدهم في جميع أنحاء العالم للقتال في 20 صراعًا تقريبا. وفي ذلك الوقت كان تنظيم "داعش" الإرهابي مجرد فكرة، ثم بنى التنظيم نفسه، وفي وقت قصير كان لديه بالفعل في الأشهر الأولى من عام 2015 أكثر من (1,500) طفل يقاتلون على خط المواجهة، وأكثر من (1000) طفل آخر تم تدريبهم كانتحاريين.
إذن فالأمر الأكثر خطورة في تجنيد تنظيم "داعش" الإرهابي لعدد (27,000) شخص يكمن في أن المجندين من ذوي الأعمار الصغيرة. وهذا يعني أن التنظيم الإرهابي يتخذ إستراتيجية جديدة من شأنها أن تجذب وتستقطب أطفالًا أكثر للتنظيم، من الممكن أن يقوموا بهجمات أقل فتكًا، ولكنها أكثر تكرارًا. وللأسف الشديد فإن برامج مكافحة التطرف وإجراءات الوقاية منه ليست مصممة خصيصًا للأطفال، كما أن الأمر لا يتعلق بالمجندين الجُدد من الأطفال فحسب، ولكن يتعلق أيضًا بالموارد؛ حيث يمتلك التنظيم ما يقرب من (300) مليون دولار نقدًا. 
في الحقيقة لم يعد السؤال: كيف استطاع تنظيم "داعش" الإرهابي تجنيد كل هذا العدد من الأطفال، ولكن السؤال: متى سيشن تنظيم داعش الإرهابي هجماته المقبلة؟
ففي السنوات الماضية كانت مشاركة الأطفال تقتصر على الدعاية للتنظيم والتفاخر به بشكل شبه يومي؛ حيث تجد الأطفال حاضرين دائمًا في سياقات متعددة، مثل حضورهم عمليات الإعدام، وتواجدهم في معسكرات التدريب وحملات الدعوة وغير ذلك.
وعليه يحاول معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (Eu Iss) في تقريره "كيف ترى داعش مستقبلها؟" أن يضع السياسة الأوروبية في حالة تأهب؛ حيث يقول التقرير: «سيتعين على أوروبا الاستعداد لمزيد من الهجمات، ويجب على صانعي السياسات مراعاة الاعتبارات التالية كطريقة لإدارة الوضع:
أولًا: القبول بأن بقاء تنظيم "داعش" الإرهابي ليس مشروطًا بوضعه كدولة أولية.
ثانيًا: على الجميع تطوير إستراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى الحد من آثار التجنيد في أوروبا.
ثالثًا: الاستعداد للهجمات على أهداف يسهل استهدافها مثل السكك الحديدية والطرق السريعة.
لذلك يشدد مرصد الأزهر على ضرورة مواصلة الجهود الدولية لمكافحة هذا الوباء الخبيث، كما يدعو المرصد إلى تضافر هذه الجهود بين جميع الدول عسكريًّا وفكريًّا، وتعظيم وتفعيل دور المؤسسات الدينية المعتبرة في هذه المكافحة، ودعم برامج التأهيل والإدماج لهؤلاء الشباب والأطفال، واستخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك؛ فخطر الإرهاب البغيض ليس مقصورًا على أوروبا وحدها، فقد كانت الدول العربية والإسلامية أكبر المتضررين منه، كما يقول فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: "من الضروري أن يكون المسؤولون في أوروبا قد اقتنعوا وأدركوا بأن هذا الإرهاب لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، فالمسلمون هم أول ضحايا الإرهاب وبلادنا ضحية للإرهاب واقتصادنا يتضرر بسبب الإرهاب، وهذا الإرهاب موجود بين أتباع كل دين ونظام".

شارك